متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
إزالة الآثار الفكرية والأخلاقية للاستعمار
الكتاب : الحكومة الإسلامية    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

إزالة الآثار الفكرية والأخلاقية للاستعمار

لقد عمل عملاء الاستعمار والأجهزة التربوية والاعلامية والسياسية للحكومات العميلة لمدة قرون على بث السموم، وإفساد أفكار وأخلاق الناس، والأشخاص الذين كانوا يأتون إلى الحوزة هم من بين أفراد الشعب، ويحملون معهم التأثيرات الفكرية والأخلاقية السيئة ولا شكّ. إذ الحوزات العلمية جزء من الشعب والمجتمع. لذا علينا أن نسعى لإصلاح عناصر الحوزات فكرياً وأخلاقياً، وأن نواجه ونزيل الآثار الفكرية والروحية الناتجة عن دعايات وتلقينات الأجانب وسياسة الدول الخائنة والفاسدة.

إنّ هذه الآثار ملحوظة بشكل واضح، إذ نجد أنّ البعض منا في الحوزات يتهامسون بأننا عاجزون عن القيام بمثل هذه الأمور، ما لنا ولهذه الأمور؟ نحن علينا أن ندعو، ونجيب على الاستفتاءات فقط. هذه الأفكار من آثار تلقينات الأجانب، وهي من نتائج دعايات السوء التي كان يبثها المستعمرون خلال هذه القرون المتأخرة، تغلغلت في أعماق القلوب في النجف وقم ومشهد وسائر الحوزات، وسببت الضعف والوهن، وهي لا تسمح لحامليها بالرشد والنمو الفكري.

إنّهم يتعللون باستمرار بأننا لا نقدر على هذه الأمور. هذه افكار خاطئة فهؤلاء الذين يحكمون البلاد الإسلامية هذه الأيام ماذا يمتلكون لكي يتمكّنوا من القيام بذلك من دوننا؟ من منهم يمتلك الكفاءة أكثر من الأشخاص العاديين؟ والكثير منهم لم ينل أي تعليم أصلاً. فأين درس حاكم الحجاز[1] وماذا درس؟ ورضا خان[2] كان أمياً، لم يكن أكثر من جندي أميّ. وهكذا كان الوضع في التاريخ أيضاً، فالكثير من الحكام المتفرعنين والمتسلطين لم يكونوا يتمتعون بكفاءة إدارة المجتمع وتدبير الاُمة، أو شيء من علم أو فضيلة. كهارون الرشيد[3] أو غيره ممن حكموا البلاد الكبيرة. ما هو حظ أولئك من العلم؟ العلم والتخصص إنّما يحتاج إليهما في التخطيط والأمور التنفيذية والادارية، ونحن أيضاً سوف نستفيد من وجود أشخاص كهؤلاء. أمّا ما له علاقة بالإشراف والإدارة العليا للبلاد، وبسط العدالة بين الناس هو ما درسه الفقيه وحصَّله، وما هو ضروري لحفظ الحرية الوطنية والاستقلال هو ما يمتلكه الفقيه، فالفقيه هو الذي لا يخضع لنفوذ الأجانب، ولا يركع للآخرين، ويدافع إلى آخر نفس عن حقوق الشعب، وعن الحرية والاستقلال، وأراضي الوطن الإسلامي. والفقيه هو الذي لا ينحرف يميناً وشمالاً.

ابعدوا هذا الجمود عنكم، أكملوا وأنضجوا برامجكم وأساليبكم التوجيهية، وابذلوا الجهود في نشر الإسلام وتعريفه، وصمموا على إقامة الحكومة الإسلامية، وبادروا للتقدم في هذا الطريق، وضعوا أيديكم بأيدي الشعب المناضل والباحث عن الحرية، وعندها يكون أمر إقامة الحكومة الإسلامية أمراً مؤكداً. ثقوا بأنفسكم، فأنتم تمتلكون القدرة والجرأة والتدبير للنضال في سبيل تحرير الاُمة واستقلالها، وعندما تتمكنون من توعية الشعب ودفعه للنضال، وزعزعة أجهزة الاستعمار والاستبداد، فسوف تنمو تجاربكم، وتزداد كفاءتكم وتدبيركم في الأمور الاجتماعية يوماً بعد يوم. وعندما تنجحون في القضاء على أجهزة الحكم الجائر فستتمكّنون يقيناً من القيام بمسؤولية إدارة الحكومة وقيادة جماهير الشعب. إنّ برامج الحكومة والإدارة والقوانين اللازمة لها جاهزة. فالإسلام قرر الضرائب والموارد اللازمة لادارة البلاد، وكذلك سن جميع القوانين التي يحتاج إليها في ذلك. فلن تحتاجوا بعد تشكيل الحكومة إلى وضع قانون، أو لاستعارة القوانين من الآخرين كمثل الحكام المتغربين والمبهورين بالأجانب. فكل شيء جاهز ومهيَّأ. ولم يبق سوى برامج الوزارات التي يتم إعدادها وتنظيمها واقرارها من خلال التعأون بين المستشارين والمعأونين المتخصصين في المجالات المختلفة المؤتلفين في مجلس استشاري.

ومن حسن الحظ فإنّ الشعوب أيضاً مؤيدة لكم ومتحدة معكم. وما ينقصنا هو الهمة والقوة المسلحة، وهذا أيضاً سنحصل عليه إن شاء الله. نحتاج إلى عصا موسى وهمته. يجب أن يكون لدينا من يستعمل عصا موسى، وسيف علي بن أبي طالب (ع).

أجل، فإنّ هؤلاء الأشخاص العديمي اللياقة الجالسين في الحوزات لا يقدرون على تشكيل حكومة وحفظها، لأنّهم من العجز إلى درجة أنهم لا يستطيعون استعمال القلم أيضاً، ولا التحرك لانجاز أي عمل.

لقد غرس الأجانب واتباعهم في أذهاننا بأنّه لا شغل لنا بهذه الأمور، ولسنا أهلاً لها، وان علينا أن نهتم بشغلنا، بمدارسنا ودرسنا وتحصيلنا، وأنا للآن لا أستطيع إخراج هذه الدعايات السيئة من أذهان البعض، وافهامهم أن عليهم أن يكونوا رؤساء البشر، وأنهم مثل الآخرين يستطيعون إدارة مملكة. فبماذا يتميّز عليكم الآخرون سوى أنهم قضوا أوقاتاً طيبة في مكان ما، أو أنهم ربما درسوا في الأثناء أيضاً؟!

نحن لا نقول لا تدرسوا، فلسنا معارضين للتحصيل وللعلم. فليذهبوا إلى القمر، ولينتجوا المصنوعات الذريّة، فنحن لا نمنعهم، غاية الأمر إن لنا تكليفاً وموقفاً تجاه تلك الأمور. قوموا ببيان مفاهيم الإسلام، وأوصلوا الصورة الإسلامية عن الحكومة إلى جميع أنحاء الدنيا، فلعل سلاطين البلاد الإسلامية ورؤساء جمهورياتها يلتفتون إلى صحة الموقف ويلتزمون به. فنحن لا نريد انتزاع السلطة منهم، فكل من كان منهم أميناً وملتزماً نتركه في موقعه.

نحن المسلمون يبلغ تعدادنا في الدنيا اليوم سبعمائة مليون شخص، مائة وسبعون مليون منهم شيعة. هؤلاء كلهم معنا، لكننا لم نستطع إداراتهم بسبب ضعف همتنا. علينا أن نشكل الحكومة التي تكون أمينة على الشعب، ويطمئن لها الشعب، ويستطيع أن يسلمها مصيره. نريد حاكماً أميناً ليحمل الأمانة، وتعيش الاُمة في كنفه، وكنف القانون براحة بال.

يجب أن نحمل هم هذه الأمور. ولا يجب أن نيأس. لا تتصوروا أنّ هذا الأمر لا يتحقق. والله يعلم أن كفاءتكم ولياقتكم ليست بأقل من الآخرين. إذا كانت اللياقة هي الظلم وسفك الدماء، فبالطبع لسنا كذلك. عندما جاءني ذلك الرجل في السجن[4] حيث كنت أنا والسيد القمي[5] سلمه الله ـ والذي لا يزال لحد الآن متورطاً بالبلاء والمشاكل ـ قال: "السياسة سوء طوية وكذب، وباختصار هي بلاء ولعنة فاتركوها لنا" وقد صدق فيما قال، إذ لو كانت السياسة هي هذه الأمور خاصة، فهي خاصة بهم. لكن الإسلام فيه سياسة، والمسلمون عندهم سياسة، وأئمة الهدى (ع) هم "ساسة العباد"[6] لكنها سياسة بغير المعنى الذي ذكره. لقد أراد استغفالنا. ومن ثم ذهب فأعلن في الصحف أنه قد تم التفاهم على عدم تدخل علماء الدين في السياسة[7] وبعد خروجي من السجن صعدت المنبر وكذَّبت كلامه، وقلت لهم أن هذا كذب، وإذا كان الخميني أو غيره قد تكلم بشيء كهذا فإننا نخرجه[8].

لقد غرسوا في أذهانكم من البداية أنّ السياسة تعني الكذب وما شابه ذلك من المعاني، لكي يبعدوكم عن أمور البلاد، بينما يتصرفون هم كما يريدون. وأنتم عليكم بالدعاء أيضاً، عليكم بالجلوس هنا والدعاء بـ"خلد الله ملكه" بينما هم يفعلون ما يحلو لهم، ويرتكبون القبائح التي يريدون. بالطبع فهم لا يمتلكون هذه الدرجة من الفهم ـ وللّه الحمد ـ لكن أساتذتهم وخبراءهم هم الذين وضعوا هذه الخطط. وضعها الاستعمار الانكليزي الذي دخل بلاد الشرق منذ ثلاثة قرون، وتعرّف إلى جميع أمور هذه البلاد.

وبعد ذلك أيضاً اتفق المستعرون الأمريكيون وغيرهم مع الانكليز، وساروا معاً مشتركين في تطبيق هذه المخططات. عندما كنت في همدان ـ في وقت ما ـ أراني أحد طلاب الحوزة ـ الذي كان رجلاً فاضلاً تخلى عن اللباس الديني لكنه حافظ على الناحية المسلكية ـ ورقة كبيرة قد وضعت عليها علامات بالأحمر. وحسب قوله فإنّ هذه العلامات الحمراء إشارات إلى الثروات الطبيعية المخزونة الموجودة في إيران، والتي قد اكتشفها الخبراء الأجانب. درس الخبراء الأجانب بلادنا، وتعرفوا إلى أماكن وجود ثرواتنا الطبيعية من ذهب ونحاس ونفط وغير ذلك. وفهموا نفسياتنا، ووزنوا مستوى روحية الأشخاص في بلادنا. وعلموا أن الشيء الوحيد الذي يشكل سدّاً في مقابلهم، ويمنع خططهم من التنفيذ، هو الإسلام وعلماؤه. لقد تعرف هؤلاء إلى قوة الإسلام الذي وصلت سيطرته إلى أوربا، وعلموا أنّ الإسلام الحقيقي معارض لما يريدون. كما أدركوا أيضاً أنهم لا يستطيعون الهيمنة على علماء الدين الحقيقيين والتصرف بفكرهم. لذا سعوا من البداية لإزالة هذه الشوكة من طريق سياستهم، وإلى إضعاف الإسلام والقضاء على مؤسسة علماء الدين. وقاموا بذلك أيضاً من خلال دعايات السوء بنحو صار فيه الإسلام يبدو بنظرنا هذه الايام أنه لا يتجأوز عدة مسائل. فمن جهة سعوا إلى تحقير وتشويه صورة علماء الدين والفقهاء ـ الذين هم على رأس الجمعيات الإسلامية ـ من خلال التهم الباطلة، أو غير ذلك من الأساليب. عديم الكرامة وعميل الاستعمار ذاك الذي كتب في كتابه: أنّ ستمائة من علماء النجف وإيران كانوا يعملون لحساب الانكليز، وأن الشيخ مرتضى[9] قبض المعاش منهم لمدة سنتين فقط، ثم التفت للأمر[10]، والمصدر الذي اعتمد عليه هو المستندات المحفوظة في ملفات وزارة الخارجية الانكليزية في الهند. إنها أيادي الاستعمار التي تدفعهم للتهجم علينا لتحقيق ما يريدونه من نتائج. يتمنى الاستعمار أن يقال: إنّ جميع العلماء مأجورون له، وذلك لكي تتشوه سمعة علماء الإسلام بين الناس، لكي يعرض الناس وينصرفوا عنهم.

ومن جهة اُخرى يسعى بدعاياته وتلقيناته لتصغير الإسلام وتحديده، وحصر دور فقهاء الإسلام وعلمائه بالأعمال الصغيرة. فأرجوا إلينا أن لا شغل للفقهاء سوى بيان الأحكام، ولا تكليف لهم سوى ذلك. وقد صدقهم البعض عن قلة فهم وضاعوا. لم يعلموا أن هذه مخططات هدفها القضاء على استقلالنا، والتسلط على جميع مقدرات بلادنا الإسلامية. وقاموا بتقديم العون ـ من دون علم ـ لمراكز التبليغ والدعاية الاستعمارية في سياستهم، وفي تحقيق أهدافهم. لقد أشاعت المؤسسات التبليغية للاستعمار بأنّ الدين منفصل عن السياسة، وأن علماء الدين لا ينبغي لهم أن يتدخلوا في أي أمر اجتماعي، والفقهاء ليسوا مكلفين بالاشراف على مصيرهم ومصير الاُمة الإسلامية. وقد صدّقهم البعض ـ مع الأسف ـ ووقعوا تحت تأثيرهم، وكانت النتيجة ما نراه الآن. إنّها أمنية الاستعمار في الماضي والحاضر والمستقبل.

انظروا إلى الحوزات العلمية لتروا آثار هذه الدعايات والتلقينات الاستعمارية فستجدون أناساً مهملين عاطلين عن العمل، لا همة لهم، يقتصرون على بيان الأحكام والدعاء، ولا يقدرون على سوى ذلك. وستواجهون خلال ذلك أفكاراً ومناهج من آثار هذه الدعايات والتلقينات. كمثال على ذلك فكرة: أنّ الكلام ينافي شأن عالم الدين، وأن العالم والمجتهد لا ينبغي أن يكون متحدثاً (خطيباً) وإذا كان خبيراً بذلك فلا ينبغي له أن يمارسه! وإنّما عليه أن يقول "لا إله إلاّ الله" فحسب، وينطق بكلمة واحدة أحياناً. مع أنّ هذه الفكرة غلط، وخلاف سنة رسول الله (ص). لقد امتدح الله تعالى البيان والقلم، ويقول في سورة الرحمن: {علمه البيان}[11] ويعدّ تعليمه البيان إكراماً ونعمة كبرى. فالبيان يحتاج إليه لأجل نشر أحكام الله وتعاليم الإسلام وعقائده، وإنّما نستطيع تعليم الناس الدين ونصير مصداقاً لـ"يعلّمونها الناس" بواسطة البيان. كان لرسول الله (ص) ولأميرالمؤمنين (ع) مواقف بيانية وخطب مشهورة، فقد كانوا فرسان الكلام.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net