متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الحلقة العاشرة
الكتاب : لقاء في المستشفى    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات
مرت أيام الامتحانات وقد حاولت ورقاء خلالها أن تتفرع إلى دروسها بشكل تام ، وأبعدت عن أفكارها أحاديث ماهر وتوابعها وفعلاً فقد تمكنت من اجتيازها بتفوق يدل على النجاح وفي آخر يوم عرجت في طريق عودتها على معاد فقيل لها أنها مشغولة ، فتركت لها ورقة تخبرها بانتهاء امتحاناتها وتقول لها أنها سوف تزورها عصر غد ، ثم عادت إلى البيت فاستقبلتها جدتها مشرقة الوجه وقبلتها بحنان وهي تقول : الحمد لله الذي أبقاني حية حتى رأيتك مهندسة .
فابتسمت ورقاء وقالت : ولكنني لم أحصل على النتيجة بعد يا جدتي .


( 181 )

قالت الجدة : إنها مضمونة النجاح يا عزيزتي .
قالت ورقاء : أرجو ذلك ، ثم صعدت إلى غرفتها فوجدت هناك باقة زهر كبيرة في إناء من الكريستال الثمين وقد تربعت وسطها علبة بيضاء صغيرة كتبت فوقها هذه الكلمات : ( هديتي لك بمناسبة انتهاء الامتحانات مع وافر حبي ... ماهر ) .
واستغربت ورقاء هذه الهدية وخمنت أنها هدية لموقف حاسم ، ولهذا فقد نزلت إلى جدتها وقالت بهدوء : من أين جاءت باقة الورد هذه ؟
قالت الجدة : لقد بعث بها الأستاذ ماهر مع السائق وقال أنه سوف يأتي مع أمه في المساء .
قالت ورقاء وهي تحاول أن تبدو طبيعية : وهل تعرفين أين يقع بيت هذا الأستاذ ؟
فاستغربت الجدة هذا السؤال ثم قالت : كلا ، أنا لا أعرف موقع بيته الجديد ، ولكن لماذا تسألين ؟
قالت : لكي أعيد إليه باقة الزهر هذه .
قالت الجدة في هلع : تعيدين باقة الزهر ؟ هل أنت مجنونة يا ورقاء ؟ هل رأيت الخاتم الماسي الذي في العلبة ؟
قالت ورقاء : انني لم أفتح العلبة ولا شغل لي بها ولن أقبل هذه الهدية بأي شكل من الأشكال .


( 182 )

قالت الجدة : لا شك أنك مجنونة يا ورقاء ، ليس هناك انسانة عاقلة تتصرف هذا التصرف المشين ، أنه ابن عمك وخطيبك في الوقت نفسه .
وهنا أجابت ورقاء بشيء من العنف قائلة : ماذا قلت يا جدتي ؟ من هو خطيبي ؟
قالت : ماهر .
قالت : ومتى أصبح خطيبي مع أنني لم أوافق على قبوله أبداً ؟
قالت الجدة : فكري قبل أن تقطعي بالأمر يا ورقاء ، أنه انسان ممتاز يليق لك من جميع الجهات .
قالت ورقاء : لقد فكرت بما فيه الكفاية وليس لدي إلا الرفض .
قالت الجدة : ولكن ماذا تأخذين عليه يا ترى ؟
قالت ورقاء : أولاً وبالذات كونه غير متدين .
قالت : يمكنك هدايته بعد ذلك .
قالت : وإذا لم يهتد ؟
قالت : دعيه هو شأنه وأنت وشأنك ، أنك لن تنامي معه في قبره يا ورقاء ، تنعمي بخيراته ودعيه يتعذب وحده في النار .


( 183 )

قالت ورقاء : إن هذه لن تكون حياة زوجية بل شركة تجارية استغلالية لا أكثر ولا أقل .
قالت الجدة : إذن ؟
قالت ورقاء : إذن سوف لن أوافق .
قالت الجدة : وهديته ؟
قالت ورقاء : إن جميع هداياه وسياراته وعماراته لا تساوي عندي شيئاً ما دام هو بشخصه يفتقر إلى الدين ، أعيدي إليه هديته وقولي له أن يفتش عن عروس يليق بها وتليق به .
قالت الجدة في غضب : أنني لن أقول شيئاً من هذا ، أعيديها أنت إليه إذا أردت .
وفي المساء حضر ماهر وحده ، فرحبت به الجدة وجلست معه في غرفة الاستقبال ، وكأنها أرادت أن تقول شيئاً تمهد فيه لما قد يصدر عن ورقاء فقالت : أنني أشكرك جداً لهديتك الثمينة يا أستاذ ماهر .
قال : أنها أقل الواجب تجاه ورقاء ، أرجو أن يكون الخاتم على قياسها ؟
قالت الجدة : الحقيقة أن ورقاء ما زالت طفلة ولهذا فهي في حاجة إلى تدرج في الترويض .


( 184 )

قال : كيف ؟
قالت : تصور أنها لم تلبس الخاتم بيدها لحد الآن لأنها تقول بأنها ما زالت تعبانة من الامتحانات .
قال : إن من حقها أن تستريح فترة ، ونحن لا نريد فعلاً سوى الموافقة المبدئية ثم تقديم نيشان الخطوبة ، وقد اخترت لذلك طقماً ثميناً من الماس وجدته ملائماً لشباب ورقاء وجمالها ، وما أتيت إلا من أجل تحديد الوقت المناسب لتقديمه .
فارتبكت الجدة وقالت : سوف أتصل أنا بكم لتحديد الوقت المناسب بعد أن أقنعها بالقبول .
قال ماهر : عجيب أن تكون في حاجة إلى ترويض وإقناع ، إنه أمر طبيعي وبديهي الصلاح ، ولكنها على ما يبدو ما زالت صغيرة .
فتأثرت الجدة لهذا الاسلوب في الكلام ولكنها استمرت على خط المجاملة ولهذا قالت : صحيح أنها ما زالت صغيرة ولكنها عاقلة وحكيمة والحمد لله ، ولعل لديها وجهة نظر معينة سوف أتمكن من تصحيحها خلال أيام .
وقبل أن تنتهي الجدة من كلماتها انفتح الباب ودخلت ورقاء وهي تحمل بيدها علبة الخاتم الصغيرة البيضاء ، فخفق


( 185 )

قلب الجدة بعنف وغرها الارتباك لما سوى سوف يحدث ، أما ورقاء فقد سلمت وجلست على أقرب كرسي من الباب .
فنهض ماهر لاستقبالها ورحب بها بحفاوة ، وما أن استقر بها الجلوس حتى التفتت إليه وهي تقول : أنني أشكرك على باقة الزهر التي أرسلتها صباح اليوم يا أستاذ وسوف أتقبلها كتحية طيبة من ابن عم طيب ، أما هذه العلبة فأنا أعتذر عن قبولها لعدم وجود مناسبة لها .
فبهت ماهر لحظة ثم قال في تلعثم : ماذا تقصدين بهذا يا ترى ؟
قالت : أقصد بأنك إبن عم أبي فلتبق علاقتنا على هذا المستوى لا أكثر ولا أقل .
قال : صحيح أنني ابن عم أبيك ولكن أليس من حقي أن أطمع بتعميق هذه العلاقة ؟
قالت باقتضاب : كلا .
قال : هل تسمحين لي أن أسأل عن السبب ، لقد لاحظت منك نفوراً منذ البداية فهل قصرت في شيء أو هل أسأت إليك بشيء ؟
قالت : كلا أنك لم تقصر في حقي ولم تسىء إليّ ولكن رفضي هذا من صالحك وصالحي يا أستاذ.
قال : كيف عرفت أنه من صالحي يا ورقاء ؟


( 186 )

قالت : لأنني سوف لن أكون القرينة الحقيقية لك يا أستاذ .إن هناك فارق مهم لا يمكننا تجاوزه في الحياة الزوجية فلنكن أبناء عم فقط وهذا يكفي .
قال : إذا كنت تفكرين بالفارق المادي فأنا لا يهمني ذلك من قريب أو بعيد ، أنني أنسى حينما تصبحين زوجتي بأن هناك فوارق في الحالة المعاشية ، وسوف أضع جميع ما أملك أمامك تتصرفين فيه كما تشائين .
فزادت هذه الكلمات من غيظ ورقاء ، ولكنها جاهدت أن تسيطر على أعصابها أكثر ولهذا ردت بهدوء قائلة : أنك لم تستوعب فهم ما أردت أن أشير اليه ، فالفارق الذي ذكرته ليس هو الفارق المادي .
فقاطع حديثها قائلاً : إذن فهو فارق اجتماعي ؟ ولكننا متجانسون فنحن أولاد عم وكل منا يحمل شهادة مهندس .
فهزت ورقاء رأسها في استنكار وقالت بشيء من الحدة : ألا تريد أن تتركني أكمل حديثي يا أستاذ ؟
قال : عفواً تفضلي .
قالت : إن الفارق المهم الذي أعنيه هو الفارق الديني يا أستاذ ، قالت هذا وسكتت تنتظر ردود الفعل .
فسكت ماهر لحظة ثم تنحنح يداري بذلك ارتباكه . واغتنمت الجدة هذه الفرصة لتدخل في النقاش فقالت :


( 187 )

إن فارق الديني غير مهم فهو لن يجبرك على التغيير من وضعك يا عزيزتي أليس كذلك يا أستاذ ماهر ؟
وكانت الجدة قد أعطت لماهر بحديثها هذا فرصة لاستعادة وضعه الطبيعي حيث أجاب قائلاً باندفاع : طبعاً ، طبعاً ، فأنا لا أريد أن أمنعها عن شيء تريده هي أبداً وإذا كان هذا هو المانع فقد ارتفع .
فابتسمت ورقاء في مرارة وقالت : أنني لا أريد أن أطيل الحديث ولكنك تضطرني إلى ذلك الآن دعني أسألك سؤالاً واحداً : ما هو مفهوم الحياة الزوجية عندك ؟.
فظهرت الحيرة على ماهر لأنه لم يكن قد فكر بمفهوم خاص للحياة الزوجية من قبل ولهذا تردد لحظة ثم قال : حياة زوجية سعيدة !.
قالت : أنك لم تذكر مفهومها عندك وليس ما ذكرته سوى نتيجة لتحقيق ذلك المفهوم .
فضحك في بلاهة وقال : إذن فأي مفهوم تريدين ؟
قالت ورقاء : أنا لا أريد شيئاً ولكن أريد أن أعرف نظرتك عن طبيعة الحياة الزوجية .
وهنا تدخلت الجدة لتنقذ الموقف من جديد فقالت : دعك من هذا الكلام يا ورقاء ، إنه ابن عم أبيك وهذا يكفي .


( 188 )

فاستدارت ورقاء نحوها وقالت : أرجو أن تفهمي ما أعنيه يا جدتي ، فإذا كان هو لا يريد أن يفهم فافهمي أنت على الأقل ، إن الحياة الزوجية ليست شركة مادية ، أو ندوة اجتماعية . وإنما هي وحدة روح وفكر ومصير وهذا ما لا يمكن أن يتحقق مع اختلاف السلوك وتباين وجهات النظر . وما دمنا لا نستطيع أن نلتقي فكرياً فلن نستطيع أن نلتقي عاطفياً . وعدم الالتقاء العاطفي هو أوضح دليل لفشل الحياة الزوجية ، ولهذا فأنا لا أريد لنفسي ولا أريد له أيضاً أن ترتبط بحياة زوجية فاشلة .
وسواء فهمت الجدة حديث ورقاء أو لم تفهم فأنها ردت عليها قائلة في إلحاح : إن في إمكان كل منكما أن يبقى على ما هو عليه .
فتأففت ورقاء وقالت : إن هذا هو ما أعنيه من الفصام الفكري والعاطفي .
قالت الجدة : أو ليس من الممكن أن تتقارب وجهات النظر بعد الزواج ؟
قالت ورقاء : كلا يا جدتي لأن ذلك التقارب يستوجب إعطاء تنازلات من الطرفين وأنا غير مستعدة لاعطاء أي تنازلات مهما كانت بسيطة ، إن ديني أهم شيء عندي لأنه هو الذي يحدد مستقبلي في الغد القريب .


( 189 )

وهنا وجد ماهر مجالاً للدخول في النقاش فقال متحذلقاً : عفواً يا ورقاء ولكن أي دخل لدينك في المستقبل ومستقبلك مضمون كمهندسة ميكانيكية سواء كنت متدينة أم لا . كما ضمنت أنا مستقبلي كمهندس معماري مع عدم التزامي بالدين ؟.
قالت ورقاء : ها أنت لا تريد أن تفهم ما أقول ، أن المستقبل الذي أعنيه هو مستقبلي بعد الموت . وهذا ما لم تضمنه أنت ، وما أريد أن أضمنه أنا مهما استطعت ، أنني أخطط لمستقبلي ذاك أكثر مما أخطط لمستقبلي كمهندسة لأن هذا المستقبل مهما طال فهو محدود الأمد ، أما ذاك المستقبل فهو ما لا نهاية له .
فرأت شحوب باهت على وجه ماهر وكأن كلمات ورقاء الأخيرة قد اثرت عليه ، ولكن الجدة أرادت حسم النقاش ، فتوجهت نحو ورقاء بلهجة آمرة : إذهبي الآن إلى غرفتك فأن لدينا مجالاً طويلاً لتدبر الأمر .
ولما لم تتحرك ورقاء ألحت عليها قائلة : قومي واذهبي ، كفاية كلمات صبيانية يا ورقاء .
وهنا ضحك ماهر ثم قال : أنها معذورة فقد ربيت تربية معقدة منطوية . وأنا أرجو أن أفتح لها بيدي هاتين أبواب الحياة السعيدة . حياة الانطلاق والحرية ، أنها ولا شك واقعة تحت تأثير سيء لعله من صديقة أو صديق .
ولم يفت الجدة ما عناه ماهر بكلمته الأخيرة فردت عليه في حجة قائلة : ارجوك أن تسحب كلمتك الأخيرة يا أستاذ ، أن ورقاء شريفة وطاهرة وليست ممن يصادق الرجال ، ثم التفتت إلى ورقاء تقول : قومي واذهبي إلى غرفتك يا ورقاء .
فنهضت ورقاء وهي مغضبة ثم ودعتهم باقتضاب وذهبت إلى غرفتها حيث جلست على حافة السرير تنتظر انصراف ماهر وهي ترتجف من شدة التأثر .
أما الجدة فقد بدأت بالاعتذار من ماهر وكأن هذا الموقف من ورقاء دفع ماهر إلى مزيد من الاصرار وقد لبس لذلك لبوس العناد ، وأحس بالرغبة في سحق هذه التي رفضته ورفضت معه ذهبه وعماراته وسياراته ولهذا صمم أن يبدو أمام الجدة كإنسان لين الجانب صبوراً على الأذى فأجابها على كلمات الاعتذار قائلاً : لا عليك يا جدتي أنني سوف أحاول إقناعها بأساليبي الخاصة ، وحاولي أنت مساعدتي أيضاً ، واتصلي بي عند أول بادرة اقتناع .
قال هذا ثم ودعها وخرج وقد صمم أن ينتقم من ورقاء وأن يقف بالمرصاد لكل من يتقدم لخطبتها فأما أن يدعيها لنفسه وأما أن يشوه سمعتها عنده حتى يضطره أخيراً إلى التنازل له وعند ذلك يرفضها كما رفضته الآن .
وأما ورقاء فقد بدأت تشعر بالراحة نسبياً لأنها حسمت الموضوع وتخلصت من ماهر ، وقد حاولت أن تنسى


( 191 )

المضايقات التي حدثت معتبرة نفسها منتصرة في هذه الجولة ، ولهذا فقد نزلت من غرفتها في صباح اليوم الثاني وهي منشرحة الصدر مشرقة الوجه الشيء الذي استغربت له الجدة وكانت تتوقع أن تجدها في حالة نفسية سيئة ، وكانت ورقاء تتعجل الذهاب إلى معاد لكي تحدثها بما جد في الأمر ، ولكنها عندما ذهبت إليها عصراً وجدتها مشغولة مع حالة مرضية مستعجلة فعادت إلى البيت وإذا بجدتها تستقبلها عند الباب قائلة بصوت خافت : إصعدي إلى غرفتك دون أن يصدر عنك أي صوت .
فبهتت ورقاء وقالت : لماذا ؟ ما الخبر ؟.
قالت الجدة : صه إصعدي بسرعة وسوف أصعد إليك فيما بعد ، إياك أن تنزلي قبل أن أناديك .
فصعدت ورقاء إلى غرفتها وهي في حالة قلق وارتباك فقد أوحى إليها منظر جدتها بوجود أحداث غير مريحة ، وكلما ضربت أخماساً بأسداس لم تتمكن أن تقف عند فرض معقول وتعلقت عيناها بعقارب الساعة تستحثها على المسير ولكنها كانت تأبى أن تتحرك وكأنها تحجرت في مكانها من الصفحة السوداء .
وبعد أكثر من ساعة سمعت صوت الباب ينغلق ثم صوت جدتها يناديها إلى تحت ، فنزلت على عجل ، فاستقبلها


( 192 )

وجه الجدة كئيباً شاحباً فأرعبها ذلك وقالت في فزع : ماذا بك يا جدتي ؟ ماذا حدث بالله عليك ؟
قالت الجدة : هل تعلمين من كان هنا قبل دقائق ؟
قالت ورقاء : من أين لي أن أعلم يا جدتي ؟
قالت : إنه حامد أفندي !!
فبهتت ورقاء وقالت باستنكار : حامد أفندي ؟ هذا الاقطاعي المعروف ؟
قالت الجدة : نعم ، هذا الذي شردنا عن أرضنا واستغل خيراتنا .
قالت ورقاء : وماذا كان يريد ؟
قالت الجدة : لقد جاء يطالب بحقه في قطعة الأرض التي بحوزته ، وحقه في هذا البيت لأنه رهن عنده بأوراق رسمية ولا توجد أوراق رسمية تثبت سداد الرهان لأنها سرقت من المعمل كما ذكرت لك سابقاً ، وهو يقول : أنه ما صبر علينا إلا انتظاراً لتخرجك من الكلية ولهذا فهو الآن يطالب بحقه وتصفية الحساب إلا إذا ..
وسكتت الجدة وكأنها لم تجرأ أن تزيد على ذلك شيئاً .
فقالت ورقاء في لهفة : إلا إذا ماذا يا جدتي ؟
قالت الجدة : إذا وافقنا على شيء ؟


( 193 )

قالت ورقاء وهي تتلفت حولها في حركة لا اختيارية وكأنها تطلب النجدة ، قالت : إلا إذا وافقنا على أي شيء يا جدتي ؟
قالت الجدة : على قبول ابنه ناصر صهراً لنا فهو حين ذلك سوف يعيد الينا أرضنا كاملة ويعترف لنا بهذا البيت .
فأحست ورقاء وكأن صاعقة قد انقضت على رأسها وقالت في هلع : وماذا قلت له يا جدتي ؟
قالت الجدة : لقد أسعفني الله بجواب أنقذ الموقف مؤقتاً .
قالت ورقاء : وكيف ؟
قالت : لقد قلت له بأنك معقودة ولم يكن يسعني غير ذلك كي لا أثير غضبه علينا ولا أدع له مطمحاً فيك بعد اليوم .
قالت ورقاء : ولكن كيف قلت له هذا وسوف ينكشف بطلانه من بعد ؟
قالت الجدة : ولهذا أصبح محتماً عليك أن تقبلي بماهر في أسرع وقت ، فإن ماهر مهما كان هو أفضل من ابن حامد أفندي الشاب الماجن السكير .
فصدرت عن ورقاء آهة جريحة ثم أطرقت برهة رفعت


( 194 )

رأسها بعدها وهي تقول : كلا أنني لن أقبل بماهر مهما كان ، دعيه يأخذ منا كل شيء ، أنني أقدم أرضي وبيتي فداء رخيصاً لديني يا جدتي .
وهنا ثارت الجدة ثورة عاتية واندفعت تلطم وجهها وتدق صدرها ، وتنادي بالويل والثبور وتكيل لورقاء مختلف كلمات السباب وتتهمها بأقسى التهم .
فحاولت ورقاء تهدئتها ولكنها لم تتمكن من ذلك إلا بعد جهد ثم صعدت إلى غرفتها وارتمت على فراشها وهي في أسوأ حال .

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net