متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
لمن الرجوع في الحوادث الاجتماعية المستجدة
الكتاب : الحكومة الإسلامية    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

لمن الرجوع في الحوادث الاجتماعية المستجدة

الرواية الثالثة هي التوقيع[11] الذي استدل به. ونحن نطرح كيفية الاستدلال: في كتاب اكمال الدين واتمام النعمة[12] عن محمد بن محمد بن عصام، عن محمد بن يعقوب، عن إسحاق بن يعقوب[13] قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل اشكلت عليَّ. فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (ع) "اما ما سألت عنه أرشدك الله وثبَّتك (إلى ان قال) : أما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله. وأما محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه وعن أبيه فانه ثقتي، وكتابه كتابي"[14]. ليس المقصود "بالحوادث الواقعة" المذكورة في هذه الرواية المسائل والأحكام الشرعية، فلا يريد الكتاب (السائل) ان يسأل ما العمل حول الأحكام المستجدة، لأن هذا الموضوع كان من الواضحات في مذهب الشيعة، وهناك روايات متواترة على لزوم الرجوع في المسائل إلى الفقهاء[15] وقد كانوا في زمان الأئمة (ع) يرجعون للفقهاء ويسألونهم. فمن يكون في زمان صاحب الامر (ع) وله علاقة بالنواب الاربعة[16] ويكتب الرسائل للامام ويتلقى الجواب، يعرف لمن يجب عليه الرجوع لأجل الاطلاع على الأحكام.

فالمقصود "بالحوادث الواقعة" هي الحوادث الاجتماعية المستجدة والمشاكل التي تواجه المسلمين. كان سؤاله بشكل عام، وبنحو مموَّه انه: نحن الآن لا نستطيع الوصول إليك، فماذا يجب أن نفعل تجاه المستجدات الاجتماعية؟ وما هو التكليف؟ أو أنه ذكر بعض الحوادث وسأل أنه: لمن نرجع في هذه الحوادث؟ والذي يبدو في النظر أنه قد سأل بشكل عام، والامام أجابه طبق السؤال انه في الحوادث والمشاكل ارجعوا إلى رواة أحاديثنا ـ أي الفقهاء ـ فهؤلاء حجتي عليكم وأنا حجة الله عليكم.

ما معنى حجة الله؟ انتم ماذا تفهمون من كلمة حجة الله؟ هل تعني أن خبر الواحد[17] حجة؟ وانه اذا نقل زرارة[18] رواية ما، تكون حجة؟ وأن الامام (ع) مثل زرارة فيما لو روى خبراً عن رسول الله (ص) فيجب أن نقبله ونعمل به؟ فما يقولونه من أن "ولي الامر" حجة الله، هل هو حجة في المسائل الشرعية لكي يبين لنا الأحكام؟ فعندما يقول الرسول الأكرم (ص) أني راحل وامير المؤمنين (ع) حجتي عليكم، فهل تفهمون من ذلك أنه عندما يرحل النبي (ص) تتعطل جميع الأمور، ويبقى مجرد بيان الأحكام الذي قد أوكل إلى أمير المؤمنين (ع) أم أن "حجة الله" تعني أنه كان الرسول (ص) حجة ومرجعاً لجميع الناس، حيث عينه الله تعالى ليرجعوا اليه في جميع الاعمال، فالفقهاء أيضاً مسؤولون عن الأمور، ومراجع عامة لجماهير الناس؟

"حجة الله" هو الشخص الذي نصبه الله لتنفيذ أمور معينة، وجميع اعماله وتصرفاته واقواله حجة على المسلمين. فلو تخلف أحدهم، قام بالاحتجاج عليه (واقامة البرهان والدعوى). وإذا أصدر أمراً حول عمل ما، أو إقامة حد، أو تصرف في الغنائم، أو الزكاة والصدقات بنحو من الأنحاء، ولم يُلتزم به، فإن الله يحتج عليكم يوم القيامة. وإذا رجعتم في دعأويكم إلى السلطة الظالمة مع وجود الحجة، فإن الله تعالى سوف يحتج عليكم يوم القيامة بأنه قد أقام لكم الحجة، فلماذا رجعتم إلى الظلمة وأجهزتهم القضائية. إن الله تعالى يحتج بأمير المؤمنين (ع) على الذين تخلفوا عنه وانحرفوا، ويحتج على الذين تصدوا للخلافة، وعلى معأوية وخلفاء بني امية وبني العباس، وعلى أولئك الذين يعملون وفق آرائهم بسبب تسلمهم لزمام المسلمين غصباً. فأنتم لا تملكون اللياقة المطلوبة، فعلام غصبتهم الخلافة والحكومة؟

إن الله تعالى سوف يطالب حكام الجور، وكل حكومة تتصرف بخلاف الموازين الشرعية الإسلامية، سوف يطالبهم بظلمهم، وبتلاعبهم بأموال المسلمين، سيطالبهم على اقامة ذلك الاحتفال بمناسبة مرور آلاف السنين (على الامبراطورية الفارسية)[19] وسيطالبهم على صرفهم اموال الشعب على احتفال التتويج الباذخ[20] إذا كانوا يقولون أنهم لا يستطيعون تحقيق العدالة مع أوضاع هذه الأيام، أو أنهم لا يستطيعون التخلي عن امتلاك القصور الفخمة والعمارات المجللة، وأنهم قاموا بجعل التتويج لتعريف دولتنا، وإظهار تقدمنا ورقِّينا للشعوب، فسوف يقال لهم: أن أمير المؤمنين (ع) كان حاكما أيضاً، كان حاكما على المسلمين وعلى الأراضي الإسلامية الشاسعة، فهل أنتم اكثر حرصا منه على شرف الإسلام والمسلمين وبلاد

المسلمين؟ أم هل كانت بلادك أكبر من بلاده؟ إنّ بلادك منطقة من مناطق حكومته. إذ كانت العراق ومصر والحجاز وايران كلها ضمن دائرة حكمه، في نفس الوقت كان دار حكومته المسجد، ودكة القضاة عنده زأوية من المسجد، وكان يجهز الجيش في المسجد، ومنه يتحرك، وكان المصلون وأصحاب العقيدة يذهبون إلى الحرب. ولقد رأيتم كيف كانوا يتقدمون، ومدى الانجازات التي حققوها[21].

فقهاء الإسلام اليوم حجة على الناس كما كان رسول الله (ص) حجة الله، وجميع الأمور بيده، وكل من تخلف عنه تقام الحجة عليه. فالفقهاء حجة على الناس من قبل الامام (ع) وجميع الأمور، وكل مسائل المسلمين موكولة اليهم. وكل من يتخلف عنهم في أمر الحكومة، وإدارة أمور المسلمين، وأخذ الواردات العامة وصرفها، فسوف يحتج الله تعالى عليه. ليس هناك أي اشكال حول دلالة الرواية التي ذكرناها، غاية الأمر في سندها شيء من التأمل[22] واذا لم تكن دليلا فهي مؤيد للمطالب التي ذكرناها.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net