متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل العاشر
الكتاب : الفضيلة تنتصر    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات
كانت سعاد تعيش في دوامة من الانفعالات وكان اهم ما يشغل أفكارها هو تخطيط أساليب الانتقام من ابراهيم ، ومن قيمه ومفاهيمه ، فهي تشعر بنار الحقد والنقمة تنهش صدرها نهشاً فتحرمها من الراحة والاستقرار...
وكان محمود قد تمادى خلال الآونة الأخيرة في تجاهلها ، وبالسير وراء نزواته ونزعاته ولكنها لم تكن تولي ذلك أي أهمية ، فهي واثقة من أنها تتمكن وبسهولة أن تخضعه لها متى شاءت .. فلم يكن انصرافه هذا إلا لاهمالها الكلي له في هذه الأسابيع .. وكانت تستعرض في ذهنها أشكالاً من أساليب الانتقام.
وفي ليلة أرقت ، وهي تفكر في خطة ناجحة تسلك بها طريقاً نحو الانتقام ، فقد كانت شخصية نقاء تقف حائلاً أمامها دون أغلب الخطط ، وفي تلك الليلة ظنت أنها قد توصلت أخيراً إلى أضمن طريقة توصلها إلى ما تريد ، ونامت على أمل راسخ في النجاح ... وفي الصباح كان عليها أن تقوم بأول أدوار خطتها تلك .. وهو الالتفاف مؤقتاً نحو


( 102 )

محمود ... فقرعت الجرس واستدعت سنية لتساعدها على الاستحمام ، وبعد أن أتمت ذلك ، تلفعت بثوب حريري شفاف ، وصففت شعرها باتقان ، واختارت من مجموعة عطورها أعذبه رائحة ، وأقواه تأثيراً ... وكانت سنية لا تزال واقفة في ركن الغرفة تتابع حركاتها باهتمام بالغ ... وأكملت سعاد زينتها ، وألقت على مرآتها نظرة رضاء ... لم يفت سنية ملاحظتها أيضاً .. ثم توجهت نحو باب الغرفة ، فابتدرتها سنية قائلة في دهشة :
ـ هل أن سيدتي تنتظر ضيوفاً في هذا الصباح ؟!
وضحكت سعاد ضحكة قصيرة وقالت :
ـ وهل تظنين أني أستقبل ضيوفي بـ ( الروب ) ؟!
وردت سنية بجرأة قائلة :
ـ إذن فإلى أين أنت ذاهبة ؟
ولم تلتفت نحوها سعاد ، وقالت وهي تفتح باب الغرفة :
ـ أنا ذاهبة إلى محمود ...
ثم أغلقت خلفها الباب ، وخلفت سنية وحدها في الغرفة ، وهي تكاد تنفجر غيرة وحنقاً ... وأحست سعاد بمرارة لا تفوقها مرارة ، إذ وجدت أنها قد أصبحت أخيراً وهي غريمة لسنية ، وصيفتها من قبل ... وكأن لسنية الحق


( 103 )

الأول في محمود ، وودت لو تمكنت من الفرار من هذا الجحيم الذي أضحت تعيشه في بيتها ، ومن الذلة التي أخذت تستشعرها وهي ربة هذا البيت ، ولكنها لم تكن تتمكن من الفرار وبريق الذهب يلمع أمام عينيها فيه ، ورنين المال يشنف أسماعها في أرجائه ، وبلغت غرفة محمود فقرعت الباب بخفة ، ثم أدارت أكرة الباب وهي تقول :
ـ هل تسمح لي بالدخول ...؟
ولم تنتظر جواب محمود ، فدخلت بعد ان طبعت على وجهها بسمتها الكاذبة ... التي طالما استطاعت أن تخدع بها الرجال ... وكان محمود يتهيأ للخروج ولكنه عدل عن ذلك بعد دخول سعاد ، ورنت سعاد نحوه بدلال وهي تقول :
ـ لعلني لم أثقل عليك يا محمود ...؟
ـ آه ... أنت تثقلين عليّ يا سعاد ...؟
ـ أقصد إذا كان لديك أي موعد هام ...
ـ أبداً ... فأنت أهم عندي من كل شيء. ولو لا جفاؤك لما ارتبطت بأية مواعيد ...
ـ شكراً يا محمود ! أنت طيب القلب ... نعم وأنت رحيم.
كانت سعاد جادة فيما تقول ، فهي تعلم أن زوجها رجل طيب في الواقع ، ولكنه كان ضائعاً بين أكداس الثروة ، ولم


( 104 )

يكن يتمكن بينها من تشخيص طريقه في الحياة ، وقد وجهته هي إلى الناحية التي تريدها ، والتي تحقق لها حريتها الكاملة المدعومة بأمواله ... وها هي الآن في طريقها إلى توجيهه وجهة جديدة . تساعدها على تحقيق غايتها الانتقامية.
وأخذت تجاذبه أطراف الحديث ، وتنقل له بعض الحوادث والأخبار ، وجرت الحديث إلى بعض أصدقائهما.. إلى أن قالت :
ـ ... وقد بلغني أن صراعاً عنيفاً قائم الآن ، بين صاحبنا سعيد وبين الممثل سليم ...
وسكتت فلم تتابع ما قالته ، فسألها محمود قائلاً :
ـ حول أي شيء هذ الصراع يا سعاد !
ـ إنه صراع سوف يخسر فيه الممثل سليم بلا ريب ، فإن عند سعيد من المال ما يؤكد له الفوز على غريمه.
وهنا بدأ الاهتمام واضحاً على وجه محمود ، فإن ذكر المال يغريه بمتابعة في الحديث ، وقال في تأكيد :
ـ المال ... نعم ، أنا أعتقد دائماً أن المال يصنع المعجزات ولكنك لم تخبريني عن ماهية الصراع بعد ...
ـ إنه حول امرأة يا محمود !
ـ حول امرأة ! وأي امرأة هي هذه يا سعاد !
ـ إنها آية في الجمال يا محمود ! وكأن خالقها قد أبدع


( 105 )

تكوينها ، لتكون نموذجاً للجمال في العالم ، وهي فتاة لم تتجاوز العشرين بعد ...
ـ آه !...
ـ نعم ، ولكنها بعيدة المنال ...
ـ وكيف !؟
ـ قبل سنتين سبق وأن تخاصم عليها ثلاثة رجال ، كان لكل منهم المال والشباب ، ولكنها تجاهلتهم ، واختارت رابعاً يفوقهم ثراء.
ـ فهي متزوج إذن...
ـ لا ... لم يكن ذاك سوى مجرد صديق ، وقد خاصمته منذ مدة وجيزة.
ـ ولماذا ؟!.
ـ لا أعلم ، لعلها تاقت إلى ثراء أكثر ، ولذلك فأنا واثقة من أن سعيداً هو الذي سوف يفوز بها دون سليم.
هنا سكتت سعاد برهة ، لاحظت فيها أن محمود أخذ يفكر فيما قالته .. وبعد لحظات أردفت قائلة :
ـ ومن المضحك أنهما لا يصرحان لبعضهما عما يعرفان عن الآخر ، فكل منهما يتجاهل سعي الآخر للوصول إلى هذه الفتاة ، كما أن كلاً منهما ينفي معرفته لها على الاطلاق ، لكي لا يثير حوله الشبهات التي تشجع الثاني على تشديد الاغراء.


( 106 )

وخرجت الكلمات متقطعة من فم محمود ، وهو يسأل في لهفة :
ـ أين اتفق لهما أن رأياها يا سعاد ؟!
وفهمت سعاد أنها قد أصابت من زوجها هدفاً ، فأجابته :
ـ لست أدري بالضبط يا محمود ! ولكن الذي أعلمه أن صاحبتهما هذه لها أساليب خاصة في المساومة ... فهي مرة تدعي أنها متزوجة ولها زوج وهي سعيدة به .. ومرة تتلبس بمسوح الدين ، وتتظاهر بالتزام جانب الفضيلة والاحتشام ... ولكنها متى ما وثقت من ثراء صاحبها وتفانيه في حبها ، خلعت عنها أبراد الخداع وبدت على واقعها الساحر.
واستغرق محمود في تفكير عميق .. نهضت على أثره سعاد ، واستأذنت للانصراف ، ولم يشأ محمود أن يستبقيها اكثر من ذلك فقد كان كلامها عن الفاتنة العزيزة المنال قد أخذ عليه جميع أفكاره ولم يفت ذلك على سعاد ، فانصرفت عنه ، وهي واثقة من أن سهمها قد أصاب مرماه من دون جهد.. ثم دخلت غرفتها ، وألقت بنفسها على الكرسي ، وهي تحدث نفسها قائلة : أنا لن أخسر شيئاً من ذلك على كل حال ، فسيان عندي خلف أي غانية ركض محمود ، ولكن الفرق أن غوانيه الآخريات لا يحققن لي غاية ، وأما هذه التي أحاول أن أدفعه نحوها فسوف تحقق لي بانصياعها إليه أسمى


( 107 )

هدف لي ، وهو الانتقام ... نعم ، الانتقام من ابراهيم ومن مثله ومفاهيمه ، وبعد أن تتحقق غايتي الانتقامية سوف استطيع بسهولة ... أن أرده إلي متى شئت ... فلن يخضع كبرياء تلك الفاتنة ... غير أموال محمود ، فليس من الممكن أن توجد امرأة لا يغشى عينيها بريق الذهب ، ولا يطربها رنين المال ، وليست نقاء سوى واحدة من النساء ... إن جميع مفاهيم ابراهيم ومثله لن تتمكن من الوقوف أمام تيار الذهب الذي يتدفق من يد محمود ، أنا لن أتمكن أن أجرها إلى الحفلات ، أو أن أدل عليها الرجال ولكني أتمكن أن أرشد إليها محموداً على الأقل...
واستمرت سعاد تحدث نفسها قائلة :
... ولا يهمني أكانت سنية غريمتي أم نقاء بل أنها لن تكون غريمتي مطلقاً .. فما دامت أموال محمود بين يدي فلن أشعر بغيرة أو مرارة . فشخص محمود لا يعني عندي شيئاً على الاطلاق . ولعلني أتمكن أن أستفيد من شخصه التافه إلى هذا المضمار... إن نقاء فتاة إنطوائية لم يسبق لها أن سمعت كلمة غزل ، أو لاحظت نظرة إعجاب ، ولذلك فأنا على ثقة من أنها سوف تنهار أمام اغراءات محمود ، إنها بدأت تنعدم على زواجها منذ الآن. وكان سكوتها على حديثي في المرة الأخيرة أحسن دليل على ذلك ، لقد نفذت إلى فكرها كلماتي وأفكاري ، وسوف لن أتراجع حتى أسكب فيها جميع


( 108 )

روحياتي ، وادلها على اتجاهاتي في الحياة ، سوف أعرف كيف أرفع عنها هذا القناع الذي ألبسها إياه إبراهيم... ولكن عليّ الآن أن أتعرف إلى الأماكن التي تؤمها ، والرياض التي تتنزه فيها .. نعم عليّ أن أراقب ذلك إلى حين سفر إبراهيم فما دام هو قريباً منها لن أتمكن أن أعمل أي شيء ، فقد استحوذ عليها بسحره ، وهو الساحر المتمكن الذي يخضع له كل قلب حتى قلبي ... نعم حتى قلبي!.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net