متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الاجر والمكافأة الاجتماعية
الكتاب : النظرية الإجتماعية في القرآن الكريم    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة


 

الفصل الاول
العدالة الاجتماعية على ضوء القرآن الكريم

الاجر والمكافأة الاجتماعية * معالجة الفوراق بين الطبقات الاجتماعية * تعريف الفقر والفقراء * على أي أساس يتم التفاضل ؟ * الضمان والتكافل الاجتماعي في الاسلام * نقد فكرة ( العدالة الاجتماعية ) في النظريات الغربية الأربع * الاسباب الداعية لاستمرار الظلم الاجتماعي : 1 ـ السيطرة على منابع القوة . 2 ـ النظام الاجتماعي لطبقة الاقوياء.


( 18 )



 


( 19 )


 

الاجر والمكافأة الاجتماعية


لاشك ان مشروعية وجواز الاجارة شرعاً وعرفاً لايحتاج الى مزيد بيان ، باعتبار ان البشرية ـ وعلى مر العصور ـ أكدت على ضرورة دفع العوض أو الأجر مقابل العمل الذي يقوم به الفرد ، أو المنفعة التي يملكها . وقد امضى الشارع ذلك العرف بقوله تعالى في آية الرضاع : ( فإن أرضعن لكم فآتوهن اجورهن ) (1) ، وقوله في آية المتعة : ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة ) (2) . وجاء في الآية 32 من سورة الزخرف : ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا ) . حيث ورد في تفسيرها ان معنى التسخير هو ان يستسخر الناس بعضهم البعض الآخرة لقاء أجر معين . بمعنى « ان الوجه في اختلاف الرزق بين العباد في الضيق والسعة زيادة على مافيه من المصلحة ان في ذلك تسخيراً من بعض العباد لبعض ، بإحواجهم اليهم يستخدم بعضهم بعضاً ، فينتفع أحدهم بعمل الآخر له فينتظم بذلك قوام أمر العالم » (3).
والسؤال المطروح اليوم على الساحة الفكرية الاجتماعية هو هل ان اختلاف اجور العمل والمكافأة الاجتماعية بين الافراد يؤدي الى ترسيخ
____________
(1) الطلاق : 6.
(2) النساء : 24.
(3) مجمع البيان ج 9 ص 61.


( 20 )


فكرة العدالة الاجتماعية ، أم يؤدي الى انعدامها ؟
فأجابت النظرية الغربية المسماة بـ ( المدرسة التوفيقية ) ـ وهي المدرسة التي لا ترى مبرراً للصراع الاجتماعي تحت ظل النظام الرأسمالي القائم اليوم ، وروادها علماء اجتماع امثال ( اميلي ديركايهم ) ، و( هربرت سپنسر ) ، و( تالكوت بارسنس ) وغيرهم ـ بان انعدام العدالة الاجتماعية ضمن اطار اختلاف اجور العمل والمكافأة لها نواحٍ ايجابية نافعة للنظام الاجتماعي (1) ؛ لأن اختلاف ادوار الافراد على ضوء المهارة الشخصية والابداع يخدم اهداف النظام الاجتماعي والمجتمع بكافة افراده . وطالما كانت هذه الادوار تتطلب جهداً جسدياً وفكرياً متبايناً ، فقد تباين الافراد في استلام المكافآت الاجتماعية . ولأن الطبيب أكثر نفعاً في المجتمع من العامل غير الماهر ، كان المفترض مكافأة الطبيب مكافأة تفوق مكافأته لذلك العامل غير الماهر . وهذا التزيع غير المتكافئ للثروة والمكافآت الاجتماعية ضروري ـ حسب رأي هذه المدرسة ـ في ثبات واستقرار النظام الاجتماعي ؛ لأن المال ، والمكافأة الاجتماعية ، هما اللذان يجذبان الافراد نحو انجاز الاعمال التي تتطلب جهداً أشد من بقية الادوار الاجتماعية الاخرى . وعلى ضوء ذلك ، فان انعدام العدالة الاجتماعية نتيجة واقعية لثبات واستقرار النظام الاجتماعي . ولكن هذه المدرسة جوبهت بنقد شديد من قبل مفكري المدارس الاجتماعية الاخرى ، لأنها بررت ـ بشكل صارخ ـ التفاوت الواسع في نظام الاجور والمكافآت الاجتماعية في النظام الرأسمالي .
____________
(1) ( كنكسلي ديفيز ) و( ولبرت مور ) . « بعض مبادئ انعدام العدالة الاجتماعية » . مقالة علمية في ( المجلة النقدية الامريكية لعلم الاجتماعي ) ، عدد 10 ، 1945 م . ص 242 ـ 249.


( 21 )


فالمدرسة التوفيقية أهملت تماماً ضوابط العدالة الاجتماعية ، أي ضمان الحد الأدنى للاجور التي تضمن معيشة كريمة لكل العاملين في المجتمع على اختلاف اختصاصاتهم المهنية ودرجة نفعهم الاجتماعي . ولاشك ان انعدام العدالة الاجتماعية لا يؤدي الى ثبات واستقرار النظام الاجتماعي ، بل يؤدي الى اختلال الموازين الاساسية في اشباع حاجات الافراد وتمتعهم بالثروات الاجتماعية.
اما النظرية الاسلامية فقد نادت بالعدالة الاجتماعية ، لا من باب عدالة الاجر والمكافأة الاجتماعية التي أمضاها الشارع فحسب ، بل من باب عدالة توزيع الثروة الاجتماعية . فزيادة الثروة في المجتمع ، لم تكن بالضرورة عاملاً من عوامل نشر الظلم والحرمان الاجتماعي ، كما ترى المدرسة الغربية التلفيقية التي وعدت بانتخاب محاسن المدرستين التوفيقية والماركسية (1) ؛ لأن العدالة الاجتماعية ترتبط في الأصل بنظام يساهم في توزيع عادل للثروة ، ولا ترتبط بالزيادة المالية نفسها . وهناك شواهد تاريخية عديدة تؤكد صدق هذا الرأي ، كما ورد في كتب التاريخ عن رجوع الصدقات الى بيت المال في صدر الاسلام ، لأن الثروة المالية انتشرت عن طريق التوزيع بين عدد كبير من الافراد ولم تتكدس بأيدي جماعة محدودة العدد . وليس غريباً ان نرى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يأبى الا ان يرجع الاموال التي منحها الخليفة الثالث لأقربائه وخاصته ، قائلاً بشأن ذلك : ( والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الإماء لرددته ، فإن في
____________
(1) ( جيرهارد لينسكي ) ، السلطة والامتيازات : نظرية في انعدام العدالة الاجتماعية . نيويورك : ماكرو ـ هيل ، 1966 م.


( 22 )


العدل سعة ، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق ) (1) . اضف الى ذلك ، فان الوازع الاخلاقي الذي يتحسس لآلام المعذبين والمستضعفين يجعل التنافس الاقتصادي عملية يقوم بها الافراد من أجل التكامل الاجتماعي ، لا مجرد تكديس المال.
____________
(1) نهج البلاغة ـ باب فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان . خطبة 15.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net