متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
رواية اخرى ـ حول متن هذه الرواية ـ حول مفهوم الرواية
الكتاب : الحكومة الإسلامية    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

رواية اخرى

روى محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن علي بن ابي حمزة، قال: سمعت ابا الحسن موسى بن جعفر (ع) يقول: "إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة، وبقاع الارض التي كان يعبد الله عليها، وأبواب السماء الني كان يصعد فيها بأعماله، وثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء. لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن المدينة لها"[24].

  حول متن هذه الرواية

يوجد في نفس هذا الباب من كتاب الكافي رواية أخرى فيها بدلا من "إذا مات المؤمن" جملة "إذا مات المؤمن الفقيه"[25] بينما صدر الرواية التي نقلناها ليس فيه كلمة "الفقيه". لكن يعلم من ذيلها الذي يعلل فيه (ع) بقوله "لأن المؤمنين الفقهاء" ان كلمة الفقيه قد سقطت من أول الرواية، خصوصاً بوجود المناسبة، حيث يستفاد من كلمة "ثلم في الإسلام" "وحصون" وما شابه تمام المناسبة مع "الفقهاء".

حول مفهوم الرواية

عندما يقول (ع) "المؤمنون الفقهاء حصون الإسلام" فهو في الحقيقة يكلف الفقهاء ويأمرهم بأن يكونوا حماة للإسلام، وأن يدافعوا عن عقائد الإسلام وأحكامه وانظمته. ومن الواضح أن كلام الإمام هذا ليس فيه أي نحو من المجاملة، فهو ليس كالمجاملات التي نقوم بها مع بعضنا، أو كأن نكتب على أغلفة الرسائل لبعضنا جناب المستطاب حجة الإسلام. فلو كان الفقيه جليس بيته ولم يتدخل في أمر من الأمور، فلا هو حفظ قوانين الإسلام، ولا نشر أحكامه، ولا تدخل في الأمور الاجتماعية للمسلمين، ولا اهتم بأمورهم، فهل يوصف بأنه "حصن الإسلام"؟ أو حافظ الإسلام؟ لو أمر رئيس الحكومة أو القائد شخصا ما بالذهاب إلى احدى النواحي وحمايتها والمحافظة عليها، فهل تسمح له وظيفة الحراسة بالذهاب للنوم في بيته إلى أن يأتي العدو ويقضي على تلك الناحية؟ أم أن عليه الجد في الحفاظ عليها بأي شكل استطاع؟ إذا قلتم نحن نحفظ بعض أحكام الإسلام، فإني اسألكم: فهل تقيمون الحدود، وتنفذون القانون الجزائي للإسلام؟ والجواب هو بالنفي. فها قد أحدثتم ثغرة هنا. وقد تداعى جانب من الحائط أثناء توليكم لوظيفة الحراسة. هل تقومون بالمحافظة على جميع حدود المسلمين، وجميع أراضي الوطن الإسلامي؟ والجواب "كلا"، فعملنا هو الدعاء. وهنا قد تداعى جانب آخر من الحائط.

هل تأخذون حقوق الفقراء من الاغنياء وتوصلونها للفقراء؟ إذ وظيفتكم الإسلامية هي أن تقوموا بذلك. والجواب "كلا"، فلا علاقة لنا بهذه الأمور. سيقوم بذلك الآخرون ان شاء الله. وهنا تداعى حائط آخر. وصرتم مثل السلطان حسين واصفهان![26].

فما هو "الحصن" الذي كلما طرحنا جهة من الجهات على هذا السيد "حصن الإسلام" يتعذر ويتملّص! فهل هذا هو معنى الحصن؟

عندما يقولون "الفقهاء حصون الإسلام" فهذا يعني أنهم مكلفون بالحفاظ على الإسلام، وبأن يهيؤا الارضية للتمكن من المحافظة على الإسلام. وهذا من أهم الواجبات، وهو من الواجبات المطلقة[27] لا المشروطة. ومن المواضع التي يجب على الفقهاء الاهتمام بها الحوزات الدينية، فيجب ان يعيشوا ذلك الهمّ، ويجهزوا انفسهم بالتشكيلات والأدوات، ويبنوا القوة التي تستطيع حفظ الإسلام بكل ما للكلمة من معنى، تماماً كما كان النبي الأكرم (ص) والائمة (ع) حماة للإسلام، وقد حفظوا العقائد والأحكام والانظمة الإسلامية بالشكل الافضل.

أما نحن فقد أهملنا جميع الجهات، واخذنا عدداً من الأحكام خلفاً عن سلف[28] وعكفنا على دراستها، وقد اصبح الكثير من أحكام الإسلام من العلوم الغريبة[29]! بل الإسلام من اساسه صار غريباً. لقد بقي منه اسمه فحسب. فالأحكام الجزائية الإسلامية التي هي أفضل قانون جزائي وصل للبشر، صارت منسية بجملتها، ولم يبق منها إلا الاسم[30]. كل الآيات الشريفة الواردة في الحدود والأمور الجزائية لم يبق منها إلا قراءتها. فنحن نقرأ: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}[31] لكننا لا نملك اي تكليف تجاهها. إن علينا أن نقرأ فحسب، لكي تصبح قراءتنا جيدة ونتقن أداء المخارج! دون ان يكون لنا أدنى علاقة بأوضاع المجتمع وأحواله، ومستوى رواج الفحشاء والفساد، وتأييد الحكومات ودعمها للمفسدين (الزناة). نحن نعرف فقط أن حد الزاني والزانية هو بهذا الشكل، دون أن يكون لنا أي دخل في مسألة من سيتولى اجراء الحد، وتنفيذ القانون.

إني أتساءل هل كان رسول الله (ص) هكذا؟ يقرأ القرآن ويضعه جانباً دون ان يكون له علاقه بالحدود وتنفيذ القوانين؟ وهل كان موقف الخلفاء بعد الرسول الأكرم (ص) هو تسليم المسائل للناس، والتخلي عن الأمور؟ أم أن الأمر كان بالعكس، فقد قاموا بتعيين الحدود، ونفذوا التعزيرات والرجم والحبس المؤبد والنفي من البلاد؟ ارجعوا إلى فصل الحدود والديات، لتروا أن هذا كله في الإسلام، وان الإسلام جاء لأجل هذه الأمور، جاء الإسلام لينظم المجتمع، والامامة الاعتبارية والحكومة هي لأجل هذه الأمور.

نحن مكلفون بالحفاظ على الإسلام. وهذا التكليف من الواجبات المهمة، وهو أهم من الصلاة والصوم. ونفس هذا التكليف هو الذي يوجب سفك الدماء للاتيان به. لم يكن ثمة أهم من دم الامام الحسين (ع)، وقد سفك لأجل الإسلام. وانطلاقاً من تلك القيمة التي يحملها الإسلام يجب علينا أن نستوعب هذا الأمر، ونعلمه للآخرين أيضاً. إنما تكونون خلفاء للإسلام فيما لو علمتم الناس الإسلام. ولا تقولوا لندع ذلك إلى حين مجيئ صاحب الزمان (ع).

فهل تتركون الصلاة في حال من الاحوال لتأدوها حين مجيء صاحب الزمان (ع) ؟

ان حفظ الإسلام أهم، ووجوبه اشد من الصلاة. لا تحملوا منطق حاكم (قاضي) خمين الذي كان يقول: يجب ترويج المعاصي لكي يظهر صاحب الزمان (ع). فلو لم تكثر المعاصي ألا يظهر صاحب الزمان؟! لا تجلسوا هنا لمجرد الدرس، بل تعرفوا على جميع الأحكام الإسلامية، وانشروا الحقائق. ألِّفوا الكتب (والكتيبات) واطبعوها وانشروها، وستكون مؤثرة حتماً. بحسب تجربتي فإنها ذات تأثير.

روى علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله (ع) قال: قال: رسول الله (ص) : "الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا. قيل: يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟

قال: اتباع السلطان. فاذا فعلوا ذلك، فاحذروهم على دينكم"[32]

تحليل هذه الرواية يحتاج إلى بحث مطول، ونحن نتكلم هنا فقط حول جملة "الفقهاء امناء الرسل" التي هي محل البحث، ولها علاقة بولاية الفقيه. وفي البدء ينبغي أن نرى ما هي وظائف وصلاحيات الانبياء، لكي نعرف ما هي وظائف الفقهاء الذين هم أمناؤهم ومعتمدوهم.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net