متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل الخامس
الكتاب : امرأتان و رجل    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات
بقيت رحاب تنتظر الجواب في لهفة تختلف عن لهفتها السابقة ، فهي الآن تريد أن تسمع الجواب عن سؤالها بعد أن استوعبت الجواب الأول وصدقت فيه ، وكانت قد بدأت تنهش افتضاح أمرها الشيء الذي لم تلتفت إليه من قبل ، فماذا لو عادت أخته من سفرها ؟ وماذا لو كتب لها معاتباً لاختيارها ، وماذا لو استنكرت أخته ذلك ويحثت الموضوع مع حسنات وهي صديقتها المفضلة ، وماذا لو عرف كل شيء ؟ وكانت كلما وصلت في تصوراتها إلى هنا شعرت بالاختناق ، فحاولت أن تبعد عنها هذه التصورات لكي تبقى سائرة في خطواتها إلى آخر الطريق ، ولم تطل بها فترة الانتظار ، فقد استلمت الجواب وتعجلت قراءته في هذه المرة من أجل أن تسمع الجواب عما سألت وقد وجدت فيه ما يلي :


( 361 )

بسم الله الرحمن الرحيم
عزيتي حسنات
ألف سلام والف تحية

سرني جوابك لما فيه من انسجام ( نسبي ) مع ما كتبت ، أرجو أن تكون هذه بداية الانسجام الفكري الكامل ، ولكنني عجبت لأمرك وأنت تتصورين أن الايمان بالله نتيجة الضعف لدى الانسان ، ولو صح ما تقولين لكان من المفروض أن نجد الانبياء والدعاة إلى الله هم أضعف البشر في كل دور من الأدوار ، مع أننا نجد أن الانبياء الذين دعوا إلى الله ، وإلى الايمان بالله ، كانوا من القوة بمكان ، فهذا نبي الله نوح مثلاً ، استمر يدعو قومه للايمان بالله تسعمائة وخمسين سنة دون أن يتعب أو يمل ، ثم كيف أنه بنى السفينة بنفسه ، وتحمل خلال البناء شتى أساليب التقريح ، والتفنيد ، والتهديد ، والوعيد ، دون أن يتردد أو يتراجع ، ثم وبعد ذلك حينما طغى الماء على أمر قد قدر ركب


( 362 )

السفينة هو وأهل بيته آمناً مطمئناً لم يرهبه الموج الطامي ، ولم يزعزع عواطفه الابن العاصي ، أوليس في هذا دليل على قوة الارادة وثبات الشخصية يا حسنات ؟ ثم هذا نبي الله إبراهيم ، وموقفه الصامد أمام الاعداء ، ورفضه كل مهادنة ومساومة حتى هددوه بالحرق وهو واقف حيث وضع الله أقدامه لا يريم ، ثم يأتي به يشهد النار التي توقد لاحراقه ، وهم يراجعونه بين حين وحين عساه يضعف أو ينهار دون أن تهن له قوة أو ينهار له بناء ، ثم يرمى به من عل إلى النار دون أن تسمع منه كلمة تظلم أو ترحم فتكون النار عليه برداً وسلماً ، فهل هناك دليل على القوة والصلابة أكثر من هذا ؟ أو هل هناك من يتمكن أن ينسب إلى هذا الانسان الضعيف والخمول يا ترى ؟ ونبي الله موسى عليه السلام ، يدخل على فرعون وهو الطاغية الجبار ، وليس معه سوى أخيه ، وكلمة الحق ، فيدعوه إلى الايمان بالله غير عابىء بكل ما تنتظره من أهوال وأهوال ، أو ليس في هذا دليل على


( 363 )

القوة والصرامة ؟ ونبي الله عيسى ، وصموده في الدعوة إلى الله ، ونبينا محمد ( صلى الله عليه وآله ) وما لاقاه في سبيل الدعوة إلى الايمان بالله دون أن يتطرق إليه الضعف أو الوهن ، حتى أنه حينما أجمعت قريش على محاربته وطلبت منه أن يترك الدعوة للايمان بالله قال = والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته = وتاريخ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) يشرح من بطولاته كل شيء وإذا شئت ، أو أنني أطلب منك أن تقرأي سيرة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فلعلك تجهلين عنه الشيء الكثير لكي تتمكني أن تعرفي بعد ذلك كيف أن الأنبياء كانوا من أقوى الناس جأشاً ، وأكثرهم صلابة ، وأشجعهم روحاً ، ثم ليتك تقرأين كتاب قصة الايمان فإن فيه متعة وفائدة ... هذا واعلمي أنني على استعداد للجواب عن اي سؤال.
مصطفى
بينما كانت رحاب تعيش أيام انتظار للجواب ، واعداد


( 364 )

للرسالة ، وتأنيب ضمير خفي ، تستنكره وتنكر على نفسها الانقياد اليه ، كانت حسنات تطوي ضلوعها على ألم دفين تستنكره وتنكر على نفسها الانقياد إليه أيضاً ، وطالما حدثتها نفسها بالخيبة ، وطالما أوحت إليها تصوراتها أقسى الايحاءات ، فبماذا كانت تتمكن أن تؤول هذا الموقف المنكمش من خطيبها وزوجها الموعود ، ألم يكن من أدنى مستلزمات اللياقة أن يرسل اليها رسالة ولو صغيرة ؟ ألم يكن من التهذيب في شيء أن يرسل اليها صورته بعد أن علم أنها لا تملك له صورة ؟ وكانت هذه التصورات تلح عليها عنيفة بها تارة ورفيقة أخرى وهي بين كل ذلك لا تريد أن تصدق ما تلمسه من واقع فتحاول أن تنتحل لموقفه هذا شتى الاعذار ، وتبرره بمختلف التبريرات ، لعله مشغول ، أو لعله يخجل من الكتابة ، أو لعله يكتب فلا تصل رسائله ، وكان هذا العذر الأخير هو أحب الأعذار إليها فان مما يسعدها أن تتصوره يكتب إليها كما يكتب غيره ، ويهتم بأمرها ويفكر بها كما تهتم بأمره ، وتفكر فيه ، وهي في كل ذلك تنتظر عودة أخته من السفر بعد انتهاء السنة الدراسية لعلها تعرف منها شيئا عن أخيها ، وكانت تحاول أن تصرف نفسها عن التفكير بكثرة المطالعة والكتابة ، وفي مرة ، وكانت تجلس في غرفتها تقرأ ، دخلت عليها رحاب ، فاستغربت قدومها ولم تعودها ذلك من قبل ، ولهذا فقد رحبت بها واستقبلتها بحفاوة ، فجلست رحاب على طرف السرير ، وكان الارتباك يظهر عليها


( 365 )

بوضوح ، وكأنها لا تعرف ماذا يجب أن تفعل ، فابتدرتها حسنات قائلة : أراك لم تذهبي إلى وظيفتك اليوم يا رحاب أرجو أن لا تكوني مريضة ؟ فهزت رحاب رأسها في حيرة ثم قالت : الواقع أنني كنت أشعر بصداع شديد ولهذا فقد اتصلت بصديقتي هناك وطلبت منها تقديم إجازة بدلاً عني ، ولكنني الآن أشعر بالسأم فهل عندك كتاب أقرأ فيه ؟.
فاستغربت حسنات من أختها هذا الطلب ، وأختها تعلم أنها لا تملك الكتب التي تعجبها هي ولكنها لم تشأ أن تصدمها في الجواب فقالت : أمامك كتبي فتشي بينها عما يعجبك يا رحاب...
فنهضت رحاب وأخذت تفتش بين الكتب وحسنات تتطلع اليها لتعرف أي كتاب سوف تختاره ، وفوجئت عندما وجدتها تخار كتاب قصة الايمان ، وكتاب موكب النور في سيرة الرسول ، وكأن رحاب لم تعرف كيف تتصرف أمام أختها وبماذا تفسر لها رغبتها في مطالعة هذه الكتب ، ولهذا فقد أسرعت بالذهاب إلى غرفتها قبل أن تسأل وتجيب ، أما حسنات فقد شعرت بالفرحة ، فما أحلى أن تعود رحاب أختها إلى حضيرة الايمان لقد أسعدها أن تجد أختها الضائعة السادرة في التيه وقد بدأت تفتش عن معالم الطريق ، أسعدها ذلك وأشغلها عن مشاعر الألم لديها إلى فترة . فقد أخذت تتصور رحاب وقد آمنت والتزمت بتعاليم الاسلام ثم يتقدم


( 366 )


إليها خاطب مؤمن صالح مثل مصطفى ... وهنا وقف بها التفكير عند هذا ... مصطفى وكيف هو مصطفى يا ترى ؟ وعادت افكارها القاتمة تلح عليها من جديد فعادت إلى الكتاب الذي بين يديها تستجمع أفكارها بين سطوره من جديد أيضاً.

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net