متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل الثاني عشر
الكتاب : امرأتان و رجل    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات
عادت رحاب إلى غرفتها وقد صممت أن تنتهي هذه المسرحية المخجلة وعليها أن تتحمل النتائج مهما كانت وأن تواجه الواقع على مختلف احتمالاته ، وفعلاً فقد أخذت القلم لتكتب ولكنها عادت فألقت بالقلم على الأرض في عنف ونهضت قائلة : سوف لن أكتب بهذا القلم بعد اليوم ، أنه قلم مدنس بكلمات الخيانة ، ثم ذهبت فاستخرجت قلماً


( 414 )

جديداً وعادت لكي تكتب فيه صفحة جديدة من صفحات حياتها الجديدة فكتبت ما يلي :

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة السيد الفاضل الأستاذ مصطفى ...
لست أدري كيف أبدأ رسالتي وهي المرة الأولى التي أكتب فيها ( أنا ) اليك ! نعم أنا ويا لخجلتي مما أكتب ، ولكن ميلادي الذي كان على يديك وعمري الجديد الذي وهبتني إياه تعاليمك ، جعلاني أؤمن أن العار أولى من النار ، وأن الخجل هنا أهون من الخجل أمام الله الواحد القهار ، وهذا ما دفعني لأن أكتب لأضع الحقائق أمامك جلية واضحة بعد أن شوهتها ولونتها مدة من الزمان ، ولعل اعترافي هذا بصدق دليلاً على ندمي على ما مضى وتوبتي لله تبارك وتعالى عما اقترفت وأذنبت ، والآن إليك هذه الحقيقة يا سيد مصطفى ... آه أنك سوف تذهل أولاً ثم تفرح ثانياً ثم تحتقرني وتنقم عليّ ثالثاً ، ولكن المهم أن أكون قد قمت بواجبي


( 415 )

تجاه ربي وتجاهكما وتجاه ضميري الذي يأبى أن يهادنني دون أن أعترف وبصراحة ... واعترافي هذا هو أنني أنا التي أكتب اليك الآن والتي كتبت اليك منذ جواب أول رسالة أرسلتها يا سيد مصطفى. أنني رحاب أخت حسنات ! ولم تكن حسنات في يوم من الأيام لتكتب ما كتبت لأنها لم تكن تشك كما شككت... نعم أنها مؤمنة كقديسة وطاهرة كملاك وجميلة كحورية فكيف لها أن تكتب ما كتبته أنا ؟ نعم أنا التي كنت أعيش عالم التيه والضلال ، أنا التي خضعت للشيطان فأغواني وللهوى الباطل فاستهواني ، فتلوثت روحي وانطمست معالم الخير من ضميري ، واندفعت وراء حسدي وغروري ، فتقمصت شخصية حسنات التي هي حسنات حقاً ، وكتبت اليك ما كتبت وأنا أتوقع منك القطيعة لها ، واعلم أن في ذلك تعاسة أختي ، ولكنني كنت مندفعة وراء الباطل فكتبتُ ما كتبتُ وأعطيتك عنواناً آخر لكي لا تصل الرسائل إلى البيت فتستلمها حسنات ، ثم


( 416 )

بدأت تكتب إليّ فتكشف عن عيني أغشية الخداع والتضليل وكلما كنت أتقدم إلى الخير خطوة كان ضميري يلح علي مؤنباً ومؤنباً من جديد ، وطالما حاولت أن أنثني عن طريقتي المنحرفة وأنسحب عن حياتكما الصالحة ، ولكنني كنت أشعر بالحاجة إلى تعاليمك وهدايتك ولهذا... تابعت خطواتي في الطريق الوعرة الخطرة اتطلع إلى مصدر النور الذي كنت تهبني إياه ، وكنتُ ألاحظ حسنات وهي تتألم من جفائك وتتعذب لانطوائك فكان يزيدني هذا عذاباً على عذاب ، نعم حسنات وليتك تعلم كيف هي حسنات أنها وبينما كنت أعمل على هدم سعادتها ، كانت تفرح كلما وجدتني أقرأ كتاب أو لاحظت علي بوادر اصلاح ، كانت تتحبب إلي وتتقرب فرحة بعودتي إلى حضيرة الايمان ، جاهلة أن هذه العودة كانت على حساب سعادتها وراحتها ، لا تحسب أنني أمدحها لأنها أختي ، كلا فقد كانت أختي ولم أكن أحبها لأنني ما كنت أثمن جوهرها ولكنني وقد عرفتها على واقعها بدت عندي فوق


( 417 )

كل مدح ، لقد أرسلتُ لك أخيراً صورتها فهل رأيت كم هي جميلة ؟ وكم هي رائعة ؟ ولكنك لم تذكر عنها شيئاً في الجواب لأنك لم تكن تريد أن تمجد جمال أنسانة ما زالت تشك بأهم المقدسات ولهذا فقد أغفلت ذكر الصورة ، وصورتك يا سيد مصطفى أتعلم أنها ما زالت عندي لا أعرف كيف أوصلها إلى حسنات ؟ آه ها أنت قد بدأت تتقزز مني يا سيد مصطفى ومن حقك ذلك ولكن هكذا كان ... فقد سبق أن سألتني عن الطريق الذي أحصل به على الكتب ، فأغفلت الجواب ، فماذا كان عساي أن أقول ؟ أنني كنت أستعيرها من حسنات التي وضعت مكتبتها تحت تصرفي ... نعم هل كان يمكنني أن أقول لك أنني استعيرها من حسنات ؟ يا لله لكم أسخط على نفسي وكم احتقرها واستصغرها ولكن لعل هذا الاعتراف سوف يبعث شيئاً من الرضا في نفسي ويهبني راحة الضمير ، ثم وقبل كل شيء أن ما يهمني هو رضاء الله علي أفتراه يرضى ؟


( 418 )

والآن يا سيد مصطفى أرجو أن تصلك هذه الرسالة وقد انتهيت من امتحاناتك وأنت تستعد للعودة ، ولكنني أرجو أن تكتب إلى حسنات قبل أن تعود ، دعها تستلم ولو رسالة واحدة منك على الاقل ، ثم أن لك أن تنقم فيها علي كما تشاء.
هذا واستميحك العذر من جديد وأتمنى لك من كل قلبي مزيداً من الخير والسعادة ، واغفر لي واسلم لدينك ولحسنات إلى الابد.
رحاب

أتمت رحاب كتابة الرسالة وكتبت العنوان على الغلاف ثم ارتدت ملابس الحجاب التي أهدتها إليها حسنات ووضعت الرسالة في حقيبتها اليدوية وذهبت إلى غرفة حسنات فطرقت الباب دون أن تدخل ففتحته لها حسنات فوجدتها بملابس الحجاب فهتفت تقول : الله ما أروعك بهذا اللباس يا رحاب تعالي وتطلعي إلى مظهرك المحتشم المحترم في المرآة...
قالت رحاب : كلا فأن لدي مهمة مقدسة علي أن أنجزها في أسرع وقت وقد بدأت بارتداء الحجاب مع انجازها...


( 419 )

قالت حسنات : وهل سوف تتأخرين في الخارج يا رحاب ؟
قالت رحاب : كلا فان علي أن أعود سريعاً وسوف أعود اليك فانتظرينني يا حسنات ... قالت هذا وذهبت تاركة حسنات نهباً للحيرة والفكر.

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net