متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الحلقة الأولى
الكتاب : ذكريات على تلال مكة    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات

بسم الله الرحمن الرحيم

وأخيراً ...
بدت خيوط الفجر المضيئة لتنذر بميلاد يوم جديد ، واليوم يختلف تأثيره في حياة الانسان مع اختلاف ما يضم بين ساعاته من عطاء وما يحمل لمن يمد بهم أو يمد عليهم من فائدة ورواء ، ولهذا .. فقد يطول اليوم ويطول اليوم ويطول تبعاً لامتداد آثاره التي يتركها في حياة الانسان وقد يكون قصيرا جدا ينتهي مع انتهاء ساعاته المعدودة .
ويومنا ذاك .. كان حريا ان يكون طويلا بآثاره خالدا بعطاءاته.
ثم .. انطلقت بشائر الصبح لتعلن النهاية لساعات الليل التي كانت طويلة بدقائقها اذا قيست بما ضمت من افكار وما حملت من آمال وآلام ، وقصيرة بالنسبة لساعات النوم التي تقلص عددها خلالها الى النزر القليل .. وكان الصباح نديا بقطرات المطر مظللا بقطع السحاب الشيء الذي جعله غير


( 316 )

مشرق في مظهره الخارجي وان كان في واقعه يحمل معاني اشراقة الرحمة وهو ينفتح عن فترة زمنية تنطلق بها ارواح المؤمنين في مسيرتها نحو الله ملبية في ترجيعها ذلك النداء الخالد الذي أمر الله عز وجل به نبي الله ابراهيم اذ قال عز من قائل :
( وإذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ... ) .
وكان علينا ان نغادر البيت متوجهين نحو المطار ، فوقفت لالقي نظرة اخيرة على ما اعددته من متاع للسفرة الطويلة البعيدة الاغوار خشية ان يكون هناك ما أهمل أو أغفل ولم تكن مجموع الامتعة لتتعدى .. حقيبة واحدة فماذا عسى ان يصحب معه ذلك الانسان الراحل الى بيت الله ؟ أو ليس هو منطلق للحج نحو بيت كان خلال نشأته الاولى بواد غير ذي زرع ؟ نعم أو ليس وهو منطلق نحو تلك الرحاب يعيش مفهوم دعاء نبي الله ابراهيم حينما يقول :
( رب اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة ).
وهكذا كان ...
فقد بقي هذا البيت كعبة للمسلمين في مشارق الارض ومغاربها تندثر الحضارات وتتلاشى مع كل ما تحمل معها من جلال وشموخ ويبقى هو خالداً مع خلود الدهر شامخا مع


( 317 )

شموخ الحق ، اذن .. فماذا عسى ان يحمل معه هذا الذي طمح باماله الى المثول في تلك الرحاب ؟ بعض متطلبات الحياة الضرورية مع قرآن كريم . وكتاب دعاء ، ومنسك لاعمال الحج . ومصباح صغير لجمع الحصى من المشعر . ثم دفتر للخواطر وقلم للكتابة . وجواز سفر اخضر وجواز صحي اصفر !!!
ووقفت اتاكد من وجود هذه الاشياء وأضع الجواز في مكان قريب لأنه هو الذي يفتح امامي مغاليق الحدود ومن تلك الوقفة انطلقت بافكاري الى .. ما أعددته من متاع لسفري الطويل فسفرتي هذه كان من المفروض لها ان لا تتجاوز السبعة عشر يوماً ، أما تلك السفرة فهي طويلة وطويلة جدا عميقة وعميقة الى حد بعيد .. انها بدون عودة . وبدون خط رجعة أنها نقلة من هذه الحياة الفانية الى حياة أبدية باقية ، فما احوجها الى متاع وما احوجني خلالها الى زاد ؟.. لنفرض مثلا انني نسيت حاجة او اهملتها فإن من السهل اليسير عليّ ان أعوض عنها بما أجده هناك ولكن خلال سفرتي تلك حيث لاعودة بعدها ولا رجعة فماذا عساي ان اصنع ان وجدت نفسي قد اهملت حمل الزاد او تجاهلت اهمية المتاع ؟؟..
عندما اعلن لنا ( متعهد القافلة ) ان علينا ان نصحب معنا غطاء بادرنا الى حمل ذلك بدون ابطاء فلماذا ؟ لأنه خبير


( 318 )

بطبيعة الجو .. ولأنه هو الذي سوف يقوم باحضار حوائجنا فيعلم ما سوف يهيؤه لنا وما علينا ان نعده لانفسنا ولكن .. عندما نسمع الى الرسول الاعظم وهو يتلو علينا آي الكتاب قائلاً « وتزدوا فإن خير الزاد التقوى » نسمع بدون استماع .. ونقرأ بدون اقتناع .. ونطمع بالمغفرة بدون زاد .. عجيب !! فهل ترانا كنا نأمل بالدفء في سفرتنا تلك بدون غطاء ؟ هل كان من الممكن ان نقول ان المتعهد رجل كريم فلنذهب معه بدون غطاء وهو لا شك سوف يهيىء لنا ما يدفع عنا غوائل البرد ؟! أبدا ان هذا غير معقول لأنه غير مسؤول عن ذلك ما دام قد أنذرنا واعلمنا بما لنا وما علينا ..
أما ما أمرنا الله به من زاد وما أوصانا بحمله من متاع فنحن نتجاهله ونتناساه ثم نعيش على امل ان يغفر لنا الله برحمته ويشملنا برضاه !!!

***

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net