متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
شرح البيتين الحادي عشر والثاني عشر
الكتاب : اللآلي العبقرية في شرح العينيّة الحميرية    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر

[11 و 12]

فقالَ لَوْ أعْلَمْتُكُمْ مَفْـــزَعاً * كُنْتُمْ عَسَيْتُمْ فيهِ أن تَصنعوا

صَنيعُ أهلِ العِجْلِ إذ فارقُوا * هــارونَ فالتَّـركُ لـَـهُ أوْدَعُ

اللغة:

«الفاء» للعطف.

«لو» إمّا بمعنى «إن»أو بمعناها الحقيقي من تعليق مقدّر بمقدّر.

«العلم» هنا بمعنى المعرفة التي تتعدّى إلى مفعول واحد، أو بمعناه الحقيقي وقد حذف مفعوله الأوّل أو الثاني، فإنّه جائز عند الجمهور، أي أعلمتكم أحداً مفزعاً أو مفزعاً لكم أو مفزعاً إلى أحد أو إلى من مفزعاً، وحذف أحد مفعولي أفعال القلوب ممّا اختلفت فيه الأقوال.

فمنهم من أطلق المنع .

ومنهم من أطلق الجواز.

ومنهم من صرّح بالامتناع على كلّ حال.

ومنهم من فصّل فأجاز عند قيام القرينة ومَنَع عند عدم القرينة ولكن لا خلاف في أنّه قليل مطلقاً، وسبب القلّة أنّ المفعولين معاً بمنزلة اسم واحد لأنّ


( 256 )
مضمونهما معاً هو المفعول به في الحقيقة فحذف أحدهما بمنزلة حذف بعض أجزاء الكلمة، وممّا جاء من حذف الأوّل قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ)(1) على القراءة بالياء، أي بخلهم هو خيراً، ويمكن أن يقال: إنَّ «هو» هو المفعول الأوّل على أن يكون الضمير المرفوع مقاماً مقام المنصوب ويكون راجعاً إلى البخل المفهوم من الفعل كقوله تعالى: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)(2).

وممّا جاء من حذف الثاني قوله:

لا تُخلنا على غَراتِكَ، إنّا * طالما قد وشَى بنا الأعداءُ(3)

أي لا تخلنا جازعين، أو أذلاّء على إغرائك المُلك بنا.

وقوله:

وَ لَقَدْ نَزَلْتِ فَلاَ تَظُنّي غَيْرَهُ * مِنّي بِمنزِلَةِ المُحِبِّ المُكْرَمِ(4)

أي لا تظني غيره واقعاً.وقد قام فيهما الظرف مقام المفعول الثاني، فلعله يقتصر الجواز على ذلك لأنّه بمنزلة الذكر.

«المفزع» هنا اسم مكان بمعنى :«الملجأ» أي من يُفزَع ويُلتَجأ إليه على

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- آل عمران:180.
2- المائدة:8.
3- البيت من معلّقة الحارث بن حلزة اليشكري التي أولها:

آذنتنا ببينها أسماء * رب ثاو يمل منه الثواء

(شرح الرضي: 1/207). و كتابالعين:4/441 و فيه الغراة هنا: الكتف.
4- البيت لعنترة بن شداد العبسي، من معلقتهالمشهورة التي مطلعها:

هَلْ غادَرَ الشُّعَراءُ مِنْ مُتردَّمِ * أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدّارَ بَعْدَ تَوَهّم؟

(شرح ابن عقيل: الشاهد 133).


( 257 )
التقديرين الأوّلين و مصدر على الثالث.

«كان» يحتمل أن تكون زائدة، وأن تكون بمعنى صار، وذلك إن كانت «لو» بمعنى «ان» و إلاّفمعناها الأصلي وهو محتمل على الأوّل أيضاً. ويحتمل على كلّ أن تكون تامّة بمعنى ألفيتم.

«عسى» فعل مطلقاً، خلافاً لثعلب وابن السرّاج فإنّهما ذهبا إلى أنّه حرف مطلقاً، وخلافاً لسيبويه على ما حكاه السيرافي عنه فإنّه ذهب إلى أنّه حرف إذا اتّصل به ضمير منصوب، كقول روبه:

تَقُولُ بِنْتِي قَدْ أَنَى أناكا(1) * يا أبتَا عَلَّكَ أوْ عَساكَا(2)

ثمّ إنّ الغالب فيه فتح العين كرَمى، وإذا أُسند إلى ضمير لمتكلّم أو حاضر أو نون إناث جاز كسر العين، والفتح أشهر، والكسر لغة الحجاز.

وعن المازني: إذا كان فاعله غير ضمير المتكلّم أو المخاطب لم يكن إلاّ فعل بفتح العين، قال الشيخ أبو علي الفارسي: إنّه يجوز في المسند إلى الظاهر الكسر أيضاً أخذاً بلغة الكسر، في نحو «عسيتم» وجعل الفتح هو القياس.

وفي الترشيح في «عسى» لغتان: عسى بفتح العين مثل «نصر»، و عِسى بكسرها مثل «رِضى»، فإن أُضمرت فيه وثنّيت وجمعت، فعلى هاتين اللغتين زيد عسى و عسيا و عسوا و عست و عستا و عسين، هذا في لغة من فتح، و عسى وعسيا وعسواً و عسيت و عسيتا و عسين في لغة من كسر، فإذا خاطبت فيمن فتح لقد عسيت و عسيتما و عسيتم و عسيت و عسيتنّ ، و فيمن كسر لقد عسيت وعسيتما وعسيتم ولقد عسيت وعسيتما وعسيتنّ . انتهى.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- أنى يأنى إنى، أى حان.
2- ذكره الشيخ الطوسي في «التبيان»: 6/94.


( 258 )
ثمّ إنّ المشهور أنّه إذا اتصل به الضمير المرفوع كان على صورته الأصلية، ومن العرب من يأتي بصورة المنصوب فيقول: عساني وعساك وعساه.

واختلفت فيه الأقوال فقيل: إنّ عسى فيه حرف، كما عرفت، و قيل: بل عكس عمله تشبيهاً له بـ«لعلّ» لتقارب معنييها وهو أيضاً محكي عن سيبويه، والذي رأيته في الكتاب موافق له، فإنّه قال في باب ما يكون مضمراً فيه الاسم متحوّلاً عن حاله إذا أُظهر بعده الاسم: وأمّا قولهم «عساك» فالكاف منصوب . قال الراجز(1): «يا أبتا علّك أو عساكا».

والدليل على أنّها منصوبة أنّك إذا عنيت نفسك كان علامتك «ني».

قال عمران بن حِطّان(2):

و لي نفس أقول لها إذا ما * تُنازِعُني لَعَلّي أو عَساني

فلو كانت الكاف مجرورة لقال: عساي، ولكنّهم جعلوها بمنزلة«لعلّ» في هذا الموضع (3). انتهى.

وعن المبرّد وأبي علي أنّه قد عكس الاسناد فجعل المخبر عنه مخبراً به وبالعكس.

وعن الأخفش أنّه يجوز في الضمير فأُقيم المنصوب مقام المرفوع.

وأمّا معناه، فقال سيبويه:«عسى» طمع وإشفاق، فالطمع في المحبوب والإشفاق في المكروه، نحو: عسيت أن أموت(4).

وفي الصحاح: وعسى من اللّه تعالى واجبةٌ في جميع القرآن إلاّ في قوله:

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- و هو رؤبة.
2- و هو منالقعدية الذين كانوا يقعدون عنالحروب مع أنهم يحثون غيرهم عليها و يزيّنونها لهم (هامش شرح الرضي:2/447).
3- كتاب سيبويه: 2/374 ـ 375.
4- شرح الرضي: 4/214.


( 259 )

(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ)(1) ـ قال:ـ و قال أبو عبيدة: عسى من اللّه إيجابٌ، فجاءت على إحدى لغتَي العرب لأنّ عسى في كلامهم رجاءٌ ويقين، وأنشد لابن مُقْبل:

ظَنِّي بهم كَعَسى وهم بتنُوفة * يتنازعون جوائز الأمثــال

أي ظنّي بهم يقين.(2) انتهى.

وقال نجم الأئمّة رضي اللّه عنه: وأنا لا أعرف «عسى» في غير كلامه تعالى لليقين ،فقوله: «عسى» لليقين، فيه نظر، ويجوز أن يكون معنى ظنّي بهم كعسى، أي مع طمع(3).

وقال الراغب: وكثير من المفسّرين فسّروا «عسى» و «لعلّ» في القرآن باللاّزم وقالوا: إنّ الطمع والرجاء لا يصحّ من اللّه، وفي هذا قصور نظر، وذاك أنّ اللّه تعالى إذا ذكر ذلك يذكره ليكون الإنسان منه على رجاء لا أن يكون هو تعالى راجياً، فقوله تعالى: (هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ)(4) و قوله: (هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ)(5) و قوله (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ).(6) أي كونوا راجين في ذلك (7). انتهى.

وزاد في القاموس في معانيه«الشك»، وفي المفصل: أنّ لها مذهبين: أحدهما أن يكون بمنزلة قارب فيكون لها مرفوع ومنصوب، والثاني أن يكون بمنزلة قرب فلا يكون لها إلاّمرفوع.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- التحريم:5.
2- لصحاح: 6/2426 مادة «عسا».
3- شرح الرضي: 4/214.
4- محمد:22.
5- البقرة:246.
6- الأعراف:129.
7- مفردات الراغب: 335.


( 260 )
«في» إمّا ظرفية، وإمّا بمعنى الباء، كما في قوله:

و يركب يوم الروع منّا فوارس * يصيرون في طعن الأباهر والكلى(1)

كما قيل وكما في قوله تعالى: (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الأَنْعامِ أَزْواجاً يدرؤكم فيه)(2) على ما قيل.

أو بمعنى التعليل كما في قوله تعالى:(لَمَسَّكُمْ فيما أَفَضْتُمْ)(3) وقوله ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فيما روي عنه: أنّ امرأة دخلت النار في هرّة(4).

أو للمصاحبة كما في قوله تعالى (ادْخُلُوا في أُمَم)(5) وقوله تعالى: (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينته)(6) على ما قيل فيهما.

«أن» على وجهين: اسم وهو الضمير بمعنى «أنا» و الذي في أوائل أنت وأخواته على قول الجمهور، وحرف وهو على وجوه:

منها: أن تكون مصدرية، وهي على وجهين: الأوّل: الناصبة للفعل المضارع، والثاني: المخفّفة من «أنّ» المثقلة.

والكلام هنا في الأُولى، وقد تلغى عن العمل فترفع الفعل بعدها حملاً على أُختها«ما» المصدرية أو «أن» المخففة من الثقيلة، كقراءة ابن محيصين(7)(لِمَنْ أَرادَ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيت لزيد الخيل الطائي: وهو من قصيدة يرد فيها على كعب بن زهير، مجمع البحرين:3/442 و شرح الرضي:4/279.
2- الشورى:11.
3- النور:14.
4- أخرجه البخاري في كتاب «بدءالخلق»: ص 149 من الجزء الثاني من مسنده و ذكره ابن أبي جمهور الاحسائي في «عوالي اللألي»:1/153 و أحمد في مسنده:2/261 عن أبي هريرة.
5- الأعراف:38.
6- القصص: 79.
7- جاء في تفسير مجمع البيان للطبرسي:1/202: «محيصن: ـ بمهملتين ـ مصغّراً، و اسمه عمربن عبد الرحمن بن محيصن، و هو قارئ أهل مكة مات سنة 123هـ(راجع تهذيب التهذيب: 7/474).


( 261 )

أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ)(1) و قوله:

يا صاحِبَيَّ فَدَتْ نَفْسي ُنفُوسَكُما * وحَيْثُما كُنتمُا لاقَيتُما رَشَدا

أَنْ تَحْمِلا حاجَةً لِي خَفَّ مَحْمَلُها * تَسْتَوْجِبا نِعمَةً عِنْدي بِها وَ يَدا

أنْ تَقْرَآنِ على أَسماءَ وَيْحَكُما * مِنّي السَّلامَ و أَنْ لا تُشْعِرا أحَدا(2)

وذهب الكوفيّون إلى أنّها المخفّفة من الثقيلة شذّ اتّصالها بالفعل، وحكى الجزم بها أبو عبيدة واللّحياني. وذكر أنّه لغة بني صباح من ضبة، و أنشدوا.

إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا * تعالوا إلى أن يأتنا الصيد نحطب

و قوله:

أحاذر أن تعلم بها فتردّها * فتتركها ثقلاً عليّ كما هيا(3)

قال الرواسي: فصحاح العرب ينصبون بـ«ان» وأخواتها الفعل، ودونهم قوم يرفعون بها، ودونهم قوم يجزمون بها. انتهى.

وهي ممّا يخلص الفعل للاستقبال كالسين وسوف في المشهور.

صنع إليه معروفاً كمنع، صُنعاً بالضم، وصنع به صنيعاً قبيحاً أي فعل، وصنع الشيء صنعاً بالفتح والضم: عمله.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البقرة:233.
2- ذكره في (شرح شواهد المغني:1/ 100 الشاهد 32).
3- مغني اللبيب: 1/20 و تاج العروس: 9/130.


( 262 )
وقال الراغب : الصنع: إجادة الفعل، فكلّ صنع فعل وليس كلّ فعل صنعاً، ولا ينسب إلى الحيوانات والجمادات كما ينسب إليها الفعل، ثمّ قال: وللإجادة، يقال للحاذق المجيد: صنع، وللحاذقة المجيدة: صناع(1).انتهى.

والصناعة حرفة الصانع، وعمله الصنعة، وصنعة الفرس حسن القيام عليه، يقال: صنعت فرسي صنعاً وصنعةً فهو فرس صنيع، والصنيعة ما اصطنعته من خير كالصنيع.

الصنيع إمّا المراد به معناه المصدري، أو معنى اسم المفعول.

«أهل» الرّجل في الأصل: من يجمعهم وإيّاه بيت. ثمّ اتّسع فاستعمل فيمن يجمعهم وإيّاه نسب. وعبّر بأهل الرجل عن زوجته; وبأهل الإسلام عمّن يجمعهم الإسلام، وكذا قالوا في كلّ شيء جامع بين جماعة من علم أو عمل أو صناعة أو جوار أو جار إنّهم أهله، ولعلّ الإضافة في كلّ منها بأدنى ملابسة فإذا قيل: أهل الإسلام أو البيت أو العلم، كان معناه الجماعة الذين بعضهم أهلٌ لبعض في الإسلام أو البيت أو العلم، وعليه قس.

«الألف و اللام» للعهد الخارجي، أو الجنس، فعلى الأوّل يكون العجل بمعنى الذي صاغه السامري لبني إسرائيل.

«العِجْل» والعُجُول كستور: وَلَد البقرة، والأُنثى عِجْلَة . قال الراغب: لتصوّر عجلته التي تعدم منه إذا صار ثوراً ً(2).

«إذ» له وجوه:

منها: أن يكون اسماً للزمن الماضي، وإن دخل على المضارع قلَبه ماضياً

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- مفردات الراغب:286.
2- المفردات: 323.


( 263 )
نحو: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ)(1) وحينئذ فهو ظرف غالباً نحو: (فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْأَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(2)، وقيل: قد جاء مفعولاً به نحو:(وَاذْكُروا إِذْ كُنْتُمْ قَليلاً)(3)(وَإِذْ قُلْنا لِلمَلائِكَة)(4)(إِذْفَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ)(5) إلى غير ذلك.

وقد جاء بدلاً من المفعول به كقوله تعالى:(وَاْذكُرْ فِي الكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ)(6). وأنت تعلم أنّ كلّ مثال يمثّل به لهذين الوجهين يمكن فيه التأويل بتقدير العامل في «إذ» إلاّأنّه تعسّف لا حاجة إليه.

وقد جاء مضافاً إليه، نحو: «يومئذ» و«حينئذ» و: (بعد إذ نجّانا اللّه)(7) وبعد «إذ أنتم مهتدون» .

قال نجم الأئمّة رضي اللّه عنه: ولم يعهد مجروراً باسم إلاّ بـ «بعد»(8). ولا أفهم هذا الكلام منه رحمه اللّه .

نعم لم يعهد مجروراً باسم غير ظرف و هو لازم الإضافة إلى الجملة، لكنّها قد تحذف و يعوّض عنها التنوين كـ«يومئذ » و «ساعة إذ»

ومنها: أن يكون للتعليل كقوله تعالى: (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَومَ إِذْ ظَلَمْتُمْ إِنَّكُمْ فِي العَذابِ مُشْتَرِكُونَ)(9) ونحو: جئتك إذ كنت كريماً. واختلف في اسميّته وحرفيّته حينئذ، ولا يخفى أنّ الآية تقوّي الحرفيّة، فإنّه على القول بالاسميّة باق على الظرفية وإنّما يُفهم التعليل عنده من فحوى الكلام وهنا لا مجال للظرفية فإنّه لو

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الأنفال:30.
2- التوبة:40.
3- الأعراف:86.
4- طه:116.
5- البقرة:50.
6- مريم:16.
7- الأعراف: 89.
8- شرح الرضي: 3/200.
9- الزخرف:39.


( 264 )
كان ظرفاً لم يكن إلاّ بدلاً من اليوم أو ظرفاً آخر لـ«ينفع»، أو ظرفاً لـ«مشتركون» والكل باطل كما لا يخفى.

قال أبو الفتح: راجعت أبا علي مراراً في قوله تعالى:(وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَومَ إذْ ظَلَمْتُمْ)(1) الآية، مستشكلاً إبدال«إذ» من «اليوم»، ف آخر ما تحصّل منه أنّ الدنيا والآخرة متّصلتان، و أنّهما في حكم اللّه تعالى سواء، فكأن اليوم ماض، أو كأن «إذ» مستقبلة. وقيل: التقدير أو المعنى: إذ ثبت ظلمكم، وقيل: التقدير بعد «إذ ظلمتم»(2).

وأمثال هذه التأويلات جارية في جميع الموارد إلاّ أنّها تكلّفات من غير حاجة إليها.

ومنها: أن تزيد للتوكيد; ذكره أبو عبيدة وابن قتيبة وحملا عليه، نحو (وَإِذْقال رَبُّكَ) (3).

«الفاء» للسببية المحضة كما في قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ)(4).

«ترك» الشيء : رفضه اختياراً، أو اضطراراً.

فمن الأوّل قوله تعالى: (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذ يَمُوجُ في بَعْض)(5).

ومن الثاني: قوله تعالى:(كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّات وَعُيُون)(6).

و«اللام» إمّا هي اللاّم المزيدة لتقوية العامل، أو للتعليل، أو لشبه التمليك الذي يسمّى بالانتفاع.

«الدَّعَةُ»: الخَفْضُ والسعة، والهاء فيها عوضٌ من الواو كما في السعة.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- مريم:29.
2- مغني اللبيب: 1/82.
3- البقرة: 30.
4- الكوثر:2.
5- الكهف:99.
6- الدخان:25.


( 265 )
تقول منه: وَدُعَ الرجُلُ ـ بالضم ـ ، فهو وَدِيعٌ، أي ساكنٌ، ووادعٌ أيضاً ، مثل حَمُضَ فهو حامض،. يقال: نالَ فلان المكارمَ وادِعاً من غير كُلْفَة.

ورجلٌ مُتَّدعٌ، أي صاحب دَعَة وراحة.

الإعراب:

جملة البيتين معطوفة على قوله: «أتوا أحمدا» لا على قوله:«قالوا»; للزوم أن يكون داخلاً في بيان الإتيان بالخطبة وليس بالضرورة.

«قال» جملة فعلية فاعلها الضمير المستتر الراجع إلى «أحمد».

ما بعدها من تتمّة البيتين مفعولها ، أو إلاّ قوله «فالترك له أودع» كما سيظهر.

«أعلمتكم» فعل الشرط، «مفزعاً» مفعوله أو مفعوله الثاني أو الأوّل، بما في حيّزه جواب الشرط إن لم تكن زائدة ولا كانت بمعناها الأصلي مع كون «لو» بمعنى «أن».

فعلى الأوّل يكون الجواب ما بعده.

وعلى الثاني يكون الجواب محذوفاً معلولاً للمذكور، أي «لو أعلمتكم لم ينفعكم أو خالفتم» و نحو ذلك «لأنّكم كنتم عسيتم» الخ، فإنّه حينئذممحّص للمعنى فلا يصلح أن يكون جواباً لـ« أن»، فإن كانت «كان» ناقصة كان الضمير اسمها و ما بعده خبرها، و إلاّ كان الضمير فاعلها و ما بعده حالاً عنه إن لم يكن زائداً.

واعلم أنّ للنحويّين في «عسى» أقوالاً:

منها: أنّها ناقصة داخلة على المبتدأ والخبر و أنّها لإنشاء الترجّي، فإنّ مع الفعل خبرها وما قبل ذلك اسمها، إلاّ أنّه لا يكون خبرها إلاّ مضارعاً.


( 266 )
قال سيبويه: فالفعل هيهنا بمنزلة الفعل في «كان» إذا قلت:«كان يقول» ، وهو في موضع اسم منصوب بمنزلته «ثَمَّ» ،وهو ثَمَّ خَبَرٌ كما أنّه هيهنا خبر، إلاّ أنّك لا تستعمل الاسم، فأخلصوا هذه الحروف، ـيعني أفعال المقاربةـ للأفعال كما خلصت حروف الاستفهام للأفعال، نحو «هلاّ» و «ألاّ»(1). انتهى.

ومنها: ما ذهب إليه الكوفيّون من أنّها تامّة بمعنى «قرب» و ما بعدها فاعلها، و«أن مع الفعل» بدل منه; بدل الاشتمال ، فإذا قلت : عسى زيد أن يقوم، كان بمعنى: قرب قيام زيد.

ومنها: أنّها تامّة إلاّ أنّها بمعنى قارب و«أن » مع الفعل: مفعوله، فمعنى المثال: «قارب زيد القيام».

ومنها: أنّها تامّة بمعنى تهيّأ و «أن» مع الفعل منصوب المحل بنزع الخافض وهو اللام، فمعنى المثال: تهيّأ زيدٌ لأن يقوم.

ومنها: أنّها تامّة بمعنى «قرب» إلاّ أنّ «ان» مع الفعل منصوب بنزع من، فالمعنى : عسى زيدٌ من أن يقوم .

ومنها: أنّها ناقصة إلاّأنّ «أن» والفعل بدل ممّا قبله وهو قائم مقام الجزئين أعني الاسم والخبر، كما سدّمسد المفعولين في قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيرٌ)(2) على قراءة «تحسبنّ» بالفوقانيّة، ولمّا كان يرد على الأوّل من هذه الأقوال أنّه لو كان «أن» مع الفعل خبراً، وجب أن يحمل على الاسم وهو ممّا لا يصلح لذلك، أوّلوه بوجوه:

منها: أن يقدّر المضاف إمّا قبل الاسم بأن يكون التقدير: عسى أمر زيد، أو

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- كتاب سيبويه: 3/160.
2- آل عمران:178.


( 267 )
قيل «أن» بأن يكون التقدير: عسى زيد صاحب القيام، كما يحتمل الوجهان في قوله تعالى: (وَلكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ)(1).

ومنها: أنّه من باب: زيد عدل.

ومنها: أنّ «أن» زائدة لا مصدرية، و هذا الوجه غلط من وجهين: الأوّل: أنّها لو كانت زائدة لما نصبت، والثاني: أنّها لو كانت زائدة لما لزمت، وعلى القول بالإنشائية فجعل الجملة التي هي صدرها خبراً لكنتم أو حالاً مبني على التأويل بالخبر، بأن يكون الخبر أو الحال ما يفهم منها من الاخبار بأنّهم متوقع منهم ذلك، فكأنّه قيل: كنتم متوقعاً منكم كذا، أو على تقدير نحو: مقولاً في شأنه.

وقد لا تذكر بعد عسى إلاّ أن مع الفعل، وحينئذ ففيه أقوال:

منها: أنّ«عسى» تامّة ليس لها إلاّ فاعل هو أن مع الفعل.

ومنها: أنّها ناقصة وقد تنازعت هي والفعل في الاسم بعده، فعلى اختيار البصريين ينبغي أن يقال في التثنية: عسيا أن يخرج الزيدان، وعلى اختيار الكوفيين: عسى أن يخرجا الزيدان.

ومنها: أنّها ناقصة و «أن» مع الفعل سادّ مسدّ الجزءين.

ومنها: أنّها ناقصة والمذكور اسمها، وخبرها محذوف أي: عسى أن يقوم زيدان تقع، أي قارب قيام زيد الوقوع، وقد جاء بعد عسى مكان «أن» مع الفعل اسم مفرد في المثل السائر «عسى الغُوَيْرُ أبْوُساً»(2).

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البقرة:177.
2- المثل من قول «الزبّاء» في قصتها المشهورة، حين قيل لها: اُدخلي الغار الذي تحت قصرك، فقالت «عسى الغوير أبؤساً» أي: إن فررت من بأس واحد فعسى أن أقع في أبؤس. كتاب سيبويه:3/58 و انظر في ذلك جمهرة الأمثال للعسكري 2/50 رقم 1209.


( 268 )
وفي قوله:

أكْثَرْتَ في العَدْلِ مُلِحّاً دائماً * لا تُكْثِرَنْ إنّي عَسَيْتُ صائِماً(1)

فقيل إنّهما شاذّان نزل فيهما «عسى» منزلة «كان». و قيل: بل الاسم خبر لـ «يكون» أو لـ«كون» مقدّراً، أي : عسى الغوير أن يكون أبوُساً، وعسيت أن أكون صائماً، وقد يكون المضارع الذي بعدها عرياً عن «أن» فقيل: إنّ «أن» مقدّرة قبله وإنّما حذفت لقوة الدلالة عليها وهو قول الكوفيين، وقيل بل نزل «عسى» منزلة «كاد»كما قد تنزل «كاد» منزلة «عسى».

الظرف، أعني «فيه» إمّا أن يتعلّق بـ«تصنعوا» ولكن يلزم تقديم معمول الصلة على الموصول، أو يتعلّق بـ «عسى»، أو حال عن فاعل «عسى».

وتفصيل ذلك أنّه يحتمل أن يكون بمعنى الباء وحينئذ أيضاً يتعلّق به.

أو يحتمل أن يكون للتعليل وحينئذ يحتمل أن يكون متعلّقاً بـ «تصنعوا» و بـ«عسى».

ويحتمل أن يكون للمصاحبة وحينئذ فليس إلاّ حالاً عن فاعل «عسى»، و الضمير فيه إمّا على الأوّل فالظاهر أنّه راجع إلى المفزع إن كان اسم مكان، أو إلى المفهوم منه من المفزع اسم مكان إن كان مصدراً، أو إلى «من» المقدّرة أو «أحد» المقدّر، فإنّ التقدير حينئذ: أعلمتكم إلى من مفزعاً أو مفزعاً إلى أحد.

ويحتمل أن يرجع إلى المعلم أي الوصية التي يوصي بها من كون فلان مفزعاً.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- قال أبوحيّان: «هذا البيت مجهول، لم ينسبه الشُّرّاح إلى أحد»; قال ابن هشام: «طعن في هذا البيت عبد الواحد في كتابه «بغية الآمل و منية السائل» فقال: هو بيت مجهول، لم ينسبه الشُّراح إلى أحد، فسقط الاحتجاج به، و لو صح ما قاله لسقط الاحتجاج بخمسين بيتاً من كتاب سيبويه، فإنّ فيه ألف بيت عرف قائلوها و خمسين بيتاً مجهولة القائلين»، (شرح ابن عقيل: الشاهد 84).


( 269 )
وأمّا على الثاني: فالأمر أيضاً كذلك، أي بالموصى له أو بالوصية.

وأمّا على الثالث: فالظاهر رجوعه إلى الاعلام أي «عسيتم لأجل هذا الاعلام أن تصيروا مثل أصحاب العجل في صنيعهم» إمّا لأنّه إذا لم يكن إعلام لم تتحقق مخالفة، وإمّا لأنّه إن أعلم فإنّما يعلم أنّ المفزع هو علي بن أبي طالب صلوات اللّه وسلامه عليه وقد علم أنّهم يعادونه، فلو أعلم أنّه المفزع ازدادت عداوتهم له.

ويحتمل الرجوع إلى المعلم.

وعلى الرابع أيضاً يحتمل إرجاع الضمير إلى كلّ من «المفزع» ومن «الاعلام».

«صنيع» إمّا مفعول مطلق لـ «تصنعوا»، أي «صنيعاً مثل صنيع أهل العجل» وهو الظاهر.

أو مفعول به على أن يريد به معنى اسم المفعول أي المصنوع، وعليه أيضاً يكون المراد «مثل صنيع» إمّا بتقدير المثل، أو بمجرد العناية.

الإضافة في أهل العجل كما عرفت لابيه بأدنى ملابسة.

«إذ» إمّا ظرف متعلّق بـ«الصنيع» وإمّا للتعليل لما يفهم من إسناد الصنيع إليهم، فإنّ الصنيع كما عرفت يخصّ الفعل القبيح، فكأنه قيل:إنّهم فعلوا فعلاً قبيحاً لأنّهم فارقوا هارون.

وإمّا زائدة وما بعدها بيان للصنيع.

«الترك» مبتدأ وخبره «أودع».

و «له» إمّا أن يتعلّق بالترك، وإمّا بـ«أودع» فإن كان الأوّل وكانت اللام للتقوية فالضمير إنّما يعود على الإعلام، وإن كانت اللاّم للتعليل فالضمير عائد إلى مضمون جواب الشرط أي لأجل ما عسى أن يفعلوا كذا كان الترك أودع، وحيئنذ فالألف واللاّم في الترك قائم مقام الإضافة، أي تركه .


( 270 )
وإن كان الثاني كان اللاّم للتعليل أو لشبه التمليك وهي المسمّاة بـ«لام الانتفاع» والضمير على الأوّل عائداً على مضمون جواب الشرط، وعلى الثاني عائداً على المفزع، والمفضل عليه محذوف، أي أودع من الإعلام، واشتمال المفضل عليه على أصل البيعة تقديري موافقاً لرأي المخاطبين، أي إن كان في الإعلام بيعة كما تظنّون فالترك أوسع، كقول أمير المؤمنين صلوات وسلامه عليه:«لأن أصوم يوماً من شعبان أحبُّ إليَّ مِنْ أنْ أفْطُرَ يوماً من شهر رمضان»(1).

وقوله ـ عليه السَّلام ـ «اللّهمّ أبدلني بهم خيراً منهم وأبدلْهُمْ بي شَرّاً منّي»(2).

وكقوله تعالى: (أَصْحابُ الجَنَّةِ يَومَئِذ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً)(3).

أو يقال: إنّه لم يرد معنى التفضيل أصلاً، فإنّ أبا عبيدة وجماعة ذهبوا إلى أنّ أفعل التي أصلها أن يكون للتفضيل، قد تخرج إلى معنى فاعل وفعيل من غير ملاحظة معنى التفضيل.

وذهب جماعة إلى أنّها ربّما تكون بمعنى الصفة المشبهة، وعن المبرّد أنّ تأويلها باسم الفاعل أو الصفة المشبّهة قياس مطّرد.

وقال الشاعر:«ملوك عظام من ملوك أعاظم»(4).

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- بحارالأنوار: 95/303 عن كتاب فضائل الأشهر الثلاثة. و ذكره الشيخ الطوسي في تهذيب الاحكام: 4/181، والبيهقي في السنن الكبرى:4/211. دار الفكر، بيروت.
2- نهج البلاغة: الخطبة: 25.
3- الفرقان:24.

4- جزء من بيت قاله شخص نزل به عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطّلب، فذبح له عنزاً لم يكن عنده غيرها، فأكرمه عبيد اللّه و منحه مالاً كثيراً، و هو و من أبيات في مدح عبيداللّه يقول فيها:
توسّمته لمّا رأيت مهابة * عليه و قلت المرء من آل هاشم
وإلاّ فمن آل المرار فإنّهم * ملوك عظام من ملوك أعاظم

و إلاّ فمن آل المرار فإنّهم ملوك عظام من ملوك أعاظم
(انظر شرح الرضي: 2/459).


( 271 )
وقال آخر:«الاَُْم قوم أصغراً أو أكبراً»(1).

وحملوا عليه قوله تعالى: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه)(2) إذ ليس شيء أهونُ عَليه من شيء، وهذه الجملة كما يحتمل أن تكون داخلة في المحكي يحتمل أن تكون من كلام الحاكي.

المعنى:

فقال النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ لو كنت عرَّفتكم شخصاً يكون ملجأً لكم، وأعلمتكم أحداً أو فلاناً ملجأ، أو أعلمتكم ملجأً لكم أو التجاء إلى أحدكم عستيم أو كنتم عسيتم، أي أتوقع أمركم أن تصنعوا في شأن ذلك الملجأ أو في الفلان، أو الأحد، أو في شأن المعلم أعني الإيصاء والنصب، أو لأجله، أو معه، أو مع ذلك الملجأ، أو الفلان، أو الأحد، أو بذلك الملجأ، أو الأحد، أو الفلان صنيعاً مثل صنيع عبدة العجل أو ما صنعه عبدة العجل، أي مثله في زمان مفارقتهم، أو لأنّهم فارقوا هارون الذي جعله أخوه موسى خليفة له وجعله مفزعهم وملجأهم، أو أتوقّعكم ذوي أن تصنعوا، أو أتوقعكم نفس أن تصنعوا مبالغة، أو قاربتم أن تصنعوا، أو قربتم أن تصنعوا أي قرب صنيعكم، أو قربتم من أن تصنعوا، أو تهيّأتم لأن تصنعوا، أو أتوقّعكم أن تصنعوا أي أتوقّع أن تصنعوا، أو ألفيتم حال كونكم كذلك، أو إن عرفتكم، أو أعلمتكم صرتم، أو ألفيتم كذلك، أو خالفتم

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- عجز بيت ذكره شيخ الطائفة الطوسي في «التبيان في تفسير القرآن»:8/245 و ذكر صدره: «قبحوا يا آل زيد نفرا». و في شرح الرضي: 3/459 ذكرالبيت:
قبحتم يا آل زيد نفرا * الام قوم اصغراً و اكبرا

و قال البغدادي: لم أقف على خبره.
2- الروم:27.


( 272 )
لأنّكم كنتم عسيتم، وإذا كان كذلك فترك الإعلام أوسع لكم من الإعلام إن فرض فيه سعة أو واسع، أو فترك الإعلام لأجل ما قلته أوسع أو فتركه أوسع لأجل ما قلته، أو أوسع لذلك المفزع.

وحاصل هذه الأبيات الأربعة: أنّهم سألوا النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أن ينصّب خليفة لنفسه يفزعون إليه بعده، فقال لهم: إنّي أخاف أن تفارقوه وتخالفوا وصيّتي فيه فترتدّوا عن الدين، كما خالفت بنو إسرائيل وصيّة موسى صلوات عليه في أخيه هارون ففارقوه وعبدوا العجل، فترك الوصيّة ونصب الخليفة أوسع لكم وأنّي الآن لا يحضرني خبر يصدق هذا المقال، وإنّما يحضرني ممّا يتضمّن سؤال الأصحاب منه النص أخبار أذكر عدّة منها:

فمنها: ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده عن أنس ـ يعني ابن مالكـ قال: قلنا لسلمان: سل النبيّ مَن وصيّه؟ فقال له سلمان: يا رسول اللّه مَن وصيّك؟ فقال: يا سلمان من كان وصيّ موسى؟ فقال: يوشع بن نون، قال: قال: وصيّي ووارثي ومَنْ يَقضي دَيني وينجز موعدي علي بن أبي طالب(1).

ومنها: ما رواه محمد بن جرير الطبري في كتاب «مناقب أهل البيت صلوات اللّه عليهم » بإسناده عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، عن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال: قلنا يوماً: يا رسول اللّه من الخليفة بعدك حتى نعلمه؟ قال لي: يا سلمان ادخل عليَّ أبا ذر والمقداد وأبا أيّوب الأنصاري ـ وأُمّ سلمة زوجة النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ من وراء البابـ، ثمّ قال لنا: اشهدوا وافهموا عنّي أنّ علي بن أبي طالب وصيّي ووارثي وقاضي دَيني وعداتي، وهو الفاروق بين الحقّوالباطل

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- عثرنا على الحديث في: شواهد التنزيل، للحسكاني: 1/99، و مجمع الزوائد، للهيثمي: 9/113 باختلاف يسير.


( 273 )
و هو يعسوب المسلمين (و إمامالمتّقين و قائدالغُرّالمحجّلين)(1) والحامل غداً لواء ربّ العالمين; و هو ووالداه من بعده; ثمّ من وُلدِ الحسين ابني أئمّة تسعة هداة مهديّون إلى يوم القيامة; أشكو إلى اللّه جحود أُمّتي لأخي (و تظاهرهم عليه)(2) وظلمهم له وأخذهم حقّه.

قال: فقلنا : يا رسول اللّه ويكون ذلك؟ قال: نعم يقتل مظلوماً من بعد أن يُملأ غيظاً ويوجد عند ذلك صابراً، قال: فلمّا سمعت فاطمة صلوات اللّه عليها أقبلت حتى دخلت من وراء الحجاب وهي باكية فقال لها رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : ما يبكيك يا بُنيّه؟ قالت: سمعتك تقول في ابن عمّي وولدي ما تقول ، قال: وأنت تُظلمين وعن حقّك تُدفَعين; وأنتِ أوّل أهل بيتي لحوقاً بي، بعد أربعين; يا فاطمة أنا سلمٌ لمن سالمَكِ وَحربٌ لمَنْ حاربَكِ أستودعك اللّه وجبرئيل وصالح المؤمنين، قال: قلت: يا رسول اللّه من صالح المؤمنين؟ قال: علي بن أبي طالب.(3)

ومنها: ما حكاه السيد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي سلام اللّه عليه في شرح البائية التي للناظم التي أوّلها:

هلاّوَقَفْتَ على المَكان المعشبِ * بين الطُّوَيْلِعِ فاللِّوى من كَبْكَبِ

فقال: وروى الثقفي عن مخول بن إبراهيم، عن عبدالرحمن بن الأسود اليشكري، عن محمد بن عبيد اللّه، عن محمد بن أبي بكر، عن سلمان الفارسي رحمه اللّه، قال: سألت رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : مَن وصيّك من أُمّتك فإنّه لم يُبعث نبيّ إلاّكان له وصيّ من أُمّته؟ فقال ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : لم يبيّن لي بعدُ، فمكثتُ ما شاء اللّه أن أمكث ثم دخلت

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ما بين القوسين من المصدر.
2- ما بين القوسين من المصدر.
3- المناقب: 112 ح 121، و بحارالأنوار:32/264، ح5، عن كشف اليقين.


( 274 )
المسجد، فناداني رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فقال: يا سلمان سألتني مَنْ وصيّي من أُمّتي فهل تدري من كان وصيّ موسى من أُمّته؟ فقلت: كان وصيّه يوشع بن نون فتاه، فقال: فهل تدري لِمَ كان أوصى إليه؟قلت: اللّه ورسوله أعلم، قال: أوصى إليه لأنّه كان أعلم أُمّته بعده، ووصيّي هو أعلم أُمّتي بعدي: عليّ بن أبي طالب(1).

ومنها: ما رواه أخطب خطباء خوارزم في مناقبه عن أنس عن سلمان، قال: قلت: يا رسول اللّه عمّن نأخذ بعدك وبمن نثق؟ قال: فسكت عنّي حتى سألت عشراً، ثمّ قال: يا سلمان إنّ وصيّي وخليفتي وأخي ووزيري وخير من أُخلفه بعدي علي بن أبي طالب، يؤدّي عنّي وينجز موعدي (2).

ومنها: ما رواه عن ابن مسعود، قال: كنت مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وقد أصحر فتنفّس الصعداء، فقلت: يا رسول اللّه ما لك تتنفّس؟ قال: يا ابن مسعود نعيت إليَّ نفسي، قلت: استخلف يا رسول اللّه قال: من؟ قلت: أبا بكر، فسكت ثمّ تنفّس، فقلت : ما لي أراك تتنفّس يا رسول اللّه؟ قال: نعيت إليَّ نفسي، فقلت: أستخلف يا رسول اللّه؟ قال: من؟ قلت: عمر بن الخطّاب، فسكت ثمّ تنفّس، فقلت: مالي أراك تتنفّس يا رسول اللّه قال: نعيت إليّ نفسي، فقلت: يا رسول اللّه استخلف قال: من؟ قلت: علي بن أبي طالب، قال: اوه لن تفعلوه إذاً أبداً، واللّه لئن فعلتموه ليدخلنّكم الجنّة(3).

ومنها: ما ذكّرت به أُمّ سلمة رضي اللّه عنها عائشة، فقالت: أتذكرين مرض رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ الذي قبض فيه فأتاه أبوكِ يعوده ومعه عمر، وقد كان عليّ يتعاهد ثوب رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ و نعله و خفّه و يصلح ما وَهيَ منها، فدخل قبل ذلك فأخذ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- بحارالأنوار: 38/19 عن أمالي الصدوق:9.
2- بحارالأنوار:34/12.
3- أبو نعيم: حلية الأولياء: 1/64 باختصار، كتاب مائة منقبة لابن شاذان: 29ح10.


( 275 )
نعل رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يخصفها ـوكانت حضرميةـ وجلس خلف الباب ، فاستأذنا عليه فأذن لهما فقالا: يا رسول اللّه كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحمد اللّه، قالا: ما بدّ من الموت، قال: أجل لابدّ منه، قالا: يا رسول اللّه فهل استخلفت أحداً؟ فقال: ما خليفتي فيكم إلاّ خاصف النعل، فخرجا فمرّا بعلي بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ وهو يخصف نعل رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .(1)

ومنها: ما رواه الفقيه ابن المغازلي بإسناده عن حارثة بن زيد أنّه قال: شهدت مع عمر بن الخطاب حجّته في خلافته فسمعته يقول: اللّهم إنك تعلم محبّتي لنبيّك وكنت مطلعه من سرّك ممّا صدّقناه عنك اللّهم فحبّبني إلى وصيّه وصاحب سرّه، فلمّا رآني أمسك وحفظتُ الكلام منه، فلمّا انقضى الحجّوانصرفنا إلى المدينة تعمّدتُ الخلوة به، فرأيته يوماً على راحلته يسير وحده فقلت له: يا أمير المؤمنين بالذي هو أقرب إليك من حبل الوريد إلاّأخبرتني عمّا أُريد أن أسالك، فقال: سل عمّا شئت، فقلت له: سمعتك يوم كذا تقول كذا و كذا فكأنّما فتّ في وجهه الزمان، فقلت: فو الّذي استنقذني من الجهالة وأدخلني الإسلام ما أردت بما سألتك عنه إلاّ اللّه وحده لا شريك له، فضحك.

وقال: يا حارثة دخلت على رسول اللّه وقد اشتدّوجعه وأحببت الخلوة به وكان عنده الفضلبنالعباس(2)، فجلستُ حتّى نهض وبين رسول اللّه ما أردت فالتفت إليّ وقال : يا عمر أردت أن تسألني لمَن يصير هذا الأمر بعدي؟ قلت: نعم يا رسول اللّه.

فقال: هذا وصيّي من بعدي وهو خليفتي وكاتم سرّي; مَن أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى اللّه عزّوجلّ، ألا

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- رسائل الشريف المرتضى:4/67، منشورات دارالقرآن الكريم، 1410هـ.
2- من المصدر وفي الاصل «العباس».


( 276 )
ومبغضه مبغضي ومبغضي مبغض اللّه، يا علي والى اللّه من والاك وخذل من يخذلك.

ثمّ علا بكاؤه وانهملت عبرته فجعلت آخذها بيدي وهي تنحدر على لحيته وعلى خدّه ـ عليه السَّلام ـ ، وأنا أمسح بيدي وجهه.

ثمّ التفت إليّ وقال: يا عمر إذا نكث الناكثون وقسط القاسطون ومرق المارقون قام هذا مقامي حتى يفتح اللّه عليه وهو خير الفاتحين.

قال حارثة: فتعاظمني ذلك فقلت: يا عمر فقد تقدّمتموه وقد سمعت هذا من رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ !

فقال: يا حارثة بأمر كان ذلك، قلت: بأمر رسول اللّه أو بأمر علي؟ قال: بأمر علي(1) .(2)

وشيء من هذه الأخبار كما ترى لا يتضمّن ردّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ لهم عمّا سألوه إلاّ في الثالث، وهو إنّما تضمّن أنّه لم يبيّن له بعد، وفي الخامس إنّما كان السائل ابن مسعود لا غير، وإنّما تضمّن أنّهم لا يقبلونه ولكن الناظم رحمه اللّه أعْرَف بما قال وأعرف بالأخبار لكونه في زمن الأئمّة الأطهار صلوات اللّه عليهم.

ويحتمل أن يكون أراد بالقول الذي نسبه إليه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ القول الباطني أو التقديري، أي أحجم عن جوابهم لمّا خاف عليهم من أن يخالفوا النص فيكفروا.

واستعمال القول بمعنى ما في النفس كثير، يقال: في نفسي قول لم أظهره، قال جلّ ذكره:(وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنا اللّهُ)(3) وعلى هذا فتصدّقه أخبار

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- في المصدر «فقال لابل الملك عقيم والحق لعلي بن أبي طالب» بدل «قال بأمر علي».
2- الروضة في المعجزات والفضائل:133، عنه بحارالأنوار:40/121 ـ 122.
3- المجادلة:8.


( 277 )
غدير خم كما ستقف عليها إن شاء اللّه.

فإن قال قائل: كيف جاز ردّهم عمّا سألوه وإخفاء هذا الأصل الأصيل من أُصول الدين مع ما تضافرت النصوص على التهديد على كتمان الشهادة وإخفاء العلم، قال تعالى:(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللّهِ)(1) ثمّ أيّ فائدة في هذا الإخفاء؟ مع أنّ معرفة الإمام واجبة على كلّ مكلّف وأنّ من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة; وقد نطقت النصوص المتضافرة باختلاف ألفاظها بذلك، فالكفر لازم لهم على تقديري الإعلام وعدمه.

قلنا: أمّا الجواب عن الأوّل، فهو أنّه لا يخلو إمّا أن يكون المراد بـ«لو» معناها الحقيقي، أو معنى «إن».

فإن كان الأوّل لم يكن يزيد على أنّه أخبر بأنّه لو أعلمهم ذلك كان يتوقّع منهم الإنكار فيكون مقابله لعناً بهم إيّاه بعتابه إيّاهم، فإنّ المفهوم من قولهم كما عرفت، عتابه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ على تركه إعلامهم، فعاتبهم بأنّه لو أعلمهم لما نفع فيهم بل أضرّ بهم.

وإن كان الثاني لم يكن يزيد على أنّه أخبر بأنّه يتوقّع منهم الإنكار، وفيه تهديد لهم ونصيحة بليغة.

وأمّا الإعلام فهو عنه ساكت لا رادّله، وسكوته إنّما كان لخوفه على نفسه ووصيّه وعليهم كما تصرّح به أخبار غدير خم كما ستطّلع عليه إن شاء اللّه، على أنّه أعلمهم في ضمن هذا الكلام أبلغ إعلام وأكّد الأمر فيه عليهم أوثق تأكيد كما سيشير إليه الناظمرحمه اللّه ، وليس هذا السكوت من قبيل كتمان الشهادة أو العلم بالنسبة إليه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فإنّه كان واثقاً بحياته عالماً بأنّ اللّه سبحانه سيوفّقه لهذا الأمر

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البقرة:140.


( 278 )
ويرفع عنه الموانع، ومعرفة الوصيّ لم تكن من الواجبات المضيّقة التي لا يجوز تأخيرها بالنسبة إلى الصحابة، بل إنّما كان عليهم أن يعرفوه بعد النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فلم يكن إعلامهم أيضاً واجباً مضيّقاً، فإذا انضافت إلى ذلك موانع ربّما تحرمه لم يكن بالتأخير من الناس شيء ولو سلّم أنّه من قبيل كتمان الشهادة والعلم، إلاّ أنّه إنّما يحرّم إذا لم يكن ما يوجبه، ولقد كان من الموانع ما يحتّمه عليه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .

وأمّا الجواب عن الثاني: فيظهر من الجواب عن الأوّل فإنّه إذا لم يكن إلاّ مجرّد إخبار وعتاب وسكوت عن الإعلام لمصلحة لم تكن فيه دلالة على أنّهم على تقدير عدم الإعلام لم يكن عليهم شيء في عدم عرفانهم إمام زمانهم إلاّ ظاهر قوله: فالترك له أودع، وهو كما عرفت يحتمل أن يكون من كلام الناظم فيسهل الأمر، ومع ذلك فيحتمل أن يكون ذلك مقولاً على لسان حالهم فإنّهم إذا كانوا بحيث يخالفون المنصوص عليه فيهم في سعة من ذلك بزعمهم فإذا لم ينص، كان أوسع لهم البتة.

وأيضاً فلا شبهة في أنّ إنكار الإمام مع النصّ أقبح والعذاب المستحق به أشدّ من إنكاره بدونه، على أنّه لا شبهة في أنّه على تقدير عدم النص لم يكن إمام لتكون مخالفته كفراً، فقد صحّ أنّ الترك أودع لكن على فرض جوازه. وإن كان المفروض محالاً فكأنّه قيل: إنّه لو جاز ترك الوصاية ولم يوجبها اللّه إيجاباً حتمياً كان أودع لكم.

وأيضاً يجوز أن يكون ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ربّما جوّز أن يموت بعض الصحابة في حياته فلا تكون معرفة الإمام بعده واجبة عليه، ولو نص لم يذعن وكفر، فترك النصّ بالنسبة إليه أودع.

وأيضاً يجوز أن يكون المراد أنّه أودع لهم في الدنيا، فإنّه حينئذ لم يكن لهم منازع ولم يعاتبوا على مخالفة الوصي ولم ينكر عليهم في ذلك.


( 279 )
وأيضاً يجوز أن يكون المراد أنّه أودع للوصي إذ لا تقوى فيهم عداوته ولم يخف من غوائلهم، سواء أرجع العائد في له إليه أو إلى غيره.

وأيضاً يجوز أن يكون أنّه أودع للنبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فإنّه حينئذ لا يكذب ولا يخالف وصيّه وابن عمّه.

وأيضاً فإنّهم لمّا كانوا ممّن لا ينفع فيهم الإعلام، بل كانوا ينكرون النصّ ويرتدّون لم يكن للإعلام فائدة بالنسبة إليهم إلاّإتمام الحجّة، ولا شكّ أنّ عدمه أوسع لهم.

المعاني:


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net