متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل السادس
الكتاب : امرأتان و رجل    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات
اندمجت رحاب مع مطالعة الكتابين ، ولكنها لم تغفل عن الكتابة إلى مصطفى فقد أصبحت تشعر بالحاجة إلى المزيد فكتبت إليه تقول :
عزيزي مصطفى
لعلني أبطأت عليك في رسالتي ، ولكن مطالعة الكتابين الذين طلبت مني مطالعتهما قد شغلني إلى حين .. والآن دعني أقول لك بأنك تتحدث بأسلوب لطيف ، ومقنع ( إلى حد ما ) وقد قرأت سيرة الرسول التي أرشدتني اليها ، وعشت معها أياماً حلوة ، وعرفت منها ما لم أكن أعرف عن محمد بن عبدالله ، كما أنني بدأت أقرأ قصة الايمان ، وقد وجدتها تجيبني عن أكثر من سؤال ، كما يراودني ويلح علي ، فقد كنت مثلاً ولا أزال لا


( 367 )

افهم كيف يمكن لي أن أعبد رباً لم أره ، ولم تدركه الحواس الخمس التي هي مصدر كل ادراك ! أو ليس في هذه العبادة شيء من التقليد القائم على الوهم ؟ يؤسفني أن أزعك بهذه التساؤلات ، ولكنني أصبحت أشعر بالحاجة لردك عليها ، وهذه الحاجة أخذت تسلمني إلى الكثير من القلق ، فلعل في رسائلك أو في قصة الايمان ما يهبني الاستقرار ، هذا وأرجو لك كل خير وأطلب منك العذر.
حسنات
* * *

وصلت رسالة رحاب إلى مصطفى وكان ينتظرها ليحدد موقفه منها على مدى ما تحمله أو تشير إليه من تجاوب ، فلو وجدها سلبية بالمرة لسقط عنه الواجب الشرعي تجاهها لعدم احتمال الفائدة ، ولو وجدها تحمل بعض مراتب التجاوب فسوف يستمر واجبه الشرعي تجاهها كانسانة ضالة ، وليس كزوجة ، فهو لم يعد يفكر بها كزوجة وشريكة حياة مع ما هي عليه من وضع منحرف ضال ، ولكنه عندما وجدها قد اقتنعت بما كتب ، وقرأت ما اقترح ، وها هي تسأله من جديد ، وجد أن عليه أن يكتب فكتب إليها ما يلي :


( 368 )

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليك يا حسنات ورحمة الله وبركاته ...
الحمد لله الذي جعلني أكتب اليك بروح تفاؤلية جديدة ، فقد استبشرت بما كتبتِ ، وقد رحبت بالسؤال الذي وجهتيه إلي ، فهو دليل على رغبتك بالمعرفة ، ولكن جوابي لك في هذه المرة قصير ، بل أنه ليس بجواب ولكنه سؤال ، ولهذا أرجو أن تجيبني عن هذه النقاط :
1ـ بماذا يختلف الانسان عن الحيوان في الادراك ما دام يتساوى معه في أفعال الحواس ؟
2ـ هل تؤمنين بالوجود والعدم ؟
3ـ هل اتفق لك أن قلت عن شيء أنه محال أو مستحيل ؟
هذه أسئلة قصيرة أرجو أن تجيبي عنها مشكورة هذا ولك مني أصدق الأماني.

مصطفى



( 369 )

استلمت رحاب رسالة مصطفى وهي على لهفة الشوق لمعرفة ما تحمل اليها من جواب ، فوقفت أمام أسئلته حائرة وعز عليها أن لا يتاح لها فهم ما يريد من هذه الأسئلة ، ولهذا فقد لاحظت وجود حسنات في غرفتها فذهبت إليها وهي أكثر ارتباكاً من المرة السابقة لأنها كانت كلما ازدادت وعياً بوجود الله ازدادت إحساساً بتأنيب الضمير والجناية بالنسبة لحسنات ، ولكنها لم تجد طريقاً إلى معرفة أجوبة ما يريده من السؤال إلا بالاستعانة بحسنات ؛ ولهذا فقد ذهبت إليها متجاهلة عوامل الارتباك الموجودة لديها ، فرحبت بها حسنات ، وكانت خلال الفترة الاخيرة قد بدأت تنفتح لرحاب وتتقرب نحوها بعد أن رأتها تهتم بمطالعة الكتب الدينية ، فجلست رحاب وهي في هذه المرة لا تعرف إسماً لكتاب معين ، ولهذا فقد كان عليها أن تطلب من حسنات إرشادها إلى الكتاب المطلوب ، ولم تعرف كيف تبدأ فجلست ساكتة ، فابتدرتها حسنات قائلة : أرجو أن تكوني قد أكملت مطالعة الكتابين يا رحاب ؟ فردت رحاب باقتضاب : نعم. قالت حسنات : وهل أعجبك ما قرأت ياأختاه ؟ فردت رحاب وبنفس الاسلوب المقتضب : نعم. وهنا أحست حسنات أن رحاب تعاني ارتباكاً تريد أن تغطيه بالسكوت ، وأحست أن لديها حاجة ، ولا شك أن حاجتها كتاب فليس لديها مما تحتاجه رحاب سوى الكتب ، ودفعتها العاطفة الأخوية والمسؤولية الدينية إلى مداراة مشاعر رحاب وعدم


( 370 )

محاسبتها على تقليص الجواب ، ولهذا فقد أردفت تقول بنغمة رقيقة مفعمة بالعواطف : إن جميع كتبي أمامك وأنت مختارة أن تقرأي فيها متى رغبت حتى لو لم أكن موجودة ، والآن ألا تريدين كتاباً يا رحاب ؟ قالت رحاب بصوت متذبذب : نعم أنني أريد ولكنني لا أدري ماذا أريد ! فلم تظهر حسنات أي استغراب ولكنها أجابت بنفس الأسلوب الهادىء الرقيق : كتب تاريخ ؟ كتب علوم ؟ كتب أخلاق ؟ كتب عن الايمان بالله ؟ قولي أي نوع من هذه الكتب تريدين ؟ قالت رحاب : أريد عن الايمان بالله . فحبذت حسنات اختيارها ثم أعطتها كتاب الايمان والعقل ، وكتاب الآخرة والعقل ، من تأليف محمد جواد مغنية ، وأعطتها أيضاً كتاب العلم يدعو إلى الايمان ... فأخذت رحاب الكتب وذهبت إلى غرفتها واستلقت على سريرها تستعيد كلمات حسنات الرقيقة ، وانعطافها نحوها خلال الفترة الأخيرة ، ومساعدتها لها في تنظيم غرفتها وخياطة فستانها ووضع جميع كتبها تحت تصرفها ، ولم يسعها بعد ذلك إلا أن تقول : يا لي من مجرمة ؟ ثم حدثت نفسها قائلة : لماذا لا أترك هذه اللعبة الخطرة ؟ لماذا لا أنسحب عن حياة هذه الفتاة المسكينة ؟ ولكن كلا فلا تسعني العودة قبل أن أبلغ نهاية الشوط ، لأنني أحس بحاجتي لأن أسمع من مصطفى ما يوضح لي هذه الصور الغامضة ، ولو حدث واعترفت بالحقيقة فسوف لن أحمل منه ومن الجميع


( 371 )

بعد ذلك سوى المزيد من التحقير والتنكيل ... كلا لم يعد يمكنني التراجع...
وبعد أيام كتبت إلى مصطفى تقول :
عزيزي مصطفى
لقد أردت أن أعرف ما تريده من الأسئلة قبل الجواب ، ولهذا فقد حاولت وحاولت وذهبت أفتش عن كتب تبحث في وجود الله عسى أن ترشدني إلى الهدف الذي يستتر وراء كل سؤال ، فأنا لا أريد أن أكون معك كتلميذة صغيرة تملي عليها الأفكار على شكل مفاجأة ، وكلفني ذلك أن أقرأ أكثر من ثلاثة كتب عدى قصة الايمان التي كنت قد انتهيت منها قبل وصول الأسئلة ، ولا أكتمك أنني عندما بدأت أقرأ كانت همتي متوجهة لنقطة واحدة : هي فهم ما تريد قبل أن تقوله أنت ولكن طبيعة الفكرة في الكتب وتناولها لأكثر ما كان يعشعش في ذهني من تساؤلات جعلني اندمج مع القراءة لغاية التفهم والاطلاع ، ولكني ( مع الأسف ) لم أعرف كيف استخلص من


( 372 )

مجموعها الأجوبة المتوخاة ، ولهذا أجدني مضطرة لأن أسمع جوابها منك بعد أن أعطيك جوابي عنها وهو :
أولاً : أما بالنسبة للفرق بين الانسان والحيوان ما دام يحمل نفس ادراكات الحواس الخمس فهو العقل. إذ أن الانسان قادر على التفكير المجرد على العكس من الحيوان.
ثانياً : أما عن الوجود والعدم فهو أمر لا خلاف فيه فإن كل عقل يدرك بأن هناك وجود وهناك عدم.
ثالثاً : وأما عن المحال والمستحيل فهو أمر واضح وكثير الوضوح في أغلب الحالات إذ يستحيل علينا مثلاً أن ندخل الجمل في سم الخياط.
هذه أجوبة ما سئلت فما هو جوابك بعدها يا ترى ؟
اتمنى لك كل الخير واستميحك العذر.

حسنات

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net