متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
شرح الأبيات : الثامن والعشرين الى السابع والثلاثين
الكتاب : اللآلي العبقرية في شرح العينيّة الحميرية    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر

[28 ـ 37]

حوضٌ لَهُ ما بينَ صَنعاء إلى * يُنْصَبُ فيهِم عَلمٌ للهُدى

يفيضُ من رحمتِهِ كَوثَرٌ * حصاهُ ياقُوتٌ و مَرْجانَةٌ

بطحاؤه مسكٌ وحافاتهُ * أخْضَرُ ما دونَ الوَرى ناظرٌ

فِيهِ أباريقُ وقِدْحانَه يذبُّ عنها ابنُ أبي طالب

والعِطْرُ والرَّيحانُ أنواعُهُ * رِيحٌ مِنَ الجَنَّةِ مأمورةٌ

أيلةَ والعرض به أوسَعُ * والحوضُ مِن ماء لَهُ مُتْرَعُ

أبيَضُ كالفِضَّةِ أو انصعُ * ولؤلؤٌ لم تَجْنِهِ إصبَعُ

يَهْتَزُّ مِنها مُونِقٌ مَرْبَعُ * وفاقِعٌ أصفرُ أو أنصَعُ

يَذبُّ عنها الرَّجُلُ الأصلَعُ * ذَبَّكَ جُربى إبل تشرعُ

ذاك وقَدْ هَبّتْ بِهِ زَعْزَعُ * ذاهبةٌ ليسَ لهَا مَرْجِعُ

اللغة:

«اللام» للاختصاص، أو الاستحقاق، أو الملكية، أو شبه الملكيّة، أو الظرفيّة.


( 435 )
«ما» موصولة، أو موصوفة، والمراد بها المقدار أو المسافة أو نحوهما.

«بين» اسمٌ وضع للخلالة بين شيئين أو أشياء، وأصله من بان كذا: إذا انفصل فظهر منه ما كان كامناً. قال الراغب: و لمّا اعتُبر فيه معنى الانفصال والظهور استُعمل في كلّ واحد منفرداً حتّى قيل للبئر البعيدة القعر: بَيُونٌ، لبعد ما بينَالشفير و القعر لانفصال حبلها من يد صاحبها. وبان الصبح: ظهر(1).

ثمّ إنّ الغالب في «بين» أن يكون ظرفاً. وقد يتصرّف فيه، فيقال: بعيد بين المنكبين، ونقي بين الحاجبين،وقال تعالى: (مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ)(2) وقال: (لَقَدْتَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) .(3)

وزعم الفرّاء أنّه لا يستعمل إلاّمفتوحاً وإن تصرّف فيه برفع المحل أو جرّه، ولذلك سوّغ في قوله: «فأدبرن كالجذع المفصل بينه» أن يكون بينه صلة لـ«ما» محذوفة، وأن يكون قائماً مقام الفاعل للمفصل، ولا يجوز حذفه إذا كان بعد «ما» خلافاً لبعض الكوفيين فإنّهم يجوّزون أن يقال: «مطرنا ما زبالة فالثعلبية»(4) بمعنى ما بين زبالة ،وعليه (5) حملوا قوله:

يا أحسنَ الناسِ ما قَرناً إلى قدمِ * ولا حِبــالَ مُحِبّ واصِل تَصِلِ (6)

وقوله تعالى: (مَثلاً ما بَعُوضَة فَما فَوقها) .(7)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- مفردات غريب القرآن: 67.
2- العنكبوت:25.
3- الأنعام: 94.
4- شرح الرضي: 4/385 و هو من قولالعرب.
5- أي على جواز حذف «بين» بعد «ما».
6- ذكره في شرح شواهدالمغني: 1/464 الشاهد 256 ولم ينسبه. وفي تفسيرالقرطبي:1/243 قال: و أنشد أبوالعباس ـو ذكر البيت وقال:ـ أرا ما بين قرن، فلما أسقط «بين» نصب.
7- البقرة: 26.


( 436 )
و قوله:

قِفا نَبكِ من ذِكرى حَبيب و منزل * بسِقْطِ اللِّوى بينَ الدَّخُولِ فَحَوْملِ(1)

ثمّ إنّه لا يضاف إلاّإلى متعدّد إمّا لفظاً ومعنى نحو: بين زيد وعمرو. أو معنى فقط نحو: بين النّاس، ولذا قيل: إنّ الفاء في «فحومل» بمعنى الواو، وقيل: إنّ التقدير بين مواضع الدخول فمواضع حومل. وأما تأويل ما في البيت ونحوه، فلا يصحّ بنحو ذلك كما لا يخفى إلاّ أن يجعل المضاف إليه مجموع «صنعاء إلى أيلة»، بمعنى ما بين المواضع المبتدئة من «صنعاء» إلى «أيلة» بمعنى أنّ له مقدار كلّ ما بينهما من المواضع.

ويمكن أن يقال: إنّ أصل الكلام فيه: ما بين صنعاء وأيلة: مبتدئاً من صنعاء منتهياً إلى أيلة، ثمّ استغنى عن الابتداء بذكر الانتهاء، ثمّ استغنى عن الانتهاء بذكر المنتهى مقروناً بـ«إلى» الدالّة عليه صار ما بين صنعاء وأيلة إلى أيلة ثمّ حذف «وأيلة» لدلالة المذكور عليه.

أو يقال: إنّه ضمن بين معنى الابتداء والانتهاء فأبدل الواو في خبره بـ«إلى».

«صنعاء» ـ بالمدّ ـ قصبة اليمن.

«أيلة» قال في القاموس: جبل بين مكّة والمدينة قرب ينبع وموضع بين ينبع ومصر.و إيلة ـ بالكسر ـ: قرية بباخرز، و موضعان آخران .(2)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- مطلع معلّقة امرئ القيسالمعروفة; المعلّقاتالعشر: 59.
2- الفيروزآبادي:القاموسالمحيط:3/486.


( 437 )
و في شرح التوربشتي(1) لكتاب المصابيح للفرّاء البغوي الملقّب عند العامة بـ«محيي السنّة» أنّ أيلة بالياء المجزومة : بلدة على الساحل من آخر بلاد الشام ممّا يلي بحر اليمن.

وفي النهاية لابن الأثير فيه ذكر أيلة وهو بفتح الهمزة وسكون الياء: البلد المعروف فيما بين مصر والشام.(2)

وفي المعجم أيلة ـ بالفتح ـ : مدينة على ساحل بحر القلزم ممّا يلي الشام، وقيل: هي آخر الحجاز وأوّل الشام ، ـقالـ: قال أبو زيد: أيلة مدينة صغيرة عامرة، بها زرع يسير، وهي مدينة اليهود الذين حرّم عليهم صيد السمك يوم السبت فخالفوا فمسخوا قردة وخنازير، وبها في يد اليهود عهد لرسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قال: وقال أبو المنذر: سميت بأيلة بنت مدين بن إبراهيم صلوات اللّه عليه. وقال أبو عبيدة: أيلة مدينة بين الفسطاط ومكّة على شاطئ القلزم تعدّ في بلاد الشام (3). انتهى كلام المعجم بألفاظه.

وما في هذه الكتب الثلاثة هو الموافق لما ورد في بعض الروايات التي في بيان عرض الحوض من أنّه ما بين صنعاء إلى بصرى، فإنّ بصرى كحبلى: بلد بالشام(4).

«الواو» للعطف، أو الحال.

«الألف واللاّم» للجنس.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- و في أعلامالزركلي:5/152:التوربشتي: فضلاللّه بن حسن أبوعبداللّه شهابالدين، فقيه حنفي له «مطلبالناسك في علمالمناسك» و «الميسّر في شرح مصابيحالسنة للغنوي» (توفّي سنة 661هـ).
2- النهاية في غريب الحديث:1/86.
3- معجمالبلدان:1/292.
4- المصدر نفسه:5/31.


( 438 )
«العرض» هو الامتداد الذي هو أقصر من الطول.

«الباء» للظرفية أو للمصاحبة.

«السعة» كالدعة والمقة: خلاف الضِيق.

«نصبه» ينصبه نصباً أي أقامه.

«العلم» ما ينصب في الطريق ليُهتدى به، والجبل أو الطّويل منه، والراية وما يعقد على الرمح، وسيّد القوم.

«اللاّم» للاختصاص أو التعليل.

«الهدى» مصدر كالسرى والبكا، هو فعل قليل في المصادر يختصّ بالمعتلّ; هداه يهديه هدى وهدياً وهداية، وهدية بكسرهما، وكثر استعمال هدى بمعنى ما يُهتدى به،ومعنى هذا التركيب: الإرشاد والدلالة على الشيء إمّا مطلقاً أو بشرط الإيصال والإفضاء إلى المقصود على الاختلاف المشهور.

واستدلّ الأوّلون بنحو قوله تعالى: (وأمّا ثَمُودُفَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الهُدى) .(1)

وأُجيب بأنّه مجاز عن إفاضة أسباب الهداية والتقريب من الاهتداء حتّى كأنّه هداهم، أي دلّهم وأوصلهم إلى المقصود.

وردّبأنّ الأصل الحقيقة.

واستدلّ الآخرون بوجوه: منها: أنّ الضلالة تقع في مقابلة الهداية وعدم الوصول إلى المطلوب معتبر فيها.

ومنها : أنّه يمدح الإنسان بكونه مهدياً ولو كانت الهداية عبارة عن مجرّد الدلالة لم يصلح لأن تكون منشأ للمدح، بل ربّما كانت منشأ للذمّ.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- فصّلت: 17.


( 439 )
ومنها: أنّ «اهتدى» مطاوع«هدى» و المطاوعة: حصول الأثر عن تعلّق الفعل بالمفعول، فإنّما الفرق بين الأصل والمطاوع أنّ الأصل تأثير والمطاوع تأثّر والوصول هنا معتبر في المطاوع، فلابدّ من أن يكون معتبراً في الأصل.

ومنها: نحو قوله تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراط مُسْتَقيم).(1)

والحقّ أنّ الاستعمال وارد على كلّ من المعنيين، فيحتمل أن يكون المعنى الحقيقي هو مجرّد الدلالة إلاّ أنّ التأثير لما لم يعتدّ به إلاّ إذا حصل أثره، شاع استعماله في التأثير المقارن لحصول الأثر.

ويحتمل أن يكون المعنى الحقيقي هو التأثير المقرون بالأثر إلاّ أنّه استعمل في مجرّد التأثير من باب استعمال لفظ الكلّ في جزئه، أو تنزيلاً لتأثير الحاصل في ذلك المقام منزلة المقرون بالأثر لقوّته إلاّ أنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة إلاّ أن يمنع من ذلك مانع، فالظاهر أن يكون مشتركاً بين المعنيين.

ثمّ إنّه ربما يستعمل متعدّياً إلى المفعول الثاني بـ«إلى»، كقوله سبحانه:(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراط مُسْتَقيم) .(2)

وقد يستعمل متعدّياً إليه باللاّم كقوله تعالى: (إِنَّ هذا القُرآن يَهْدِي للَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) .(3)

وقد يستعمل بلا حرف جرّ، فقيل: إنّه محذوف كما حذف في نحو قوله تعالى: (وَاخْتارَ مُوسى قَومَهُ)(4) فإنّه بمعنى من قوله أو لقومه.

وقيل: بل هو أيضاً أصل وقد يفرّق بينه و بين الأوّلين في المعنى بأنّه بمعنى

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- القصص:56.
2- الشورى: 52.
3- الإسراء:9.
4- الأعراف: 155.


( 440 )
الإيصال والأوّلين بمعنى مجرّد الدلالة . ولكن يدفعه ما مرّ من قوله تعالى: (مَن يَشاءُ إِلى صِراطمُسْتَقيم) .

«الواو» للحال. «الألف واللاّم» للعهد الخارجي من الابتداء.

«الماء» معروف، وأصله موه، قلبت الواو لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ألفاً ، ثمّ شبّه الهاء بحرف اللين لخفائها، فكأنّها واواً وياءً واقعة طرفاً بعد الألف الزائدة فقلبت ألفاً ثمّ همزة. والدّليل على هذا الأصل : تصغيره على مويه، وتكبيره على مياه وأمواه، وقد جاء في تكبيره «أمواء» قال:

وبلدة قالصـــة أمواؤها * تستن في رأد الضحى أفياؤها(1)

«اللاّم» للاختصاص، أو الاستحقاق، أو التملّك، أو شبه التملّك، أو التعليل.

«حوض» ترع بفتحتين، أي ممتلئ وقد ترع يترع كعلم يعلم، وأترعته أي ملأته.

«فاض» الماء يفيض فيضاً و فيوضاً بالضم والكسر و فيضاناً و فيضوضة: كثر حتى سال، كالوادي، وأرض ذات فيوض إذا كانت فيها مياه تفيض.

«من» إمّا للابتداء، أو التبعيض، أو التعليل، أو بمعنى «على» كقوله تعالى: (وَنَصَرْناهُ مِنَ القَوم)(2) على ما قيل.

«الرّحمة» إذا نسب إلى اللّه سبحانه كانت بمعنى لازم الرّحمة، وهو الإنعام والإفضال لامتناع نسبة معناها الحقيقي إليه فإنّه انفعال و تأثّر. و ربما أُريد بها

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ذكره في شافية ابن الحاجب:3/208، و فيه: ان هذاالشاهد من الرجز المسطور و لم يتيسر الوقوف على قائله، و ذكره في تاج العروس:9/414. و قال: حكاه ابن جني قال أنشدني أبو علي...
2- الأنبياء:77.


( 441 )
النعمة.

والمراد بها في البيت إمّا المعنى الأوّل أو المعنى الثاني.

وعلى الثاني فإمّا المراد بها جنس النعمة وذلك إذا كانت «من» للتبعيض، أي يفيض من جملة نعمه الكوثر أو الحوض، وذلك إذا كانت «من» بمعنى «على» على الحوض، أي يفيض الكوثر.

«الكوثر» فوعل من الكثرة، يطلق على معان: منها: الكثير من كلّ شيء. ومنها: الكثير الملتف من الغبار. ومنها: الإسلام. ومنها: النبوّة. ومنها: الرّجل الخيّر الكثير العطاء. ومنها: السيد. ومنها: النّهر.

والمراد به هنا نهر في الجنّة، وهو المشار إليه بقوله تعالى: (إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثَر)(1).

روى الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي في أماليه بإسناده عن عبد اللّه بن العباس قال: لمّا نزل على رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : (إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوْثر) قال له عليّ بن أبي طالب: ما هو الكوثر يا رسول اللّه ؟ قال: نهر أكرمني اللّه به، قال عليّ ـ عليه السَّلام ـ : هذا النهر شريف فانعته لنا يا رسول اللّه، قال: نعم يا عليّ، الكوثر نهر يجري تحت عرش اللّه تعالى، ماؤه أشدّ بياضاً من اللّبن وأحلى من العسل وألين من الزبد، حصاه الزبرجد والياقوت والمرجان، حشيشه الزعفران، ترابه المسك الاذفر، قواعده تحت عرش اللّه عزّوجلّ.

ثمّ ضرب رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يده على جنب أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ وقال: يا عليّ إنّ هذا النهر لي و لك ولمحبّيك من بعدي.(2)

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في نعته من طرق الخاصّة والعامّة، وهي

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الكوثر:1.
2- الأمالي:294.


( 442 )
كثيرة متقاربة المضامين.

ويحتمل أن يراد به الماء الكثير.

«الكاف» المفردة المفتوحة، مشتركة بين الحرف والاسم،والحرف منها حرف هجاء وحرف معنى، فلنتكلّم عليها بالاعتبارين.

أمّا بالاعتبار الأوّل، فنقول: إنّ مخرجها ممّا يلي مخرج القاف من اللسان والحنك الأعلى ممّا يقرب إلى الخارج، وهي مهموسة شديدة منفتحة منخفضة مصمتة.

وأمّا بالاعتبار الثاني، فهي على وجهين: عاملة جارّة، وغير عاملة.

والكلام هنا في العاملة، ولها عدّة معان، والمراد هنا من معانيها التشبيه،وهو المعنى الغالب فيها.

وأمّا الكاف الاسمية، فهي مرادفة لـ«مثل» فالجمهور على أنّها لا تقع كذلك إلاّ في الضرورة، كقوله: «يضحكن عن كالبرد المنهم». (1)

وذهب كثير، منهم الأخفش والفارسي إلى أنّه يجوز في الاختيار، فجوّزوا في نحو: زيد كالأسد، أن تكون الكاف اسماً في موضع رفع، وما بعدها مخفوضاً بالإضافة، قال: ابن هشام في المغني: ولو كان كما زعموا لسمع في الكلام مثل: مررت بكالأسد(2).

وإمّا للشك، أو بمعنا «بل» بناء على ما ذهب إليه الكوفيون، وأبو علي، وأبو

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ذكره في كتابالعين:4/461 و ذكرالبيت بكامله:
يضحَكن عن كالبرد المنهم * تحت غراضيفالانوف الشمّ

و جاء في شرح الرضي: 4/324 و فيه: من رجزالعجاج.
2- مغني اللبيب:1/239 برقم 325.


( 443 )
الفتح، وابن برهان من أنّها تأتي بمعنى «بل» مطلقاً احتجاجاً بقراءة أبي السمال(أَو كلّما عاهَدُوا)(1) بسكون الواو. و يقول جرير:

ما ذا ترَى في عيال قَدْ بَرِمْتُ بهِم * لَمْ أُحصِ عِدَّتَهُمْ إلاّ بِعَدّادِ

كانوا ثمانينَ أو زادو ا ثَمانيــــةً * وَلا رَجاؤُكَ قَدْ قَتَلْت أولادي(2)

وعن سيبويه اشتراط ذلك بشرطين: أحدهما: يقدم نفي أو نهي. والثاني:إعادة العامل نحو:ما قام زيد ، أو ما قام عمرو، و: لا يقم زيد أو لا يقم عمرو.

يحتمل أن يكون بمعنى التخيير على معنى أن من رآه تخيّر بين أن يقول: انّه كالفضّة، أو يقول: إنّه أنصع، كما قيل مثله في قوله تعالى:(وَأَرْسَلْناهُ إِلى مائة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ)(3) وقوله تعالى:(فَهِيَ كَالحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَة(4)). (5)

الناصع: الخالص من كلّ شيء، يقال: أبيض ناصع وأصفر ناصع، قال الأصمعي: كلّ ثوب خالص البياض أو الصفرة أو الحمرة فهو ناصع. ونصع لونه نصوعاً إذا اشتدّ بياضه وخلص(6).

«الحصى» صغار الحجارة، الواحدة:حصاة، والجمع:حصيات.

«المرجان» الخرزة الحمراء التي يقال لها البُسَّذُ كسكّر، و صغار الدر، وكما اللؤلؤ كبارها. وعن مقاتل عكس ذلك.وقيل: اللؤلؤ الأبيض والمرجان الأحمر. والظاهر أنّ المراد هنا هو الدرر.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البقرة:100.
2- تقدم ص 293.
3- الصافات:147.
4- البقرة:74.
5- مغني اللبيب: 1/64.
6- لسان العرب: 8/696 «نصع».


( 444 )
«اللؤلؤ» فيه لغات أربع، قرئ بهنّ في السّبع بهمزتين وبغير همز،وبهمز الأُولى دون الثانية، وبالعكس.

«لم تجنه» من جنى الثمرة يجنيها جنياً وجنى، ويقال ذلك في العسل أيضاً بمعنى شاره. والمراد هنا إخراج اللؤلؤ من الصدف.

«الأصبع»: الجارحة المعروفة، وفيها عشر لغات بتثليث الهمزة، ومع كلّ من حركاتها، فالباء مثلثّة، والعاشرة اصبوع كاسبوع،وهو يذكّر ويؤنّث.

«البطحاء» مسيل واسع فيه دقاق الحصى ،كالبطيحة والأبطح، ومنه تبطّح السيل، أي اتّسع في البطحا.

المسك: من الطيب معروف، فارسي معرّب، وكانت العرب تسمّيه المشموم.

«حافتا» الوادي وغيره: جانباه،والجمع حافّات.

«الهَزّ»: التحريك الشديد، يقال: هززت الرمح فاهتزّ، واهتزّ النبات إذا تحرك لغضارته، واهتزّت الأرض إمّا بمعنى اهتز نباتها، على حذف المضاف، أو التجوّز في الاسناد، أو بمعنى أنّها بنفسها تتحرك وترتفع بالنبات.

«من» للابتداء، أو بمعنى «في» كما أو بمعنى «على» كما قيل في قوله تعالى: (وَنَصَرْناهُ مِنَ القَومِ)، أو بمعنى «عند» كما قيل في قوله تعالى: (لَنْ تغنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَولادُهُمْ مِنَ اللّهِ شَيئاً)(1).

«أنق» بالشيء كفرح: أُعجب به، وأنقة الشيء إيناقاً وينقاً ـ بالكسر ـ أعجبه .

«ربع» فلان إذا أخصب، أي نال الخصب، فالمربع منول الخصب.

«ما» موصولة أو موصوفة.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- آل عمران: 10 و 116.


( 445 )
هذا «دون» فلان: أي أدنى مكاناً منه، و«دون» بمعنى تحت ووراء وقدّام وفوق، قال الراغب : هو مقلوب من الدنو(1). وإذا استعمل في الدنى فهو باعتبار عدم بلوغه رتبة من فوقه فقد يلمح القرب منها، وقد لا يلمح.

«الورى» كالفتى:الخلق، يقال: ما أدري أيّ الورى هو، أي أيّ الخلق.

قال الخليل: الورى: الأنام الّذين على وجه الأرض في الوقت، ليس من مضى ولا من يتناسل بعدهم، فكأنّهم الّذين يسترون الأرض بأشخاصهم(2).

«النضرة» والنضر ـ بالتحريك ـ : والنضارة والنضور: الحسن والرونق، نضر الشجر والوجه واللّون كنصر وفرح وكرم فهو ناضر ونضير، وأنضر ونضر اللّه وجهه، ونضره وأنضره. وأخضر ناضر: أي غضّ حسن، أو شديد الخضرة.

وفي القاموس أنّه يبالغ به في كلّ لون أخضر ناضر وأحمر ناضر وأصفر ناضر.

«الفقوع» : شدّة الصفرة أو صفاؤه، يقال: أصفر فاقع ووارس، كما يقال: أخضر ناضر ومدهام، وقد فقع لونه كمنع ونصر فقعاً وفقوعاً.

وفي القاموس: أصفر أو أحمر فاقع وفقاعي ـ بالضمّ ـ قال: أو كلّ ناصع اللّون فاقع من بياض وغيره.

«الصفرة» اللون معروف، وقد يقال على السواد كقوله:

و كُلُّ أُناس سَوفَ يَدخُلُ بَيْنَهُمْ * دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرُّ مِنها الأنامِلُ (3)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- مفردات غريب القرآن: 176.
2- ذكرهالراغب في مفرداته: 520 عنالخليل.

3- من قصيدة للبيد بن أبي ربيعة، مطلعها:
ألا تسألان المرء ماذا يُحاوِلُ * أنَحْبٌ فيُقضى أم ضَلالٌ و باطِلُ

(شرح شواهدالمغني: 1/50 الشاهد 59).


( 446 )
وقوله:

تلك خيلي منـهــا وتلك ركابي * هنَّ صفرٌ أولادها كالزبيب(1)

وقال القتيبي: إنّ ذلك مخصوص بالإبل، لأنّ السود منها يشوب سوادها صفرة.

وقال الراغب: الصفرة لون من الألوان الّتي بين السواد والبياض، وهي إلى السواد أقرب ولذلك قد يعبّر بها عن السّواد (2).

«في» أو و هذه ما في الأولى من المحتملات.

«الأباريق» جمع إبريق، وهي الآنية المعروفة ذات العروة والخرطوم،قيل: سمّيت بذلك لأنّها تبرق لصفاء لونها، والظاهر أنّه معرب «آب ريز» أي صابّ الماء.

«القدحان» والأقداح جمع القدح ـ بالتحريك ـ: وهو آنية تروي رجلين غالباً، أو اسم يجمع الصغار والكبار.

«الذبّ» المنع والدفع، وقال الراغب: وذبيت عن فلان: طردت عنه الذباب، والمذبّة ما يطرد به، ثمّ استعير الذب لمجرّد الدفع (3).

أقول: وهذا عكس قول من قال: إنّ الذباب أصله «ذب أب» سمّي به الطائر المعروف لما أنّه كلّما ذبّ أبّ.

«الألف واللاّم» للعهد الخارجي .

«الرجّل»: ـ بضم الجيم وسكونها ـ : الذَّكَر من الإنسان إذا شبّ واحتلم، أو مطلقاً والكامل.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ذكره ابن جريرالطبري في جامعالبيان:1/490، والشوكاني في فتحالقدير:5/359، و لم ينسباه.
2- مفردات غريب القرآن: 283.
3- مفردات غريب القرآن: 177.


( 447 )
«الصّلع» محرّكة: انحسار شعر مقدّم الرأس، وهو أصلع بين الصّلع، وهي صلعاء، وموضع الصلع الصلعة محرّكة وبالضمّ.

والمراد بالرّجل الأصلع: أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، وقد ذكر الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رحمه اللّه في كتاب «علل الشرائعو الأحكام» في علّة الصلع في رأسه ـ عليه السَّلام ـ ما هذا لفظه:

حدّثنا أبي و محمد بن الحسن رضي اللّه عنهما قالا: حدّثنا أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى العطّار جميعاً عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري باسناد متّصل لم أحفظه: أنّ أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ قال: إذا أراد اللّه بعبد خيراً رماه بالصلع فتحات الشعر عن رأسه وها أنا ذا (1).

وروى ثقة الإسلام الإمام أبو علي الطبرسي رحمه اللّه في صحيفة الرضا بإسناده عن الحسن بن علي صلوات اللّه عليهما قال: قال علي ـ عليه السَّلام ـ : لا تجد في أربعين أصلعاً رجل سوء ، و لا تجد في أربعين كوسجاً رجلاً صالحاً، وأصلع سوء أحب إليّ من كوسج صالح (2).

وفي كتاب «روضة الواعظين» لابن الفارسي، عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه:و أمّا صلع رأسي فمن إدمان لبس البيض ومجالدة الأقران(3).

«الابن» من الأسماء العشرة التي بنوا أوائلها على السكون فالتزموا أن يزيدوا في أوائلها همزة; ليتوصّلوا بها إلى الابتداء بها. و أصله بنو أو بني، قال الرّاغب: وسمّي بذلك لكونه بناء للأب، فإنّ الأب هو الّذي بناه وجعله اللّه بناء في إيجاده(4).

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- علل الشرائع: 1/159، ح1.
2- صحيفة الإمامالرضا: 258 ح 189.
3- الفتال النيسابوري: روضة الواعظين: 108، والخصال: 189 ح261.
4- مفردات غريب القرآن: 62.


( 448 )
«أبو طالب»كنيته، واسمه كما عرفت في أوائل الكتاب: عبد مناف.

«الكاف» ضمير متّصل موضوع لخطاب الواحد المذكّر منصوب أو مجرور، وهو هنا مجرور بما أُريد به الخطاب كلّ من يصلح للخطاب، وهو الظاهر هنا.

«الجرب» ـ بالتحريك ـ معروف، جرب كفرح فهو جرب وجربان وأجرب، والجمع جرب وجربى وجراب.

«الإبل» بكسرتين وقد يسكّن باؤه: اسم جمع البعير، لا واحد له من لفظه، وقيل: لا هو جمع ولا اسم جمع وهو لازم التأنيث كسائر أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين.

«شرعت» الدوابّ في الماء تشرع كمنع شرعاً وشروعاً، أي دخلت وهي إبل شروع وشرع كركع.

«الواو» للعطف أو الحال.

«العطر» ـ بالكسر ـ : الطيب، تقول منه: عطرت المرأة تعطر ـكعلمـ عطراً بالفتح فهي عطرة ومتعطّرة.

«الواو» عاطفة أو حاليّة.

«الريحان»، نبت معروف طيّب الرائحة، أو كلّ نبت كذلك أو ورقة أو أطرافه، من الريح بمعنى الرائحة، أو النبت الطيّب.

«النوع» : كلّ ضرب وكلّ صنف من كلّ شيء، و هو أخصّ من الجنس، فانّ نحو الإبل مثلاً :جنس من البهائم وليست نوعاً منها.

«ذاك» : إمّا اسم فاعل من قولهم: مسك ذاك، وذكي وذكية: ساطع ريحه، فيكون حذف تنوينه للضرورة، كقول عباس بن مرداس:

ما كان حصن ولا حابــس * يـفـوقــــان مرداس في المجمـع(1)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الجوهري: الصحاح: 3/934 و في لسان العرب: 6/190.


( 449 )
و قول أبي نؤاس:

عباسُ عباسٌ إذا احتدم الوغى * والفضــلُ فضلٌ والربيعُ ربيعُ(1)

و قول الكميت:

يرى الراؤون بالشفرات منا * كنـار أبي حباحب والظبينا(2)

أو مركّب من «ذا» اسم إشارة و«الكاف» وهذه الكاف حرف خطاب كالكاف في «إيّاك» على رأي.

«الواو» للعطف أو الحال.

«الهب» والهبوب والهبيب: ثوران الريح.

«الباء » بمعنى «في» أو «على».

«الزعزعة»: تحريك الريح الشجرة ونحوها، أو كلّ تحريك شديد، وريح زعزع وزعزعان وزعزاع ـ بالفتح و الضّم ـ : أي شديدة تزعزع الأشياء.

«الريح» هو الهواء المتحرّك، ويجمع على رياح وأرواح وأرياح وريح كعنب، وهو لازم التأنيث، وباؤه منقلبة عن الواو، ولذا يجمع على أرواح.

«من» للابتداء.

«الألف واللام» للعهد أو الجنس، أو العهد الذهني أي جنة من الجنان فإنّ الجنان سبع: جنّة الفردوس، و عدن، وجنّة النعيم، ودار الخلد، وجنّة المأوى،ودار السّلام، وعلّيين، على ما روي عن ابن عبّاس (3).

«الجنّة» في الأصل البستان ذو الأشجار الساتر بأشجاره الأرض، فإنّها من الجن بمعنى ستر الشيء.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ديوانه: 352.
2- غريب الحديث، لابن سلام: 3/54.
3- ذكره القرطبي في تفسيره: 8/329، و البكري في «إعانة الطالبين»: 4/385 باختلاف يسير.


( 450 )
وربّما تسمّى الأشجار السّاترة بوفور أغصانها والتفافها جنّة، بل قيل إنّه الأصل في معناها، وإنّما يسمّى البستان بها لاشتماله عليها.

و قيل في تسمية البستان جنّة وجوه أُخر:

منها: أنّ مغارس الأشجار بسترها أُصولها عن الأنظار.

منها: أنّ ثمارها تستتر حيناً ثم تبرز.

و منها: أنّها تستر عن الناس بالحيطان.

و منها:أنّ صاحب البستان يصون به عرضه و يستره.

و أمّا تسمية جنّة الآخرة بالجنة، فإمّا لكونها كبساتين الدّنيا بساتين مشتملة على الأشجار، وإمّا لاستتار ما فيها من النعم عنّا، كما قال سبحانه :(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخفيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُن) .(1)

«الأمر» طلب المستعلي فعلاً سواء كان بإفعل وليفعل أو بغيرهما ممّا يفيد مفادهما، وإن كان بصورة الخبر كقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقاتُ يَترَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ)(2) أو كان إشارة أو غيرها،ولذا سمّي ما رآه إبراهيم صلوات اللّه عليه وعلى آله في منامه من ذبح ابنه أمراً حيث قال: (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَر ) (3).

وكثيراً ما يراد بالأمر المنسوب إلى اللّه سبحانه الإرادة والقضاء الحتم، كما قال: (إِنّما قولُنا لشيء إذا أردناهُ أن نقولَ لُه كُنْ فَيكُون)(4) فليس هناك إلاّ إرادة وقضاء، وليس فيه لفظ يكن ونحوه، وإنّما يعبّر بالأمر دلالة على نفود إرادته وقضائه كما ينفد الأمر في المأمور المطيع، وهذاالمعنى هو المراد في البيت.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- السجدة:17.
2- البقرة:228.
3- الصافات:102.
4- النحل: 40.


( 451 )
ويحتمل أن يكون ما في البيت من أمر، بمعنى أمّر وآمر بمعنى كثر، كما قيل في قوله تعالى: (أَمْرنا مُُترَفيها)(1) أنّه بمعنى كثّرناهم ، ولكن ردّ ذلك بأنّ «أمر» لم يجئ متعدّياً، وعلى هذا فيجوز أن يكون اسم المفعول بمعنى اسم الفاعل كما في قوله تعالى: (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مأتِيّاً)(2)و قوله تعالى: (حجاباً مستوراً)(3) وكما قيل في قوله تعالى: (إِنْ تَتبعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً).(4)

وفي قوله ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : «خير المال سكة مأبورة.ومهرة مأمورة» (5).

«ذهب» كمنع ذهاباً وذهوباً ومذهباً: مضى فهو ذاهب وذهوب.

«المرجع» إمّا مصدر ميميّ، أو اسم زمان أو مكان: من الرجوع وهو العود إلى ما كان منه البدء، وتحقيقاً أو تقديراً، وهو على كلّ تقدير بكسر العين مع أنّ القياس المصدر الميميّ من غير معتلّ الفاء فتح العين فهو كالمهلك والميسر والمطلع .

الإعراب:

«حوض» خبر مبتدأ محذوف، أي هو حوض.

الضمير في «له» عائد عليه، وله عامل في مابعده، أو خبر له على رأي تقدّم.والجملة صفة حوض.

«ما» إن كانت موصولة فما بعدها صلتها، وإن كانت موصوفة كان ما بعدها صفة لها ومابعدها ـأعني الظرفـ:. مستقر، ثمّ إنّ المراد مثل ما بين

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الإسراء:6.
2- مريم:61.
3- الإسراء:45.
4- الفرقان: 8.
5- معاني الأخبار: 292، ح1، عنه البحار: 103/65،ح9.


( 452 )
صنعاء إلى أيلة، فإمّا أن يكون لفظ المثل مقدّراً في نظم الكلام، أو لا، بل مقصوداً من تقدير، وعلى الأوّل فإمّا أن يكون محلّ «ما» باقياً على ما كان عليه من الجزاء وقامت «ما» مقام المحذوف و أُعربت في المحل بإعرابه على طريقة مجاز الحذف.

ويحتمل أن يكون الضمير في «له» عائداً إلى النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ والجملة صفة لـ«حوض» و «ما» مع ما في حيّزها صفة أُخرى له، أي حوض مخصوص به أو ملك له أو حقّ له مثل ما بين كذا و كذا، أو خبر لمحذوف أي هو.

«إلى أيلة» إمّا متعلّق ببين بالتضمين الذي عرفته، أو حال عن الضمير المستتر في «بين» أي منتهياً إلى أيلة، أو عن صنعاء، أو صفة له إن جوّزنا تقدير العامل معرفة، أي المنتهية إلى أيلة.

جملة «والعرض به أوسع» عطف على جملة «له ما بين صنعاء إلى أيلة» إن كانت جملة وإلاّفعلى ما بعد«له»أو الجملة: حال عن «ما» إن كانت فاعلاً لـ «له» أو عن الضمير في «له» إن كان راجعاً إلى الحوض.

«العرض» مبتدأ وخبره «أوسع».

و«به» ظرف مستقرّ حال عنه.وأصل الكلام : عرضه أوسع، والمفضل عليه لأوسع مقدّر، أي أوسع ممّا بين صنعاء وأيلة.

جملة المصراع الذي بعد ذلك كلام مستأنف.

«ينصب» فعل مبنيّ للمفعول.

«فيهم» ظرف لغو متعلّق به، وضميره إمّا أن يعود على من تقدّم ذكرهم وهو الظاهر، أو على الخلائق أجمعين، وإن لم يتقدم لهم ذكرٌ.

«علم» مفعوله القائم مقام الفاعل.

«للهدى» إمّا ظرف مستقرّ صفة للعلم وهو على بعض الاحتمالات في علم مضاف إليه لمقدّر، أي لأهل الهدى، وكما ستعرف ذلك في فصل المعنى، أو أطلق


( 453 )
الهدى على أهله مبالغة، أو لغو متعلّق بـ«ينصب» .

جملة المصراع الثاني حال عن «علم» سواء كان «للهدى» صفة له، أو لا. أمّا على الأوّل فظاهر، وأمّا على الثاني فلأنّه لا يشترط في الحال المصدّرة بالواو أن يكون صاحبها معرّفاً أو مخصّصاً، كقوله تعالى: (أَو كَالّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَة وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها)(1) على أنّه ربّما وقع الحال عن النكرة المُخِصّة وإن لم يصدر بالواو كقولهم «عليه مائة بيضا» وكما في الحديث: صلّى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قاعداً، و صلّى وراءه رجال قياماً» (2).

وعلى أنّه يمكن أن يقال بتخصيص ذي الحال هنا بما يفهم من تنكيره من التعظيم فكأنّه قال: «علم عظيم».

«الحوض» مبتدأ خبره منزع، وما قبله متعلّق به، أي منزع من ماء له.

و«له» إمّا ظرف مستقرّ صفة لماء، أو لغو متعلّق بـ «منزع»، وضميره على الأوّل إمّا للحوض أو لـ«علم»، وعلى الثاني لـ«علم».

جملة المصراع الّذي بعد ذلك، إمّا كلام مستأنف لصفة أُخرى للحوض، أو خبر آخر للحوض. وعلى التقديرين فـ«كوثر» فاعل «يفيض» ويكون للفعل أعني «يفيض» متعلَّق مقدّر ، أي «يفيض فيه» والعائد هو رحمته، على تقدير أن يكون المراد بالرحمة «الحوض» و من معنى على أو في والظرف، أعني «من رحمته»على هذا التقدير لغو، وكذا إذا كانت «من» للتعليل أو الابتداء، وإذا كانت للتبعيض فهو مستقرّ حال عن كوثر أي يفيض كوثر جملة نعمه تعالى.

ويحتمله أيضاً إذا كانت للابتداء، أي: كوثر ناشئ من رحمته، أي انعامه.

ويحتمل أن يكون «يفيض من رحمته» جملة تامّة بأن يكون فاعل الفعل

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البقرة:259.
2- شرح ابن عقيل: 1/640.


( 454 )
ضميراً راجعاً إلى الحوض.

وباعتبار الإعراب في المحل وعدمه يحتمل الاحتمالين الماضيين، ويكون الظّرف إمّا لغواً إن كانت «من» للتعليل أو الابتداء، أو مستقرّاً حالاً عن الضمير إن كانت للتبعيض.

ويحتمله أيضاً إذا كانت للابتداء وكونها بمعنى على غير محتمل هنا، وحينئذ فقوله:«كوثر» خبر مبتدأ محذوف، أي «هو» أي الحوض كوثر.

وهذه الجملة أيضاً لها الاحتمالان المذكوران، واحتمال هذين الوجهين، أعني كون المصراع جملة واحدة أو جملتين; لاحتمال كون الحوض هو الكوثر.

واحتمال أن يكون غيره، فإنّ النّاس قد اختلفوا في ذلك، أمّا دليل الاتّحاد: فبعض الأخبار.

فقد روي عن أنس بن مالك قال: بينا رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ذات يوم بين أظهرنا إذ اغفى إغفاءة، ثمّ رفع رأسه متبسماً، فقلنا: ما يضحكك يا رسول اللّه؟ قال: أنزلت عليّ آنفاً سورة، فقرأ: (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم * إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثَر * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر * إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الأَبْتَر )(1) ثمّ قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: اللّه ورسوله أعلم، قال: فإنّه نهرٌ وعدنيه رَبّي عزّ وجلّ عليه خيرٌ كثير; هوحوضٌ ترد عليه أُمّتي يوم القيامة آنيتة عدد نجوم السّماء فيختلج العبد منهم فأقول: ربّ إنّه من أُمّتي، فيقول ما تدري ما أحدث بعدك.(2)

وقد روى فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره قال: حدّثني عبيد بن كثير معنعناً عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه. والصّدوق أبو جعفر ابن بابويه رحمه اللّه في «الخصال» مسنداً عنه صلوات اللّه عليه قال: أنا مع

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة الكوثر.
2- تفسيرالقرطبي: 2/217.


( 455 )
رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ و معي عترتي على الحوض، فمن أراد فليأخذ بقولنا وليعمل بعملنا فإنّ لكلّ أهل بيت منجياً، ولنا شفاعة، ولأهل مودّتنا شفاعة فتنافسوا في لقائنا على الحوض، فإنّا نذود عنه أعداءنا ونسقي منه أحبّاءنا وأولياءنا، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، حوضنا مترع فيه شعبان ينصبّان من الجنة أحدهما من تسنيم والآخر من معين، على حافّتيه الزّعفران وحصاه اللؤلؤ والياقوت وهو الكوثر» إلاّ أنّ لفظ «وهو الكوثر» ليس في بعض نسخ تفسير فرات.(1)

وأمّا دليل الاختلاف، فلعلّه أنّ المتبادر من النّهر غير ما يتبادر من الحوض.

وقد فسّر الكوثر في جميع الأخبار بالنهر، وقد رأيت في بعض طرق العامّة عن النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : إنّ ماء الكوثر ينصب في الحوض وانّ الحوض، على ظهر ملك في عرضه القيامة يتبع النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أينما ذهب فهو يؤيد المغايرة.

وليعلم أنّه يجوز على تقدير اتحاد الحوض والكوثر أن يكون المصراع جملة واحدة، على أن يكون «كوثر» نائباً مناب العائد، فإنّه بمنزلة أن يقال: يفيض ذلك الحوض من رحمته.

«أبيض» إمّا صفة لكوثر، أو خبر له مقدّراً راجعاً إليه أو إلى الحوض، أو خبر بعد خبر لـ«هو» المقدّر مبتدأ لكوثر، وعلى تقدير الوصفية فإن كان المراد بالكوثر النهر المعروف، كان الوصف لمجرّد المدح والوصف بالنكرة لتنكيره بتأويله بمسمّى بالكوثر، وإن كان المراد به الماء الكثير كان الوصف قيداً.

وعلى تقدير كونه خبراً لهو الراجع إلى كوثر; فالجملة استئناف جواب لمن يسأل عن الكوثر.

وعلى تقدير إرادة النهر المعروف من الكوثر من غير تنكير فـ«أبيض» حال

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- تفسير فرات: 367، والخصال: 625 و فيه: مثعبان، والمثعب: مسيلالمياه، ينصبّان.


( 456 )
عنه ، ويحتمل أن يكون حالاً عن «رحمته» إن أُريد بها الحوض، أو عن ضمير فيه المقدّر العائد إليه إن قدّر.

«كالفضّة»: صفة لـ«أبيض».

و«الكاف» من حروف الجرّ لا يتعلّق بشيء عند الأخفش وابن عصفور، مستدلّين بأنّه إذا قيل: زيد كعمرو، فإن كان المتعلّق استقرّ فالكاف لا يدلّ عليه، بخلاف نحو: زيد في الدّار، وإن كان فعلاً مناسباً للكاف وهو أشبه، فهو متعد بنفسه لا بالحروف.

قال ابن هشام في المغني: والحقّ أنّ جميع الحروف الجارّة الواقعة في موضع الخبر ونحوه تدلّ على الاستقرار. (1)

«أو أنصع» معطوف على «كالفضّة» مرفوع المحل، بأن يكون «أبيض» مرفوعاً، وأمّا إن كان منصوب المحلّ لنصب «أبيض» على الحالية فهو خبر لمبتدأ محذوف، أي «هو أنصع» و الجملة تكون معطوفة على «كالفضة» وإلاّلزم الإصراف في القافية، وهو أن يختلف وصل الروى أي الحرف الحادث من الإشباع، بأن يكون في بعض القوافي واواً أو ياءً أو في بعضها ألفاً، كما قال:

لا تنحكنّ عجوزاً أو مطلّقة * وإن أتوك وقالوا إنّها نصف

ولا يسوقنها في حبلك القدر * فإن أطيب نصفيها الّذي غبرا (2)

«حصاه» مبتدأ وخبره «ياقوت»، وما عطف عليه والضمير عائد إمّا على

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- مغني اللبيب: 2/422.
2- ذكره في لسان العرب: 9/639، و في تاجالعروس: 6/256 و قال: أنشده ابنالأعرابي.


( 457 )
«كوثر» أو على «الحوض»، و ضمير «مرجانه» تابع لذلك الضمير فهو يرجع إلى ما يرجع إليه، وكذا الضمير في «بطحاؤه» و «حافاته».

ثمّ إن كانت ألفاظ: الياقوت والمرجان واللؤلؤ والمسك حقائق في هذه الحقائق المعروفة، فيكون إطلاقها على المعاني المرادة هنا مجازياً، أو يقدّر قبل كلّ منها لفظة «الكاف» أو«مثل» فيكون من باب مجاز الحذف.

«حافاته» مبتدأ وخبره المصراع الّذي بعده أو محذوف أي «مسك» أو معطوف على بطحاء وعطف المفرد على المفرد أو خبره منها مونق، ويهتز حال أو خبره.

«مربع» وما قبله حال، أو «أخضر» وجملة المصراع حال، أو خبره«مونق» و«يهتزمنها» بصيغة المبني للمفعول، حال.

وعلى الثاني والثالث فجملة هذا المصراع إمّا خبر بعد خبر، أو حال عن الحافات، أو مستأنفة.

«مونق» إمّا فاعل «يهتز» أو «منها»، أو مبتدأ خبره «منها».

«مربع» صفة له أو خبر المبتدأ.

«أخضر» صفة أُخرى لـ«مونق» أو صفة لـ «مربع»، أو هو الخبر.

«ما دون الورى» تأكيد للضمير المستكن في «أخضر» فإنّه بمعنى كلّه.

«دون الورى» ظرف مستقرّ صلة أو صفة لـ«ما» و«ما» إن كانت موصوفة كانت في التقدير مضافاً إليها لـ«كل» و نحوه، أي: كلّ شيء يكون دون الورى. وعلى كلّ تقدير فلابدّ من تقدير ضمير يرجع إلى ما رجع إليه ضمير أخضر، أي ما دون الورى منه، إذ لابدّ في التأكيد ممّا يرجع إلى المؤكّد.

«ناضر» صفة لـ«أخضر».


( 458 )
«فاقع» معطوفاً إمّا على «أخضر» سواء كان صفة لـ«مربع» أو «مونق»، أو خبراً لحافّاته، وإمّا على «مربع» سواء كان صفة لـ«مونق» أو خبراً لـ«حافاته»، وإمّا على مونق سواء كان فاعل «يهتز» أو فاعل «منها» أو مبتدأ وخبره «منها» وعلى هذين فالتقدير: ومنها فاقع، أو تكون هذه الجملة معطوفة على جملة «منها مونق».

«أصفر» إمّا صفة لـ«فاقع» إن كان الفاقع بمعنى خالص اللّون أيّ لون كان، وإن كان مخصوصاً بالأصفر فهو عطف بيان له، لما تقرّر من أنّ الصفة إذا قدمت على موصوفها صار الموصوف عطف بيان لها كقوله:

والمؤمن العائذات الطّير تمسحها * ركبان مكّة بين الغيل و السّند (1)

«أنصع» معطوف على «أصفر» أو على «فاقع».

«فيه» خبر لأباريق فاعل له، والضمير فيه إمّا عائد على الحوض أو على الكوثر وكذا الضمير في قدحانة وهو معطوف على الأباريق.

جملة المصاريع الثلاثة بعد ذلك اعتراض.

جملة«يذبّ عنها ابن أبي طالب» بيان لجملة «عنها الرّجل الأصلع» والضمير في «عنها» هذه والأُولى عائد على الأباريق والقدحان.

«ذبّك» مفعول مطلق للنوع، وفي الحقيقة صفة لمفعول مطلق محذوف، أي ذباً كذبك، فنصبه يحتمل أن يكون لنزع الخافض وأن يكون قد انتقل عن النصب لذلك إلى النّصب لقيامه مقام المفعول المطلق، والإضافة فيه إلى الفاعل والمفعول«جربى إبل» والإضافة فيه بيانيّة، وللذب متعلّق محذوف أي ذبك إيّاها عن الماء.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الأبيات من قصيدة للنابغة الذبياني يمدح فيها النعمان و يعتذر إليه و مطلعها:

يا دار مَيَّةَ بالعُلياءِ فالسّند * أقوت فطالَ عليها سالفُالأبدِ

(ديوانه: 35 و فيه :«السعد» بدل «السند)».


( 459 )
جملة «تشرع» صفة لـ«جربى إبل»،

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net