متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الحلقة الثالثة
الكتاب : لقاء في المستشفى    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات
وفي عصر اليوم الثاني ذهبت ورقاء إلى عيادة معاد في غرفتها الخاصة بقسم الطبيبات ، فاستقبلتها معاد مرحبة .
فقالت ورقاء : كيف أنت اليوم يا معاد ومتى سوف تمارسين أعمالك لكي تعودي إلينا من جديد ؟
فقالت معاد : أنني اليوم بخير ولكنني أشعر بشيء من الألم في منطقة الطحال وأخشى أن يكون ذلك من تأثير الأنفلونزا ولهذا فأنا أنتظر نتيجة التحليل .
قالت ورقاء : أرجو أن يكون الطحال سالماً . ثم أنني أتصور أن آلام الطحال ليست مهمة جداً.
فابتسمت معاد وقالت : ولكن الطحال منطقة مهمة جداً في جهاز جسم الإنسان لأن الله عز وجل لم يخلق عضواً من أعضاء جسم الانسان دون أن يكون له أكبر الأثر في سلامة الجسم.
قالت ورقاء : فما هو أثر الطحال يا ترى ؟ وما هي مهمتة التي جعله الله تبارك وتعالى أميناً على ادائها ؟
قالت معاد : أنه مقبرة سيارة مع الجسم تستقبل جثث الكريات الحمر عندما ينتهي عمرها الذي لا يطول عادة أكثر من شهرين واللطيف في عملية الدفن هذه أن ذرة الحديد التي تنقل الكريات حين موتها إلى الطحال تدفنها هناك ثم تعود خاليه .


( 114 )

قالت ورقاء : ولكن لماذا تعود هي إذن ؟
قالت معاد : لأن الجسم يستفيد منها في عملية بناء الكريات الحمر الجديدة .
قالت ورقاء : ولكن هل أن ذرة الحديد هذه هي التي تصنع الكريات الحمر ؟
قالت معاد : كلا أنها عنصر يستفاد منه في صنع الكريات ، أما المصنع الرئيسي للكريات الحمر وحتى البيض منها فهو النخاع الموجود في باطن العظام ، وهكذا ترين عظمة هذا المصنع الهائل الذي يسمى بجسم الانسان وكيف أن كل عضو منه ينفرد بمهمة خاصة وعمل معين .
قالت ورقاء : حدثيني عن ذلك يا معاد .
قالت معاد : سوف أعطيك مثلا عن ذلك . وهو أن جهاز الدوران الذي ينقل الغذاء والأوكسجين إلى الأنسجة العطشى له مهمة ثانية في الوقت نفسه وهي إرجاع بقايا الاحتراق ونفايات الغذاء .
قالت ورقاء : إذن فهو يقوم بمهمة المعبد للطرق والمسهل للمواصلات بين الأمعاء ؟
قالت معاد : نعم أنه كذلك ، وهكذا أيضاً جهاز التنفس الذي نعيش معه العمر دون أن نلتفت إلى عظمة خالقه المخطط والموجه له ، فهو يستورد الغازات الضرورية للبدن


( 115 )

مثل الاوكسجين ويطرح غاز الفحم . وهذه عملية تنقية للدم من كل ما لعله يعلق له من أكدار . يستورد ما يحتاجه البدن ، ويصدر ما لا حاجة له به ، أنها الدقة الهائلة في الخلق والرحمة المعطاء في تدبير شؤون الحياة .
قالت ورقاء : أزيديني بالله عليك يا معاد .
قالت معاد : أننا نأكل كل ما يلذ لنا ، ونشرب كل ما يطيب لنا شربه غافلين عما هيأته لنا الرحمة الآلهية من ممون مخلص أمين ينقل إلى الأمعاء النشويات ، والبروتينيات ، والدسم ، والماء والأملاح المعدنية ، والفيتامينات ، وكل هذه هي مما يحتاجه جسم الانسان ، ومن ناحية ثانية لا يغفل هذا الممون الأمين عن إلقاء الفضلات التي لا يحتاجها البدن خارج الحدود .
قالت : ورقاء وما هو هذا الممون يا معاد ؟
قالت معاد : ليس هذا الممون الأمين سوى الجهاز الهضمي لدى الانسان .
وكانت ورقاء تستمع إلى معاد باهتمام بالغ فلما سكتت أردفت قائلة : والكبد ما هي وظيفته إذن ؟
قالت معاد : الكبد هو مركز الجمارك العام في جسم الأنسان .
قالت ورقاء : وكيف ؟


( 116 )

قالت : انه ينقي كل ما يدخل إلى البدن عن الطريق الهضمي فلا يسمح إلا بمرور ما هو مرغوب فيه وصالح للجسم . أنه من خطوط الدفاع المهمة التي خلقها الله تبارك وتعالى للدفاع عن سلامة هذا الجسم القاصر الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً .
وعند ذلك سكتت معاد وكأنها أرادت تبديل مجرى الحديث . فأعطت لورقاء فترة سكوت وتفكر ثم قالت : والآن حدثيني عن صحة جدتك يا ورقاء .
فانتبهت ورقاء من استغراقتها الفكرية وقالت أنها أحسن حالاً والحمد لله . ولهذا تمكنت من تركها وأتيت اليك وقد ألحت عليّ أن أعود إلى الدوام في الأسبوع القادم ولكنني ما زلت مترددة في موضوع الدوام .
قالت معاد : لقد طال انقطاعك عن الدراسة يا ورقاء وأنا أيضاً أرجح عودتك إلى الدوام وسوف أحاول أن أمر أنا عليها خلال غيابك فليس من الصالح تخلفك عن الدراسة أكثر من هذا.
قالت ورقاء : أن جدتي المسكينة وفرت لي جميع أسباب الراحة ، وبذلت لي المزيد من الحب والحنان ولكنني ما زلت أشعر بالوحدة والغربة في أمثال هذه الحالات لأنني البنت الوحيدة لأبنها الوحيد الذي توفى شاباً وكان عمري حين وفاته


( 117 )

سنة واحدة ، أما والدتي فقد كانت قد توفيت عل أثر ولادتي مباشرة .
قالت معاد : إذن فأنت بدون أخت ، وأنا بدون أخت ، فلتكن كل منا أختاً للثانية إذا وافقت على ذلك.
فأشرق وجه ورقاء وقالت في لهفة : أتراك جادة فيما تقولين ؟ هل تقبلين أخوتي يا معاد ؟
قالت معاد : وأكون سعيدة بها فهل توافقين أنت ؟
قالت ورقاء : نعم وكيف لا !.
قالت معاد : إذن فقد اتفقنا يا أختاه والآن أن عندي لك كتاباً حبذا لو قرأتيه .
قالت ورقاء : الحقيقة أنني أصبحت أفكر جدياً بالمطالعة ولكنني لم أجربها لحد الآن .
قالت معاد : إذن جربي مع هذا الكتاب ، ثم أعطتها كتاباً قرأت ورقاء اسمه فوجدته ( التكامل في الاسلام ) ولاحظت أنه الجزء السابع منه ، فأخذته شاكرة ثم ودعت معاد وذهبت إلى جدتها .
ومضت الأيام ، وكانت معاد قد عادت إلى عملها واستمرت تمر على ورقاء في كل يوم وتعنى بجدتها حال ذهابها إلى الكلية وكانت ورقاء قد قرأت كتاب التكامل في الاسلام .


( 118 )

وطلبت الأجزاء الباقية منه ، لأنها شعرت ولأول مرة بالرغبة في استيعاب الكتاب ، فكانت تختلس الوقت بين دوامها وتمريض جدتها لتقرأ من الكتاب بعض المواضيع وهي في كل ذلك تسأل معاد عما يخطر لها حول ما تقرأ . ولهذا أخذت تشعر بأنها أصبحت مشدودة إلى معاد فكرياً ، وروحياً ، وأن من العسير عليها أن تبتعد عنها بعد الآن .
وفي يوم من الأيام كانت ورقاء تجلس أمام معاد تستمع إليها وهي تتحدث عن عظمة الخالق التي تظهر بعض آثارها في دقة خلق الانسان فقالت لها :
هل حقاً يا معاد أن خلايا جسم الانسان تتغير وتبدل ؟
قالت معاد : نعم أن الانسان يتغير بشكل مستمر الاخلاط ، والخلايا ، والكريات ، والشحوم ، والبروتينات ، والماء إلى آخر ما في جسم الانسان من خلايا ، وحتى بالنسبة للخلايا العصبية فأنها تتغير وتتبدل أيضاً ، وعلى العموم فأن الجسم كله يتجدد كل فترة قد تقدر ببضع سنين ولا تزيد بحال على عشر سنين.
وهنا قالت ورقاء مستغربة : حتى الخلايا العصبية تتبدل أيضاً ؟ ولكن كيف أليست الذاكرة ترتبط بالخلايا العصبية ؟ فإذا تبدلت كان معنى ذلك أن الانسان يفقد ذاكرته وكل معلوماته السابقة ؟


( 119 )

قالت معاد : وهذا هو جانب مدهش من جوانب الخلق ونحن عن هذا الطريق نستدل على أن الذاكرة والذهنية الانسانية عموماً ليست ظاهرة مادية ولا يمكن تفسيرها كما يقول الماديون وإنما هي ظاهرة روحية مجردة عن المادة ولا تخضع لقوانينها من التبدل والتغير والتحلل ، وهكذا تلاحظين أن الذاكرة لو كانت مجرد ظاهرة مادية في الخلايا العصبية ومرتبطة بها لنسي الانسان كل شيء بعد مضي فترة من الزمن تبعاً لتغير تلك الخلايا العصبية ، وأصبح عليه أن يتعلم حتى اسمه واسم أبيه من جديد ، في الوقت الذي نجد أن الانسان العادي يجمع في كل يوم من الصور التي يراها فقط مقدار نصف مليون صورة ، تجتمع كلها في مستودعات الذاكرة العظيمة ، ومعنى ذلك أن ما يقرب من عشرة مليارات من الصور تختزن في مستودعات الذاكرة خلال متوسط حياة الانسان العادي ، هذا بالاضافة إلى المسموعات ، وغيرها مما يلمس ويحس .
وكانت ورقاء تستمع بانجذاب وعندما سكتت معاد قالت : إنها أرقام هائلة لا يكاد يتصورها الانسان .
قالت معاد : نعم أنها أرقام هائلة وقد قدر البعض أن ما تخزنه الذاكرة يتسع إلى تسعين مليون مجلد زاخر بالمعلومات ، فردت ورقاء تقول : تسعين مليون مجلد !!
قالت معاد : نعم ولك أن تعرفي بعد هذا دقة الخالق وحكمة الخالق.


( 120 )

قالت ورقاء : ألا يمكن لنا إثبات وجود الخالق للمنكرين عن هذا الطريق يا معاد ؟
أليس في خلق الكون وما فيه حجة بالغة لنا قبالهم يا أختاه ؟
فابتسمت معاد ثم قالت : أنها حجج بالغة يا ورقاء ولكن فيهم من إذا أردنا أن نثبت وجود الله له عن طريق الاستشهاد بخلق الكون وما فيه قال أنه يشك بوجود الكون ولا يعترف به كموجود حقيقي لم يصوره الوهم والخيال !
قالت ورقاء : ومن هم هؤلاء يا معاد ؟
قالت : أنهم المشككون الذين ينكرون وجود كل شيء حتى أنفسهم ، أنهم يتحدثون ويفكرون بشكل يدعو الانسان إلى فقدان الشعور بقيمة ما حوله ولهذا فهو يعيش حياة الوهم والخيال ما دام لا يجد في الكون إلا وهماً وخيالاً .
قالت ورقاء : وما هو موقفنا من هؤلاء يا معاد ؟
قالت : أننا نتمكن أن ندحض شبههم ببساطة .
فتساءلت ورقاء في لهفة : ولكن كيف ؟
قالت معاد : أن المشككين يقولون أن جميع القضايا مشكوك فيها أليس كذلك ؟.
قالت ورقاء : نعم .


( 121 )

قالت معاد : إذن دعينا نعرف ماذا يقولون عن هذه القضية نفسها القائلة أن كل القضايا مشكوك فيها فهل يشكون فيها أو لا يشكون ؟
قالت ورقاء : طبعاً أنهم لا يشكون فيها لأنهم يؤكدونها .
قالت معاد : إذا كانوا لا يشكون فيها فقد اعترفوا إذن بأن بعض القضايا غير مشكوك فيها وهذا يناقض مبدأهم في الشك وإذا كانوا يشكون في هذه القضية أيضاً فهذا تنازل منهم عن مبدئهم ويعتبر تخلياً عن تبني مبدأ الشك .
قالت ورقاء : هذا نقاش رائع فزيديني بالله عليك .
قالت معاد : يمكنك يا أختي أن تسأليهم منذ البدء هل تفترضون أن موقفنا الذي يتحلى باليقين يتعارض مع موقفكم الذي يتسم بالشك في كل شيء أو لا ترون تعارضاً بين الموقفين فإن سلمتم بالتعارض والتناقض بينهما فهذا يعني انكم تسلمون بأن النقيضين لا يمكن أن يجتمعا . وهذه إذن حقيقة لم يرق إليها شككم وبذلك يثبت أن بعض الحقائق يجب التسليم بها ، وإذا لم تسلموا بوجود أي استحالة في أن يكون الموقفان معاً على صواب فلماذا تعارضوننا وتعتبروننا في إيماننا مخطئين ؟
أليست هذه الحجة رائعة يا ورقاء ؟
قالت ورقاء : نعم أنها رائعة ومنطقية تماماً .


( 122 )

قالت معاد : وان هناك بعض الحجج الأخرى لا يسع الوقت لذكرها الآن ولهذا سوف أؤجلها إلى اللقاء القادم إن شاء الله .
قالت ورقاء : انني أقدر ظروفك ومسؤولياتك يا معاد وأرجو ألا يطول انتظاري للقاء الثاني فأنا جد مشوقة إلى تكملة الحديث .
فضحكت معاد وقالت : أنه لن يتعدى ظهر يوم غد إن شاء الله يا ورقاء وقد أتيت لك بكتاب أرجو أن تطالعي فيه خلال هذه الفترة ثم ناولتها الكتاب وذهبت إلى دورتها المعتادة على المرضى.
وفي عصر اليوم الثاني جلست ورقاء تنتظر حضور معاد وأمسكت بيدها كتابا تقرأ فيه فترة ثم تستسلم للتفكير فترة أخرى ، حتى أتت معاد ، فاستقبلتها بحرارة وجلست أمامها تنتظر تكملة الحديث ، ولما وجدت أن معاداً لا تريد أن تتطرق إلى حديث أمس قالت لها : أكملي حديثك عن أفكار المشككين .
فابتسمت معاد وقالت : أراك مهتمة جداً بهذا الموضوع ؟
قالت ورقاء : نعم لأنني قرأت وسمعت الكثير عنه .
قالت معاد : نحن نتمكن أن نقول لهم متسائلين : أنكم آمنتم بمبدأ الشك هذا من خلال برهان أم لا ؟ فإذا قالوا أننا


( 123 )

آمنا به من دون برهان فلن تبقى لادعاءاتهم قيمة ما دامت لا تستند إلى برهان.
قالت ورقاء : وإذا اعترفوا بوجود برهان يدعوهم إلى الايمان بمبدأ الشك ؟
قالت معاد : أما إذا اعترفوا بوجود برهان جرهم إلى الايمان بمبدأ الشك فنعود لنسألهم ، هل أن بين البرهان الذي جركم إلى مبدأ الشك وبين النتيجة التي حصلت من ذلك البرهان صلة أم لا ؟
قالت ورقاء : هبيهم قالوا بعدم وجود صلة بين النتيجة والبرهان .
قالت معاد : أما إذا قالوا بعدم وجود صلة بين البرهان والنتيجة التي هي ( الشك في كل شيء ) فنحن نقول لهم ، إذن فأي قيمة تبقى للأدلة على هذه النتيجة ( نتيجة الشك ) ما دامت لا تمت للبرهان بسبب ؟
قالت ورقاء : هذا إذا لم يعترفوا بوجود صلة بين النتيجة والبرهان أما إذا اعترفوا بوجود صلة فماذا ؟
قالت معاد : أما إذا اعترفوا بوجود صلة بين البرهان ونتيجته التي هي الشك في كل شيء فنحن نقول لهم :
إذن فإن البرهان هو العلة والسبب الذي أدى إلى هذه لنتيجة ! ومعنى هذا أنكم آمنتكم بضرورة وجود علة ومدلول


( 124 )

هذا الاعتراف هو الاعتراف بوجود قانون العلية ( أي قانون السببية ) إذن ، فهناك شيء موجود غير مشكوك فيه إلا وهو قانون العلية .
قالت ورقاء : وإذا حاولوا نفي قانون السببية ؟
قالت معاد : أنهم إذا حالوا نفي السببية اي ( العلية ) فنفيهم هذا منهم على شكلين :
أولا : أن هذا النفي يستند إلى دليل .
ثانياً : أنه لا يستند إلى دليل .
قالت ورقاء : فإن قالوا أنه لا يستند إلى دليل ؟
قالت معاد : نقول لهم : أنه فقد قيمته إذن لافتقاده الدليل مع حاجته إليه .
قالت ورقاء : وإذا قالوا أنه يستند إلى الدليل ؟
قالت معاد : أما إذا قالوا أنه يستند إلى دليل فأن معنى ذلك الاعتراف منهم بقانون العلية . إذ اعترفوا بوجود سبب لهذا البرهان حيث قدموا هذا السبب كدليل لصدق مدعاهم .
وعند هذا سكتت معاد فقالت ورقاء : هل تسمحين لي أن أكتب خلاصة هذا النقاش ؟


( 125 )

قالت معاد : نعم ومن الصالح أن تكتبي لكي لا يذهب عن بالك بعض نقاطه .
فأخذت ورقاء تكتب حتى فرغت من الكتابة ورفعت رأسها نحو معاد وكأنها تستزيدها من الحديث ولكن معاداً قالت :
لقد جئتك في مهمة خاصة يا ورقاء راجية منك مساعدتي عليها .
قالت ورقاء : أنني أرحب بكل مساعدة مني لك .
قالت معاد : أنها تتعلق بزواج أخي سناد فهل أنت مستعدة لمساعدتي يا ورقاء لأنني مهتمة جداً بهذا الموضوع .
قالت ورقاء : إذن ، وما دام الأمر يهمك فأنني سوف أساعدك بكل جهدي يا أختاه ، ولكن كيف ؟ وعن أي طريق ؟.
قالت معاد : إن أخي سناداً عزيز عليّ جدا وهو جدير بكل محبة وإعزاز إذ أنه انسان مؤمن ويجسد في سلوكه جميع معاني الايمان ، ولهذا فهو رائع في كل شيء ، ومحبب إلى كل قلب ، ومريح لكل انسان وأنا منذ مدة أتمنى له أن يحصل على زوجة تسعده وتصبح له قرينة بكل شيء وقد وجدتها أخيراً والحمد لله .
فردت ورقاء قائلة : الحمد لله .


( 126 )

قالت معاد : وقد كنت أريد أن أطمئن إلى اقتناعه بها لكي أصبح واثقة من سعادة الطرفين وترحيبهما بهذه الوصلة . وهنا ردت قائلة بصوت تشوبه اللهفة : وهل اقتنع ؟
قالت معاد : نعم ولم يبق سوى اقتناعها هي وهذا ما أريد مساعدتك عليه .
قالت ورقاء : وكيف ؟
قالت معاد : أن تحاولي إقناعها بصلاحه لها معتمدة بذلك على شهادتي بحقه وأنا ضمينة لك أنك سوف لن تندمي على ذلك أبدا .
وكانت ورقاء تستمع في حيرة وارتباك ثم قالت : ولكن من هي ؟ وأين يمكنني أن أجدها ؟
فابتسمت معاد وقالت : ألا يمكنك أن تحزري من تكون ؟
قالت ورقاء : كلا ...
قالت : خمني يا ورقاء.
قالت ورقاء : لا أتمكن أن أخمن .
قالت معاد : أنك تعرفينها أكثر من كل انسان وهي قريبة إليك وقريبة جداً يا ورقاء فهل عرفت من تكون ؟
فأطرقت ورقاء وقد علت وجهها حمرة الخجل ولم تجب .


( 127 )

قالت معاد : أراك عرفت الآن من هي يا ورقاء . أفلا يحق لي أن أطلب منك المساعدة في أمرها ؟.
ولم تجب ورقاء . فعادت معاد تقول : ما لي أراك ساكتة يا ورقاء ؟ ألا تثقين فيَّ بابداء رأيك يا عزيزتي ؟ ألم نتفق أن نكون اختين ؟ ثقي أن أمرك يهمني كما يهمني أمر سناد . وقد درست هذا الموضوع من ناحيتك كما درسته من ناحيته هو . ولو لم أكن أعرف فيه الصلاح والخير لما عرضته عليك . ولك أن تسألي عن سناد كل من يعرفه لكي يشهد لك بحقه .
هنا رفعت ورقاء رأسها وقالت في خجل : إن شهادتك وحدها كافية يا معاد . ولكنني قد فوجئت ولم أكن أتوقع هذا . ولهذا فأنني سوف أفاوض جدتي في الأمر .
قالت معاد : ولكن المهم أن تكوني أنت مقتنعة فيه يا ورقاء فهل أنت مقتنعة ؟.
فكادت ورقاء أن تقول : نعم ، لأنها كانت تحس بكامل الاقتناع والارتياح ولكنها وجدت أن من الخير لها أن تأخذ فرصة للتفكير أكثر لكي يكون جوابها بعيداً عن الارتجال فقالت :
أعطيني فرصة للتفكير يا معاد .
قالت معاد : طبعاً . فإن من حقك ذلك يا ورقاء . ولكن ما هو مدى هذه الفرصة ؟


( 128 )

قالت : يوم أو يومين .
قالت معاد : لك ذلك يا عزيزتي وأرجو أن يقودك تفكير لما فيه الخير .
فضحكت ورقاء وقالت : هل تعلمين أنني لم أعود نفسي على التفكير في أموري الخاصة من قبل لأن جدتي عودتني أن أتكل عليها بكل شيء .
قالت معاد : إذن جربي تفكيرك المستقل في هذه المرة .
قالت ورقاء : نعم سوف أجرب والتجربة هي طريق كل معرفة كما يقولون .
فابتسمت معاد وقالت : ولكن هذه القاعدة غير صحيحة يا ورقاء .
قالت ورقاء : وكيف ؟؟ أليست التجربة هي الأساس لكل معرفة وتصديق .
قالت معاد : كلا . وليست هذه القاعدة سوى دعوى من ادعاءات الجريبيين الذي لا يريدون أن يؤمنوا بتصديق أي قضية مسبقة بتجربة تؤكدها . متجاهلين أن إيمانهم هذا هو دليل على إمكان الايمان بقضية خالية عن التجربة .
فظهر الاهتمام على ورقاء وقالت : هل لك أن تشرحي


( 129 )

لي ذلك يا أختاه فإن لدينا معيدة في قسم المكانيك ما برحت تؤكد هذه القاعدة بمناسبة وبدون مناسبة .
قالت معاد : سوف أشرح لك ذلك غدا إن شاء الله لان وقتي قد انتهى وعليّ أن أبدأ بتفقد المرضى بعد دقائق .
جلست ورقاء بعد انصراف معاد تستعيد كلماتها فتستشعر الغبطة والسرور ، وحدثت نفسها قائلة :
أتراني سوف أستجيب لمعاد ، فأكون إلى جانب أخيها آخذ عنه كما أخذت هي عنه من قبل ؟
أتراه سوف يأخذ بيدي ليفتح أمامي أبواب المعرفة والهداية كما فتحها أمام معاد ؟ لكم سوف أكون سعيدة لو تم لي ذلك ، وكادت تلوم نفسها على إرجاء اعطاء الموافقة وهي لا تجد ما يحول دونها لأنه وعلى ما يبدو لها متكامل الجوانب .

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net