متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الخاتمة
الكتاب : الفضيلة تنتصر    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات
وفي صباح يوم الأربعاء كانت نقاء تقف في المطار وهي تنتظر وصول الطائرة التي تقل إبراهيم ، وكان لدى استقباله عدد كبير من أصحابه وأصدقائه ، وقبل وصول الطائرة بقليل وصل محمود وكان بادي الارتباك لعدم معرفته بأحد من المستقبلين ... وبدت في الأفق الطائرة التي تقل ابراهيم وبعد دقائق حطت على أرض المطار ... ونزل منها إبراهيم وقد علت وجهه ابتسامة عريضة ، وحيي بيديه مستقبليه ، ثم توجه نحو الجمارك ، وهنا تقدم محمود ناحية نقاء وسألها قائلاً :
ـ أتظنين أن وجودي سيغضبه يا نقاء ؟
ـ على العكس ، فهو سيسر لمرآك وسيسعده أن يجدك في استقباله كأخ ...
ووصل إبراهيم فصافح مستقبليه بحرارة ، وكانت نظراته المعبرة تحمل لنقاء معان كثيرة ، أغنته عن البيان ، وتولت نقاء تعريف محمود فقالت :
ـ إنه السيد محمود الذي حدثتك عنه في رسائلي.


( 220 )

ـ فصافحه ابراهيم مرة أخرى وهو يقول :
ـ تشرفنا يا أخي محمود ، لقد حدثتني نقاء عنك كثيراً ...
وعلت حمرة الخجل وجه محمود ، فلابد أن تكون نقاء قد كتبت لابراهيم عن كل شيء ، ماضيه وحاضره ... وعند باب المطار تقدم محمود طالباً من إبراهيم السماح له بإيصالهم إلى البيت ، فتلقى إبراهيم عرضه بسرور ، ولأول مرة ركبت نقاء سيارة محمود ، ولكن في صحبة إبراهيم ... ومضى محمود يقود سيارته ببطء ، وبعد مدة قصيره التفت إلى ابراهيم وقال :
ـ أتعلم يا دكتور ! أن الأخت نقاء قد اخرجتني من الظلمات إلى النور ، ورفعتني من حضيض الخطيئة إلى أفق الفضيلة ...
ـ دعك من هذا يا أخي ، فهي لم تقم إلا بواجب مقدس يفرضه دينها ، ويدعوها إليه شعورها الانساني ، دع الماضي يذهب في سجل التوبة ...
ـ نعم وأنا أحاول ذلك جاهداً ، وسوف يتسنى لي هذا بعد أن تخلصت نهائياً من سعاد.
ـ سعاد !
ـ نعم ، سعاد زوجتي السابقة ، التي كانت السبب غير


( 221 )

المباشر لهدايتي الى مطلع النور ، كانت تقدر أنها تبعثني نحو الظلام ، ولكن النور هو الذي كان ينتظرني هناك.
وهنا أردفت نقاء قائلة :
ـ أنا لم أزل أجهل الكثير يا سيدي ! فلم أفهم حتى الآن الداعي الذي دعا سعاد إلى تلك المناورة مع أنها ...
ثم سكتت نقاء ، فلم تكمل جملتها.
ولكن إبراهيم كان يتابع كلماتها باهتمام ، فلما سكتت سألها في لهفة :
ـ مع أنها ماذا ؟
ـ فقد خيل له ـ إلى ابراهيم ـ أن سعاد هذه ليست سوى سعاد بنت خالة نقاء ، وجاءه جواب نقاء مؤكداً لظنه :
ـ مع أنها بنت خالتي !
ـ آه ، وهل أساءت إليك إساءة شخصية سعاد هذه ؟
وهنا تولى محمود الجواب فقال :
ـ انها لم تسىء إليها مطلقاً ، وإن حسبت أنها تسيء ، فإن لدى السيدة نقاء جيوشاً تقيها شر سعاد وأمثال سعاد ، إن سعاد هي التي دفعت بي نحوها لأخطىء ، فجعلني كما لها أتطلع نحو الكمال ، ولكن لم أتمكن أن أفهم لحقدها الاسود هذا سبباً.


( 222 )

وهنا أردفت نقاء قائلة :
ـ ولا أنا أيضاً.
فأجاب إبراهيم بنبرة صارمة تنبض بالألم والكراهية :
ـ ولكني أنا أعرف يا نقاء ! نعم أنا أعرف يا محمود ! فهي لم تكن تقصد نقاء بهذا الحقد ، ولكنها كانت تقصدني أنا ، كانت تريد أن تنتقم من نقاء ، فظنت أنها تتمكن أن تنال من المثل والمفاهيم التي نؤمن بها أنا ونقاء ، ولكن فاتها أن جيوش العقيدة تحمينا من كل كيد ، وتدفع عنا أي سوء.
واتسعت حدقتا نقاء وهي تستمع إلى إبراهيم ، وسألته قائلة :
ـ وأي شيء تنقمه عليك سعاد يا إبراهيم ؟!.
ـ عرفتني قبل سنوات ، وحاولت أن تلقي حولي شباكها بشتى الاساليب ، ولما فشلت نقمت علي وهالها أن تراني قد انتصرت عليها بقوة العقيدة والايمان ، فأرادت أن تحطم عقيدتي ، وتسحق كبرياء روحي ، وكنت أنت يا نقاء سبيلها إلى ذلك ...
وهنا خرجت الكلمات متقطعة من فم محمود ، وهو يقول :


( 223 )

ـ يا لها من امرأة في كل يوم تنكشف من سجل حياتها صفحة جديدة ، خطت كلماتها بحروف من ...
ثم سكت محمود ، فقالت نقاء :
ـ أحقاً أنها كانت تهواك يا إبراهيم ؟!.
ـ الآن فقد عرفت سبب الحملات الظالمة التي كانت تشنها عليك يا لها من مسكينة.
وكاد أن يصرخ محمود وهو يقول :
ـ الا تقفين في طيبتك عند حد ، ألمثل سعاد يقال مسكينة !.
ـ إنها بشر يا محمود !
ـ ولكنك أنت فوق البشر يا أختاه !..
ـ لا ، أنا لست فوق البشر ، ولكني أرثي لحال هذه المسكينة ، وأرى أن أحد أسباب انحرافها يعود إلى المجتمع المنحرف ، وإلى انعدام القيم الاسلامية فيه ، ولو أنها كانت في مجتمع فاضل ، وأنشأت فيه نشأة إسلامية صحيحة ، وهذبت تهذيباً روحياً حقيقياً ، لما وصلت إلى هذا الدرك ، فالمجتمع الفاسد يقدم كثيراً من الضحايا وأكثر ضحاياه من النساء ، لأنهن أعجل تأثراً وأسهل انقياداً ، وفعلاً ، فقد انقادت هذه المسكينة إلى ألوان الاغراء التي يضج بها مجتمعنا المتناقض.


( 224 )

فضحك محمود ، وقال :
ـ لا زلت تصرين على أنها مسكينة ؟
فابتسم إبراهيم ، وربت على كتف محمود وهو يقول :
ـ دعها يا أخي فهي نقاء !.
ـ نعم إنها نقاء ...


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net