متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
شرح اليت التاسع والأربعين
الكتاب : اللآلي العبقرية في شرح العينيّة الحميرية    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر

[49]

 

غداً يُلاقي المُصطَفى حيدرٌ * ورايــــةُ الحَمْدِ لَهُ تُرْفَــــعُ

اللغة:

لاقاه ملاقاة ولقاءً ولقيه لقاءً ولقاءة ولقاية ولقياً ولقياناً ولقيانة بكسرهنّ، ولقياناً ولقياً ولقى ولقية بضمّهنّ، ولقاءة ـ بالفتح ـ: صادفه.

«الألف واللام» للتزيين إن كان المراد به اللقب المخصوص بالنبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ كما هو الظاهر. ويحتمل أن تكون الألف و اللام داخلتين في الوضع العلمي، وللعهد إن كان المراد به المعنى الوضعي.

«الاصطفاء»: تناول صفو الشيء أي خالصه، كما الاختيار تناول خيرة الشيء، واصطفاء اللّه بعض عباده بمعنى تمييزه منهم بمزيد إكرام وتفضيل وتشريف. وقد يكون بمعنى خلقه صافياً عن الشوب الموجود في غيره ونبيّنا ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ صافي عن كلّ شوب، مختار على كلّ خلق فلذلك سمي دون غيره بـ«المصطفى».

«الواو» للحال.

«الحمد»: هو الثناء على فضل اختياري أو أعمّ من الاختياري وغيره، على اختلاف في ذلك.

«راية الحمد» راية، وردت كثير من الأخبار بأنّها راية لرسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يوم


( 535 )
القيامة وبأنّ حاملها أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه.

روى فرات بن إبراهيم بن فرات في تفسيره قال: حدّثني القاسم بن الحسين بن حازم(1) القرشي معنعناً، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه، قال: اكتنفنا رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ذات يوم فاطّلع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ ، فقال النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : تريدون أن أُريكم أوّل من يدخل الجنّة؟ قال فقالوا: نعم. قال: هذا.

فقام أبو دجانة الأنصاري فقال: يا رسول اللّه سمعتك وأنت تقول: إنّ الجنّة محرّمة على النبيّين وسائر الأُمم حتى تدخلها أنت!

قال: يا أبا دجانة أما علمت أنّ للّه لواء من نور عموده من ياقوت مكتوب على ذلك اللواء: لاإله إلاّ اللّه محمّدٌ رسول اللّه أيّدته بعليّ.(2)

«اللام» للاختصاص أو الاستحقاق أو التعليل، كما في قوله: «ويومَ عقرتُ للعذارى مطيّتي» (3).

الإعراب:

«غداً» ظرف لـ «يلاقي» . و هو فعل مفعوله «المصطفى» وفاعله «حيدر».

«راية الحمد» مبتدأ خبره مابعده، ويحتمل أن يكون مفعول «ترفع».

فعلى الأوّل يكون «ترفع» مبنيّاً للمفعول مؤنثاً و يكون الضمير في «له» عائداً على حيدر.

وعلى الثاني يكون «يرفع» مبنيّاً للفاعل مذكّراً فاعله الضمير العائد على

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- «القاسم بن الحسن بن حازم»: المصدر.
2- تفسير فرات الكوفي: 456 ح598.
3- صدر بيت لمعلقة امريالقيس، و كامله:
و يوم عقرت للعذارى مطيّتي * فيا عجبا من كُورها المتحمِّل

(المعلّقاتالعشر: 60).


( 536 )
حيدر والضمير في «له» للمصطفى، لكن لابدّعلى هذا أن يقدّر مبتدأ تكون هذه الجملة خبره، أي «وهو يرفع راية الحمد»لئلاّ يلزم دخول الواو على الجملة الحالية الفعلية التي فعلها مضارع كما يقال في نحو: «قمت و أصك وجهه»(1).

وعلى كلّ فالجملة حال عن حيدر.

 

المعنى:

يوم القيامة يصادف أمير المؤمنين رسول اللّه صلى اللّهعليهما وآلهما، والحال أنّ راية الحمد ترفع لأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أو والحال أنّه يرفع راية الحمد لرسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، والروايات الناطقة بذلك أكثر من أن تُحصى من طرق الخاصة والعامة.

روى الشيخ الجليل محمد بن علي بن شهر اشوب في «مناقبه» قال: أخبرني أبو الرضا الحسيني الراوندي بإسناده عن النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : إذا كان يوم القيامة يأتيني جبرئيل ومعه لواء الحمد وهو سبعون شقّة، الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر، وأنا على كرسيّ من كراسي الرضوان فوق منبر من منابر القدس ف آخذه وأدفعه إلى علي بن أبي طالب.

فوثب عمر فقال: يا رسول اللّه وكيف يطيق عليٌّ حمل اللّواء؟

فقال ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : إذا كان يوم القيامة يعطي اللّه عليّاً من القوّة مثل قوّة جبرئيل، ومن النور مثل نور آدم، ومن الحلم مثل حلم رضوان، ومن الجمال مثل جمال

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- من قول بعضالعرب، و هنا الواو إنّما جاءت في المضارعالمثبتالواقع حالاً،علياعتبار حذفالمبتدأ لتكونالجملة اسميّة، أي (و أنا أصك) كما في قوله تعالي (لِمَ تُؤْذُونَنِي وَ قَدْ تَعْلَمُونَ أنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ) أي:و أنتم قد تعلمون (انظر «مختصرالمعاني» لسعدالدين التفتازاني:162).


( 537 )
يوسف.(1)

وروى أخطب خطباء خوارزم موفق بن أحمد المكّي الخوارزمي في «مناقبه»، بإسناده عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال: كان رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في بيته فغدا عليه عليّ بن أبي طالبعليه السَّلام الغداة وكان يحبُّ أن لا يسبقه إليه أحد، فدخل فإذا النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في صحن الدار وإذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي فقال: كيف أصبح رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ؟ فقال: بخير يا أخا رسول اللّه.

قال: فقال له علي : جزاك اللّه عنّا أهل بيت خيراً. قال له دحية: إنّي أُحبّك وإنّ لك عندي مدحة أزفّها إليك: أنت أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين، أنت سيّد وُلد آدم ما خلا النبيّين والمرسلين، لواء الحمد بيدك يوم القيامة، تُزَفُّ أنت وشيعتك مع محمد وحزبه إلى الجنان زفّاً، قد أفلح من تولاّك وخسر من عاداك، محبّ محمد محبّك، و مبغض محمد مبغضك لن تناله شفاعة محمد; اُدن منّي صفوة اللّه; فأخذ رأس النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فوضعه في حجره فانتبه النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فقال : ما هذه الهمهمة؟ فأخبره الحديث فقال: لم يكن هو الكلبي كان جبرئيل سمّاك باسم سمّاك اللّه به وهو الذي ألقى محبّتك في صدور المؤمنين،ورهبتك في صدور الكافرين.(2)

وروى الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري في كتاب «بشارة المصطفى لشيعة المرتضى» مسنداً عن إسماعيل بن رزين ابن أخي دعبل

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- المناقب: 3/27 عنه بحار الأنوار :39/214 ضمن حديث 5 .
2- الخوارزمي: المناقب:322 الفصل التاسع عشر، الحديث 329، عنه كشف اليقين: ص 289 ح335 ، وفيه اختلاف لفظي. وانظر بحار الأنوار: 37/295ـ 296، و للحديث صورة أُخرى رواهاالجويني في فرائدالسمطين: 1/134.


( 538 )
بن علي الخزاعي، عن أبيه، عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي صلوات اللّه عليهم، عن رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في خبر طويل يخاطب به أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: وأنت أوّل من يدخل الجنّة وبيدك لوائي لواء الحمد، وهو سبعون شقّة، الشقّة أوسع من الشمس والقمر.(1)

وفي مسند أحمد بن حنبل مسنداً: إنّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ آخى بين المسلمين ثمّ قال: يا عليّ أنت أخي منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي، أما علمت يا عليّ انّي أوّل من يُدعى به يوم القيامة، يُدعى بي فأقوم عن يمين العرش فأُكسى حُلّة خضراء من حُلل الجنّة، ثمّ يُدعى بالنبيّين بعضهم على اثر بعض فيقومون سماطين على يمين العرش ويكسون حللاً خضراء من حُلل الجنّة.

ألا وإنّي أُخبرك يا علي أنّ أُمّتي أوّل الأُمم يُحاسَبون يوم القيامة، ثمّ أنت أوّل من يُدعى بك لقرابتك ومنزلتك عندي، ويدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد فتسير به بين السماطين، آدم و جميع خلق اللّه يستظلّون بظلّ لوائي، وطوله مسيرة ألف سنة، سنانه ياقوتة حمراء قصبة فضّة بيضاء زجة درّة خضراء له ثلاث ذوائب من نور: ذؤابة في المشرق، و ذؤابة في المغرب، والثالثة وسط الدنيا، مكتوب عليه ثلاثة أسطر:

الأوّل: «بسم اللّه الرحمن الرحيم».

الثاني: «الحمد للّه ربّ العالمين».

الثالث: «لاإله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه» . طول كلّ سطر ألف سنة، فتسير باللواء والحسن عن يمينك والحسين عن يسارك حتى تقف بيني و بين إبراهيم في

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- بشارة المصطفى:125.


( 539 )
ظلّ العرش ثمّ تُكسَى حُلَّة خضراء من الجنّة، ثمّ ينادي منادمن تحت العرش: نِعمَ الأب أبوك إبراهيم و نِعم الأخ أخوك عليّ; أبشر يا عليّ أنّك تُكسى إذا كُسيت و تُدعى إذا دُعيت وتحبى إذا حبت.(1)

و لكن روى فرات بن إبراهيم في تفسيره عن أبي القاسم الحسين قال: حدّثني معنعناً، عن معاذ بن جبل،عن النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في حديث طويل، أنّه قال: وأعطاني في علي لآخرتي أنّي أُعطى يوم القيامة أربعة ألوية فلواء الحمد بيدي و ادفع لواء التهليل لعلي وأُوجهه في أوّل فوج، وهم الذي يحاسبون حساباً يسيراً ويدخلون الجنّة بغير حساب عليهم.

و أدفع لواء التكبير إلى حمزة و أُوجهه في الفوج الثاني.

و أدفع لواء التسبيح إلى جعفر وأُوجهه في الفوج الثالث(2).

أقول: ولا مدافعة بين هذا الخبر وغيره، فإنّ ليوم القيامة مواطن كثيرة فيمكن أن يكون هذا في بعض مواطنه وذلك في بعض آخر ويجوز أن يجمع لأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لواء الحمد مع التهليل في البعض الآخر.

المعاني:

فيه مسائل:

الأُولى: التعبير عن يوم القيامة بالغد، لما عرفت سابقاً.

الثانية: تقديم الظرف، أعني: «غداً» لتشويق السامع إلى عامله.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ذكرالحديث ابن حنبل في فضائلالصحابة:663.
2- تفسير فرات: 547.


( 540 )
الثالثة: تقديم المفعول، أعني: «المصطفى» للتشريف والتبرّك والتشويق إلى ذكر الفاعل، و تقريب ذي الحال من الحال والوزن.

الرابعة: التعبير بالمصطفى دون اسمه الشريف، للتعظيم ولأنّه أيضاً من أسمائه الشريفة وألقابه المعروفة، ولما فيه من الدلالة على كونه خير الخلق أجمعين.

الخامسة: تقديم «راية الحمد» إن كان مفعولاً، للوزن والقافية والتشويق والتبرّك والتوجيه والاهتمام.

السادسة: تقديم «له» إن كان «راية» مبتدأ، للحصر والوزن والقافية وتقريب الضمير من مرجعه، وإن كان مفعولاً فللثلاثة الأخيرة، لا يقال على الأخير إنّه وإن تضمّن تقريب ضمير من مرجعه فقد يضمن تبعيد ضمير آخر من مرجعه; فقد يضمن(1) وهو ما في «يرفع» من مرجعه.

لأنّا نقول: وإن كان الأمر كذلك إلاّ أنّ مرجع الأوّل أبعد من مرجع الثاني فناسب التقريب أكثر من مرجع الثاني.

البيان:

«غداً» استعارة مصرّحة، لابتنائها على تشبيه يوم القيامة بالغد في قرب الوقوع، أو في الانقطاع بالكلّية عن أيّام الدنيا، وانفصاله عنها في الأحكام.

 

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- أي يضمن تأخيرالضمير «هو» المستتر في «يرفع» في حال قراءتها فعل مضارع.

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net