متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
شرح البيت السابع والعشرين
الكتاب : اللآلي العبقرية في شرح العينيّة الحميرية    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر

[27]

 

لا هُمْ عَلَيْهِ يَرِدُوا حَوضَهُ * غداً ولا هُوفِيهِـم يشفــعُ

 

اللغة:

«لا » هي الموضوعة لنفي الجنس، ويلزمها إذا وليتها معرفة أن ترفع و أن تتكرّر.

أمّا الرفع، فلأنّ «لا» هذه إنّما كانت تعمل لمشابهتها بـ «أن» لما أنّ «ان» متوغلة في الإثبات فإنّها للمبالغة فيه، و«لا» متوغلة في النفي لأنّها نفي الجنس فلمّا دخلت المعرفة زال عنها التوغل في النفي فزالت المشابهة.

وأمّا التكرار، فلتقرب من نفي الجنس الذي هو الأصل في «لا» فإنّ نفي الجنس في الحقيقة نفي متكرّر.

وجوّز الكوفيون بناء الاسم العلم مفرداً نحو: لا زيد ولا عمرو، أو مضافاً كنيته نحو: لا أبا محمد ولا أبازيد، فإن كان علماً مضافاً إلى اللّه أو الرحمن أو العزيز أو الرحيم أو نحوها أجازوا أن تعمل فيه«لا»، فتقول: لا عبد اللّه ولا عبد الرحمن ولا عبد العزيز، وبعضهم حتموا إسقاط الألف واللاّم من الرحمن والعزيز فيقولون: لا أبا عبد رحمن، ولا أبا عبد عزيز.


( 426 )
قال الفرّاء: إنّما أُجيز «لا عبد اللّه » لك لأنّه حرف مستعمل يقال لكلّ أحد، يعني أنّه كثر استعماله فأُجيز فيه مالا يجوز في الرحمن والعزيز ونحوهما.

وخالف المبرّد وابن كيسان في وجوب التكرير فأجازا عدمه،وعند الجمهور لا يجوز إلاّفي الضرورة ولكن إذا كان الاسم الواقع بعدها بمعنى الفعل لم يلزم التكرار نحو: لا سلام على زيد، فإنّه بمعنى : لا سلام اللّه عليه. ونحو : لا نولك أن تفعل كذا، فإنّه بمعنى : لا ينبغي لك أن تفعل.

«على» على أوجه: فعل واسم وحرف.

فالفعل: ماضي«يعلوه» أو «يعليه» ، فهو «علا» أي صعده.

والاسم: بمعنى «فوق»وذلك إذا جرّ بـ«من» كقوله:

غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها * تصل وعن قيض بزيزاء مجهل(1)

وخالف الفرّاء و من وافقه من الكوفيّين، فزعموا أنّ «على»حرف وإن دخلت عليها «من»، وإنّ «من» تدخل على حروف الجرّ كلّها سوى «من» و«الباء» و «اللام» و «في»، و زاد الأخفش موضعاً آخر لاسميّتها و هو ما إذا كان مجرورها و فاعل متعلّقها ضميرين لشيء واحد، نحو: سويت على قوتي، و قوله تعالى:(أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) (2).

وقول الشاعر:

هوِّنْ عليكَ فإنّ الأُمورَ * بِكَفِّ الإلـــهِ مَقادِيرُها(3)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ذكرهالحموي في معجمالبلدان:3/339 و نسبه إلى مزاحمالعقيلي والصحاح: مادة «علا».
2- الأحزاب:37.
3- و الشاعر هو الأعورالشَّنِّيّ في الحماسة . (شرح شواهدالمغني : 146، 295). و في مغني اللبيب:2/487 بعدها:

فليس بآتيك منهيها * و لا قاصر عنك مأمورها


( 427 )
لأنّه لا يجوز أن يكون فاعل فعل من غير أفعال القلوب ومفعوله ضميرين لشيء واحد، ولا يقال ضربتني ولا فرحت لي بل ضربت نفسي وفرحت بنفسي.

وردّ عليه بأمرين:

أحدهما أنّها لو كانت اسماً في هذه المواضع لصحّ إقامة «فوق» مقامها، وأنت خبير بأنّه يصحّ ولكن بتكلّف في الأخيرين.

وثانيهما: أنّه لو تمّ الدّليل على اسميّتها لكانت «إلى» في قوله تعالى: (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ)(1) وقوله: (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ)(2) و قوله: (هُزِّي إِلَيْكِ)(3) اسماً،ولم يقل به أحد، بل إنّما أوّلوها بأحد أمرين:أحدهما أن يقدّر مضاف، أي إلى نفسك، أو يقدّر تعلّقها بمقدّر، كما في نحو: سقيا لك.

وكلّ من هذين الوجهين من التأويل جاري في أمثلة «على» فلا حاجة إلى القول باسميتها.وله أن يقول: إنّهم إنّما ارتكبوا التأويلين في «إلى» لمّا لم يثبت اسميتها، و«على» بخلاف ذلك فقد ثبت اسميّتها في الجملة فلا حاجة فيها إلى شيء من التأويلين.

ثمّ اختلف في «على» الاسمية أنّها معربة أو مبنية.والحقّ أنّها مبنيّة ; لمشابهتها الحرفية صورة ومعنى،ويخالف عن الاسمية في أنّه لا يلزمها الإضافة كما يلزم «عن» ، قال:

باتَتْ تَنُوشُ الحوضَ نوشاً من علا * نوشـــاً به تقطــع أجواز الفلا(4)

وأمّا الحرف فقد اختلف في وجوده فالجمهور عليه، و قيل: بل لا يكون إلاّ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البقرة:260.
2- طه:22.
3- مريم:25.
4- ذكر البيت في تاجالعروس: 10/251، و نسبه إلى أبي النجم أو إلى غيلان بن حريثالربعي، انظر لسان العرب:5/164.


( 428 )
اسماً.

ولـ«على» الحرفية معان، منها: الاستعلاء إمّا حقيقة وهو الّذي على المجرور حسّاً أوعقلاً، أو مجازاً، و هو الّذي على ما يجاوره كقوله تعالى:(أَوْ أَجِدُ عَلى النّارِ هُدىً)(1) وهذا المعنى هو أصل معانيها.

ومنها المصاحبة، كقوله تعالى: (وَآتَى المالَ عَلى حُبِّهِ)(2) وهما المحتملان هنا، والأوّل هو الأظهر، إلاّ أنّ المراد المجازي منه أي الورود على ما تقرب منه.وإن أراد الثّاني، فلا يريد المصاحبة في ابتداء الورود، بل مجرد المصاحبة بقرب الحوض وإن كانت بعد ورده بأُلوف الأعوام.

أصل الورود : قصد الماء أو حضوره أو الإشراف عليه للشرب سواء تحقّق الشرب أم لا، وكثيراً يقصد به الحضور المقرون بالشرب بل الشرب.

ثمّ عمّم الدخول في كلّ شيء وعلى كلّ شيء، أو الوصول إليه أو الإشراف عليه، فيقال: ورد بلد كذا، وورد علي من الأمر كذا.

«الحوض» واحد الأحواض و الحياض،من حاض الماء أي جمعه.

«الغد» أصله «غدو» حذفوا اللاّم من غير تعويض، والنسبة إليه غديّ وغدويّ، وجاء على الأصل قول السيد:

وما الناسُ إلاّ كالديارِ وأهلُها * بها يَومَ حَلُّوها و غَدْواً بَلاقِعُ(3)

ومعناه اليوم الذي يلي يومك من الأيّام الآتية، والمراد به هنا يوم القيامة

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- طه:10.
2- البقرة:177.
3- ذكره في الصحاح: 6/2442 «غدا» و نسبه إلى لبيد، و في النهاية لابنالأثير:3/346 نسبه إلى ذي الرمة و قال: هكذا نسب في الأصل و لم نجده في ديوانهالمطبوع، و قد نسبه في اللسان للبيد و هو في شرح ديوانه: 169 تحقيق إحسان عباس.


( 429 )
استقصاراً الأيّام الدنيا وتنزيلها منزلة يوم واحد، وتنزيلاً لها منزلة يوم واحد في تشابه أجزائها في كثير من الأحوال.

«في» إمّا للظرفيّة أو التعليل ، كما في قوله تعالى:(فَذلِكُنَّ الّذي لُمْتُنّني فيهِ)(1) وقوله تعالى: (فَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ)(2)، أو زائدة كما قيل في قوله تعالى: (وَقالَ ارْكَبُوا فيها) .(3)

وفي قوله :

أنا أبو سَعد إذَا الليلُ دَجَا * يَخالُ في سوادِهِ يَرَنْدَجا(4)

«الشفاعة»: أن تسأل العفو عن أحد، شفع له، كمنع، شفاعة وشفعة في فلان تشفيعاً: إذا قبل شفاعته، وكأنّها مأخوذة من الشفع خلاف الوتر، لما أنّ الشفيع كأنّه يضمّ نفسه إلى من يشفع له لينصره أو يدفع عنه المكروه.

الإعراب:

«هم » مبتدأ وخبره «عليه يردوا حوضه غداً».

«عليه» متعلّق بـ«يردوا» كلّ من حوضه.

و «غداً» ظرف ليردوا، ولو لم يتعلّق بالورود عليه لحكمنا بأنّ حوضه مفعول به له، لأنّ «ورد» بمعنى «وصل» أو «حضر» أو «دخل»، أو ورده بمعنى أشرف عليه.

ويحتمل أن يكون حوضه مفعولاً به و«عليه» متعلّقاً بـ«يردوا»، لتضمّنه

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- يوسف:32.
2- النور:14.
3- هود:41.
4- تقدم ذكره و التفصيل عنه في ص 285.


( 430 )
معنى الثقل، نظير «على» في قوله:

كَمْ خالةٌ لكَ يا جَريرُ و عمّةٌ * فَدْعاء قَدْ حَبَلَتْ عليَّ عِشارِي(1)

أو يكون «عليه» متعلّقاً بمقبلين مقدّراً حالاً عنهم، أي لا هم مقبلين عليه يردوا حوضه، أو متعلّقاً بكرام حالاً أيضاً، أو خبراً لهم أي لا هم كرام عليه، وحذف نون يردوا على ما عدا الأخير للضرورة، كما في قوله:«واد يغصبوا الناس أموالهم».

وعليه للجزم لوقوعه جواباً للنفي أي: لا هم كرام لو كانوا كذلك يردوا حوضه.

ثمّ إنّ «يردوا حوضه» إمّا أن يكون من قبيل مجاز الحذف حتّى يكون المراد يردوا قرب حوضه، أو المراد بالحوض ما قرب منه أو بوروده ورود ما قرب منه .

«هو»: مبتدأ و مابعده خبره.

«فيهم»: إمّا ظرف لتشفع بتقدير «في شأنهم» أو «في حقّهم»، أو بمعنى يوجِد الشفاعة فيهم حتى يصيروا موصوفين بأنّهم مشفوع لهم أو فيهم، بمعنى لهم متعلّق يشفع، أي يشفع لأجلهم، و «هم»مفعول به ليشفع و «في»زائدة.

 

المعنى:

لا أُولئك القوم يردون على النّبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ حوضه أو قرب حوضه أو في حوضه أو في قرب حوضه، أو لا هم مقبلين أو كراماً عليه يردون حوضه، أو لا هم كرام عليه حتّى يردوا حوضه يوم القيامة ولا النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في حقّهم أو شأنهم يشفع أو فيهم يوقع الشفاعة أو يشفع لهم أو شفّعهم.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيت للفرزدق يهجو جريراً، ديوانه: 264، و في الأصل «عمة» مكان «خالة» و بالعكس.


( 431 )
ثمّ إن كان «عليه» حالاً فالمراد بالنفي : نفي القيد والمقيّد جميعاً لا القيد وحده.

ويحتمل على الأخير أعني تقدير كراماً، أن يريد نفي القيد وحده إذا كان المراد بورود الحوض مجرّد الإشراف عليه أو قصده أو حضوره أو الوصول إليه غير أن يتحقّق شرب كما هو الأصل في معناه، فإنّ غايتهم أن يحضروا الحوض ويصلوا لكن لا يكونون كراماً على النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ حتى يسقيهم منه، بل يطردهم أو تطردهم الملائكة عنه.

ويؤيده أنّه روى البخاري فيما أخرجه من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب أنّه كان يحدّث عن بعض أصحاب النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قال: يرد علي الحوض رجال من أُمّتي فيحلؤون عنه فأقول: يا ربّ أصحابي، فيقول: إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك; إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى.(1)

وأخرج أيضاً من حديث الزهري عن سعيد بن المسيّب،عن أبي هريرة أنّه كان يحدّث أنّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قال: يرد علي الحوض يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول: يا ربّ أصحابي، فيقول إنّه لا علم لك بما أحدثوا بعدك; إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى.(2)

ثمّ إنّ ما قال به الناظم رحمه اللّه من حرمانهم الحوض والشفاعة من الظهور وتواتر الاخبار به من الخاصّة والعامة ودلالة البراهين القاطعة عليه، ممّا لا حاجة إلى الإطناب فيه، مع أنّه لا يسعه ولا شطراً منه مثل هذا الكتاب، ثمّ إنّ الظاهر من البيت أنّه اخبار.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- صحيحالبخاري: 7/208، دارالفكر، بيروت 1401هـ ق.
2- صحيحالبخاري: 7/208، دارالفكر، بيروت 1401هـ ق.


( 432 )
ويحتمل أن تكون جملتين دعائيتين أي ولا وردوا عليه الحوض، أو لا كانوا عليه كراماً حتى يردوا الحوض ولا نالهم شفاعته.

المعاني:

فيه مسائل:

الأُولى: تقديم «عليه»على «يردوا» إن تعلّق به، للتوجيه وتقريب الضمير من مرجعه،وتعظيم الضمير باعتبار مرجعه والتشرّف والتبرّك به لرجوعه إلى النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .

الثانية: التعبير بالغد عن يوم القيامة، للدلالة على قصر زمان الدنيا. وفيه دلالة على انهماك القوم في الغفلة والضلال حيث آثروا العاجل على الآجل; والدّلالة على مخالفة شأن يوم القيامة لأيّام الدنيا وأنّهم لا يهملون ولا يتركون فيها كما تركوا في الدنيا.

الثالثة: التعبير عن اللام بفي فيمن يشفع له حتّى يتمكّن أثرها فيه ويقوم به، وكذا إن كانت زائدة.

الرابعة: تقديم «فيهم» على «يشفع» ; للوزن والقافية والتوجيه،وتقريب الضمير من مرجعه، و إفادة الحصر، وزيادة التطبيق بين الجملتين المتعاطفتين.

البيان:

«لا» الموضوعة لنفي الجنس إذا استعملت في نفي المعارف الّتي لا يراد بها النكرة، كانت استعارة تشبيهاً للنفي المتكرّر فيها بالنفي المتعلّق بالجنس المتكرر حقيقة.

إن كان المراد بالحوض: ما قرب منه، كان الحوض مجازاً من إطلاق اسم


( 433 )
أحد المتجاورين على الآخر.

وإن كان المراد بوروده الورود بقرب منه، كان إمّا تمثيلاً للورود بقرب منه بوروده، أوإطلاقاً لاسم أحد المتجاورين، أعني: وروده على الآخر، أعني: المورود قربه، أو تجوزاً في إيقاع الورود عليه.

«غدا» استعارة ليوم القيامة.

«في» إن كانت بمعنى اللاّم كانت استعارة.

جملة البيت إن أُريد بها الدعاء كانت مجازاً باعتبار وضعها النوعي، فإنّ للمركّبات وضعاً نوعيّاً كما للمفردات وضع شخصي ولبعضها أيضاً نوعي.

ثمّ شرع في وصف الحوض بما وردت عليه النّصوص فقال:

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net