متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المُقدمة
الكتاب : الحكومة الإسلامية    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين .

موضوع ولاية الفقيه يعتبر فرصة للتحدث حول بعض الأمور والمسائل المتعلقة به. وولاية الفقيه من المواضيع التي يوجب تصورها التصديق بها، فهي لا تحتاج لأية برهنة. وذلك بمعنى أن كل من أدرك العقائد والأحكام الإسلامية ـ ولو إجمالاً ـ وبمجرد أن يصل إلى ولاية الفقيه ويتصورها فسيصدق بها فوراً، وسيجدها ضرورة وبديهية. والسبب في عدم وجود ادنى التفات لولاية الفقيه وفي أنها صارت بحاجة للاستدلال هو الأوضاع الاجتماعية للمسلمين بشكل عام والحوزات العلمية بشكل خاص، وهناك أسباب تاريخية لأوضاعنا الاجتماعية نحن المسلمين، ولأوضاع الحوزات العلمية نقوم بالاشارة اليها.

لقد ابتليت النهضة الإسلامية منذ انطلاقتها باليهود، فهم الذين شرعوا أولاً بالدعاية ضد الإسلام وبالدسائس الفكرية بنحو ـ وكما تلاحظون ـ وصل مداه إلى أيامنا هذه. ووصل الدور بعدهم إلى طوائف هم ـ بمعنى من المعاني ـ أكثر شيطنة من اليهود، وهؤلاء استطاعوا الوصول إلى البلاد الإسلامية على شكل استعمار منذ ثلاثة قرون أو أكثر وقد رأوا أنه من اللازم لكي يصلوا إلى مطامعهم الاستعمارية أن يهيئوا الأرضية للقضاء على الإسلام. ولم يكن هدفهم ابعاد الناس عن الإسلام لتقوية النصرانية، لأن هؤلاء لا يعتقدون بالنصرانية ولا بالإسلام، لكنهم ـ وطوال هذه المدة وأثناء الحروب الصليبية[1] شعروا ان الذي يقف سداً أمام مصالحهم المادية، ويعرّض مصالحهم المادية وقواهم السياسية للخطر هو الإسلام وأحكامه وايمان الناس به، فقاموا بالدعاية والدس ضد الإسلام بمختلف الوسائل. وقد تعاضد في العمل على تحريف حقائق الإسلام رجال الدين الذين أوجدوهم في الحوزات العلمية، والعملاء الذين كانوا يعملون لهم في الجامعات والمؤسسات الاعلامية الحكومية أو مراكز النشر، والمستشرقين الذي هم في خدمة الدول الاستعمارية، فهؤلاء جميعاً تكاتفوا في ذلك بنحو صار فيه الكثير من الناس والمثقفين في حالة من الضياع والانحراف عن الصواب تجاه الإسلام.

إن الإسلام هو دين المجاهدين الساعين للحق والعدالة، دين أولئك الذين ينشدون الحرية والاستقلال. إنه عقيدة المناضلين والمعادين للاستعمار.

لكن أولئك عرضوا الإسلام بشكل آخر، ولا يزالون. إن هذا التصور الخاطئ عن الإسلام الذي يلقي في أذهان عامة الناس، والشكل الناقص الذي يعرض فيه الإسلام في الحوزات العلمية هدفه سلب الخاصية الثورية والحياتية للإسلام، ومنع المسلمين من السعي للقيام والتحرك والثورة، ومن أن يكونوا متحررين وساعين لتطبيق الأحكام الإسلامية، ومن أن يؤسسوا حكومة تؤمن سعادتهم ويكوّنوا الحياة اللائقة بالانسان. فكانوا يشيعون مثلاً أن الإسلام ليس ديناً جامعاً، فهو ليس دين حياة، وليس فيه أنظمة وقوانين للمجتمع، ولم يأت بنظام وقوانين للحكم، الإسلام أحكام حيض ونفاس فحسب، وفيه بعض التوجيهات الاخلاقية أيضاً، لكن ليس فيه شيء مما يرتبط بالحياة وإدارة المجتمع. ومن المؤسف أن دعاياتهم السيئة هذه قد أثَّرت. وحالياً ـ فضلاً عن عامة الناس ـ فإن الطبقة المثقفة سواء من الجامعيين أو الكثير من رجال الدين لم يفهموا الإسلام جيداً، وهم يمتلكون تصورات خاطئة تجاهه، والناس يجهلون الدين، كما يجهلون الأشخاص الغرباء عنهم، فالإسلام يعيش بين شعوب الدنيا بغربة كما أنه لو أراد الانسان أن يعرض الإسلام كما هو فلن يصدقه الناس بسرعة، بل تواجهه أصوات الاستعمار في الحوزات بالضجيح والغوغاء.

ولكي يتضح شيئاً ما عظم الفرق بين الإسلام وبين ما يعرض على أنه الإسلام ألفت نظركم إلى التفأوت الموجود بين القرآن وكتب الحديث والتي هي مصادر الأحكام والقوانين من جهة، وبين الرسائل العملية التي تكتب من قبل مجتهدي العصر ومراجع التقليد من جهة أخرى من ناحية الجامعية والتأثير الذي يمكن أن تتركه في الحياة الاجتماعية. فنسبة الاجتماعيات في القرآن للآيات العبادية تتجأوز المئة مقابل واحد، كما نجد أنه في كتب الحديث التي تشتمل الدورة منها حوالي خمسين كتاباً[2] وتحتوي على جميع الأحكام الإسلامية، نجد أن هناك ثلاثة أو أربعة كتب حول عبادات الانسان ووظائفه تجاه ربه وشيئاً من الأحكام الأخلاقية، والباقي كله مما يتعلق بالأمور الاجتماعية والاقتصادية والحقوق السياسية وتدبير المجتمع.

أنتم أيها السادة يا جيل الشباب، الذين ستكونون مفيدين لمستقبل الإسلام انشاء الله، عليكم أن تكونوا بعد هذه النقاط الموجزة التي أبينها لكم مجدّين طوال حياتكم في بيان انظمة الإسلام وقوانينه، وأطلعوا الناس ـ بأي شكل ترونه مفيداً كتابة أو مشافهة ـ على المشاكل التي ابتلى بها الإسلام منذ بداية نهضته، وعما لديه الآن من أعداء ومصائب.

لا تتركوا حقيقة الإسلام وماهيته مستورة كيلا يتصور أحد أن الإسلام كالمسيحية يمثل ـ بالاسم لا بالحقيقة ـ عدة قوانين حول العلاقة بين الله والناس فحسب، وأن المسجد لا يختلف عن الكنيسة.

في ذلك الوقت الذي لم يكن فيه الغرب شيئاً يذكر، وكان أهله يعيشون في حالة من التوحش، وكانت أمريكا موطناً للهنود الحمر شبه المتوحشين، وكانت امبراطوريتا الفرس والروم تحت سيطرة الاستبداد والطبقية وسلطة الأقوياء، ولم يكن فيها من أثر لحكومة الشعب والقانون[3]، أرسل الله تعالى من خلال رسوله الأكرم (ص) قوانين تدهش الانسان بين فترة ما قبل انعقاد نطفته إلى ما بعد دفنه، ووضع قوانين للوظائف العبادية، وجعل للأمور الاجتماعية والادارية قوانين وطرق ورسوم.

فحقوق الإسلام حقوق راقية ومتكاملة وجامعة والكتب الموسوعية التي ألِّفت من قديم الزمان في مختلف المجالات الحقوقية بدءاً من أحكام القضاء والمعاملات والحدود[4] والقصاص[5] إلى العلاقات بين الشعوب، ومقررات السلم والحرب والحقوق الدولية العامة والخاصة إنما هي غيض من فيض الأحكام والأنظمة الإسلامية. ليس ثمة موضوع لم يضع له الإسلام تكليفاً، ولم يصدر حوله حكماً.

إن عملاء الأجانب ـ ولكي يحرفوا المسلمين ومثقفيهم من جيل الشباب عن الإسلام ـ أخذوا يبثُّون أن الإسلام ليس فيه شيء، وأنه مجموعة من أحكام الحيض والنفاس، وأن على الملالي (رجال الدين) أن يدرسوا الحيض والنفاس.

وهذا صحيح أيضاً، إذ أن الملالي الذين هم ليسوا في وارد التفكير في بيان نظريات الإسلام ونظراته للكون، ويصرفون أغلب أوقاتهم فيما يقول هؤلاء، وقد نسوا سائر كتب الإسلام (أبوابه) يستحقون التعرض لأشكالات وهجمات كهذه. فهم أيضاً مقصرون، وإلا فهل الأجانب وحدهم المقصرون؟ بالطبع فإن الاجانب قد هيأوا الاساس منذ عدة قرون لمطامعهم السياسية والاقتصادية، وقد نجحوا نتيجة الاهمال الموجود في حوزات علماء الدين، ولقد كان بيننا نحن ـ أهل العلم ـ أشخاص ساعدوهم في تحقيق أهدافهم ـ دونما علم بذلك ـ حتى وصل الوضع إلى ما هو عليه الآن.

تارة يوسوسون أن أحكام الإسلام ناقصة، فيقولون مثلاً: ان قوانينه في القضاء وتطبيق العدالة ليست كما يجب. وفي أعقاب هذا البث وهذه الدعايات يقوم عملاء الانكليز بأمر من سادتهم بالتلاعب بأساس المشروطة، ويضللون الناس ويخدعونهم عن حقيقة جريمتهم السياسية (وهذا حسب الشواهد والمستندات الموجودة) وعندما أرادوا تدوين الدستور في أوائل المشروطة اقترضوا المجموعة الحقوقية البلجيكية من سفارة بليجكا، وقام عدة اشخاص (ولا أريد أن أذكر هنا أية أسماء) بكتابة الدستور في تلك المجموعة، ورمَّموا نقائصه من المجموعات الحقوقية لفرنسا وانجلترا[6] ومن أجل خداع الشعب ضموا إليه بعض الأحكام الإسلامية، فقد اقتبسوا أساس القوانين من هؤلاء وأعطوها لشعبنا. فمواد الدستور هذه ومتمماتها المتعلقة بالملكية، والحكم الوراثي، وأمثال ذلك أين هي من الإسلام؟

فهذا كله ضد الإسلام ويناقض نمط الحكومة الإسلامية وأحكامها. فالملكية والحكم الوراثي هي مما أبطله الإسلام وألغاه في صدر الإسلام في ايران وبلاد الروم الشرقية ومصر واليمن. ولقد دعا الرسول الأكرم (ص) في رسائله المباركة امبراطورية الروم الشرقيين (هراكليوس)[7] وملك ايران[8] إلى التخلي عن نمط الحكومة الملكية والامبراطورية، وعن الزام عباد الله بالطاعة والعبودية المطلقة لهم، وليتركوهم ليعبدوا الله الواحد الذي لا شريك له، الذي هو السلطان الحقيقي[9].

الملكية والحكم الوراثي هي ذلك الطراز من الحكم المشؤوم والباطل الذي ثار سيد الشهداء (ع) واستشهد من اجل المنع من اقامته، فلقد ثار ودعا جميع المسلمين للثورة لكي لا يخضع لولاية عهد يزيد[10] ولكي لا يعترف رسمياً بسلطنته. فهذه الأمور ليست من الإسلام. الإسلام ليس فيه ملكية وحكم وراثي، واذا كان النقص بهذا المعنى، نعم فالإسلام ناقص! كما أن الإسلام ليس لديه قانون وأحكام لأكل الربا وللبنوك الربوية وتجارة الخمر والفحشاء، وذلك لأنه قد حرم هذه الأمور من الأساس. إن هؤلاء الحكام من أيادي الاستعمار الذين يريدون ترويج أعمال كهذه في البلاد الإسلامية من الطبيعي أن يروا الإسلام ناقصاً، وهم مضطرون لأن يستوردوا القوانين لهذه الأمور من انجلترا وفرنسا وبلجيكا وأخيراً من أمريكا. إن كون الإسلام لا يمتلك تشريعات لترتيب هذه الأمور غير المشروعة من كمالات الإسلام ومفاخره.

لقد كانت المؤامرة التي قامت بها دولة بريطانيا الاستعمارية في بداية الحركة الدستورية لهدفين: الأول هو ما شاع في ذلك الوقت من السعي إلى القضاء على نفوذ روسيا القيصرية في ايران. والآخر هو إخراج الأحكام الإسلامية من مجال العمل والتطبيق من خلال الإتيان بالقوانين الغربية.

لقد كان فرض قوانين الاجانب على مجتمعنا الإسلامي مصدراً للكثير من الابتلاءات والمشاكل. فبعض أهل الخبرة والاطلاع في مجال القضاء يتذمرون من قوانين المحاكم وطريقة عملها، اذ لو ابتلي الانسان بمحكمة ايران الحالية أو سائر البلاد المشابهة لها فيجب عليه أن يشقى طيلة العمر لاثبات أمر ما. قال لنا أحد المحامين المتمرسين كنا قد التقيناه زمن الشباب «إني قادر على معالجة قضية بين متخاصمين والدوران بها بين القوانين والمحاكم إلى آخر عمري! وسيتابعها ابني بعد وفاتي!» قد صار الأمر بهذا النحو بالضبط، ماعدا الملفات التي يتم فيها استعمال النفوذ حيث تحل وتنتهي بالطبع بسرعة، لكن لا بالحق والعدل. والقوانين الحالية للمحاكم لا نتيجة فيها للشعب سوى التعب والتأخر عن العمل وأمور المعيشة، وسوى الاستغلال غير المشروع لها. قليلون هم أولئك الاشخاص الذين يصلون إلى حقوقهم الثابتة. مع أنه في حل الدعأوى والفصل فيها يجب مراعاة جميع الجهات، لا مجرد وصول الشخص إلى حقه فحسب، فيجب خلال ذلك أن يلاحظ وقت الناس وطريقة معيشة وعمل كلا طرفي الدعوى، وأن تتم بما أمكن من سرعة وبساطة. القضايا التي كان يحلها ويفصل فيها قاضي الشرع تلك الأيام خلال يومين أو ثلاثة لا تنتهي هذه الأيام خلال عشرين سنة! في هذه الأيام يجب أن يذهب الشباب والشيوخ والضعفاء كل يوم إلى المحكمة من الصباح إلى العصر، ويقضوا الوقت في الممرات والمكاتب دون الحصول على نتيجة نهاية الامر أيضاً. فكل من كان اكثر براعة استعداداً لبذل الرشوة ينجز اعماله بشكل أسرع، حتى لو كان من دون حق، والا فسيبقى إلى آخر عمره مشغولاً ولا يدري ما العمل.

يكتبون أحياناً في كتبهم وجرائدهم أن الأحكام الجزائية في الإسلام أحكام خشنة، حتى لقد كتب أحدهم ـ وفي غاية الوقاحة ـ أنها أحكام خشنة مستمدة من خشونة العرب! فخشونة العرب هي التي انتجت هذه الأحكام!

إني إعجب لهؤلاء كيف يفكرون! فمن جهة عندما يقتلون عدة اشخاص لأجل عشر غرامات من الهيروئين يقولون إنه القانون (لقد علمنا أنهم قتلوا عشرة أشخاص منذ مدة وعشرة أشخاص مؤخراً أيضاً من أجل عشر غرامات من الهيروئين) عندما توضع هذه القوانين المخالفة للانسانية تحت شعار أنهم يريدون منع الفساد لا يكون فيها خشونة!! أنا لا أقول دعوهم يبيعوا الهيروئين، ولكن ليس هذا جزاءه. يجب منعه، لكن يجب أن تكون عقوبته متناسبة معه[11] اذا ضرب شارب الخمر ثمانين جلدة فهذا أمر فيه خشونة، أما اذا أعدموا إنساناً لأجل عشرة غرامات من الهيروئين فلا خشونة في الأمر! مع أن الكثير من المفاسد التي ظهرت في المجتمع هي من شرب الخمر، فالكثير من حوادث السير التي تقع في الطرقات، وعمليات الانتحار والقتل سببها شرب الخمر. يقولون إن استعمال الهيروئين كثيراً ما يكون من شرب الخمر، ومع هذا لو شرب أحدهم الخمر فلا اشكال في الامر، لأن الغرب قد فعل ذلك! ولذا يشترونه ويبيعونه بحرية. إذا أريد منع ـ الفحشاء ـ والتي شرب الخمر من أوضح مصاديقها ـ وضرب أحدهم ثمانين جلدة، أو ضرب الزاني مئة جلدة، أو رجم المحصن أو المحصنة[12] ترتفع الصيحات مستنكرة خشونة الحكم، وأنه صادر من خشونة العرب، مع أن أحكام الإسلام الجزائية قد جاءت لمنع مفاسد أمة كبيرة. لقد انتشرت الفحشاء إلى هذا الحد، بشكل أضاعت الاجيال وأفسدت الشباب وعطلت الاعمال، وصار الجميع يبحث عن هذه الملاهي التي مهدوا لها الطريق، وتعلقوا بها بما للكلمة من معنى، وأخذوا يروجون لها، فلو قال الإسلام: اجلدوا شخصاً ما في الملأ العام[13] لأجل منع الفساد في جيل الشباب، فهذا فيه خشونة!

بينما المجازر التي استمرت حوالي 15 سنة بيد أسياد أولئك الحكام في فيتنام[14] مع ما فيها من خسائر مادية ودماء مسفوكة لا اشكال فيها! أما لو أراد الإسلام إخضاع الناس للقوانين المفيدة للبشر فأمر بالدفاع أو الحرب، وقتل عدداً من الاشخاص المفسدين والفاسدين، فإنهم يتساءلون عن مبرر هذه الحرب.

كل هذه المخططات موضوعة منذ عدة قرون ويقومون بتنفيذها بالتدريج ويقطفون ثمراتها. في البدء أسسوا مدرسة في مكان ما ونحن سكتنا وبقينا غافلين، ولقد غفل أمثالنا أيضاً عن أن يمنعوهم ولا يسمحوا بانشاء ذلك من الاساس، وشيئاً فشيئاً أخذوا بالازدياد، والآن ترون أن مبشريهم قد توجهوا إلى جميع القرى والقصبات، ويقومون بتنصير أبنائنا أو اخراجهم من حالة التدين[15]. المخطط هو أن يبقونا، وعلى الحال التي نحن فيها من الحياة المنكوبة لكي يتمكنوا من استغلال ثرواتنا ومنابعنا الطبيعية واراضينا وطاقاتنا البشرية. يريدون لنا أن نبقى غرقى في المشاكل والعجز، وأن يبقى فقراؤنا بهذه التعاسة، ولا يخضعوا لأحكام الإسلام التي تحل مشكلة الفقر والفقراء، ولكي يبقوا هم وعملاؤهم في القصور الفخمة مستمرين في تلك الحياة المرفهة. تلك مخططات قد وصل مداها حتى إلى الحوزات الدينية والعلمية، بشكل لو أراد الانسان أن يتكلم حول الحكومة الإسلامية ووضع حكومة الإسلام فيجب عليه أن يستعمل التقية، وأن يواجه معارضة أذناب الاستعمار. كما أنه عندما طبعت الطبعة الأولى من هذا الكتاب انتفض عملاء السفارة (سفارة نظام الشاه في العراق) وقاموا بتحركات يائسة، وفضحوا أنفسهم أكثر فأكثر. والآن وصل بنا الحال إلى أن صاروا يعتبرون لباس الجندي منافياً للمروءة والعدالة[16] مع أن أئمة ديننا كانوا جنوداً وقادة ومقاتلين. وكانوا يذهبون إلى الحروب التي تسردها كتب التاريخ وهم يرتدون بزة الحرب، وكانوا يقتلون ويقدمون القتلى. وأمير المؤمنين (ع) كان يضع الخوذة على رأسه المبارك، ويلبس الدرع وكان لسيفه حمائل. وهكذا كان الامام الحسن وسيد الشهداء (ع). ولم يفسح المجال فيما بعد، وإلا لكان الامام الباقر (ع) بهذا النحو أيضاً، ووصل بنا الحال الآن إلى أن صار ارتداء لباس الجندي مضراً بالعدالة وصار ممنوعاً، وإذا أردنا اقامة حكومة إسلامية فيجب علينا أن نقيمها بهذه العباءة والعمامة، والا كان ذلك خلاف المروءة والعدالة. إنها تأثيرات تلك الدعايات، وهي التي وصلت بنا وأوصلتنا إلى هنا بنحو صرنا بحاجة إلى تجشم المشقات لنثبت أن الإسلام يمتلك قواعد للحكومة.

هذا هو وضعنا. لقد رتب الأجانب أساس هذه الأمور بواسطة دعاياتهم ودعاتهم، فأخرجوا جميع القوانين القضائية والسياسية للإسلام من ساحة التطبيق، ووضعوا مكانها المفاهيم الأوربية ليضعفوا الإسلام ويخرجوه من المجتمع، ويأتوا باتباعهم لتسليم الأمور، بينما يقومون هم باستغلال الوضع.

لقد بينَّا المخطط التخريبي المفسد للاستعمار، والآن يجب أن نضيف عليه التأثيرات الداخلية لبعض أفراد مجتمعنا وانهزاميتهم أمام التقدم المادي للمستعمرين. لقد أحسن هؤلاء بالانهزام عندما رأوا البلاد الاستعمارية ـ أو بالاحرى ناهبي الشعوب الاسيوية والافريقية ـ قد حققوا التقدم العلمي والصناعي، وجنوا الثروات وانتخبوا الكماليات المختلفة، فظن هؤلاء أن الطريق للتقدم الصناعي هو التخلي عن عقائدهم وقوانينهم، فعندما وصل أولئك المستعمرون إلى القمر مثلاً، ظن هؤلاء أنه يجب التخلي عن قوانينهم، مع انه ما العلاقة بين الذهاب إلى القمر والقوانين الإسلامية؟ أو لم يروا أن بلداناً تمتلك قوانين وانظمة اجتماعية متضادة تمكنت من العمل مع بعضها في مجال التقدم الصناعي والعلمي وتسخير الفضاء وساروا في ذلك معاً. فليذهب أولئك إلى المريخ، بل وإلى المجرات أيضاً، فسيظلون مع هذا عاجزين عن تحقيق الفضائل الاخلاقية والرقي النفسي، وغير قادرين على حل مشاكلهم الاجتماعية. إذ أن حل مشاكلهم الاجتماعية وتعاستهم يحتاج إلى حلول عقائدية واخلاقية. وتحصيل القوة المادية أو الثروة والسيطرة على الطبيعة والفضاء كل ذلك لا يؤمن الحل، فالثروة والقوة المادية والسيطرة على الفضاء هذا كله يحتاج إلى الايمان والاعتقاد والاخلاق الإسلامية ليكتمل ويعتدل ويكون في خدمة الانسان، لا وبالاً عليه. وهذه العقيدة والاخلاق والقوانين نحن الذين نمتلكها. بناءً على هذا لا ينبغي لنا أن نتخلى فوراً عن ديننا وقوانيننا ذات الصلة بحياة البشر، والتي هي اساس الاصلاح لحال البشر في الدنيا والآخرة بمجرد ان تمكن البعض من صنع شيء ما، أو من الوصول إلى مكان ما.

أجل فالوضع بالنسبة لدعايات المستعمرين بهذا النحو. فلقد قام اعداؤنا ببث دعاياتهم، والمؤسف هو وقوع بعض أفراد مجتمعنا تحت تأثيرهم، مع أنه ما كان ينبغي لهم ذلك، لقد أوحى الينا المستعمرون أن الإسلام ليس فيه حكومة، ولا يمتلك نظام حكم وعلى فرض وجود أحكام فيه فليس لديه سلطة تنفيذية (حاكم) خلاصته ان الإسلام مشرع فحسب، ومن الواضح أن هذه الدعايات جزء من مخطط المستعمرين لابعاد المسلمين عن السياسة واساس الحكومة. وهذا الكلام يخالف عقائدنا ومفاهيمنا الاساسية.

فنحن نعتقد بالولاية ونعتقد بلزوم تعيين النبي (ص) لخليفة، وأنه قد عين كذلك[17]. فهل تعيين الخليفة هو لأجل بيان الأحكام؟ فبيان الأحكام لا يحتاج لخليفة. إذ كان قد بينها الرسول (ص) بنفسه أو كتبها جميعاً في كتاب وأعطاه للناس ليعملوا به، وكون تعيين الخليفة لازماً عقلاً إنما هو لأجل الحكومة، فنحن نحتاج إلى خليفة لكي ينفذ القوانين، اذ القانون يحتاج إلى مجرٍ ومنفذ. ففي جميع بلدان الدنيا الأمر بهذا النحو، إذ وضع القانون بمجرده لا فائدة فيه، ولا يؤمن سعادة البشر، فبعد تشريع القانون يجب إيجاد سلطة تنفيذية. ففي التشريع أو الحكومة إذا لم يكن ثمة سلطة تنفيذية يكون هناك نقص. ولذا فالإسلام قام بوضع القوانين وعين سلطة تنفيذية أيضاً، فولي الامر هو المتصدي لتنفيذ القوانين أيضاً. لو لم يعين الرسول الأكرم (ص) خليفة لما كان قد بلغ رسالته[18] ولما كان قد أكملها. ولقد كانت ضرورة تطبيق الأحكام، ووجود السلطة التنفيذية وأهميتها في تحقيق الرسالة، وايجاد النظام العادل ـ الذي هو منشأ لسعادة البشر ـ وراء كون تعيين الخليفة مرادفاً لاتمام الرسالة.

لم يكن الامر مقتصراً في زمان الرسول (ص) على مجرد بيان القانون وابلاغه، بل كان يقوم (ص) بتنفيذه أيضاً، لقد كان رسول الله (ص) المنفذ المطبق للقانون، فقد قام بتطبيق القوانين الجزائية مثلاً: قطع يد السارق، واقام الحد، ورجم[19] والخليفة معين لهذه الأمور أيضاً، فالخليفة ليس مشرعاً، بل الخليفة معين لأجل تنفيذ أحكام الله التي جاء بها الرسول (ص). ومن هنا يجب اقامة الحكومة والسلطة التنفيذية والادارية. إن الاعتقاد بضرورة تأسيس الحكومة واقامة السلطة التنفيذية والادارية جزء من الولاية، كما أن النضال والسعي لاجلها من الاعتقاد بالولاية أيضاً. انتبهوا جيداً فكما يقوم أولئك بترجمة الإسلام وبيانه بشكل سيئ محاربةً لكم، قوموا أنتم ببيان الإسلام كما هو، وبينوا الولاية واشرحوها كما هي. قولوا: إننا إذ نعتقد بالولاية، وبأن الرسول الأكرم (ص) قد عين خليفة، وقد ألجأه الله تعيين الخليفة وولي أمر المسلمين، فيجب أن نعتقد بضرورة تأسيس الحكومة الإسلامية، ويجب أن نسعى لإقامة السلطة لتنفيذ الأحكام وإدارة الأمور. إن النضال من أجل اقامة الحكومة الإسلامية لازم للاعتقاد بالولاية. قوموا بالكتابة حول قوانين الإسلام وآثارها الاجتماعية وفوائدها وانشروا ذلك، سيروا في طريقة ونمط عملكم التوجيهي وانشطتكم نحو التكامل، وتذكروا انكم مكلفون بتأسيس الحكومة الإسلامية. اعتمدوا على انفسكم، واعلموا انكم ستنجحون في هذا العمل. لقد هيأ المستعمرون الارضية منذ ثلاثة أو أربعة قرون، شرعوا من الصفر حتى وصلوا إلى ما وصلوا اليه الآن. لنشرع نحن من الصفر أيضاً. لا تسمحوا لضجيج بعض المتغربين والمستسلمين لخدم الاستعمار أن يخيفكم. عرَّفوا الناس على الإسلام لكي لا تتصور الاجيال القادمة أن رجال الدين قد جلسوا في زوايا النجف وقم يدرسون أحكام الحيض والنفاس، ولا دخل لهم بالسياسة، وأنه يجب فصل الدين عن السياسة. إن المستعمرين هم الذين اشاعوا هذ المقولة من لزوم فصل الدين عن السياسة، وعدم تدخل علماء الإسلام في الأمور الاجتماعية والسياسية. هذا كلام من لا دين لهم. فهل كانت السياسة منفصلة عن الدين في زمان الرسول الأكرم (ص) ؟ وهل كان البعض رجال دين، والبعض الآخر سياسيين ومسؤولين في ذلك العهد؟ وهل كانت السياسة مفصولة عن الدين في زمان الخلفاء ـ سواء كانوا خلفاء حق أم باطل ـ وفي زمن خلافة أمير المؤمنين (ع) ؟ وهل كان هناك جهازان؟ لقد أوجد المستعمرون وعملاؤهم هذه المقولات من أجل ابعاد الدين عن التصرف في أمور الدنيا، وعن تنظيم المجتمع الإسلامي، وفصل علماء الدين ـ من خلال ذلك ـ عن الشعب وعن المناضلين لأجل الحرية والاستقلال، إذ بهذا النحو يمكنهم التسلط على الشعب ونهب ثرواتنا، فهذا هو هدفهم.

لو لم يكن لنا من شغل نحن المسلمين سوى الصلاة والدعاة والذكر، لما كان للمستعمرين والدول الجائرة المتحالفة معهم أي مشكلة معنا، فاذهبوا وأذنوا وصلَّوا ما شئتم، وليأتوا هم وليأخذوا ما يشاؤون. بينما نكل أمرهم إلى الله ولا حول وقوة إلا بالله! وعندما نموت سيمنحنا الله جزيل الاجر! إذا كان هذا هو منطقنا فليس لهم معنا أية مشكلة. فذاك العسكري (الانكليزي أثناء الاحتلال البريطاني للعراق) سألهم: هذا الذي يؤذن من أعلى المأذنة هل يلحق الضرر بسياسة انكلترا؟ فقالوا له: لا. فقال: إذن دعوه يقول ما يشاء. فلو لم يكن لكم أي تعرض لسياسة المستعمرين، اعتبرتم الإسلام هو هذه الأحكام التي نبحث حولها باستمرار فقط، ولم تتجأوزوها فلن يتعرضوا لكم. فصّلوا ما شئتم، فهؤلاء إنما يريدون نفطكم، ولا شغل لهم بصلاتكم. انهم يريدون مناجمنا، يريدون بلدنا سوقاً لمنتجاتهم. ولذا تقوم الحكومات العميلة لهم بمنع التصنيع في بلادنا، أو يقومون بمجرد تجميع المصنوعات التابعة لهم. إنهم لا يريدون لنا أن نصبح بشراً! فهم يخافون من البشر، وعندما يظهر انسان ما فإنهم يخافون منه، لأنه يقوم بانتاج مماثل، وبتأثير يقوّض أساس الاستبداد والاستعمار والحكومات العميلة. لذا عندما يظهر إنسان ما إما يقتلونه أو يسجنونه أو ينفونه، أو يتهموه بأنه سياسي! يقولون: هذا العالم سياسي! وقد كان النبي (ص) سياسياً أيضاً، لكن دعايات السوء هذه يقوم بها العملاء السياسيون للاستعمار، ليبعدوكم عن السياسة، ويمنعوكم من التدخل في الأمور الاجتماعية، ولا يسمحوا لكم بالنضال ضد الدول الخائنة، والسياسات المعادية للوطن والإسلام، كي لا يمنعهم أحد من ارتكاب ما يشاؤون من أعمال، والقيام بما يشاؤون من تعديات.

 


[1]  الحروب الصليبية: اسم لسلسلة من الحروب حصلت بين القرن الحادي عشر والقرن الثالث عشر للميلاد بين مسيحيي أوربا والمسلمين لأجل انتزاع القدس من أيدي المسلمين. وقد بدأت هذه الحرب عام1096م (489هـ ق) بفتوى البابا أوريان الثاني، وكانت على ثمانية مراحل وانتهت بموت سان لويس ملك فرنسا سنة 1270م (669هـ). وقد أشتهر المسيحيون فيها باسم جيش الصليب أو الصليبيون كونهم كانوا يخيطون على الكتف الايمن قطعة قماش حمراء على شكل صليب.

[2]  الكتاب في اصطلاح أهل الفقه والحديث يطلق على أبواب تكون قد جمعت فيها أحاديث ترتبط بموضوع واحد، أو تبحث عن الأحكام المختصة بموضوع واحد، مثل كتاب التوحيد أو كتاب الايمان والكفر وكتاب الصلاة وأمثال ذلك. فدورة الكافي في الحديث مثلاً تشتمل على35 كتاباً، وشرائع الإسلام في الفقه50 كتاباً.

[3]  تاريخ التمدن الإسلامي ـ جرجي زيدان ج10 ص23ـ41 (طبعة فارسية) / تاريخ ايران الاجتماعي مرتضى الرأوندي ص660 (فارسي) /ايران في زمن الساسانيين لآرتور كريستين ص470 و523 /العالم في عصر البعثة للشهيد محمد جواد باهنر واكبر هاشمي رفسنجاني/ تاريخ الروم لآلبيرماليه وجوي آيزاك/ تاريخ الكنيسة القديمة.

[4]  يطلق الحد في شرع الإسلام على مجموعة من العقوبات البدنية المعينة على معاصٍ خاصة، وحدود هذه العقوبات تعين من قبل الشارع.

[5]  القصاص في فقه الإسلام عبارة عن تطبيق نفس الجناية في حق الجاني بحكم القانون، سواء كانت الجناية قتلاً أو قطع عضو أو ضرباً أو جرحاً، وذلك فيما لو طالب المجني عليه أو أولياؤه بالقصاص وامتنعوا عن أخذ الدية.

[6]  لقد دونت مسودة أول دستور للمشروطة بواسطة هيئة من النواب، وصدقت في 51 مادة. كتب كسروي يقول في هذا المجال: «وكان مشير الدولة ومؤتمن الملك وأبناء الصدر الاعظم قد كتبوها، أو من الأفضل أن نقول قد ترجموها»، بعد ذلك شكلت لجنة لتزيد عليها ملحقاً كمتمم للدستور وقد أعِدَّ هذا الملحق ضمن 107 مادة وبحسب رواية السيد مصطفى رحيمي: «إن هذه الهيئة قامت بتدوين متمم الدستور ورفع نواقص الدستور السابق بالاستعانة بدستور بلجيكا اضافة إلى شيء من الدستور الفرنسي، وبملاحظة قوانين بلاد البلقان (وذلك من ناحية المسائل وأقربيتها إلى زمان تدوين المتمم محل البحث) ».

راجع كتاب (تاريخ مشروطة ايران) كسروي تبريزي، ص170 و224/ قانون أساسي ايران وأصول دموكراسي لمصطفى رحيمي، ص94/ قانون أساسي ومتمم آن، مطبعة مجلس الشورى الوطني. والمصادر كلها فارسية.

[7]  هراكليوس (هرقل) الأول (575ـ641م تقريباً) امبراطور الروم الشرقيين.

[8]  خسرو الثاني المعروف بخسرو برويز (628م) الملك الساساني.

[9]  أرسل نبي الإسلام (ص) في السنة السادسة للهجرة رسلاً إلى حكام البلاد المجأورة، منهم عبد الله بن حذافة السهمي إلى خسرو برويز، ودحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر الروم. ولقد دعاهم الرسول (ص) في رسائله إلى الإسلام والتوحيد. ونص رسالته إلى خسرو برويز كما يلي:ـ

بسم الله الرحمن الرحيم «من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس. سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله. أدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين. أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس».

ونص رسالته (ص) إلى هرقل: «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فانما عليك اثم الأولين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون» آل عمران، 94، مكاتيب الرسول، ج1، ص90 و105.

[10]  يزيد بن معأوية بن أبي سفيان (25ـ64هـ ق) الخليفة الاموي الثاني.

[11]  اعتراض الامام (ره) له جهة أخرى وهي عدم المحافظة على العدالة.

[12]  في القوانين الجزائية الإسلامية ثبوت الاحصان من شروط رجم الزاني، ويطلق المحصن أو المحصنة على الرجل أو المرأة البالغين العاقلين المالكين لزوج أو زوجة بالزواج الدائم يكونان في المتنأول.

[13]  من جملة آداب معاقبة الخاطئ في قانون الإسلام حضور عدد من المؤمنين أثناء اجراء الحدود.

وقد صرح فقهاء الشيعة بالمحافظة على هذه السنة عند اقامة حدود الزنا والقيادة والقذف. وفتواهم في المورد الأول ناظرة في الآية 2 من سورة النور«وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين». والوجه الآخر هو ان يعتبر الحاضرون من عقوبتهم، وكل من كان يميل إلى ذلك الفعل أو يكون قد ارتكبه يتوقف عن ارتكابه.

[14]  فيتنام وبعد سنوات طويلة من النضال ضد المستعمرين الفرنسيين واليابانيين تورطت منذ سنة 1960م في الحرب الشاملة مع امريكا. هذه الحرب التي انتهت سنة 1973 بهزيمة وانسحاب القوات الامريكية انزلت بالشعب الفيتنامي ضربات وخسائر فادحة. والارقام الموثقة التالية وان كانت قاصرة عن الوصف الدقيق لميزان الخسائر والاضرار لهذا الهجوم الوحشي، لكنها يمكنها أن تعبر عن الوقائع المرة للتاريخ المعاصر، فحتى سنة 1965 حيث اتسعت دائرة الحرب لتشمل فيتنام الشمالية كانت خسائر الشعب الفيتنامي الجنوبي بهذا النحو: 170 ألف قتيل و800 ألف جريح و400 ألف أسير. في هذا الزمان كان عدد الاشخاص الذين أرسلوا إلى مخيمات الاسرى التي كانوا يسمونها «الوحدات الزراعية» قد تجأوز الخمسمائة ألف. ونقلاً عن برنامج صوت امريكا (6 كانون الثاني1963) كان الطيران الامريكي قد هاجم القرى الواقعة خارج حدود (القرى الحكومية) خمسين ألف مرة خلال سنة 1962، وحسب اعترافات الجنرال هاركينز فقد قتل في تلك السنة ثلاثون ألفاً من القرويين. ووصلت العمليات الجوية لجيش الولايات المتحدة فوق مناطق فيتنام الجنوبية إلى ثلاثين ألف طلعة في الشهر. وحسب تقرير جريدة نيويورك تايمز فقد أبيد في العمليات المشتركة لقوات الولايات المتحدة ودولة سايغون حوالي 1400 قرية من 2600 قرية جنوبية بقنابل الناپالم والأسلحة الكيميأوية بشكل كامل. وذكر تقرير منظمة الصليب الاحمر الحر لفيتنام الجنوبية ان آلاف الأشخاص من سكان الجنوب ابتلوا بالامراض المختلفة وخصوصاً الامراض الجلدية نتيجة استعمال التركيبات السامة في المناطق الواسعة والمكتظة بالسكان، وعانى هؤلاء المصابون الآلام والمتاعب الناشئة عن هذه الأمراض لفترات طويلة، وعدا ذلك فقد هلك الكثير من قطعان البقر والجاموس والانعام الاليفة الاخرى، كما ابيدت الفواكه والخضار والورود، وكذلك جميع مزارع الارز بشكل كامل.

[15]  كانت أول هيئة ثابتة للمبشرين المسيحيين في ايران هيئة «الناظرة» والتي شرعت سنة 1835م في أعمالها بادارة قسيس يدعى «جاستين بكنيز» و «الدكتور ايزأهل غرانت» جاءت سنة 1832م من قبل الهيئة المركزية للتبشير في الخارج، وهي هيئة أمريكية أسست أول مدرسة على الطراز الحديث، وكان لها جانب تبشيري ديني في «أرومية» وتمكنت سنة 1255هـ ق أن تكسب حماية شاه ايران أيضاً، وقد كان هناك أنشطة قبل ذلك في ايران لهيئات دينية ألمانية وسويسرية وانجليزية وفرنسية.

وبمقتضى اتفاق تم مع الإنجليز فيما بعد صارت منطقة شمال وغرب إيران ساحة نشاط وعمل للهيئات الامريكية، بينما كانت بقية المناطق خاضعة لنشاطات الهيئات الانجليزية، وفي سنة 1879م كان هناك ثمان وأربعون مركزاً مختلفاً خارج مدينة أرومية عدا عن مركز الهيئة في أرومية ثم افتتحت مراكز هيئات طهران وتبريز وهمدان وسلماس على التوالي في سنوات 1871 و73 و81 و85 ميلادي. وبحسب تصريحات «باست» راعي كنيسة «برستبرين» في أمريكا ففي سنة 1884م شارك عدد من المسلمين في طهران وتبريز في المراسم العبادية للبروتستانت. وبإلقاء نظرة على انجازات سنة 1883 للمبشرين الامريكيين يدل على المدى الذي وصلت اليه انشطتهم ففيها: إدارة 24 مركز تبشير أمريكي في طهران وأرومية وهمدان وتبريز، تعليم وارشاد 230 معأون، إدارة 25 كنيسة مع 1796 مشترك، اقامة 4578 تجمع ديني، مشاركة 208 طلاب في المدارس الداخلية، مع تعليم 2452 طالب في المدارس النهارية، ونشر1680890 صفحة مطبوعة، وتلقي مبلغ 1910 دولار تبرعات. ويعتقد «سليسون» أن أنشطة مبشري الكنائس الانغليكائية كانت أكثرها تبذل لأجل اصلاح كنائس «الناظرة»، ويرى أن «البرسنتبرينيون» كانوا اكثر سعياً لتغيير دين المسلمين.

«راجع روابط سياسي ايران وامريكا» تأليف ابراهام سليسون ترجمة محمد باقر آرام. و«دور الكنيسة في البلاد» لمصطفى خالدي وعمر فروخ ترجمة مصطفى زماني.

[16]  العدالة على قول صفة نفسانية راسخة تبعث على ملازمة التقوى، أي ترك المحرمات واتيان الواجبات. والعدالة من شرائط المفتي والقاضي وامام الجماعة. والمروءة بمعنى اتباع العادات الحسنة والاجتناب عن التصرفات القبيحة حتى الأمور المباحة التي لا تكون مقبولة في نظر الناس. وقد عدَّ البعض المروءة من شروط تحقق العدالة.

في حاشية كتاب شرح اللمعة، ج1، ص98، الفصل 11 في صلاة الجماعة اعتبر ارتداء لبس الجندي منافياً للعدالة والمروءة.

[17]  لقد صرح نبي الإسلام (ص) بخلافة علي (ع) في موارد متعددة منها: حديث يوم الدار، وحديث المنزلة، وآية الولاية (عندما تصدق بخاتمه لفقير ونزلت الآية الكريمة) وحديث غدير خم، وحديث الثقلين. راجع التفسير الكبير، ج12، ص 28 و 53 ذيل الآيات 55 و67 لسورة المائدة. وسيرة ابن هشام، ج4، ص520، وتاريخ الطبري، ج2،ص319 و322، وكتاب الغدير ج1 و2 و3.

[18]  اقتباس من الآية 67 من سورة المائدة.

[19]  وسائل الشيعة، ج18، ص376و509.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net