متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المعنى
الكتاب : اللآلي العبقرية في شرح العينيّة الحميرية    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر
 

المعنى:

ظاهره أنّ له محبوبة كنيتها «أُمّ عمرو» وقد فارقت هذا المربع إمّا بهجر أو بموت، فهو يتذكّرها ويتذكّر مربعها، و يتحسر ويتأسّف على ذلك ويقول: إنّ هذا المكان الذي قد أُمحي أعلامه أي: الأُمور التي كانت يُعلم ويُتميّز بها عن غيره من الأبنية والمياه والأشجار ونحوها; أو أعلام الساكنين فيه; أو الأعلام المنصوبة لطرقه للاهتداء إليها وإليه: لأُمّ عمرو. ويحتمل أن يراد بالأعلام; الرايات التي كانت لساكنيه، أو ما يعقد على الرماح، أو السادات أو المشاهير، أو الجبال تشبيهاً للأبنية الرفيعة والقصور المنيعة بها.

ويحتمل أن لا يكون كنية المحبوبة«أُمّ عمرو»ولكنّ الناظم نفسه وضع لها هذه الكنية أو استعملها فيها بالمعنى التركيبي من غير وضع علمي.

ويحتمل أن يكون المراد بـ«أُمّ عمرو» النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فإنّه أصل الدِّين وأصل الحياة الحقيقية والمجازية لكلّ حيّ، ورئيس الأحياء ورئيس أهل الدِّين، والبارّ بهم كالأُمّ البرّة بولدها.

ويحتمل أن يريد به أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه; وروى الشيخ الصدوق ثقة الإسلام والمسلمين أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الحجّة من «الكافي» عن أبي محمد القاسم بن العلاء رفعه، عن عبد العزيز بن مسلم، عن الإمام الهمام علي بن موسى الرضا صلوات اللّه عليه، في حديث طويل: الإمام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، والأُمّ البرَّة بالولد الصغير.(1)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الكافي:1/198ـ 200 ضمن حديث 1، عنه البحار:25/120 ح4 وعن العيون.


( 117 )
وروى هذا الخبر بعينه الشيخ الصّدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي في كتاب «عيون أخبار الرضا» عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيّ(1)، عن القاسم بن محمد بن علي الهارونيّ، عن عمران بن موسى بن إبراهيم، عن الحسن بن القاسم الرقام، عن القاسم بن مسلم(2)، عن أخيه عبدالعزيز بن مسلم عنه صلوات اللّه عليه.(3)

وفي تفسير الإمام الهمام الحسن بن علي العسكري صلوات اللّه عليه: قال عليّ بن موسى الرضا عليمها السَّلام : أما يكره أحدكم أن ينفى عن أبيه وأُمّه اللّذَين ولداه؟ قالوا:بلى واللّه. قال: فليجتهد أن لا ينفى عن أبيه وأُمّه اللّذين هما أبواه الأفضل من أبوي نفسه.(4) ـمحمد وعليـ.

وقد وردت أخبار تضمن كون النبيّ وأمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما أبوي الأُمّة; منها ما رواه الشيخ الأجل الصدوق أبو جعفر محمد بن بابويه القمّي ـ رضوان اللّه عليه ـ في كتاب «معاني الأخبار» وغيره، قال:

حدّثنا أبو محمد عمّار بن الحسين ـ رضي اللّه عنه ـ قال: حدّثنا علي بن محمد بن عصمة، قال: حدّثنا أحمد بن محمد الطبري بمكّة، قال: حدّثنا محمد بن

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني من مشايخ الصدوق، ترضّى عليه في المشيخة، وروى عنه كثيراً، وكنّاه بأبي العباس، ووصفه بالمؤدّب (تارة)وبالمكتّب(أُخرى).(انظر معجم رجالالحديث للسيد الخوئي:14/219 رقم 9936).
2- مولى أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ ، كان مسلم من عتقائه، وكان يكتب بين يديه، من أصحاب الصادق ـ عليه السَّلام ـ . رجا ل الشيخ (48). معجم رجال الحديث:14/59 رقم 9552.
3- عيون أخبار الرضا:1/216 ح1.
4- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري ـ عليه السَّلام ـ : 331 ح 198 في تفسير الآية 83 من سورة البقرة، عنه البحار:23/260 ضمن ح8.


( 118 )
الفضل، عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب القرشي(1)، عن ابن سليمان، عن حميد الطويل،عن أنس بن مالك، قال: كنت عند عليّ بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ في الشهر الذي أُصيب فيه وهو شهر رمضان، فدعا ابنه الحسن ـ عليه السَّلام ـ ثمّ قال: يا أبا محمد اعل المنبر فاحمد اللّه كثيراً و أثن عليه، واذكر جدّك رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بأحسن الذكر، وقل: لعن اللّه ولداً عقّ أبويه; لعن اللّه ولداًعقّ أبويه; لعن اللّه ولداً عقّ أبويه; لعن اللّه عبداً أبق(2) من مواليه; لعن اللّه غنماً ضلّت عن الراعي، وانزل.

فلمّا فرغ من خطبته ونزل، اجتمع الناس إليه فقالوا : يا ابن أمير المؤمنين وابن بنت رسول اللّه نبّئنا (الجواب)، فقال: الجواب على أمير المؤمنينعليه السَّلام .

فقال أمير المؤمنينعليه السَّلام : إنّي كنت مع النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في صلاة صلاّها فضرب بيده اليمنى إلى يدي اليمنى فاجتذبها فضمّها إلى صدره ضمّاً شديداً ثمّ قال لي: ياعلي، قلت: لبّيك يا رسول اللّه.

قال: أنا و أنت أبوا هذه الأُمّة ، فلعن اللّه من عقّنا، قل: آمين، قلت: آمين.

ثمّ قال: أنا وأنت موليا هذه الأُمّة فلعن اللّه من أبق عنّا، قل: آمين، قلت: آمين.

ثمّ قال: أنا وأنت راعيا هذه الأُمّة فلعن اللّه من ضلّ عنّا، قل: آمين ، قلت: آمين.

قال أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ : وسمعت قائلَين يقولان معي: «آمين»، فقلت: يا

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، الأموي، البصري، واسم أبي الشوارب: محمد بن عبد الرحمن بن أبي عثمان، صدوق، من كبار العاشرة.(تقريب التهذيب:2/186 رقم 481).
2- أبَقَ العَبدُ إباقاً: إذا هرب من سيّده من غير خوف ولا كدّعمل. والإباق ـ بالكسر ـ : اسم منه فهو آبِقٌ، والجمع الأُبّاقُ، ككافر وكفّار.(فخرالدين الطريحي: مجمع البحرين:«أبق)».


( 119 )
رسول اللّه، ومَن القائلان معي«آمين»؟ قال: جبرئيل وميكائيل عليمها السَّلام .(1)

هذا وإن كان لا يتعيّن أن يكون الأبوان والوالدان الواردان في الأخبار إلاّمثنّى الأب والوالد، لا الأب والأُمّ أو الوالد والوالدة، إلاّأنّه لا فرق بين الأب والأُمّ في صحّة الإطلاق بل الأُمّ أصحّ إطلاقاً باعتبار معناه اللغويّ كما عرفت.

ويحتمل أن يريد به الدِّين الذي هو أصل الحياة الأبدية أو أصل كلّ دين.

وأن يُريد به أُصول الدين التي نطق بها الكتاب والأخبار.

وأن يُريد به القرآن.

وأن يُريد به النبوّة، أو الخلافة، أو الإمامة الشاملة لهما، التي بكلّ منها قوام الحياتَين، و قيام الدين.

وأن يريد به أُمّ هاشم بن عبد مناف جدّ النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فإنّ اسمه «عَمرو» بالاتّفاق، وإنّما سمي هاشماً لهشمه الثريد للناس في الأيام المجدوبة.

وروى الصدوق أبو جعفر بن بابويه المتقدّم ذكره ـ رضي اللّه عنه ـ في كتاب «معاني الأخبار» وغيره، باسناده عن الحسن البصري قال: صعد عليّ بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ المنبر فقال: أيُّها الناس أنسبوني، من عرفني فلينسبني وإلاّفأنا أنسب نفسي; أنا زيد بن عبد مناف بن عامر بن عمرو بن المغيرة بن زيد بن كلاب.

فقام إليه ابن الكوّاء(2)، فقال: يا هذا ما نعرف لك نسباً غير أنّك عليّ بن

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- معاني الأخبار: ص118ح1، عنه البحار:36/5ح4باب معنى عقوق الأبوين....
2- ذكره ابن قتيبة في «المعارف» في ذكر النسابين أصحاب الأخبار، قال: هو عبد اللّه بن عمرو من بني يشكر... وقال: قيل لأبيه الكواء لأنّه كوي في الجاهلية (ص 297).
; وذكره الشيخ عباس القمي في كتابه«الكنى والألقاب» قائلاً: اسمه عبد اللّه من أصحاب أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ ،خارجيّ ملعون، و هوالذي قرأ خلف علي ـ عليه السَّلام ـ جهراً (وَلَقَدْ أُوحيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الّذينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبِطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرين) وكان علي ـ عليه السَّلام ـ يؤمّ الناس ويجهر بالقراءة فسكت ـ عليه السَّلام ـ حتى سكت ابن الكواء ثمّ عاد في قراءته حتى فعله ابن الكواء ثلاث مرات، فلمّا كان في الثالثة قال أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ : (فَاصْبِر إِنَّ وَعْدَ اللّه حَقّ وَلا يَسْتَخفنّك الّذين لا يُوقِنون)وهو الذي سأله عن مسائل شتّى فأجابه أمير المؤمنين (الكنى والألقاب:1/390) والآيتان من سورة الزمر:65، والروم:60.


( 120 )
أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب.

فقال له: يا لكع إنّ أبي سمّاني«زيداً» باسم جدّه «قصي» وإنّ اسم أبي «عبد مناف» فغلبت الكنية على الاسم، وإنّ اسم عبدالمطّلب «عامر» فغلب اللّقب على الاسم، واسم هاشم «عمرو» فغلب اللقب على الاسم، واسم عبد مناف «المغيرة» فغلب اللقب على الاسم، واسم قصيّ«زيد» فسمّته العرب مجمعاً لجمعه إيّاها من البلد الأقصى إلى مكّة فغلب اللقب على الاسم، قال: ولعبد المطّلب عشرة أسماء، منها: عبد المطّلب،و شيبة، وعامر.(1)

يريد أنّ هذا المربع لهاشم وأولاده. والمقصود أنّه مربع توارثته بنو هاشم كابر عن كابر و أنّ هاشماً كأنّه ناله عن بطن أُمّه; فإنّ من المعلوم فضل هاشم على سائر أولاد عبد مناف وفضل أولاده على أولادهم، فهو فضلٌ آتاه اللّهُ من فضله، وإنّما فعل ذلك لإخراج الأغيار، فإنّما مراده ذكر بني هاشم والتحيير لأجلهم.

ويحتمل أن يريد بـ «أُمّ عمرو» : فاطمة صلوات اللّه عليها، لكونها أصل الدين فإنّ من أحبّها وأحبّ أولادها واقتدى بهم كان مؤمناً وإلاّكان خارجاً عن ربقة الإيمان، ولذلك فهي أصل الحياة الأبدية; وأيضاً فإنّ أولادها صلوات اللّه

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- معاني الأخبار: 121 ح2.


( 121 )
عليهم أعمار الخلائق لأنّهم أسباب لأعمارهم إمّا لحياتهم الدنيوية والأُخروية، أو لأديانهم، إذ لولاهم لخربت الدنيا، ولولاهم لم يكن دين.

وأيضاً فإنّها صلوات عليها أُمّ السبطين اللَّذين هما قرطا عرش الرحمن وشنفاه على ما نطقت به الأخبار، فقد روى ابن لَهيعةَ عن أبي عوانة(1)رفعه إلى النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : إنّ الحسن والحسين شنَفا(2) العرش، وإنّ الجنّة قالت : يا ربّ أسْكَنْتَني الضعفاء والمساكين، قال لها اللّهُ تعالى: ألا تَرضَين أنّي زيّنت أركانكِ بالحسن والحسين; قال: فماست(3) كما تَمِيسُ العروس فرحاً.(4)

وروي أيضاً عن سليمان الأنصاري(5) قال: كنّا جلوساً في مسجد النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ إذ أقبل عليّ ـ عليه السَّلام ـ فتحفّى (6) له النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه، وكان

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- من الإرشاد، وفي الأصل «غسانه»، وفي تاريخ بغداد وكنز العمال:«عُشانة».
2- «الشَّنف»: قرط يلبس في أعلى الأُذن. انظر (الصحاح: «شنف)». والقرط: الذي يعلّق في شحمة الأُذن، والجمع قرطة وقراط (الصحاح«قرط)».
3- ماس يميس ميساً، إذا تبختر في مشيه. قاله الجزري.
4- المفيد: الإرشاد:2/127 باب طرف من فضائل الحسين ـ عليه السَّلام ـ ...، عنه البحار 43/275 ح44.
وروى مثله في كتاب الآل (لابن خالويه اللغوي) مرفوعاً إلى عقبة بن عامر قال: قال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : قالت الجنة: يا ربّ أليس قد وعدتني أن تسكنني ركناً من أركانك؟ قال: فأوحى إليها أما ترضين أنّي زيّنتك بالحسن والحسين، فأقبلت تميس كما تميس العروس. نقلاً عن البحار:43/304.
5- سليمان بن عمرو بن حديدة الأنصاري الخزرجي. قُتل هو ومولاه عنترة يوم أُحد شهيدين. والأكثر يقولون هذا سُليم الخزرجي، وكذلك قال ابن هشام (الاستيعاب:2/651 رقم 1057).
و قد قال ابن هشام في ذكر من استشهد بأُحد: ومن بني سَواد بن غَنَم: سُليم بن عمرو بن حَديدة; ومولاه عنترة... (السيرة النبوية:3/133).
6- هذه دلالة على منزلة الإمام ـ عليه السَّلام ـ الرفيعة أظهرها النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بهذا الشكل من الإكرام والتعظيم له.
وما نشاهده اليوم من الإعظام والتبجيل إنّما تغلب عليه روح المصلحة والمنافع الخاصة، وأين هي من السيرة النبوية وسيرة الأئمّة الأطهار ـ عليهم السَّلام ـ .


( 122 )
له عشرة أيّام منذ دخل بفاطمة ـ عليها السَّلام ـ فقال له:ألا أُخبرك في عرسك شيئاً؟ قال: إن شئت فافعل صلى اللّه عليك.

قال: هذا أخي جبرئيلعليه السَّلام قال: تشاجر آدم و حواء عليمها السَّلام في الجنّة، فقال آدم: يا حواء ما هذه المشاجرة؟ فقالت: يقع لي أنّ ما خلق اللّه خلقاً أحسن منّي ومنك، فأوحى اللّه تعالى إليه أن يا آدم طف الجنة فانظر ماذا ترى.

قال: فبينا آدم ـ عليه السَّلام ـ يطوف في الجنّة إذ نظر إلى قبّة بلا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها، داخل القبة شخص على رأسه تاج; في عنقه خناق(1); وفي أُذنيه قرطان، فخرّ آدم ساجداً للّه تعالى. فأوحى اللّه إليه يا آدم ما هذا السجود وليس موضعك موضع سجود.

فقال آدم : يا جبرئيل ما هذه القبّة التي ما رأيت أحسن منها؟!

فقال:إنّ اللّه عزّ وجلّ قال لها كوني فكانت.

قال: فمن هذا الشخص الذي داخلها؟

قال: الشخص جارية حوراء إنسيّة تخرج من ظهر نبيّ يقال له : محمّد.

قال: فما هذا التاج الذي على رأسها؟

قال: هو أبوها محمّد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .

قال: فما هذا الخناق الذي في عنقها؟

قال: بعلها علي بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ .

قال: فما هذان القرطان اللّذان في أُذنيها؟

قال: هما قرطا العرش وريحانتا الجنة ولداها الحسن والحسين عليمها السَّلام .

قال: فكيف ترد يوم القيامة هذه الجارية؟

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الخِناق والمِخْنقة: القِلادة الواقعة على المُخَنَّق.(لسان العرب: «خنق)».


( 123 )
قال: إنّ اللّه تعالى يقول: ترد على ناقة ليست من نوق دار الدنيا; رأسها من بهاء اللّه، ومؤخرها من عظمة اللّه، وعظامها(1) من رحمة اللّه وقوائمها من خشية اللّه، ولحمها وجلدها معجونان بماء الحيوان; قال اللّه تعالى له كن فكان، يقود زمام الناقة سبعون ألف صفّ من الملائكة كلّهم ينادون غضّوا أبصاركم يا أهل الموقف حتى تجوز الصديقة سيّدة النساء فاطمة الزهراء ـ عليها السَّلام ـ .(2)

وفي مناقب ابن شهر آشوب رحمه اللّه : سليمان بن أحمد الطبراني(3)، والقاضي أبوالحسن الجراحي، وأبوالفتح الحفار(4)، والكياشيرويه، والقاضي النطنزي بأسانيدهم عن عقبة، عن عمار الجهني، وأبي دجانة(5)، وزيد بن علي، عن

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- «خطامها»: حلية الأبرار. والخطام: زمام البعير لأنّه يقع على الخطم وهو الأنف وما يليه.(الطريحي: مجمع البحرين:«خطم)».
2- انظر حلية الأبرار لهاشم البحراني:2/10ح 2 نقلاً عن «الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم» للشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي:149 مخطوط مكتوب سنة (734) في مكتبة السيد عبد العزيز الطباطبائي رحمه اللّه .
3- هو سليمان بن أحمد بن مطير اللخمي الطبراني(أبو القاسم)، محدّث، حافظ، ولد بطبرية الشام(سنة260) توفي بإصبهان(سنة 360). وله مؤلفات كثيرة أشهرها: المعاجم الثلاثة.(عمر رضا كحاله: معجم المؤلفين:4/253).
وذكره القمي في «الكنى والألقاب»:2/409 بكنية (أبو القسم) وقال: اللخمي ـ بفتح اللام و سكون الخاء المعجمة ـ نسبة إلى لخم أبي جذام.
4- هو هلال بن محمد بن جعفر، أبو الفتح الحفار(322 ـ 414هـ) : من رجال الحديث، فارسي الأصل من أهل بغداد، (خيرالدين الزركلي: الاعلام: 8/92).
5- أبو دجانة ـ بالضم والتخفيف ـ : هو سماك بالكسر والتخفيف، ابن خرشة بالفتحات ابن لوزان صحابي أنصاري بطل شجاع عدّ من الذابين عن الإسلام، وقد ظهر منه في جهاده وحروبه ما يدلّ على ذلك، وفي وقعة اليمامة سنة 11 أشترك في قتل مسيلمة الكذاب، ـ و يقال ـ قُتل أيضاً أبو دجانة، وقيل بل عاش بعد ذلك وشهد صفين مع أمير المؤمنين. وثباته في نصرة الدين مشهورة.(القمي: الكنى والألقاب: 1/63ـ 64).


( 124 )
النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قال: الحسن والحسين شنفا العرش. وفي رواية: وليسا بمعلقين; وأنّ الجنّة قالت: يا ربّ أسكنتني الضعفاء والمساكين، فقال اللّه تعالى: ألا ترضين أنّي زيّنت أركانك بالحسن والحسين، فماست كما تميس العروس فرحاً. وفي خبر عنهصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: إذا كان يوم القيامة زيّن عرش الرحمن بكلّ زينة ثمّ يؤتى بمنبرين من نور، طولهما مائة ميل، فيوضع أحدهما عن يمين العرش والآخر عن يسار العرش، ثمّ يأتي الحسن والحسين يزيّن الربّ تبارك وتعالى بهما عرشه كما تزيّن المرأة قرطاها.(1)

وقال الصاحب كافي الكفاة إسماعيل بن عباد (رحمه اللّه تعالى) في ذلك:

وَلَداهُ شَنْفا العرشِ فَقُلْ * حَبَّذا العرش وَحَبّا اشنفا(2)

وقال ابن علويه:

وابْناهُ عقدُ قوى الجِنانِ عَليهِما * فَهُما لِدارِ مقامهِ رُكْنانِ

وهُما مَعاً لَو يَعْلَمُونَ لعرشِهِ * دُونَ المَلائكِ كُلّها(3) شَنْفانِ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- محمد بن علي بن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب:3/395ـ 396.
2- ذكره الشيخ عباس علي الأديب في كتابه: هدية العباد في شرح حال صاحب بن عباد: ص 64(بالفارسية). وفيه «شنفا» بدل «اشنفا». وفي المناقب«شنفاه».
3- «كلهم»: المناقب.


( 125 )
وقال ابن حماد:

تُفّاحَتا الهادي وقِرطا الـ * ـعرشِ(1) الواحدِ المُتمجَّدِ(2)

وفي إفراد عمرو على هذا إشارة إلى أنّها بمنزلة شخص واحد، والأمر كذلك، بل الأئمّة والنبيّ وفاطمة صلوات اللّه عليهم بمنزلة شخص واحد فإنّهم من نور واحد وإنّ طاعة واحد منهم طاعة الجميع، ومعصية واحد منهم معصية الجميع، وقول واحد منهم قول الجميع.

والمراد بـ «المربع» أمّا على تقدير أن يريد بـ «أُمّ عمرو» حبيبته; فمعناه ظاهر، ويحتمل أن يريد مطلق المنزل إمّا على التجريد، أو على تخييل أنّ منزل تنزله المحبوبة فهو مربع، أو أنّ أيّامها جملة أيّام الربيع، أو يريد منزلها أوان شبابها.

وأمّا على سائر المعاني: فالمراد به مطلق المنزل إمّا بالتجريد أو بتخييل أحد الأمرين الأوّلين.

ويجري الثالث أيضاً فيما إذا أُريد الدِّين أو القرآن أو النبوّة أو الإمامة أو الخلافة، أو المراد به مرتبة الرئاسة والسياسة.

والمراد بطموس أعلامه: أنّ أهله طُردوا عنه بحيث لم يبق فيه من أعلامهم شيء، أو لم يبق من العلامات التي بها يهتدي إلى منزل الدين أو القرآن أو الإمامة أو الخلافة شيء فضلَّ الناسُ الطريق، فلم ينالوا الدين ولم يعلموا القرآن ولم يهتدوا إلى الإمام.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- « العرش عرش الواحد المتمجّد»: المناقب.
2- ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب: 3/396.


( 126 )
أو المراد به إمحاء سادات هذا المنزل عنه، أو إمحاء أبنية الدِّين وقواعده.

وعلى كلّ من هذه التقادير يكون تخييراً وتأسفاً من غصب غاصبي الخلافة وظلمهم أهل البيت صلوات اللّه عليهم، فيكون مثل قول دعبل الخزاعي(1) رضوان اللّه عليه.

بَكَيتُ لِربع الدّارِ مِنْ عَرَفاتِ * وَأَذْرَيتُ دَمعَ العَينِ من وجناتي

وبانت عُرى صَبْري وهاجَتْ صَبابَتي * رُسُومُ دِيار قدْ عَفَتْ وَعِراتِ

مَدارِسُ آيات خَلَتْ مِنْ تِلاوَة * ومَهبط وَحي مُقفرُ العَرَصاتِ

لآلِ رَسُولِ اللّهِ بِالخيفِ مِنْ مِنى * وِبالبَيْتِ وَالتَّعريفِ وَالجَمَراتِ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- هو دعبل (الشاعر) بن رزين بن سليمان الخزاعي ولد سنة 148 وقيل 142، أصله من الكوفة ويقال قرقيسا وأقام ببغداد. من مؤلفاته كتاب طبقات الشعراء، كتاب الواحد في مثالب العرب ومناقبها، وديوان شعر.
وأشهر قصائده ـ و التي منها هذه الأبيات ـ التي مدح فيها أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ وتعرف بالتائية.
توفي سنة 246هـ على الأرجح.(ديوان دعبل ـ شرح و ضبط ضياء حسين اللأعلمي ـ ).
وانظر في مصادره : الأغاني:20/131، لسان الميزان:2/430، تاريخ بغداد:8/383، أعيان الشيعة:6/405، الكامل للمبرد:1/843،.


( 127 )
مَنازِلُ وَحْي اللّهِ يَنْزلُ بَينَها * عَلى أَحْمدَ المذكورِ في السُّوراتِ

مَنازِلُ قَوم يُهْتَدى بِهُداهُمُْ * ويؤمنُ مِنْهُمْ زَلَّةُ العَثَراتِ

مَنازِلُ كانَتْ لِلصَّلاةِ وَلِلتُّقى * ولِلصَّومِ والتطهير والحَسَناتِ

منازل لاتَيم يَحِلُّ بربعها(1) * ْولا ابنُ صهاك هاتِكُ الحُرُماتِ

ديارُ عليّ والحُسَينِ وجَعْفَر * وحَمزةَ والسجّادِ ذِي الثَّفناتِ

ودار لِعَبدِ اللّهِ وَالفَضلِ صِنوه * نَجِيّ رَسُوله اللّهِ في الخَلَواتِ

وَسِبْطَي رَسُول اللّهِ وَابْنَي وصِيِّهِ * ووارِثِ علمِ اللّهِ والتَّرِكاتِ

ديارٌ عَفاها جَورُ كُلِّ مُعانِد * ولَـمْ تَعْفُ للأيّامِ وَالسَّنَواتِ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- من شرح المجلسي، وفي الأصل«عراصها».


( 128 )
وأمّا المراد بـ«اللوى» على هذه التقادير:

فإمّا منقطع الرمل كما على التقدير الأوّل; ويكون المعنى به المدينة أو كلّ منها و من مكّة، فإنّ كلاًّ منهما مهبط القرآن و منزل الأحكام وموطن النبيّ وآلهصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم.

وإمّا آخر الزمان; فيكون قد شبّه الدنيا بالرمل إمّا لعدم ثبات أمرها، أو لتشتت أُمورها واختلافها كما أنّ الرمل متشتّت لا يُضمّ بعضه إلى بعض، أو لسرعة انغمار الناس واندفانهم فيها كما ينغمر النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في الرمل، أو لعسر العدول والتجاوز عنها إلى آخره كما يعسر السير في الرمل.

وإمّا الإمامة أو النبوّة أو الخلافة; على أن يكون شبَّهَ حال النبيّ والخليفة قبل تحمّل أعباء النبوّة أو الخلافة بالرمل في اللِّين والملاءمة، لأنّه قبل ذلك يداهن الناس وليس عليه أن يضادّهم ويقابلهم ويحملهم على ما لا يرضونه فيكون حال لِين له وللناس، وأمّا إذا تحمّل النبّوة أو الخلافة فقد انقطع عنه و عن الناس ما كان من اللِّين والرفق والمداهنة.

 

البيان: قد تبيّن لك إن أحطت بما سمعته من المعاني، أنّ الكلام:

يحتمل أن يكون على حقيقته من غير تجوّز ولا كناية فيه ولا في شيء من إجراءاته.

ويحتمل أن يكون مشتملاً على الكناية بـ«أُمّ عمرو» عن إحدى المعاني التي عرفت وأن يكون الاعلام مجازاً عن الأبنية الرفيعة، أو السادات، أو المشاهير.

ولمّا كانت العلاقة هي المشابهة كان استعارة.

ولمّا كان اسم المشبه به مذكوراً كانت استعارة مصرّحاً بها.


( 129 )
ولمّا كان الجامع أمراً متحققاً كانت تحقيقية.

ولمّا كان أمراً مبتذلاً كانت عامية.

ولمّا كان مقروناً بالطموس الذي لا يناسب المشبه به كانت مرشحة.

ويحتمل أن يكون المربع مجازاً عن المنزل إمّا مرسلاً من قبيل تسمية المطلق باسم المقيّد وهو من تسمية الجزء باسم الكلّ إمّا مجرد ذلك، أو مضمّناً تشبيه أوان الشباب بأيّام الربيع، أو أيّام الحبيب بأيّامه، أو ادّعاء أنّ أيّامها أيّامه حقيقة، وإمّا استعارة لتشبيه منزلها بالمربع، و أن يكون مستعاراً للمرتبة تشبيهاً للمراتب الشرفية بالمكانيّة، والاستعارة على الأخير مرشحة لأنّ الأعلام وطموسها والبلقع كل منها يلائم المشبه به وعلى الذي قبله مطلقة، إذ لم يقرن بما يلائم شيئاً من المشبه والمشبه به، أعني ما يلائم شيئاً منهما بخصوصه وإلاّ فهذه الأُمور ملائمة لكلّ منهما، وكلّ من هاتين الاستعارتين أيضاً مصرَّح بها تحقيقية عاميّة.

ويحتمل أن يكون «أُمّ عمرو» استعارة مصرحاً بها لما عرفت، بناءً على تشبيه تلك الأُمور بأصل الحياة أو الدِّين; لكونها من أسبابهما القويّة، فإن كان استعارة للقرآن أو النبوّة أو الخلافة أو الإمامة كانت مرشّحة; لأنّ المربع ممّا يلائم المشبه به، وإن كان للباقي كانت مطلقة.

ويحتمل أن يكون «أُمّ عمرو» علَماً لمعشوقه ويكون قد استعار اسمها للإمامة أو الخلافة أو النبوّة أو الرئاسة، لأنّ كلاً منها معشوق لأكثر الخلق كما أنّه كثيراً ما يستعار «ليلى» و نحوها لما يزداد حبه والميل إليه، أو استعارة للدّين أو القرآن; لأنّهما معشوقا المؤمنين، أو استعارة النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أو أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ أو هما وسائر الأئمّة صلوات اللّه عليهم; لأنّهم معشوقو المؤمنين، ولا بُعد في ذلك إذ لا يراد


( 130 )
باسم المعشوقة حينئذ إلاّ ما اشتهرت به من المعشوقية، كما يقال فلان حاتم ولا يراد إلاّ ما اشتهر به من معنى الجود، وعلى الأوّلين مثبت الترشيح دون الأخير.

ويحتمل أن يكون من المجاز المركّب تمثيلاً لخلو الدِّين عن أئمّته، والإمامة عن أهلها بخلو مربع أُمّ عمرو عن أهله.

ويحتمل أن يكون «اللِّوى» مستعاراً لما عرفت من استعارة مصرّحاً بها مرشّحة.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net