متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
لنسقط الحكومات الجائرة
الكتاب : الحكومة الإسلامية    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

لنسقط الحكومات الجائرة

لنقطع علاقاتنا بالمؤسسات الحكومية ونمتنع عن التعأون معها، ونرفض القيام بكل ما من شأنه أن يُعَدَّ عوناً لهم، ونبني مؤسسات قضائية ومالية واقتصادية وثقافية وسياسية جديدة.

إنّ إسقاط الطاغوت ـ أي السلطات غير الشرعية القائمة في مختلف أنحاء الوطن الإسلامي ـ هو مسؤوليتنا جميعاً. يجب أن نستبدل الأجهزة الحكومية الجائرة والمعادية للشعب بمؤسسات خدمات عامة تدار وفقاً للقانون الإسلامي، وشيئاً فشيئاً تستقر الحكومة الإسلامية. لقد نهى الله تعالى في القرآن الكريم عن إطاعة "الطاغوت" والسلطات غير المشروعة، وحث الناس على الثورة ضد السلاطين، وأمر موسى (ع) بذلك. توجد أحاديث كثيرة تحث على محاربة الظلمة، والذين يتصرفون بالدين. كان للأئمة (ع) ولأتباعهم ـ أي الشيعة ـ مواجهات مستمرة مع الحكومات الجائرة وسلطات الباطل، وهذا الأمر واضح في سيرتهم ونمط حياتهم. وقد ابتلوا بحكام الظلم والجور في كثير من الأحيان، وعاشوا في ظروف تقية وخوف شديدين. وبالطبع فإنّ خوفهم كان لأجل المذهب لا على أنفسهم، ونلاحظ هذا الأمر كلما راجعنا الروايات. كما كان حكّام الجور يشعرون بالخوف من الأئمة (ع) باستمرار، إذ كانوا يعلمون أنهم لو فسحوا المجال للأئمة (ع) لثاروا عليهم، وحرَّموا عليهم حياة اللهو والترف والمجون. فعندما نرى هارون الرشيد يحبس الإمام الكاظم (ع) عدة سنوات، أو نرى المأمون[22] يأخذ الإمام الرضا (ع) إلى "مرو" ليكون تحت نظره، ومن ثم يقوم بسمِّه[23]، فليس ذلك لأن الأئمة (ع) سادة وأولاد النبي (ص) بينما الرشيد والمأمون معادون للنبي، إذ هارون والمأمون كانا شيعيين كلاهما[24]، وانما كان ذلك بسبب أن المُلك عقيم[25]. لأنهم كانوا يعلمون أنّ أولاد علي (ع) يرون الخلافة لأنفسهم ومن مسؤولياتهم، ويصرّون على إقامة الحكومة الإسلامية. إذ عندما طُلب من الإمام (ع) أن يعيّن حدود "فدك"[26] ليردُّها لهم قام الإمام (ع) ـ حسب الرواية ـ بذكر حدود البلاد الإسلامية[27] (كحد لفدك). وهذا يعني أنه يرى حقه ما بين هذه الحدود، وأنه هو الذي يجب أن يكون حاكماً عليه، وأن الذين يحكمون حينها كانوا غاصبين، فرأى أنه إذا بقي الإمام موسى بن جعفر (ع) حراً فسوف يحرّم الحياة عليهم، ومن الممكن أن تتاح له الفرصة، فيقوم بالثورة عليهم وانتزاع السلطة منهم، ولذا لم يمهلوه. ولو أمهلوه لكان قام بثورته بلا شك. كونوا متيقنين أنه لو دامت الفرصة للإمام الكاظم (ع) لكان ثار، وقلب نظام حكم السلاطين الغاصبين.

كذلك المأمون قام بوضع الإمام الرضا (ع) تحت نظره ـ مع كل ما أبداه المأمون من تملق وكذب ومحابات ـ ومخاطبته له بـ"يا ابن العم"، أو "يا ابن رسول الله"، وذلك خوفاً من أن يثور يوماً عليه ويقلب أساس الحكم. إذ أنه ابن رسول الله (ص)، وقد أوصى له، فلا يمكن تركه في المدينة حراً طليقاً.

إنّ حكام الجور يريدون السلطة، وهم يضحّون بكل شيء في سبيلها، لا أنهم يمتلكون عدأوة خاصة تجاه أحد. إذ لو رضي الإمام (ع) ـ والعياذ بالله ـ أن يكون من أتباع البلاط، لعاملوه بمنتهى الإعزاز والاحترام، ولقاموا بتقبيل يديه أيضاً ـ بحسب الرواية ـ عندما دخل الإمام (ع) على هارون أمر بأن يظل راكباً حتى يصل إلى مجلسه، وعامله بمنتهى الاحترام. وعندما جاء وقت توزيع عطاء بيت المال ووصل الدور لبني هاشم[28] أعطاهم مبلغاً يسيراً، وكان المأمون حاضراً. فتعجب من ذلك الاحترام مع هذا النحو من التوزيع. فقال له هارون: يا بني أنت لا تدري. ينبغي أن لا يزيد سهم بني هاشم عن هذا المال، إن هذا الأمر لهم، وهم أولى به منا، فلو مكناهم لوثبوا علينا[29] فيجب أن يبقى بنو هاشم هكذا فقراء، مسجونين منفيين، مقتولين، مسمومين، يعيشون المعاناة، وإلاّ لقاموا علينا، وأبدلوا حلأوة أيامنا بالمرارة.

ولم يكتف الأئمة (ع) بأن يقوموا هم بمحاربة الأنظمة الظالمة والدولة الجائرة واتباع البلاط الفاسدين، بل حثُّوا المسلمين على جهادهم أيضاً. هناك أكثر من خمسين رواية في وسائل الشيعة والمستدرك والكتب الأخرى تدعو إلى الابتعاد عن السلاطين والحكام الظلمة، وإلى وضع التراب في فم المداحين لهم. وتبين مراتب عقوبة من ينأولهم دواة، أو يملأها لهم بالحبر والخلاصة أنها تأمر بقطع العلاقات معهم، وعدم التعأون معهم بأي شكل من الأشكال. ومن جهة اُخرى وردت كل تلك الروايات في مدح وتفضيل العالم والفقيه العادل ونبهت إلى أفضليتهم على سائر الناس. فهذا كله يمثّل خطة وضعها الإسلام لتشكيل الحكومة الإسلامية، وذلك من خلال إبعاد الناس وصرفهم عن الأنظمة الظالمة، وتخريب بيوت الظلم، وفتح أبواب الفقهاء ـ العدول المتقين المجاهدين العاملين في سبيل تطبيق الأحكام الإلهية، وإقامة النظام الإسلامي ـ أمام الناس.

لن يتمكن المسلمون من العيش في أمن وهدوء ـ مع حفظ إيمانهم وأخلاقهم الفاضلة ـ إلاّ في كنف حكومة العدل والقانون، الحكومة التي وضع الإسلام نظامها وطريقة إدارتها وقوانينها. فتكليفنا اليوم هو تطبيق مشروع الحكومة الإسلامية وترجمته في ساحة العمل.

آمل أن يؤدي بيان وتعريف نمط الحكومة، والاُصول السياسية والاجتماعية للإسلام للمجاميع البشرية الكبيرة، إلى ايجاد تيار فكري، وقوة ناتجة من نهضة الشعب تكون العامل في استقرار النظام الإسلامي.

اللهم اقطع ايدي الظالمين عن بلاد المسلمين، واقض على الخائنين للإسلام وللبلاد الإسلامية، وايقظ قادة الدول الإسلامية من نومهم هذا، ليعملوا لأجل مصالح الشعوب، ويتخلوا عن التفرقة والسعي خلف المصالح الشخصية. ووفِّق جيل الشباب وطلاب العلوم الدينية وطلاب الجامعات للنهوض في سبيل الأهداف الإسلامية المقدسة، والعمل المشترك لأجل التخلّص من براثن الاستعمار وعملائه الخبثاء، والدفاع عن البلاد الإسلامية. ووفِّق الفقهاء والعلماء للسعي في هداية المجتمع، وتنوير أفكاره، وتوضيح الأهداف الإسلامية المقدّسة للمسلمين، وخصوصاً لجيل الشباب، والجهاد في سبيل إقامة الحكومة الإسلامية. إنك ولي التوفيق، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net