متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الحلقة الرابعة
الكتاب : الباحثة عن الحقيقة    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات
وفي الصباح اليوم الثاني وبينما كنت أبحث عن سندس بين مجموع الطالبات تقدم مني احد الطلاب الجدد وسلمني رسالة ثم اختفى بين المجموع ، فانتحيت جانباً وقد ارتابت نفسي مما فيها وفتحتها فوجدت فيها ما يلي ...
( أترا كما تحسبان انني لن اتمكن من تحطيم صروح بنيتماها على أنقاض آمالي ؟ ان لدي ما يمكنني من القيام بأي عمل فأما أن تنسحب عن حياتها وتتركها لي من حديد ، وأما ان أقدم على أي شيء ، نعم على أي شيء ، واول عمل أقوم به هو اخبار اهلها بما اتفقتما عليه ، نعم اخبارهم بأنها بدأت تقضي لياليها بين بيوت المستعوذين من المسلمين وبيتك الخالي وارتج عليّ ولم أعرف كيف اتصرف ، فتركت محاولة البحث عن سندس وجلست في زاوية منعزلة أفكر فيما يجب عليّ أن افعل ، ولكن ماذا كان عساي أن افعل ؟ وهل كان من الممكن لن أن انسحب عن سندس وهي حياتي التي لا غنى لي عنها ولكن وجودي في حياتها سوف يعرضها للبلاء وهذا مالا


( 30 )

اريده لها بأي وجه من الوجوه ، فعلي أن ادبر الأمر بشكل يجنبها من كل سوء ولا يدع ثغرة ينفذ منها الى أغراضه وذلك لا يتم لا اذا عقدنا زواجنا في أقرب وقت ولهذا فقد صممت ان لا ادع سندس تعرف بأمر هذه الرسالة وان اتعجل العالم الديني في انجاز مهمته ليتم عقد زواجنا قبل ان يتخذ باسم اي اجراء ، ثم وبعد ذلك لي يستطيع أهلها القيام بأي مبادرة ما دمنا قد اجتمعنا بشكل رسمي معترف به ، وفعلا فقد أخفيت أمر الرسالة وكان وقت المحاضرة التالية قد بدأ منذ دقائق فالتحقت بها وأنا أحاول أن أبعد عن فكري أمر الرسالة وصاحبها ، ثم التقيت مع سندس بعد الدرس وشعرت أنها غير مرتاحة نفسياً لما صادفته من متاعب عند الصباح من المسؤولة عن دار الطالبات لتغيبها في الليل فطيبت خاطرها وقلت لها : اننا سوف نذهب عصر اليوم الى العالم وفي غد يعقد زواجنا بشكل رسمي وتنتهي بذلك متاعبنا ، فهزت رأسها بشيء من الريب وقالت :
لا احسب أن الموضوع ينتهي اليوم يا فؤاد قلت :
أرجو أن ينتهي وسوف استعجله قدر جهدي فقالت لي شبه مؤنبة :
كلا ، ارجوك ان لا تفعل وان لا تنسى ان حاجتك مهما كانت مستعجلة لا تخوله الحق بالتهاون في مسؤوليته يا فؤاد .


( 31 )

نعم انك على حق ، وعلى كل حال سوف نرى ، قالت
نعم سوف نرى ، قلت :
انني سوف أمر عليك قبل الساعة الخامسة لنكون هناك في تمام الساعة الخامسة فكوني على استعداد .


( 32 )


( 33 )

وذهبت اليها عصرا فوجدتها تقف امام الباب وقد ارتسم على وجهها شيء من الشحوب ، وعندما اخذت يدها وجدتها باردة كالثلج فرابني منها ذلك وقلت : ماذا بك يا حبيبتي ؟ فابتسمت وقالت :

لا شيء قلت :
ارجوك ان تخبرني بما لديك ، فانت لست على ما يرام ، فعادت لتقول بشيء من الأصرار : لا شيء ، نعم لا شيء ، فنظرت الى عينيها الصافيتين المشعتين بالنقاء والسناء ، فوجدت مسحة من ألم لونت لالائها الاخاذ فألمني ذلك وقلت :
انك تغالطين يا سندس فلماذا ؟ الست انا وانت وحدة لا تتجزأ فلماذا تنفردي دوني بتحمل ألم أو سقم ، قالت :
نعم انك انت روحي المنفصلة عني ولكنني لا أشكو شيئاً ، قلت :


( 34 )

ولكن عينيك وشحوب وجهك يخالفان ما يقوله لسانك ، قالت :
ارجوك ان لا تعرضنا للتأخير هيا بنا لنذهب قبل ان يسبقنا الوقت ، فلم يسعني سوى ان اسير معها والفكار تتقاذفني يمنة ويسرة وكان اخشى ما اخشاه ان تكون سندس قد استلمت رسالة تهديد على غرار رسالتي ، وكنت احاول خلال الطريق ان اتحدث اليها بكل ما من حقه ان يريحها ، وفعلا فقد اندمجت معي الى حد ما وتظاهرت بالمرح والانطلاق ، ولكنني عندما نظرت الى عينيها وجدت ان مسحة الألم ما زالت منطبعة على صفحة تلك العين الخضراء وطرقنا الباب ففتحت لنا على الفور وذهبنا الى الغرفة حيث كان يجلس العالم الديني وكنا في هذه المرة نستشعر في تحركاتنا بشيء من الحرية افتقدناها في المرة السابقة ، واستقبلنا العالم الديني بالترحاب المصحوب بشيء من التحفظ ، وبعد ان استقر بنا الجلوس طلبت منه أن يبدأ بالحديث وقلت بشيء من الخجل بأننا نود لو اسرعنا بالعودة لان تأخرنا البارحة قد سبب لنا بعض المتاعب ، فاظهر الاستاذ شيئاً من الاهتمام ثم قال :
اني اسف اذا كان حديثي امس سبباً في تأخيركما فاجبته بلهجة صادقة قائلاً :
كلا ، كلا ، لقد كنا مرتاحين لحديثك ولهذا فقد غفلنا


( 35 )

عن الوقت وعلى كل حال فإن ما حدث ليس بهمم ، فابتسم وقال :
لولا التعب ما عرف الإنسان معنى الراحة يا ولدي ، ولولا الشدة لما ميزنا نعمة الرخاء اليس كذلك ؟ قلت :
نعم لعله كذلك ، قال انت تقول لعله وكأنك غير واثق مما تقول ولكن الم يصدف لك ان شربت كأساً من الماء بعد ساعات تعب وعطش طويلة ، ثم وفي مرة اخرى تشرب نفس الماء ومن نفس الكأس ولكن بعد دقائق قصار من شرب كأس روية فهل وجدت الفرق بين الكأسين لذة وطعماً ، وثمناً وقيمة ، ثم الم تسير في الشمس مسافة طويلة وانت تبحث لك عن ظل تستظل فيه من وهجها المحرق ثم وأخيراً تجد ذلك الظل المنشود فتلوذ به وتركن اليه ، فهل ان هذا الظل يعني لديك نفس ما يعنيه الظل المستمر الذي تعيشه في بيتك ، وكذلك عندما يمرض الإنسان فيعقده المرض عن الحركة ويحرمه من ملاذ الحياة ثم يقدر له ان يشفى ، فهو ومما لا ريب فيه سوف يكون سعيدا بصحته اكثر مما كان سعيداً بها قبل مرضه ، انه وبعد ان يشفى سوف يعرف ان الصحة كنز لا مثيل له فيبدأ بالحفاظ على ذلك الكنز وبالفرحة لتملكه ، وكنت استمع اليه واتصور كل دور من الأدوار التي كان يتحدث عنها فاجدها مطابقة لواقع احاسيسنا فقلت له مقتنعا :


( 36 )

تماماً كما تقول ، قال :
ولهذا نجد ان بعض المتاعب بل بعض المحن تكن من صالحنا نحن البشر وان من نعم الله علينا ان خلق في نفوسنا الاحساس بالألم والتعب والسقم والحمد لله ، وهنا لم يسعني الا ان اردد معه قائلاً باخلاص :
الحمد لله ، قال :
والآن فلنعد لكي نبدأ من حيث انتهينا بالأمس ،

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net