متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل الثاني عشر
الكتاب : الفضيلة تنتصر    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات
 كان موعد سفر إبراهيم قد تحدد في صباح يوم الأربعاء ، ولم يكن قد بقي على رحيله سوى يومين ، ومنذ أيام مضت لم تعد سعاد تتصل بنقاء ، لكنها في صباح ذلك اليوم اتصلت بها تلفونياً بحجة أنها كانت عند الخياطة ، وقد كلفتها أن تخبر نقاء بطلب حضورها لعمل ( البروفة ) فشكرتها نقاء ولم تزد على ذلك ، ولكن سعاد قالت لها أنها سوف تذهب مبكرة للخياطة ، وهي مستعدة لاصطحابها معها ، فلم يسع نقاء إلا أن ترد عليها بأنها لا تتمكن أن تذهب خلال هذين اليومين لأجل قرب موعد سفر إبراهيم . واهتمت سعاد بالخبر واستفهمت منها عن موعد السفر وساعته.. ثم كررت عليها استعدادها لايصالها إلى الخياطة في أي وقت رغبت ، وأنهت المكالمة... انتبهت نقاء إلى أن حكاية الخياطة لم تكن سوى ذريعة لاتصال سعاد بها ، فقد كانت الخياطة تتصل بها تلفونياً في كل مرة لتطلب حضورها عندها ، ولكنها كانت في شغل عن التفكير في سعاد وما يدور حولها.. وفي صباح يوم الأربعاء استيقظت نقاء بعد ليلة لم تنم منها إلا القليل ،


( 116 )

وتناولت فطورها على عجل ، وأخذت تستعد للذهاب إلى المطار ، وفي تمام الساعة الثامنة والنصف وصل إبراهيم ليصحبها معه إلى المطار ، فقد اتفقوا على أن تذهب إلى المطار بصحبة إبراهيم ، ويلتحق بها أبوها هناك ، لتعود معه إلى البيت . وركبت السيارة إلى جوار إبراهيم ، وهي ساكتة مطرقة تتحاشى نظرات إبراهيم كي لا يقرأ ما يعتلج في قلبها من أحاسيس ولم تشأ أن تتكلم لئلا يخرج صوتها متهدجاً... وشعرت أن إبراهيم يلتفت إليها بين حين وحين... ويحاول تسليتها بأحاديث عن المستقبل وعهد اللقاء السعيد... وفي المطار كانت تبذل جهداً كبيراً كي تخفي عن إبراهيم ما تعانيه من آلام الوداع ، وظنت أنها نجحت في ذلك ، إلا أن إبراهيم لم يغب عنه ما تقاسي منه نقاء ، فقد قال لها بعد الوداع :
ـ أنا أعرف أنك تبذلين جهداً كبيراً لأجلي يا نقاء ، وهذا ما سوف يجعلني وجلاً عليك ، ولكن تصبري واجهدي في الدعاء لنا بالتوفيق ، وتذكري عودتي ، وافرحي لساعة اللقاء. تصوري أن لديك عزيزاً طال به السفر ، وسوف يعود بعد أشهر ثلاث ، لا تفكري أن هذا بداية الفراق ، بل فكري أن اللقاء سوف يكون قريباً بإذن الله.
شعرت نقاء وهي ترى إبراهيم يصعد سلم الطائرة... إنها سوف تضعف أمام ضغط انفعالاتها ، وكادت أن تسقط


( 117 )

لولا أن يداً رحيمة قد أسندتها من الخلف ، ولم تحاول أن تلتفت لترى من يكون هذا الذي أسندها إلى صدره ، فقد عرفت أنه أبوها لا أحد غيره... وأجلسها أبوها على أحد الكراسي لمدة وجيزة ، ثم صحبها إلى خارج المطار ، وكانت تستند على ساعد أبيها ، وهي تسحب قدميها بتعب وإعياء... ساعدها أبوها على ركوب السيارة وتوجه معها نحو الدار ، وفي الطريق شعر أبوها أنها تعاني الكثير من سفر إبراهيم ، فحاول أن يتكلم في أي شيء ، لكي يخرج بها عن بعض أفكارها وانفعالاتها ، فقال :
ـ كان هناك في خارج المطار رجل فضولي وكان همه منحصراً في إلقاء النظرات على الرائحين والغادرين ، وقد لاحظت أنه كان يطيل النظر الى السيدات.
ولم تتمكن نقاء أن تتجاهل كلام أبيها فردت عليه قائلة :
ـ إن الدنيا تزخر بأمثال هذا الرجل من التافهين الفضوليين وما الذي يعنينا منه يا أبتاه ؟.
ـ لا شيء مطلقاً ولكن نظراته أزعجتني كثيراً.
ـ إن نظراته لم ولن تؤثر علينا يا أبتاه ، فمن حقه أن نرثي لأجله ، لا أن ننزعج منه ، فأمثال هذا من الرجال هم أجدر البشر بالرثاء ، إذ يحرمون شبابهم ويبددون طاقاتهم بأفعالهم الصبيانية.


( 118 )

ولكنهم لا يشعرون بالهاوية التي يجرهم إليها هذا السلوك.
ـ نعم أنه مخدوعون.
واكتفت نقاء بهذا القدر من الكلام ، فلم تزد شيئاً. وفي البيت كانت أمها تنتظرها بفارغ صبر ، فألقت بنفسها في أحضان أمها ، وهناك فقد أطلقت لدموعها العنان...

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net