متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
1. العصمة في اللغة والاصطلاح وتاريخ ظهور الفكرة بين المسلمين
الكتاب : عصمة الأنبياء في القرآن الكريم    |    القسم : مكتبة رد الشبهات

1

العصمة في اللغة والاصطلاح

وتاريخ ظهور الفكرة بين المسلمين

العصمة في اللغة بمعنى الإمساك والمنع، قال ابن فارس:عصم له أصل واحد يدلّ على إمساك ومنع، من ذلك العصمة، أن يعصم اللّه تعالى عبده من سوء يقع فيه.

وأمّا اصطلاحاً، فالعصمة هي المصونية عن الخطأ والعصيان وبهذا المعنى وصف سبحانه الملائكة الموكلين على الحجيم بقوله (عليها ملائكةُ غِلاظ شِدَاد لا يَعْصُون اللّهَ ما أمرَهُم ويفْعلون ما


( 8 )

يُؤمَرُون)(1) ولا يجد الإنسان كلمة أوضح من قوله سبحانه: ( لا يَعْصُون اللّهَ ما أمرَهُم ويفْعلون ما يُؤمَرُون) في تحديد حقيقة العصمة وواقعها في مجال الامتثال فالآية تنص على عصمة الملائكة في مجال التكليف، وأمّا العصمة في مجال غير التكليف فاللّه سبحانه يصف الذكر الحكيم بقوله: (لا يأيته الباطلُ مِنْ بين يديهِ ولا مِنْ خَلْفِه تنزيل مِنْ حكيم حميد)(2) فالآية تنص على مصونية القرآن من طروء الباطل عليه والخطأ من أقسام الباطل.

مبدأ ظهور فكرة العصمة بين المسلمين

وبالامعان في هذه الآيات يظهر انّ العصمة بمفهومها البسيط (العصمة من العصيان والخطأ) مع قطع النظر عن موصوفها، قد طرحها القرآن وألفتَ نظر المسلمين إليها من دون أن يحتاج علماؤهم إلى أخذ هذه الفكرة من الأحبار والرهبان.

وبذلك يعلم انّ مبدأ ظهور فكرة العصمة في الأُمة الإسلامية هي القرآن الكريم لا غير.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . التحريم: 6 .
2 . فصلت: 42 .


( 9 )

نعم انّ الموصوف في هذه الآيات وإن كانت هي الملائكة أو القرآن الكريم والمطروح عند علماء الكلام هو عصمة الأنبياء والأئمة، لكن الاختلاف في الموصوف لا يضرّ بكون القرآن مبدأً لهذه الفكرة، لانّ المطلوب هو الوقوف على منشأ تكوّن هذه الفكرة، ثمّ تطورها عند المتكلّمين ويكفي في ذلك كون القرآن قد طرح هذه المسألة في حقّ الملائكة والقرآن.

على أنّ القرآن الكريم طرح عصمة النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في غير واحد من آياته كما سيوافيك، ويكفيك في المقام قوله: (وَما يَنطق عن الهوى * إِن هُوَ إلاّ وَحيٌّ يُوحى).(1)

فنرى الآيتين تشيران بوضوح إلى انّ النبي لا ينطق عن ميول نفسانية وان ما ينطق به، وحي ألْقى في روعه وأُوحِي إلى قلبه، ومن لا يتكلّم عن الميول النفسانية ويعتمد في منطقه على الوحي يكون مصوناً من الزلل في المرحلتين: مرحلة الأخذ والتبليع، إذ قال سبحانه: (ما كذب الفؤاد ما رأى... ما زاغ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . النمل:3ـ4.


( 10 )

البصر و ما طغى).(1)

وقد نرى جذور عصمة النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في كلام الإمام علي حيث يصف النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في الخطبة القاصعة بقوله:

«ولقد قَرَن اللّه به مِنْ لدن أن كانَ فطيماً أعظمَ ملك من ملائكته، يسلك به طريقَ المكارم، ومحاسنَ أخلاق العالم ليله ونهاره».(2)

ودلالة هذه الجمل من هذه الخطبة على عصمة النبي في القول والعمل عن الخطأ والزلل واضحة فانّ من ربّاه أعظم ملك من ملائكة اللّه سبحانه من لدن أن كان فطيماً، إلى أُخريات حياته الشريفة، لا تنفك عن المصونية من العصيان والخطأ، كيف وهذا الملك يسلك به طريق المكارم، ويربّيه على محاسن أخلاق العالم، ليلَه ونهارَه، لا يعصي ولا ينحرف عن الجادة الوسطى وليست المعصية إلاّ سلوك طريق المآثم و مساوى الأخلاق و من يسلك الطريق الأوّل يكون متجنباً عن سلوك الطريق الثاني.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . النجم:11ـ17.
2 . نهج البلاغة، الخطبة187.


( 11 )

هذه جذور المسألة في الكتاب العزيز وفي كلمات الإمام أمير المؤمنين، ثمّ إنّ المتكلّمين هم الذين اهتموا بمسألة العصمة خصوصاً الإمامية والمعتزلة.

نعم لا يمكن أن ينكر انّ المناظرات التي دارت بين الإمام علي بن موسى الرضا وأهل المقالات من الفرق الإسلامية قد اعطت للمسألة مكانة خاصة، فقد أبطل الإمام الرضا ـ عليه السَّلام ـ كثيراً من حجج المخالفين في مجال نفي العصمة عن الأنبياء عامة والنبي الأعظم خاصة، ولولا خوف الإطالة لأتينا ببعض هذه المناظرات التي دارت بين الإمام ـ عليه السَّلام ـ وأهل المقالات من الفرق الإسلامية.

هذا هو مفهوم العصمة لغة واصطلاحاً ومبدأ ظهوره وسيره في التاريخ.

نعم نجد المستشرق «رونالدوسن» ينسب فكرة ظهور العصمة في الإسلام إلى تطور علم الكلام عند الشيعة وانّهم أوّل من تطرق إلى بحث هذه العقيدة ووصف بها أئمّتهم.(1)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . عقيدة الشيعة:328.


( 12 )

انّ هذا التحليل لا يبتني على أساس رصين وإنّما هو من الأوهام والأساطير التي اخترعتها نفسية الرجل وعداؤه للإسلام والمسلمين أوّلاً، والشيعةُ أئمّتهم ثانياً.

وكم لهذا الرجل عثرات وأوهام في كتابه الذي أسماه «عقيدة الشيعة» و ليس فيه من عقيدة الشيعة إلاّ شيئاً لا يذكر.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net