متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
شرح البيت الحادي والخمسين
الكتاب : اللآلي العبقرية في شرح العينيّة الحميرية    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر
 

[51]

 

إمامُ صِدق ولَهُ شيعـــــةٌ * يُروَوا مِنَ الحَوضِ ولَمْ يُمْنَعُوا

اللغة:

«الإمام» من يؤتم به، أي يُقتدى به في أقواله وأفعاله، من أمَّهُ، بمعنى قصده لأنّ المؤتمّين يقصدونه.

المراد بالصدق إمّا معناه الحقيقي أو الحق، فإنّ الصدق كماعرفت إنّما يكون في الخبر إذا طابق مضمونه الواقع.

«شيعة» الرجل: أتباعه وأنصاره ، من شيع فلاناً إذا تبعه ليودّعه، وشيع الجنازة وشايع فلاناً إذا تابعه على أمر، أو من شاع بمعنى انتشر لأنّهم منتشرون عنه في أُمورهم أي يصدورن عنه، وشيعة عليّ صلوات اللّه عليه له معنيان:

الأوّل: و هو المعروف: من والاه و اعتقد أنّه الإمام المفترض الطاعة بعد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .

والثاني: وهو الذي ورد في عدّة أخبار: مَن تابَعَهُ في الأقوال والأفعال وسائر سيرته، ولم يخالفه فيما أمره به ولم يقترف ما نهاه عنه، ففي تفسير الإمام الهمام، أبي محمد الحسن بن علي العسكري صلوات اللّه عليه عن رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في حديث


( 550 )
طويل يذكر فيه محبّيه ومحبّي عليّ صلوات اللّه عليهما مَن يدخل جهنّم، قال في آخره: ليس هؤلاء يسمّون بشيعتنا، ولكنّهم يسمّون بمحبينا والموالين لأوليائنا والمعادين لأعدائنا، إنّ شيعتنا من شيعنا واتّبع آثارنا واقتدى بأعمالنا.(1)

وفيه أيضاً قال الإمام ـ عليه السَّلام ـ : قال رجل لرسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : فلان ينظر إلى حرم جاره فإن أمكنه مواقعة لم يرع عنه، فغضب رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وقال: ائتوني به، فقال رجل آخر: يا رسول اللّه إنّه من شيعتكم ممّن يعتقد موالاتك وموالاة عليّ و يتبرأ من أعدائكما.

فقال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : لا تقل إنّه من شيعتنا فإنّه كذب; إنّ شيعتنا من شَيعنا وتبعنا في أعمالنا و ليس هذاالذي ذكرتَه في هذاالرجل من أعمالنا.(2)

و الأخبار بهذا المضمون في التفسير المذكور في تفسير قوله تعالى: (لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودةً)(3) الآية، من أرادها فليراجعه.

«الألف و اللام» في «الحوض» للعهد.

الإعراب:

«إمام صدق»:إمّا خبر بعد خبر لما قدّر مبتدأً لمولى، أو خبر مبتدإ آخر مقدّر، و الإضافة لامية، فإن أُريد بالصدق معناه المصدري من غير تقدير، كانت الإضافة بأدنى ملابسة بمعنى أنّه الإمام المنسوب إلى الصدق، أي صادق الإمامة، وإن كان المراد به أهل الصدق والمراد بالصدق الإيمان والإخلاص في الدّين، كانت الملابسة ظاهرة، وكذا إن قدّر قبله مضاف حتى يكون من باب مجاز

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- التفسيرالمنسوب إلى الإمام الحسن العسكري : 307ذ ح149.
2- المصدر نفسه: 307، ح150.
3- البقرة:80.


( 551 )
الحذف، أي أهل صدق.

و يحتمل أن تكون الإضافة بيانية ويكون الصدق بمعنى الصادق أي إمام هو صادق في الإمامة، ويجوز على جميع هذه التقادير أن يكون الصدق بمعنى الحقّ.

جملة «له شيعة» إمّا معطوفة على خبر المبتدأ، أو على جملة المبتدأ والخبر، سواء قدّر لـ«إمام صدق» مبتدأ آخر أو كان مبتدؤه الأوّل.

جملة المصراع الثاني صفة لشيعة، وحذف النون من يرووا للضرورة، كما في قوله:

وإذ يغصبوا النّاس أموالهم * إذا مَلَكُوهُـــمْ ولَمْ يغصبُوا

وقوله:

أبيت أسري وتبيتي تدْلُكــي * وَجْهَك بالعنبر والمسكِ الذكي(1)

ويجوز أن يكون الفعل مجزوماً بلام مقدّرة، كما في قوله:

قلت لبوّاب لديه دارها * تأذن فإنّي حمؤها وجارها(2)

فإنّ الأصل «لتأذن» فحذفت اللام ونقلت كسرتها إلى حرف المضارعة. وقوله:

مُحمّدٌ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْس * إذا ما خِفْتَ مِنْ شَيء تَبَالا(3)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- لسان العرب: 10/825 و شرح الرضي: 4/24، و لم يُنسب.
2- و هو لأبي عمرو منظور بن مرثدالأسدي، الصحاح:1/45 «حمأ» و ذكره ابنالسّكيت في: ترتيبالمنطق: 132.
3- قال المبرّد: قائله مجهول، ذكره في شرح شواهد المغني:2/597 الشاهد 359 عن الخزانة:3/629، وأمالي ابنالشجري: 1/338.


( 552 )
وقوله:

فلا يستطل منّي بقائــي ومدّتي * ولكن يكن للخير منك نصيب

وكما قيل في قوله تعالى:(قُلْ لِعَبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاة)(1) إنّ التقدير «ليقيموا»وحينئذ أيضاً صفة على التأويل المعروف أي مقول في حقّهم ليرووا، والأمر هنا للإباحة، فيكون المعنى: يباح لهم أن يرووا من الحوض، ومنه ظهر أنّه يجوز التأويل إلى الخبر من غير تقدير بأن يكون المعنى يباح لهم أن يرووا، وللتأويل إلى الخبر جاز عطف«لم يمنعوا»وهي جملة خبرية، عليه وللمنع متعلّق مقدّر، أي لم يمنعوا منه.

المعنى:

إنّه ـ عليه السَّلام ـ إمام صادق في الإمامة أو إماميّته حقة، أو إمام الصادقين أو المحقّين أو أهل الصّدق في الإيمان أو أهل الحقّ و له أتباع وأنصار يروون من الحوض، أو يقال لهم ليرووا منه، أو يباح لهم أن يرووا منه، ولا يمنعون منه فلم يمنعوا بصورة الماضي و يراد به الاستقبال.

المعاني:

فيه مسائل:

الأُولى: تنكير إمام صدق للتعظيم ، وكذا تنكير صدق إذا أُريد به أهل الصدق تقديراً أو عناية، وكذا تنكير شيعة.

الثانية: التعبير عن الحق بالصّدق للدلالة على الظهور فإنّ الصّدق في

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- إبراهيم: 31.


( 553 )
الكلام، فكأنّه قيل: إنّه نطق بذلك و صدق فيه.

الثالثة: التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي لما مرّ في نظائره.

البيان:

إن أُريد بـ«الصدق» معنى الحق، كان استعارة تشبيهاً لمطابقة غير الكلام للواقع بمطابقته له، بناءً على تشبيه غير الكلام بالكلام في الظهور والإبانة.

ثمّ إن أُريد به أهل الصدق كان مجازاً آخر، وإن قدّر الأهل كان مجاز الحذف، إن كان «يرووا » جملة إنشائية وأُريد بها معنى الإخبار ،من غير تقدير كان مجازاً في المركّب من قبيل إطلاق اسم الملزوم على اللازم.

«لم يمنعوا» استعارة للاستقبال تشبيهاً له بالماضي في تحقّق الوقوع .


( 554 )

 

 

[52]

 

بِذاكَ جاءَ الوحيُ من رَبِّنا * يا شيعةَ الحــقِّ فلا تَجْزَعُوا

اللغة:

«الباء» للتعدية، أو بمعنى «في» أو للسببية.

«ذاك» إشارة إمّا إلى المصراع الذي قبله، أو إلى ما ذكره من أحوال الشيعة وإمامهم وأضدادهم. «الكاف» فيه حرف خطاب لا محلّ له من الإعراب.

«جاء» يجيئ جيئاً وَجَيْئَةً ومجيئاً: أتى. قال الرّاغب: لكن المجيئ أعمّ ـيعني من وجهـ لأنّ الإتيان مجيئٌٌ بسهولة والإتيانُ قد يقال باعتبار القصد وإن لم يكن منه الحصول، والمجيئ يقال اعتباراً بالحصول ـقال:ـ ويقال: جاء في الأعيان والمعاني و لما يكون مجيئه بذاته وبأمره ولمن قصد مكاناً أو عملاً أو زماناً، قال اللّه تعالى:(وَجاءَمِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى)(1) (وَلَقَدْجاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْل بِالْبَيِّناتِ)(2) و (وَلَمّا جاءتْ رُسُلُنا لوطاً سيءَ بِهِمْ)(3) (فَإِذا جاءَ الخوف)(4)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- يس:20.
2- غافر:34.
3- العنكبوت: 33.
4- الأحزاب: 19.


( 555 )
و قال تعالى: (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ)(1)(بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي)(2)(فَقَدْجاءُوا ظُلْماً وَزُوراً)(3)أي قصدوا الكلام وتعمّدوه، فاستُعمل فيه المجيئ كما استُعمل فيه القصد ـوأصل العمد هو القصدـ(إِذْ جاءُوكُمْ مِنْ فَوقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)(4)(وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً)(5) فهذا بالأمر لا بالذات وهو قول ابن عباس.(6) انتهى.

أقول: وهذه كلّها مجازات المعنى الأوّل.

«الألف واللام» للجنس أو للعهد إن كان المراد بالوحي القرآن. قال الراغب: أصل الوحي : الإشارة السريعة ولتضمّن السّرعة قيل: أمرٌ وحيٌ،وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض،وقد يكون بصوت مجرّد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح، وبالكتابة، وقد حُمِلَ على ذلك قوله تعالى عن زكريا ـ عليه السَّلام ـ :(فَخَرَجَ عَلى قَومِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً)(7) فقد قيل: رَمَزَ، و قيل: اعتبارٌ، و قيل: كَتَبَ.

ثمّ قال: ويقال للكلمة الإلهيّة التي تُلقَى إلى أنبيائه وأوليائه:«وحيٌ» وذلك أضرُبٌ حسب ما دلّ عليه قوله:(وَما كانَ لِبَشَر أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّه إِلاّ وَحياً أَوْ مِنْ وَراءِحِجاب أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحي بِإِذْنِهِ مايَشاء) .(8) و ذلك إمّا برسول مُشاهد تُرى ذاتهُ ويُسمَعُ كلامهُ كتبليغ جبرئيلعليه السَّلام للنبيّ في صورة معيّنة.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- يونس: 49.
2- الزمر:59.
3- الفرقان: 4.
4- الأحزاب:10.
5- الفجر:22.
6- مفردات الراغب: 103 ـ 104.
7- مريم:11.
8- الشورى:51.


( 556 )
وإمّا بسماع كلام من غير معاينة، كسماع موسى كلام اللّه تعالى.

وإمّا بإلقاء في الرّوع كما ذَكرَ عليهالصلاة والسلام : «إنّ روح القدس نفث في روعي».

وإمّا بإلهام، نحو: (وَأَوحَيْنا إِلى أُمّ مُوسى أَن أَرْضِعيه) .(1)

وإمّا بتسخير، نحو قوله: (وَأَوحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) .(2)

أو بمنام، كما قال عليهالصلاة والسلام : «انقطع الوحيُ وبقِيَتِ المُبَشِّراتُ رؤيا المؤمن ».

فالإلهام والتسخير والمنام، دَلّ عليه قوله:(إلاّ وَحْياً)(3)، و سماعالكلام مُعاينةً دلّ عليه قوله: (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجاب) (4).

وتبليغُ جبرئيلَ في صورة معيّنة دلّ عليه قوله:(أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً)(5).(6) انتهى.

وفي الصحاح: الوَحي: الكتاب، وجمعه وحيٌّ، مثل حَلي وَحُلي. قال لبيد: «كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها».(7) والوحيُ أيضاً: الإشارة، والكتابة، والرّسالة، والإلهام، والكلام الخفيّ، وكلُّ ما ألقيتَه إلى غيرك. يقال: وَحَيْتُ إليهِ الكلامَ وأوحَيْتُ، وهو أن تكلِّمة بكلام تخفيه. قال العجاج: «وَحَى لها القرار فاستقرّت».(8)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- القصص:7.
2- النحل:68.
3- الشورى: 51.
4- الشورى: 51.
5- الشورى: 51.
6- مفرداتالراغب: 515 ـ 516.
7- من معلّقته، و البيت بتمامه:
فمدافِعُ الرَّيّانِ عُرّي رَسمُها * خَلقاً كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها

(المعلّقاتالعشر: 191).
8- و بعده: «وسدَّها بالراسيات الثبَّت».


( 557 )
ويروى:« أوحى لها» ووحَى وأوحى أيضاً كتب. وقال: «لِقَدَر كانَ وحاهُ الواحي» . وأوحى اللّه إلى أنبيائه. وأوحى، أي أشار . قال اللّه تعالى:(فَأَوحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً) (1).

و وحيتُ له بِخَبَر كذا، أي أشرتُ وصوَّتُّ به رويداً.(2) انتهى.

وقد روى الصدوق أبو جعفر ابن بابويه رضوان اللّه عليه في باب الردّعلى الثنويّة والزنادقة من كتاب «التوحيد» عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في حديث طويل، أجاب فيه عن عدّة مسائل لرجل في كتاب اللّه قال:

فأمّا قوله: (وَما كانَ لِبَشر أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجاب)(3): ما ينبغي لبشر أن يكلّمه اللّه إلاّ وحياً وليس بكائن إلاّ من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء كذلك قال اللّه تبارك وتعالى: (عُلُوّاً كَبيراً) (4)، قد كان الرسول يوحى إليه من رسل السماء فيبلغ رسلُ السماء رسلَ الأرض، و قد كان الكلام بين رسل أهل الأرض و بينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السّماء.

و قد قال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : يا جبرئيل هل رأيت ربّك؟ فقال جبرئيل: إنّ ربّي لا يُرى. فقال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : من أين تأخذ الوحي؟ فقال: آخذه من إسرافيل، فقال: و من أين يأخذ إسرافيل؟ قال: يأخذ من ملك فوقه من الرّوحانيين، قال: فمن أين يأخذه ذلك الملك؟قال: يقذف في قلبه قذفاً. فهذا وحيٌ وهو كلام اللّه عزّوجلّ وكلام اللّه ليس بنحو واحد; منه ما كلّم اللّه به الرّسل، ومنه ما قذفه في قلوبهم، و منه رؤيا يُريهاالرّسل، ومنه وحيّ وتنزيل يُتلى ويُقرأ، فهو كلام اللّه

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- مريم: 11.
2- الصحاح: «وحى».
3- الشورى: 51.
4- الإسراء: 4و43.


( 558 )
فاكتف بما وصفت لك من كلام اللّه، فإنّ معنى كلام اللّه ليس بنحو واحد، فإنّ منه ما يبلِّغ رسلُ السّماء رسلَ الأرض(1). انتهى ما أردنا حكايته.

وروى في باب معاني الحروف المقطّعة في أوائل السّور من القرآن من كتاب «معاني الأخبار» بإسناده عن سفيان بن سعيد الثوري، عن الإمام الهمام أبي عبد اللّه الصادق صلوات اللّه عليه، في خبر طويل:

قال:

وأمّا «ن»، فهو نهر في الجنة، قال اللّه عزّ وجلّ: إجمد فجمد فصار مداداً، ثمّ قال عزّوجلّ: للقلم: اُكتب فسطّر القلم في اللّوح المحفوظ ما كان و ما هو كائن إلى يوم القيامة، فالمداد مداد من نور، والقلم قلم من نور، واللّوح لوح من نور.

قال سفيان: فقلت له: يا ابن رسول اللّه بيّن لي أمر اللّوح والقلم والمداد فضل بيان، و علّمني ممّا علّمك اللّه.

فقال: يا ابن سعيد لولا أنّك أهل للجواب ما أجبتك فـ«نون» ملك يؤدي إلى القلم وهو ملك، والقلم يؤدي إلى اللّوح وهو ملك، واللّوح يؤدي إلى إسرافيل، وإسرافيل يؤدي إلى ميكائيل، وميكائيل يؤدي إلى جبرئيل، وجبرئيل يؤدي إلى الأنبياء والرسل صلوات اللّه عليهم.

قال: ثمّ قال لي: قم يا سفيان فلا آمن عليك.(2)

فهذا شطر كافي في هذا الكتاب ممّا ورد في الوحي، والاستقصاء في ذلك ـ مع أنّه لا يناسب المقام ـ يستدعي كتاباً مخصوصاً به، والمراد بالوحي هنا إمّا الكلام الموحى به أو إنزال الكلام أو الرسول الآتي بالوحي.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- التوحيد: 264.
2- معاني الأخبار: 22ذ ح1.


( 559 )
فعلى الأوّلين نسبة المجيئ إليه مجازية إلاّ أن يقدّر له مضاف، أو جعل المجيئ مجازاً عن التنصيص والبيان.

وعلى الثاني لا يجوز إلاّ في الوحي.

«من» للابتداء.

«يا» حرف موضوع للنداء وهو الدعاء لطلب الاقبال، حقيقة أو مجازاً، بالوجه أو القلب.

ثمّ اختلفوا فقيل: إنّه لنداء البعيد حقيقة، أو حكماً ومعنى البعد حكماً ، أن يكون المنادى مع قربه: غافلاً أو ساهياً عمّا ينادى له، أو متعالياً عن رتبة المنادى، نحو: يا للّه، أو متنازلاً عنها، نحو: يا هذا، أو يكون الاهتمام بالإقبال على ما ينادى له عظيماً، حتى إنّه ينزل المنادى مع تهالكه عليه بعيداً عنه، نحو:(يا أَيُّهَا الرَّسُول بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) .(1)

وقيل: بل مشتركة بين نداء القريب والبعيد، وقيل: بينهما و بين المتوسّط.

وقيل: إنّها وأخواتها أسماء أفعال متضمّنة الضمير المتكلّم وأنّها بمعنى «أُدعوا».

«الألف واللام» للجنس، أو العهد، أو الاستغراق.

«الحق»: الموجود الثّابت، وخلاف الباطل، أي المطابق لما في نفس الأمر.

قال الرّاغب: أصل الحقّ: المطابقة والموافقة كمطابقة رجل الباب في حقّه لدورانه على استقامة.(2)

والحقّ يقال على اللّه تعالى، إمّا لكونه موجوداً ثابتاً، أو لأنّه فعل ما فعل على

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- المائدة: 67.
2- مفرداتالراغب: 125: «حق».


( 560 )
وفق الحكمة، وكذا يقال على الفعل المطابق للحكمة، وكذا على الفعل المطابق لما ينبغي أويجب.

والمراد هنا إمّا الاعتقاد الحقّ، أو الدِّين الحقّ، أو أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لكونه الإمام الحقّ، أو اللّه سبحانه، أو الثابت، أو المطلق لما يجب.

«الفاء» للعطف أو فصيحة أو زائدة.

«لا» حرف موضوع للنهي، أي طلب ترك الفعل، أو الكفّ عن الفعل على اختلاف في ذلك.

«الجزع» ضدّ الصبر. وقال الراغب: الجزع أبلغ من الحزن، فإنّ الحزن عامّ، والجزع هو حزن يَصرِفُ الإنسانَ عمّا هو بصدده ويقطَعُهُ عنه، وأصل الجزع قطع الحبل من نصفه، يقال: جَزَعتُهُ فانجزع، و لِتَصوُّر الانقطاع منه. قيل: جَزعٌ الوادي لِمُنْقَطَعِهِِ، ولانقطاع اللّون بتغيّره،. قيل للخَرَز المتلوّن :جَزْعُ، وعنه استعير قولهم: «لَحْمٌ مُجَزَّع» إذا كان ذا لونين. و قيل للبسرة إذا بلغ الإرطاب نصفَها: مُجَزَّعَةٌ (1). انتهى.

 

الإعراب:

«بذاك» إمّا مفعول به لـ«جاء»، أو متعلّق به، وهو إن كانت الباء للسببية، أو بمعنى «في».

«من ربّنا» إمّا لغو متعلّق بـ «جاء»، أو مستقرّ حال عن الوحي.

«شيعة الحقّ» منادى مضاف منصوب إمّا بـ«يا» لقيامها مقام «ادعو»، أو لكونها اسم فعل، أو بـ«ادعو» مقدّراً لازم الحذف، على اختلاف في ذلك، والإضافة لامية أو بيانيّة، بمعنى الشيعة الّذين هم الحقّ أي الثابتون في التشيّع، أو

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- مفردات الراغب: 92 «جزع».


( 561 )
المطابقون أي المطابق اعتقادهم لما يجب، أو أهل الحقّ تسمية لهم باسم ما يتلبّسون به من الحقّ.

أو «شيعة» منادى مفرد مبني على الضم لإفراده وتعريفه، وإنّما بني لوقوعه موقع الكاف الاسمية المشابهة للكاف الحرفية لفظاً و معنى، فإنّ : يا زيد، بمعنى: أدعوك، و هذه الكاف ككاف ذلك، ولم يبن المضاف لأنّ المضاف إليه بمنزلة التنوين في الاختصاص بالاسم، فلا يؤثّر معه مناسبة المبنيُّ الأصل، ولأنّه بالتركيب لا يشبه الكاف المفردة، ولم يبن المنكر لعدم المشابهة من جهة النكارة.

وإنّما بني على الحركة، لأنّه لو بني على السكون لأوهم الوقف والانقطاع عمّا بعده، مع أنّه إنّما ينادى للمصلحة التي بعده.

وإنّمابني على الضمّ لأنّه لو بني على الكسر لتوهّم أنّه مضاف إلى ياء المتكلّم فحذفت ياؤه واقتصرت على الكسرة.

وأمّا الفتح، فقد كان له قبل البناء، فلو بني على الفتح لتوهّم أنّه الإعراب . هذا رأي الجمهور.

وعند الكسائي أنّه معرب مرفوع لتجرّده عن العوامل اللفظية، لا أنّ التجرّد عامل فيه، بل بمعنى أنّه لما لم يكن فيه سبب للبناء أُعرب.

ثمّ لو جرّ لالتبس بالمضاف إلى ياء المتكلّم.

ولو نصب لالتبس بغير المنصرف، فرفع ولم ينوّن، للفرق بينه وبين ما رفع بعامل رافع، وإنّما نصب المضاف وشبهه للطول، ولأنّ المنصوب في كلام العرب أكثر.

وقال الفرّاء: أصل: يا زيد، مثلاً يا زيداً، بالألف ليكون المنادى بين صوتين ثمّ اكتفي بالصوت الأوّل وحُذف الثاني فصار كالغايات فبني على الضم، و إنّما نصب المضاف لقيام المضاف إليه مقام الألف.


( 562 )
وقد ينوّن المنادى المفرد المعرفة للضرورة، كقوله:

سلامُ اللّهِ يا مَطَــرٌ عَلَيهــا * ولَيْسَ عَليكَ يا مَطَرُ السلاَّمُ (1)

و اعلم أنّ المراد بالمفرد هنا ما لا يكون مضافاً ولا مشابهاً له، سواء كان مفرداً أو مثنّى أو مجموعاً، إلاّ أنّ المثنّى والمجموع لا يبنيان على الضمّ، بل على الألف والواو.

وذهب بعض الكوفيين إلى تشبيههما بالمضاف فنادوهما بالياء، نحو: يا زيدَين و يا زيدِين .

هذا في الجمع بالواو والنّون، وأمّا غيره من الجموع، كـ«الشيعة» فلا شبهة في كونها كالواحد، وعلى هذا فـ«الحقّ» صفة للمنادى يجوز فيه الرفع حملاً على لفظ المتبوع; والنّصب على محلّه.

قال نجم الأئمّة رضي اللّه عنه: فإن قلت: فَلِمَ لَمْ يجز بناء التوابع المفردة ولا سيّما الوصف منها كما جاز في: لا رجل ظريف، فكتب يقول: يا زيد الظريف، واللاّم لا تمنع البناء كما لم تمنع في الخمسة عشر.

قلت: إنّما جاز ذلك في «لا» لأنّ المنفي في الحقيقة هو الوصف لا الموصوف فكان لا باشرت الوصف، وذلك لأنّ معنى لا رجل ظريف فيها : لا ظرافة في الرّجال الّذين فيها، فالمنفي مضمون الصفة، فهي لنفي الظرفاء لا نفي الرجال، فكأنّه قيل: لا ظريف فيها، بخلاف يا زيد الظريف، فإنّ المنادى لفظاً ومعنى هو المتبوع. فبان الفرق.

على أنّه أورد الأخفش في مسائله الكبير أنّ بعضهم يقول في الوصف وعطف البيان، نحو: يا زيد الطويل، ويا عالم زيد: إنّهما مبنيان على الضمّ كما في

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيت للأحوص الأنصاري، شرح ابن عقيل: الشاهد 307.


( 563 )
البدل. انتهى.

وعن الأصمعي: أنّه لا يوصف المنادى المضموم، لشبهه بالمضمر الذي لا يجوز وصفه، فنحو«الظريف» في :يا زيد الظريف، إذا ارتفع، خبر أنت مقدراً، وإذا انتصب مفعول أعني مقدّراً.

وفيه أنّه لا يلزم من شبهه بالمضمر كونه مثله في جميع أحكامه، ثمّ إفراد«الحق» على هذا التقدير لكونه في الأصل مصدراً يستوي فيه الواحد وغيره، أو لكونه وصفاً بحال المتعلّق وفاعله مقدّر أي: الحقّ تشيعهم أو اعتقادهم.

ويجوز أن يكون «الحقّ » خبر مبتدأ محذوف أي أنتم الحقّ، أو دينكم الحقّ، أو مبتدأ خبره محذوف، أي: الحقّ معكم، وأن يكون مفعولاً لمقدّر، أي الزموا الحقّ أو لزمتم الحق، أو خبر كان محذوفاً، أي: كنتم الحق.

وعلى كلّ تقدير يحتمل فيه الحقّ عليهم فإمّا المراد به أهل الحقّ، أو يكون «الأهل» مقدراً مضافاً ففيه مجاز حذف، أو لا تقدير ولا عناية، وذلك ظاهر عند ملاحظة معاني«الحق».

ثمّ إنّ المنادى له قد يتقدّم على النداء وقد يتأخّر، تقول: قم يا زيد، وتقول: يا زيد قم.

والوجهان هنا محتملان، فإنّه يجوز أن يكون المنادى له قوله: «بذاك جاء الوحي من ربّنا».

ويجوز أن يكون قوله:«فلا تجزعوا» وأن يكون قوله:«الحق» إذا كان جملة برأسها.

فعلى الأوّل يكون «الفاء» في «فلا تجزعوا» للعطف على المنادى له.

وعلى الثاني يجوز أن تكون فصيحة والتقدير: إذا كان الأمر كذلك فلا تجزعوا، وأن تكون زائدة، وأن تكون للعطف على مقدّر، أي أبشروا فلا تجزعوا، أو


( 564 )
لا تجزعوا فلا تجزعوا، فيكون مبالغة في النهي عن الجزع.

والثّالث يكون للعطف على جملة «الحق» .

 

المعنى:

يا أتباع الدِّين الحقّ وأنصاره أو أنصار اللّه، أو أتباع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وأنصاره، أو أيّتها الشيعة من الثابتين في التشيّع أو المطابق اعتقادهم لما يجب أو من أهل الحقّ، أو يا شيعة أي المسمَّون بهذا الاسم الذين هم الحقّ أي أهله، أو الثابتون في التشيّع، أو المطابق اعتقادهم لما يجب; أتى من ربّنا الوحي، أي القرآن أو كلام اللّه غيره، أو انزاله تعالى الكلام بالّذي ذكر، من أنّ شيعة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يُروَوْن من الحوض ولا يُمنعون، أو بجميع ما ذكر من أحوال الشيعة وإمامهم واصدادهم، أو أتى به الوحي حال كونه من ربّنا، أي الوحي الّذي من ربّنا، أو أتى فيه الوحي أو بسببه: فلا تجزعوا، أو: «بذاك جاء الوحي من ربّنا يا شيعة الحق» إذا كان الأمر كذلك فلا تجزعوا، أو أبشروا فلا تجزعوا، أو لا تجزعوا فلا تجزعوا، أو يا شيعة أنتم الحقّ أو أهل الحقّ أو معكم الحق أو دينكم الحق أو الزموا الحقّ أو لزمتم الحق أو كنتم الحق أو أهل الحق فلا تحزنوا.

ثمّ إن كان المراد بالوحي هو القرآن فمعنى إتيانه بذلك أنّ الآيات الناصّة بوجوب اتّباع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وهلاك من خالفه ولم يتواله، كثيرة، فهي تدل على نجاتهم وهلاك مَن عداهم.

 

المعاني:

فيه مسائل:

الأُولى: التعبير عن «في» بالباء إن كانت بمعناها ، للإيجاز والوزن والتوجيه.


( 565 )
الثانية: الإشارة بما وضع للقريب لتنزيل القرب الذكري منزلة المكاني وللتنبيه تنبيه على أنّ ما ذكر ينبغي أن يكون نصب عين المؤمن حاضراً في ذهنه ليستبشر به ويقوى في دينه.

الثالثة: تقديم «بذاك» على «جاء» للاعتناء بشأن المشار إليه، ولتقريب اسم الإشارة من المشار إليه، ولا سيما واسم الإشارة موضوع للقريب وللوزن.ويجوز أن يكون للحصر خصوصاً، إذا كانت الباء للسببيّة، فإنّ غاية الغايات للبعث والإنزال والتبليغ إنّما هو الإيمان وإثابة المؤمنين، فما ذكر هو السّبب حقيقة للوحي، وغيره وسائل إليه وأسباب له. وإن كان (1) الباء للتعدية أو الظّرفية صحّ الحصر أيضاً بهذا الاعتبار، فإنّه لما كان العمدة فكأنّه ما أتى إلاّ به أو في شأنه .

الرابعة: العدول عن : وحي ربّنا إلى «الوحي من ربّنا» إن كان «من ربّنا» حالاً عن «الوحي» للإيضاح بعد الإبهام.

الخامسة: زيادة«من ربّنا» لزيادة التنصيص مزيد التقرير والتثبيت لما ذكر والتعظيم له.

السادسة: إفراد الحق: إذا كان محمولاً عليهم مع ما ذكر من الوجه، للإيماء إلى أنّهم بمنزلة شخص واحد، أو ينبغي أن يكونوا كذلك في الاجتماع على الحقّ وفي انتصار بعضهم ببعض، وكونهم يداً على من سواهم.

البيان:

«الباء» إن كانت بمعنى «في» كانت استعارة، واستعمال اسم الإشارة الموضوع للإشارة الحسّية في المعاني استعارة تشبيهاً للحضور الذهني، أو الذكري بواسطة ذكر ألفاظها بالحضور الخارجي اسناداً لمجيئ إلى الوحي مجازي أو الوحي

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ذُكّر على تقدير «إن كان حرفالباء».


( 566 )
مجاز، أو المجيئ استعارة تبعيّة، أو في الوحي مجاز في الحذف إن كان المراد بالحق الباري سبحانه كان نسبة الشيعة إليه مجازية، فإنّ أنصار اللّه بمعنى أنصار دينه أو أوليائه، أو فيه مجاز في الحذف.

وإن كان الحقّ صفة للشيعة أو كان الإضافة بيانية احتمل أن يكون «الحقّ» مجازاً عن أهله، وأن يكون فيه مجاز الحذف.

ثمّ نصّ الناظم رحمه اللّه على نفسه واستعطف واستشفع ضمناً وافتخر صريحاً; بأنّه مادح أهل البيت صلوات اللّه وسلامه عليهم أو مادح شيعتهم على اختلاف احتمال فقال:

 


( 567 )

 

 

[53]

 

الحِمْيَريُّ مادِحُكُمْ لَمْ يَزَل * وَلَوْ يُقَطَّع اصبع اصبعُ

اللّغة:

«الألف واللام» للعهد.

«الحميريّ» نسبة إلى حِمْيَر كدرهم، وهو ابن سبأ بن يشحب بن يعرب بن قحطان وهو من ملوك اليمن وأوّل ملوكه سبأ، وقيل: يعرب. قيل: وإنّما سمي حميراً لكثرة لبسه الثياب الحمر.

و هو أوّل من وضع من ملوك اليمن على رأسه التاج تاج الذّهب.

وحميَر أيضاً موضع غربي صنعاء.

و لعلّه سمّي باسم حمير الملك.

و يحتمل أن تكون النسبة إليه وقد خفّفت ياء النسبة للضرورة، وقد كرهوا تخفيف المشدّد إذا كان في غير القافية إلاّ أنّه جائز.

«المدح» هو الثناء على الجميل اختياريّاً كان أو غيره، و قيل: يختصّ بالاختياري.


( 568 )
الخطاب يحتمل أن يكون إلى أهل البيت صلوات اللّه عليهم وإن لم يجر لهم ذكر; لحضورهم بالبال، وذكر أوّلهم و سيّدهم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، وأن يكون إلى الشيعة وهو الأظهر لفظاً.

«زال» من الأفعال الناقصة وهو: زال يزال، فالماضي أصله «زَوِل» كعلم، فأمّا زال يزول وزاله يزيله أي فرقه، فتامّان. و قيل: إنّ الناقصة أيضاً يائية.

وحكى سيبويه وأبو الخطاب عن بعض العرب: ما زيل يفعل كذا، فنقل كسرة الواو إلى ماقبلها ثمّ قلبها ياء لسكونها وانكسار ما قبلها كقيل المبني للمفعول، وهو ملزوم للنفي إلاّنادراً، فقد يقال شاذّاً: زلت أفعل كذا، بحذف حرف النفي، كما في (تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) (1) ومعناه الاستمرار والدوام، فإنّ الزّوال نفي، فإذا نفي تأكّد الإثبات.

ويحتمل أن يكون ما في البيت تامّة فحينئذ يكون بضمّ الزاي من زال عن الشيء، أي ذهب.

وعلى التقديرين فالمراد الاستمرار في جميع الأزمنة، أو تخصيص الماضي لأنّ غرضه الاستعطاف والاستشفاع.

والأنسب بهما ما حصل منه من المدح، أو لعدم الوثوق بالحياة والتوفيق للمدح فيما بعد، ولا يأتي هذا صحة الأوّل، فإنّ مثل هذه العبارة شائع، بمعنى أنّه إن يفي ويوفّق له، كان كذا.

«الواو» حالية، أو للاعتراض، أو للعطف على اختلاف في كلّواو قبل«لو» أو «ان» الوصليتين.والحقّ أنّ «لو» و «إن» باقيتان على الشرطيّة وعلى اقتضاء

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- يوسف:85.


( 569 )
الجواب، وأمّا الواو فيحتمل أن تكون للحال على أن يكون ما بعدها من الجملة الشرطية بتمامها حالاً، وهذا مذهب الزمخشري.

وأن تكون(1) للاعتراض، و هذا مذهب مختار نجم الأئمّة رحمه اللّه بناءً على ما ذهب إليه من جواز الاعتراض في آخر الكلام.

و أن تكون للعطف على مقدّر، و هو مذهب الشيخ عفيف الدين أبي حفص عمر بن عثمان الخبزي في المسائل العشرين، والمقدّر جملة شرطية أُخرى شرطها نقيض المذكور وقد بسطنا الكلام في ذلك في كتابنا «منية الحريص على فهم شرح التلخيص» وفّقنا اللّه سبحانه لإتمامه.

ثمّ إنّ «لو» كما عرفت أصلها المضي(2) وإن دخلت على المضارع.

ولكن المراد بـ«لم يزل» إن كان الاستمرار في جميع الأزمنة، فلا بدّ من أن يكون المراد بـ«لو يقطع» أيضاً إمّا الاستمرار أو الاستقبال كما لا يخفى.

 

الإعراب:

« الحميري»: مبتدأ «مادحكم» خبره، أو صفة، ولمّا كان اسم الفاعل هنا للاستمرار كانت إضافته معنويّة مفيدة للتعريف فجاز وصف المعرفة به.

«لم يزل» خبر آخر، أو هو الخبر، فإن كان ناقصاً كان خبره مقدّراً، أي «لم يزل كذلك» أي: مادحاً لكم، وإن كان تامّاً قدّر له متعلّق، أي «لم يزل عن مدحكم».

ويحتمل على رأي من جوّز تقديم خبر مازال وأخواتها عليها وهم الكوفيون وابن كيسان: أن يكون «مادحكم» منصوباً خبر «لم يزل» ، والجملة

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- أي «و يحتمل أن تكونالواو».
2- إلى هنا تنتهي إحدى النسخ المعتمدة التي بأيدينا.


( 570 )
خبر «الحميري».

المصراع الأخير: إن كان اعتراضاً لم يقدّر إلاّ جواب الشرط أي «يقطع لمدحكم» إن كان «لم يزل » ناقصاً، أو «لم يزل عن مدحكم» إن كان تامّاً، وذلك لأنّه على الأوّل يكون قرينة الجواب «مادحكم»إن كان خبر «لم يزل» وإلاّفمادحكم المقدّر خبراً له.

و على الثاني يكون قرينة «لم يزل» و «لو» هذه بمنزلة «لو» في نحو قوله:«لو لم يخف اللّه لم يعصه» بمعنى استمرار الجزاء على تقديري الشرط وجر نقيضه،بل على تقدير النقيض أولى، وإن كان حالاً قدّر مع ذلك مبتدأ تكون الجملة الشرطية بتمامها خبراً له، أي: وهو لو يقطع لمدحكم; وذو الحال إمّا الحميري أو الضمير في «لم يزل».

و إن كان معطوفاً قدّر مع الجواب شرطية أُخرى: لو لم يُقَطَّع لمَدحكم ولو يُقَطَّع لمدحكم.

وأمّا الجزم بـ«لو»، فقيل: إنّه لغة و قيل بجوازه في الشعر، كقوله:

لَوْ يَشَأ طارَ بِـهِ ذُو مَيْعَــة * لاحِق ُ الآطالِ نَهْدٌ ذُو خُصَـلْ(1)

و قوله:

نامت فؤادك لم يحزنك ماصنعت * إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا

و قد خرج الأوّل على لغة من يقول شا يشا بألف ثمّ أُبدلت الألف همزة ساكنة كما قيل: العالم والحاتم، و كما وجّه به قراءة ابن ذكوان منسأته بهمزة ساكنة.

و الثاني على أنّ ضمة الإعراب سلب تخفيفاً كقراءة أبي عمير، و ينصركم

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيت عزاء في الحماسة لامرأة من بني الحارث، و قالالعيني: هو لعلقمة. شرح شواهدالمغني:2/664 الشاهد 422.


( 571 )
ويأمركم ويشعركم.

«اصبع»: فاعل «يقطع»أي مفعوله القائم مقام الفاعل، وفيه مجاز حذف، أي مثل اصبع، أي ما يكون بقدرها في الصغر، أو يجوز بالأصبع نفسه عن مثله فالمجاز في اللفظ.

و «اصبع» الثاني معطوف على الأوّل بحذف حرف العطف، وهنا ظرف مقدّر، أي يقطع منه اصبع اصبع، أو يقطع اصبع اصبع منه، فالمحذوف على الأوّل متعلّق بالتقطيع، وعلى الثاني صفة الفاعل وفيه تقدير آخر في اللفظ، أو العناية، وهو قوله على المدح ولو لم يلزم الاصرار لكان الظاهر اصبعاً اصبعاً على التمييز أو الحال كما لا يخفى.

المعنى:

إنّي مادحكم أهل البيت أو أيّتها الشيعة ولم أزل كذلك ، أو لم أزل و لاأزال كذلك، أو لم أزل عن مدحكم أو لم أزل ولا أزول، أو الحميري الذي هو مادحكم لم يزل الخ، ولو قطّع منّي مثل اصبع واصبع حتى قطّع كلّي كذلك لم أزل عن مدحكم أو لمدحتكم، أو و الحال أنّي لو قطع مني الخ. أو وأنا لو قطّع منّي. إلخ.

والحاصل أنّه لو قطع اصبعاً اصبعاً على المدح لم يزل عنه.

المعاني:

فيه مسائل:

الأُولى: عدم التصريح باسمه للتحقير والوزن.

الثانية: تقديم «مادحكم» على «لم يزل» إن كان خبراً له، للاهتمام والوزن


( 572 )
والتوجيه والتأكيد، فإنّ لم يزل يتضمّن ذكره مرّة أُخرى تقديراً.

الثالثة: الوصف بمادحكم إن كان صفة للافتخار والاستعطاف والاستشفاع والتنبيه على اشتهاره بأنّه مادحهم، حتى أنّه يوضّحه نفسه بهذاالوصف، لأنّ الغالب في وصف المعرفة التوضيح، وليكون قرينة على المحذوف، وللتأكيد المستفاد من التكرير الذي عرفته.

الرابعة: حذف خبر «لم يزل» أو متعلّقه; للإيجاز والتوجيه من جهة نفسه ومن جهة «مادحكم».

الخامسة: الإتيان بالمضارع بعد «لو» للتنصيص على إرادة الاستقبال، أو ليكون قرينة على إرادة الاستمرار، فإنّ المضارع أقرب إليه من الماضي والاستمرار، للاستمرار فيما علّق عليه وهو المدح، وإن أراد الزّمان الماضي فالإتيان به لاستحضار تلك الحالة وجعلها نصب عينه.

البيان:

في «لم يزل» تجوز إن كان تامّاً فإنّ الزوال عن الشيء بمعنى الذهاب والمدح ليس ممّا يتحقّق عنه ذهاب حقيقي، ويجوز آخر إن أُريد به الاستمرار، وكذا لو يقطع إن أُريد به الاستمرار.

وفي «اصبع» إمّا يجوز في اللفظ، أي استعارة مصرّحة، أو يجاز حذف كما عرفت.

 


( 573 )

 

 

[54]

 

وبعْدَها صَلُّوا عَلى المصطَفى * وصِنــوه حَيـــدَرة الأَصْلَعُ

اللغة:

«الواو » للاستئناف أو العطف.

«الصلاة» من اللّه تعالى هي الرحمة، و من غيره طلبها.

قال الراغب: قال كثير من أهل اللّغة: هي الدعاء والتبريك والتمجيد، يقال: صلّيت عليه، أي دعوت له و زكيت. وقال ـ عليه السَّلام ـ : إذا دُعي أحدكم إلى طعام فليجب، وإن كان صائماً فليصلّ، أي ليدع لأهله. قال: و صلاة اللّه على المسلمين هو في التحقيق تزكيته إيّاهم. و قال: ( أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمةٌ) (1).

و من الملائكة هي الدعاء والاستغفار كما هي من النّاس (2). انتهى.

قيل: ولكون الصلاة متضمّنة لمعنى النزول لأنّها إذا نسبت إلى غيره تعالى كانت بمعنى طلب نزول الرحمة، وهو معنى الدعاء، وإذا نسب إليه كانت بمعنى إنزال الرحمة عديت بعلى.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البقرة : 157.
2- مفردات الراغب: 285 «صلا».


( 574 )
وروى الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن بابويهرحمه اللّه في كتاب «معاني الأخبار» بسنده عن الإمام الصّادق صلوات اللّه عليه أنّه قال: من صلى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فمعناه أنّي على الميثاق الّذي قبلت حين قوله(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(1).

«الصنو» الغصن الخارج من أصل الشجرة، يقال: هما صنوا دوحة، وكذا يقال: الصنوان لشجرتين من أصل واحد، ومن ذلك الصّنو بمعنى الأخ، لأنّ الأخوين كغصنين من شجرة أو شجرتين من أصل.

وربما وسع فأُطلق على المنتسبين إلى أب أعلى ولو بعده طبقات، كما يقال لواحد من قوم:«إنّه أخوهم» فيقال لتيميّ: يا أخا تيم، فالمراد به هنا إمّا الأخ و إمّا ابن العمّ.

«الحيدر» و الحيدرة: الأسد، و كما أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يسمّى حيدراً، سمّي حيدرة أيضاً كما نصّ عليه فيما اشتهر عنه صلوات اللّه عليه من قوله:

أنا الذي سمّتني أُمّي حيدره * أضربُ بالسَّيْف وجوه الكَفَرَه

ويحتمل أن يكون حيدره بالضمير العائد على المصطفى، وحينئذ فلا يكون «حيدر» علماً بل المراد به معناه اللّغوي، أي أسد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، أويكون علماً والإضافة فيه كما في قوله :علا زيدنا يوم التقى رأس زيدكم.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- معاني الأخبار: 115. باب معنى الصلاة على النبيّ، ح1، والآية من سورة الأعراف: 172.


( 575 )

الإعراب:

جملة البيت إمّا مستأنفة ، أومعطوفة على مقدّر، أي احفظوا هذه الأبيات أو افهموها، أو نحو ذلك، وبعدها صلّوا الخ.

أو على ما مرّفي الأبيات من قبيل عطف الجملة على القصة، أي المطلوب بالعطف ما يتحصل من إحدى الجملتين على ما يتحصل من الأُخرى من غير ملاحظة للخبرية والإنشائية، وحينئذ لا يشترط توافقهما والخبرية أو الإنشائية فيجوز أن يقال: زيد يعاقب بالقيد والإرهاق وابشر عمراً بالعفو والإطلاق. فكأنّه قال: وبعدها يجب الصلاة عليه و على صنوه.

أو تقدّر ما يجعله خبراً فيقال للتقدير و أقول بعدها:

«بعدها» ظرف «لصلّوا» أو لـ«أقول» المقدّر ضميره، عائد على ما سبق من الأبيات، أو على القصيدة. وإن كان هذا البيت منها تسمية لمعظم الشيء باسمه .

ثمّ المراد «ببعدها» : بعد قولها إن تعلّق بـ«أقول» المقدّر، و: بعد فهمها أو تلقّيها ، ونحو ذلك إن تعلق بصلّوا.

«صنوه» معطوف على المصطفى.

«حيدرة» إمّا خبر مبتدأ محذوف، والجملة استئناف، كأنّه سئل: مَن صنوه؟ فقيل: حيدرة.

و «الأصلع» صفة موضّحة، أو مادحة لحيدرة، أوحيدرة بيان لصنوه، والأصلع وصف مقطوع عنه، أي جعل خبراً لمبتدأ محذوف، أي هو الأصلع .

وإن كان «حيدره» بالضمير، فهو مركّب إضافي والإضافة لامية.


( 576 )

المعنى :

صلّوا بها النّاس بعد ما عُرّفتم على المصطفى وأخيه أو ابن عمّه و هو حيدرة الأصلع، أو أسده الأصلع، أو حيدر المخصوص به، أو أخيه أو ابن عمّه حيدرة، أو أسده وهو الأصلع المعروف في كتب الأوّلين، أو أقيموا ما ذكرته لكم وعوها و صلّوا بعدها، أو و يجب عليكم أن تصلّوا، أو و أقول بعد هذه الأبيات صلّوا، أو و أقول : صلّوا بعدها.

المعاني:

فيه مسائل:

الأُولى: تقديم «بعدها» على «صلّوا» لكونه فصل الخطاب بمنزلة أمّا بعد، وأوائل الكتب والوزن وتقريب الضمير من مرجعه.

الثانية: عدم التعبير باسمه الشّريف ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، لماعرفت سابقاً.

الثالثة: لا يخفى مافي المصراع الأخير من الإيضاح بعد الإبهام.

الرابعة: عرفت أنّ الوصف بالأصلع للمدح.

البيان:

إن كان الإنشاء بمعنى الإخبار من غير تقدير، كان فيه تجوّز في الجملة باعتبار معناها الجملي، الصنو بمعنى الأخ أو ابن العم إمّا مجاز مشهور، أو حقيقة عرفية.

***

 


( 577 )
صورة خطّ المؤلف

و قد وقع الابتداء به في مولود الرسول الأمين عليه و آله، الهادين للعمين، من الصلوات ما هو بهم قمين.

و هذا آخر ما بكى القلم متبسماً، فعاد النادي بدموعه متنسماً في كتاب «اللآلئ العبقرية في شرح القصيدة الحميرية» و قد اتّفق الفراغ منه يوم الخميس سابع صفر مولد إمام الحقّ والبشر أبي الحسن موسى الكاظم صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطهر الغررة، و على أبنائه الأئمة المعصومين أولي الأيد والبصر، من عام تسع وثمانين بعدالألف(1) من هجرة خير من هجر مسجود الشجر والحجر صلوات اللّه عليه و آله الأئمة المعصومين وعترته الأخيار الطهر الميامين. فليهنأ كتابي بمشرق الطّرفين و حيازة الشرفين.

و كتبه بأنامله الجانية الفانية مؤلّفه العائذ بربّه من الزبانية محمّد بن الحسن الاصفهاني المعروف ببهاء الدين شفّع اللّه فيه نبيّه وآله يوم الدّين.

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net