متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
سير عملية الشورى وما أفرزت من تناقضات
الكتاب : المقداد بن الأسود الكندي ، أول فارس في الإسلام    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

 

سير عملية الشورى وما أفرزت من تناقضات

 جمع المقداد أعضاء الشورى الستة في بيت ، بينما وقف أبو طلحة الأنصاري على الباب ومعه خمسون رجلاً متقلدي سيوفهم تنفيذاً لوصية عمر . أما عبد الرحمن بن عوف فقد أمضى أياماً ثلاثة يشاور الناس في أمر الخلافة .
 وأقبل الناس نحو المسجد يتدافعون إلى جهة الباب ، وهم لا يشكون في مبايعة علي بن أبي طالب .
 وكان هوى قريش كافة ـ ما عدا بني هاشم ـ في عثمان ، وهوى طائفة من الأنصار مع علي ، وهوى طائفةٍ أخرى مع عثمان ـ وهي أقل الطائفتين ـ وطائفة لا يبالون أيهما يبايع .(1)
 وقام كل واحد من الستة يدلي برأيه على مسمع الآخرين ـ كما ذكر الطبري ـ في خطبة يستهلها بالحمد والثناء على الله ، حتى قام علي عليه السلام فقال :
 الحمد لله الذي إختار محمداً منا نبيّا ، وإبتعثه إلينا رسولا ، فنحن أهلُ بيت النبوّة ، ومعدنُ الحكمةِ ، أمانٌ لأهل الأرض ، ونجاةٌ لمن طلب ، إنّ لنا حقاً إن نُعطَهُ نأخذه ، وان نمنعه نركب أعجاز الإِبل (2) وإن طال السرى ! لو
____________
1 ـ شرح النهج 9 / 52 .
2 ـ قوله عليه السلام : نركب أعجاز الإِبل ، كناية عن المعاناة والمشقة ، فهو يحتمل أحد تفسيرين ، الأول : إن نُمنعه : نصبر على المشقة كما يصبرعليها راكب عجز البعير . والثاني أن نمنعه نتأخر ونتبع غيرنا كما يتأخر راكب البعير عن مردفه .


(154)

عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله عهداً لأنفذنا عهده ، ولو قال لنا قولاً لجالدنا عليه حتى نموت . لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق ، وصلة رحم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (1) .
 إسمعوا كلامي ، وعوا منطقي ، عسى أن تروا هذا الأمر بعد هذا الجمع تنتظى فيه السيوف ، وتخانُ فيه العهود ، حتى لا يكون لكم جماعة ، وحتى يكون بعضكم أئمةً لأهل الضلالة ، وشيعةً لأهل الجهالة .
 إنتهى كل واحد من كلامه ، وخيّم سكون مملٍ ، بينما كان الصخب يملأ أرجاء المسجد ، والهتاف يتعالى معلناً إسم علي تارةً واسم عثمان أخرى ، مما دفع بالأربعة الباقين أن يتخذوا القرار المناسب في حق أنفسهم فيدلي كل واحد منهم بصوته إلى عثمان أو علي ؛ لأنهم علموا أن الناس لا يعدلوهم بهما ، ولأن عبد الرحمن فرض نفسه من أول الأمر كمنظم لهذه الشورى ومدير لها ، سيما وأن عمر ألمح إليه بأن الخلافة لا تصلح له ، حين قال له : « وما زهرة وهذا الأمر ! »
 إذن ، كان الناس فريقان ، فريق يريدها لعلي ، وهو الفريق الممثل بالمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر . وفريق يريدها لعثمان ، وهو الفريق الممثل بابن أبي سرح وابن أبي المغيرة ؛ وتعالت الأصوات في هذا الحال ، كل فريق ينادي باسم صاحبه .
 أقبل المقداد بن الأسود على الناس ، فقال : أيها الناس ، إسمعوا ما أقول ، أنا المقداد بن عمرو ، إنكم إن بايعتم عليّاً سمعنا وأطعنا . وان بايعتم عثمان سمعنا وعصينا ! » .
 فقام عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي ، وقال : « ايها الناس ، إنكم إن بايعتم عثمان سمعنا وأطعنا ، وان بايعتم عليّاً سمعنا وعصينا . . » .
____________
1 ـ شرح النهج 1 / 195 .


(155)

 فانتفض المقداد ورد عليه فقال : « يا عدُو الله ، وعُدو رسوله ، وعدُو كتابه ، ومتى كان مثلك يسمع له الصالحون ! » ؟
 فقال له عبد الله : يابن الحليف العسيف ، ومتى كان مثلك يجترئ على الدخول في أمر قريش !
 وصاح عبد الله بن أبي سرح : « أيها الملأ ، إن أردتم أن لا تختلف قريش فيما بينها ، فبايعوا عثمان . » .
 فنهض عمار بن ياسر وقال : « إن أردتم أن لا يختلف المسلمون فيما بينهم فبايعوا عليّاً » . ثم أقبل على ابن أبي سرح وقال له : يا فاسق يا ابن الفاسق ، أأنت ممن يستنصحه المسلمون أو يستشيرونه في أمورهم ! »
 فتكلم بنو هاشم وبنو أمية ، فقام عمار فقال : أيها الناس ، إن الله اكرمكم بنبيه وأعزكم بدينه ، فالى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم ! » (1) .
 كانت أصوات الفريقين تعجل في حسم الأمر خوفاً من وقوع الفتنة ، فتقدم طلحة فأشهدهم على نفسه أنه قد وهب حقه من الشورى لعثمان .
 فقال الزبير : وأنا أشهدكم على نفسي أني قد وهبت حقي من الشورى لعلي .
 فقال سعد بن أبي وقاص : وأنا قد وهبت حقي من الشورى لابن عمي عبد الرحمن . (2)
 وسكت عليٌّ وظل عثمان ساكتاً ، وأسفرت الجولة الأولى عن رجحان بين لعبد الرحمن ، لقد ملك صوتين كعلي وعثمان ، وزاد عليهما بأن صوته يعادل
____________
1 ـ شرح النهج 9 / 52 .
2 ـ شرح النهج 1 / 187 ـ 188 .


(156)

صوتين ، فهو حتى الآن مركز الثقل حقاً .
 ترى ، أيضم صوته لنفسه فيخرج على خطة عمر القائلة : « وما زهرة وهذا الأمر ؟ » أم يمضي الى أمر عمر وخدمة صهره ؟ أم يعدل عن هذا كله ويتجه الى علي صاحب الأمر في عقيدة الكل ؟
 كان الرجل ساكتاً أيضاً ، وكان يدير في فكره لفتةً بارعةً ، لا ندري أهي من بناته أم من محفوظاته ؟ ولكنها بارعةٌ في كل حال . (1) فقد التفت إليهما وقال :
 أيكما يخرج نفسه من الخلافة ويكون إليه الإختيار في الإثنين الباقيين ؟ فلم يتكلم منهما أحد . فقال عبد الرحمن : أشهدكم أنني قد أخرجت نفسي من الخلافة على أن أختار أحدهما (2).
 ومن براعة لفتته أنه لم يلتفت إلى عثمان ، بل التفت الى علي فقال له : أمدد يدك أبايعك على العمل بكتاب الله ، وسنة رسوله ، وسيرة الشيخين .
 فيقول علي : بل على العمل بكتاب الله ، وسنة رسوله ، وأجتهاد رأيي .
 فيلتفت آنذاك عبد الرحمن إلى عثمان فيذكر له شروطه الثلاثة ، فيقرها عثمان .
 ثم لا يعجل عبد الرحمن ، فيسرع إلى بيعة أخي زوجه من أول مرة ، فهو مطمئن إلى ان علياً يرفض الخلافة بغير شرطه هو ، لأنه لا يناقض نفسه ، ولا يسر حسواً في إرتغاء . ومن أجل هذا إستأنى عبد الرحمن وكرّرَ عرضه على عليّ الذي أباه ثلاث مرات ! ثم نهض وعبد الرحمن يَصفِق على يد عثمان
____________
1 ـ حليف مخزوم 175 .
2 ـ شرح النهج 1 / 188 .


(157)

بالبيعة . (1) ويقول له : السلام عليك يا أمير المؤمنين .
 وهنا يلتفت علي إلى عبد الرحمن ، فيقول له : والله ما فعلتها إلا لأنك رجوتَ منه ما رجا صاحبكما من صاحبه . دَقّ الله بينكما عِطر مَنشِم . » (2)
 وقد عبر علي بن أبي طالب عن عدم رضاه عن هذه النتيجة ، وتسليمه بالأمر الواقع ، قائلاً .
 « لأُسَلِمّنَّ ما سلمت أمور المسلمين ، ولم يكن فيها جورٌ إلا عليّ خاصة » (3)
 وفي رواية الطبري : أن علياً عليه السلام قال حين بويع عثمان : ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا ، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ؟ والله ما وليته الأمر إلا ليردّهُ إليك ، والله كل يوم في شأن .
 فقال عبد الرحمن : لا تجعل على نفسك سبيلاً يا عليّ ـ يعني أمرَ عُمر أبا طلحة أن يضرب عُنق المخالف ـ فقام علي عليه السلام فخرج ، وقال :
____________
1 ـ حليف مخزوم 175 .
2 ـ شرح النهج 1 / 188 .
قال الأصمعي : منشم إسم امرأة كانت بمكة عطارة وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيبوا من طيبها ، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم ، فكان يقال : أشأم من عطر منشم ، فصار مثلاً . وقال أبو هلال العسكري في كتاب ( الأوائل ) ، استجيبت دعوة علي عليه السلام في عثمان وعبد الرحمن فما ماتا إلا متهاجرين متعاديين . . ولما بنى عثمان قصر طمار بالزوراء وصنع طعاماً كثيراً ودعا الناس إليه ، كان فيهم عبد الرحمن . فلما نظر للبناء والطعام قال : يابن عفان ، لقد صدّقنا عليك ما كنا نُكذّب فيك ، واني استعيذ الله من بيعتك ، فغضب عثمان وقال : اخرجه عني يا غلام ، فاخرجوه وأمر الناس أن لا يجالسوه ، فلم يكن يأتيه أحد إلا ابن عباس ، كان يأتيه فيتعلم منه القرآن والفرائض ، ومرض عبد الرحمن فعاده عثمان وكلمه ، فلم يكلّمه حتى مات . شرح النهج 1 / 196 .
3 ـ ثورة الحسين / 34 .


(158)

سيبلغ الكتاب أجلَهُ .
 فقال عمار : يا عبد الرحمن ، أما والله لقد تركته ، وانه من الذين يقضون بالحق وبه كانوا يعدلون .
 وقال المقداد : تالله ما رأيت مثل ما أُوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم ، واعجباً لقريش ! لقد تركت رجلاً ما أقول ولا أعلم أن أحداً أقضى بالعدل ، ولا أعلم ، ولا أتقى منه ! أما والله لو أجد أعواناً .
 فقال عبد الرحمن : إتق الله يا مقداد ، فإني خائف عليك الفتنة .
 لكن عليّاً عليه السلام إلتفت نحو المقداد وعمار ، وقال ، مسلياً ومهدئاً لهما :
 « اني لأعلم ما في أنفسهم ، إن الناس ينظرون إلى قريش ، وقريش تنظر في صلاح شأنها ، فتقول : إن وليَ الأمر بنو هاشم لم يخرج منهم أبداً ، وما كان في غيرهم فهو متداول في بطون قريش » (1).
____________
1 ـ شرح النهج 1 / 194 .


(159)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net