متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الحلقة الثانية عشر
الكتاب : الباحثة عن الحقيقة    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات
ثم مرت الأيام وأنا اتلهف الى يوم اللقاء وفي الوقت المحدد كنت عنده وقد وصلت سندس بعدي بقليل ، وكان يبدو متعجلا اذ شرع بالحديث بعد دخول سندس مباشرة فقال :
نعود اليوم لنعطي مثلا جديداً عن القيم البناءة التي في الإسلام فالإسلام قد حرم الصلاة في الأرض المغصوبة ، والدار المغصوبة ولهذا التحريم جانبين ، جانب خاص ، وجانب عام ، أما الجانب الخاص فهو ان من اهم العبادات في الإسلام هي عبادة الصلاة حيث تسمو بها الروح منطلقة من عقال العالم المادي مقرة بالعبودية الخالصة لله الواحد القهار ولهذا ولكي تكون صادقة وطاهرة ونزيهة ينبغي لها ان ترتفع عن انسان صالح وصادق ونزيه ومن مكان طاهر ونزيه لم يدنسه الظلم الغاشم ولم يشوهه الاستغلال الظالم فإن


( 104 )

لصفاء الروح اثر بصفاء العطاء وروح المصلي في المكان المغصوب بين حالتين : فهي اما ساخطة على الظلم منكرة له واما راضية به مؤيدة لوجوده ، وسخطها عليه كفيل بتكدير صفحتها واعاقة صفاء انطلاقها ورضائها به كفيل ايضا بطمس معالم اثارها في نفسه ومحو اثبات وجودها عند ربه لأنه خلط طاعة الله مع معصيته وتقرب الى الله في حال بعده عنه ، هذا من الناحية الخاصة ، اما من الناحية العامة فهو ما يترتب على ذلك من استنكار للغصب ورفض لقبوله والاستكانة له ، وفي هذا حماية لحقوق الإنسان واحترام للملكية ... وسكت الاستاذ فخطر لي ان أسأل :
لماذا اختيرت سورة الفاتحة من بين سور القرآن جميعها لكي تكون الجانب الرئيسي في الصلاة ؟ قال :
لان الفاتحة قد جمعت في اياتها مجمل العقيدة الإسلامية من حمد وتسبيح ، واطاعة وتوحيد واعتقاد بالبعث والنشور ، وطلب للهداية الى اخر ما زخرت به هذه السورة المباركة من مفاهيم ... قلت :
لماذا كانت ايات الصلاة غير موجهة لله تبارك وتعالى عدى الآيات الثلاث في نهاية سورة الفاتحة ؟ قال :
لكي يفهم الإنسان المصلي ان الصلاة هي له اكثر مما


( 105 )

هي لله تبارك وتعالى وانه هو الذي سوف يستفيد من عطاءاتها الروحية والعقائدية والتربوية ، قلت :
بالمناسبة لقد جاء في آية كريمة ان الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر مع اننا نجد الكثير ممن يؤدون الصلاة لا يتناهون عن المنكر ؟ قال :
ان الصلاة يا ولدي تنهى عن الفحشاء والمنكر ولا تمنع عنه ، فهي لا تكبل الإنسان تجاه الفحشاء والمنكر بأغلال من حديد ولكنها تتكفل باعطاء القيم التي تحول بينه وبين الفحشاء والمنكر وجانب العطاء فيها ثابت ولكن جانب القبول في نفس المصلي غير ثابت فهناك من يتقبل هذا العطاء بقبول واع يردعه عن التردي بمزالق الفحشاء والمنكر وهناك من لا يتقبلها أو لا يعي ما تقبل منها فتراه لا يتجنب عن منكر ولا يتوفى من فحشاء كما جاء في الحديث الشريف « ليس لك من صلاتك الا ما وعيت » قلت :
وهل ان جميع أشكال العبادة هي للعبد اكثر مما هي لله ؟ قال :
نعم ولو قرأت كتاب نظرة عامة في العبادات بدقة لعرفت الجواب مفصلاً ، كما أنه من مميزات الشريعة الإسلامية هو بروز الصفة الإنسانية في قوانينها وتنظيم قواعدها ، فلا اقليمية ولا عنصرية ، ولا طبقية او شعور بالانانية وهذا هوالشيء الذي يبدو واضحاً وجليا في نظمها


( 106 )

وتشريعاتها روحاً وموضوعاً كما جاء في القرآن في خطاب الأية المباركة للرسول ( وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين ) وكذلك فإن في الإمثلة التي تدل على تكفل التشريع الإسلامي بتقديم القيم التي تكون الإنسان الصالح كفرد وبالتالي لتكوين المجتمع كمجموع هو توزيع المسؤولية على الأفراد « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته » وفي هذا اعطاء فرصة لكل فرد لأن يبني نفسه ويبني من حوله وما حوله ، وشتان بين مجتمع تغذي روحياته بروح الانفرادية ، والاتكالية ، واللامبالاة ، وبين مجتمع تقوم قواعده على اسس من الشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية ، ان تشريعاً يقلد المسؤولية لكل فرد من أفراد المجتمع بشكل يحسسه فيه بأنه هو بنفسه صاحب قضية وحامل رسالة ، تشريع كهذا جدير ببناء المجتمع الفاضل المتماسك الجوانب وايضا ان مما يميز التشريع الإسلامي هو دمج الاخلاقية ضمن قوانينه والتأكيد على احترام الاخلاق والاهتمام بالحفاظ عليها وجعلها قاعدة من قواعد تثبيت الشريعة حتى قال نبي الإسلام « انما بعثت لا تمم مكارم الأخلاق » وقال ايضا « اكملكم ايمانا احسنكم اخلاقاً » ويمكنكما أخذ فكرة عن ذلك بمراجعة كتاب ـ الاخلاق ودورها في الحياة ـ للسيد حسين الصدر .
الى هنا سكت الاستاذ ونظر الى ساعته فعرفنا ان وقتنا معه قد انتهى فاستاذنا للخروج وطلبنا وموعداً جديدا فكان بعد اسبوع ايضاً فودعناه وخرجنا ... وامام باب البيت لفت


( 107 )

نظري ان سندس لم ترفع الغطاء عن رأسها في هذه المرة كما كانت تفعل سابقا واردت ان اتكلم وان احدثها عن مبيت فدوى عندي ولكنها عاجلتني ان سلمتني مظروف ازرق مغلق ثم انصرفت مسرعة في خطوات مرتبكة قلقلة ، فاردت أن أفتح الرسالة ولكن وجدتني في حاجة لأن أقرأها وحدي لأنني لم أخمن ردود فعلها عليّ ولهذا فقد أسرعت للبيت وقبل أن أخلع ملابسي جلست على حافة السرير وفتحتها بيد مرتجفة فقرأت فيها ما يلي :

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليك يا فؤاد ورحمة الله وبركاته .
كثيراً ما ترددت قبل ان اكتب اليك هذه السطور ولكن وجدت ان الموقف اصبح حرجا اكثر مما يطاق وان هذا الوضع القلق أخذ يؤثر عليّ ويلون شتى جوانب نفسي ، فأنا كنت اخمن كل شيء واتوقع كل شيء عدى ما حدث فلماذا حدث هذا يا ترى ؟ لماذا تناسيت في لحظات جميع ما عقدنا من عهود وما ابرمنا مواثيق ؟ لماذا ضعفت يا فؤاد فاستهنت بكل هذه الكنوز من الحب وتجاهلت عيون العواطف الدفاقة التي طالما تدفقت في قلوبنا من قبل ؟ لماذا هدمت يا فؤاد تلك الصروع الشامخة من الامال والاحلام لماذا ؟ نعم لماذا ؟ لعلك عرفت الأن ماذا أعني وماذا اقصد وستجد مع هذه الرسالة الأدلة التي وصلتني على ذلك


( 108 )

بالاضافة الى ما حمله سمعي اليّ من دليل فأنا لا أريد أن احتفظ بدلائل خيانتك ولك بعد هذا ان تعلم كم تعذبت وكم اتعذب لولا ما يربط على قلبي من النور الذي بدأ يلون حياتي بشكل جديد ، واعلم بأنني حينما أعرض عنك لا يعني هذا بأنني سوف أتوجه الى سواك فإن هذا ما لا يكون ابدا لأنك انت ...

سندس

وفتحت المظروف الثاني فإذا به صورتي الصغيرة التي أفتقدتها وصورة لسندس كانت قد اهدتها اليّ والابيات الشعرية التي افتقدتها ثم الشيء الذي هو أدهى وأمر صورتي وانا أقف أمام باب بيتي وامامي فدوى وانا اشير اليها ادعوها للدخول ، عند ذلك عرفت كل شيء وتكشفت أمامي خيوط المؤامرة التي حبكوها ضدي وانا سادر في غيي وغفلتي حتى كدت أن اخسر سندس بعد ان خدعت بشكل فظيع فلم تكن حادثة فدوى سوى قصة مفتعلة صمم أدوارها باسم الذي التقط لنا صورة في حال دعوتي لها للدخول وتذكرت الضوء الذي لمح أمامي حين ذاك ثم يبدو انها لما قضت ليلتها في غرفتي فتشت في كل مكان حتى حصلت على صورتي وعلى صورة سندس التي اهدتها لي وعلى الابيات الشعرية التي كنت قد كتبتها من اجل سندس وفهمت في تلك اللحظة ايضاً معنى سؤالها لي ان ماذا رأيت في يومك وفي أمسك ؟ إذ كان


( 109 )

هذا هو مطلع الأبيات التي حسبت انني قدمتها لغيرها ، وخمنت انهم اتصلوا بها وطلبوا منها ان تتصل بغرفتي في الصباح الباكر ولا شك ان فدوى هي التي ردت عليها والله اعلم بما قالت وهكذا تكشفت امامي الحقائق المرة دفعة واحدة ، ولم احاول ان استسلم للالم وانهار أمام المفاجأة ، فنهضت مسرعا وخرجت متوجها نحو سندس لكي أشرح امامها كل شيء ولكن وفي منتصف الطريق فطنت الى حقيقة كنت قد غفلت عنها وهي الطريقة التي اتمكن ان اثبت بها براءتي امامها مع هذه الأدلة الحسية التي تدينني امامها ، وشعرت بالتردد ثم احسست بالانهيار وخطر لي ان أعود الى غرفتي أفكر في الموقف الذي عليّ ان اتخذه معها فعدت وأنا في أشد حالات الحيرة والالم وجلست في غرفتي أفكر ، وشعرت بحاجة شديدة الى من يهديني لما ينبغي لي أن اصنع وفجأة امتدت يدي الى القرآن الكريم الذي كان موضوعا على احد رفوف المكتبة وهو في داخل علبة مذهبة وكان قد وضع هناك الى ذلك الحين للزينة فقط اما خلال أزمتي الروحية تلك فقد شعرت انه منقذي الوحيد ، وفتحته في لهفة فإذا بالسورة التي تطالعني فيه هي سورة محمّد فرحت أقرأ وقد كان لمعاني السورة وايقاعها الساحر اثر عظيم في نفسي فشعرت بشيء من الراحة وبعد ان اكملت السورة نهضت لاضع القرآن الكريم في مكانه فإذا بعيني تقع على مجموعة من شرائط التسجيل فتذكرت انني حينما كنت احاور


( 110 )

فدوى وراء الباب كان جهاز التسجيل يعمل بيدي ولا شك انه سجل الحديث كله ، وفعلا فقد اخذت اجرب الشرائط ابحث عن ذلك الشريط حتى وجدته ووجدت فيه تسجيلا كاملا لما وقع منذ ان فتحت الباب لفدوى الى أن ودعتها وذهبت لأنام في الصالون فحمدت الله على ذلك وشعرت بامتنان عظيم لخالقي الذي دبرني دون ان اشعر ، وكان الوقت قد تأخر بشكل لا اتمكن فيه من زيارة سندس فأحلت الموضوع الى الصباح ونمت مطمئن البال وفي الصباح بكرت في الذهاب الى الجامعة وانا ارسم في فكري صورا عديدة لما سوف أقوله لسندس عند اللقاء ، تصورت نفسي أركع امامها مقدما لها شريط البراءة كما قدمت لها قلبي من قبل وكانت جميع خلجات جسمي ونبضات قلبي قد استمالت الى كلمات حب وهناك عرفت انها لم تداوم في ذلك الصباح فاتصلت بالقسم الداخلي اسأل عنها فقيل لي انها مسافرة الى اهلها فاستغربت ذلك منها وعدت خائباً الى البيت .

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net