متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
دور العقل في عملية التحصيل
الكتاب : النظرية الإجتماعية في القرآن الكريم    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة

الفصل الثالث
النظام التعليمي في النظرية القرآنية

دور العقل في عملية التحصيل * نظرية التعليم في القرآن * ( المدرسة ) في النظام الاجتماعي * التعليم والعدالة الاجتماعية في القرآن * فلسفة ( التعليم ) في النظريات الغربية ونقدها *


( 98 )



( 99 )

دور العقل في عملية التحصيل

ان الاسلام يمجد العقل لا باعتباره أداةً لاستيعاب المعلومات وخزنها ثم استرجاعها وتحليلها فحسب ، بل يعتبره أهم أداة لمعرفة الخالق عز وجل ؛ ولولاه لأصبح الانسان حيواناً بهيمياً آخر لا يعي من واقعه الاجتماعي شيئاً ولا يهتم بأمر مثل اهتمامه بغرائزه الحيوانية.
ولكن العقل البشري بدل المعادلة الحيوانية وقلبها لصالح الانسان ، فأصبح هذا الكائن الكريم بحكم عقله مكلفاً بالمسؤوليات الشرعية ومحاسباً عليها . ولعل اشد الآيات القرآنية وقعاً وأوجعها على الجهلاء من الناس ، قوله تعالى : ( ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ) (1) . فأصبح العقل الحجة التي يحتج بها الله على المكلف يوم القيامة ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) (2).
ولما كان العقل هو البنية التحتية للتفكير الانساني ، أصبح العلم البناء الفوقي الذي يساهم بشكل فعال في تقوية سلطات العقل وقوته المنطقية والتحليلية . فالحقيقة العلمية اليقينية ، يعتبرها الفقهاء شيئاً قطعياً ، والتنكر لها تنكر للعقل نفسه . وأعظم دليل على ذلك ان أكثر الناس خشية للـه
____________
(1) الانفال : 22.
(2) الحجر : 92 ـ 93.

( 100 )

سبحانه العلماء العارفون بأسرار الكون والحياة والخلق ؛ لأن الجاهل بأسرار الكون والخلق جاهل بعظمة الخالق . والسر في ذلك ان العلم بطبيعة المخلوقات يستوجب علماً بطبيعة الخالق ، وقد جاء في النص المجيد ما يشير الى ذلك : ( انما يخشى الله من عباده العلماء ) (1).
ولكي يدرك العقل ويستوعب المعارف والمعلومات التي ينتفع بها ، فلابد للفرد من الاجتهاد في تنمية قوة ادراك ذلك الجهاز العظيم لمفاهيم الخير والشر ، والتمييز بينهما عن طريق علوم الطبيعة والدين والاخلاق وما يتعلق بهما من معارف وغايات . فحينما يحاول العقل انشاء العلوم النافعة للانسان في حياته العملية ، فانه يستخدم طاقته الجبارة لانشاء نظرية معاشية تدله على تعلم العلوم التطبيقية كي تدر عليه شتى أنواع المنافع ، وتيسر له سبل العيش الانساني الكريم ، كعلوم الزراعة والصناعة والطب والهندسة والفضاء . ولاشك ان ترجمة الافكار التي ينشئها العقل ويحاول تطويرها وتنميتها لابد ان تتم عن طريق خاص يشترك في فهمه وممارسته جميع الافراد في النظام الاجتماعي ، الا وهو النطق.
فيتميز تحصيل العقل وترجمة الافكار التي يحملها بالنطق ؛ فالانسان كيان ناطق ، وهذا النطق الذي يمثل رمز التفاهم بين الناس يميز هذا الكائن المفكر عن غيره من العجماوات . وبطبيعة الحال ، فان علوم اللغة وما يتفرع عنها من معارف وحقول ، تمثل قابلية العقل على ترجمة الافكار الخافية الى رموز مسموعة تستفيد منها الانسانية في تعاملها الاجتماعي جيلاً بعد جيل .
____________
(1) فاطر : 28.

( 101 )

ولاشك ان استعداد النفس لتحصيل النظريات والفرضيات ، يساهم في تطوير العلوم التي تخدم مصلحة الانسان . فلو أراد العالم التجريبي وضع نظرية تتناول حركة الالكترونات في الذرة مثلاً ، فما عليه الا ان يفترض افتراضاً نظرياً يتناول فيه حركة تلك الشحنات ، ويفصلها تفصيلاً نظرياً ، ثم يقوم بعد ذلك بتجارب خاصة لإثبات صحة فرضيته ؛ فاذا تم له ذلك بالتجربة والخطأ تطورت فرضيته القائمة على مجرد الظن الى نظرية قائمة على اساس ثبوت الحقائق . وهذا الاستعداد النفسي في انشاء الافتراض وتحصيل النظرية يرفع العلم التجريبي من المستوى النظري الى مستوىً عالٍ من الدقة التجريبية والمهارة والاتقان.
والمحصل استقراءً ان الانسان العاقل المدرك يحتاج في حياته العملية الى أربعة اصناف من العلوم حتى يستطيع ان يكون عضواً نافعاً فعالاً في النظام الاجتماعي ؛ الاول : علوم اللغة وما يتعلق بها من معارف ، لانها تعتبر عنصراً اساسياً من عناصر حفظ الاجتماع الانساني وتنميته ؛ فعن طريقها يتم التفاهم والاتصال بين الافراد في النظام الاجتماعي . الثاني : علوم الدين والاخلاق وما يتعلق بهما من معارف ؛ وهذا الصنف اساسي في استقرار النظام الاجتماعي ونشر العدالة الاجتماعية بين الافراد . الثالث : العلوم النظرية ، وهي النظريات والفرضيات التي يحتاجها الانسان كقاعدة يبني عليها بناءه العلوي في العلوم التجريبية . الرابع : العلوم التطبيقية ، وهي ثمرة العلوم الطبيعية التي يعتصر الفرد بواسطتها كل ما يتمكن اعتصاره من خيرات الارض ، وبشكل يمكنه من توفير وتيسير سبل العيش لكل افراد


( 102 )

المجتمع الانساني.
وقد أكدت النصوص الشرعية على حاجة الانسان الى تلك العلوم والى ضرورة تعلمها ، من أجل المصلحة الاجتماعية . فعلى مستوى الصنف الاول ، ورد قوله تعالى : ( انا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون ) (1) . وفي رواية عن الامام جعفر بن محمد (ع) انه قال : ( تعلموا العربية فانها كلام الله الذي يكلم به خلقه ) (2) . وعلى مستوى الصنف الثاني ، ورد في وصية الامام أمير المؤمنين لابنه الحسن ( عليهما السلام ) : ( وان أبدأك بتعليم كتاب الله عز وجل وتأويله ، وشرائع الاسلام وأحكامه ، وحلاله وحرامه لا اجاوز ذلك بك الى غيره ) (3) ، ولعله اشارة الى قوله تعالى : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفةٌ ليتفقهوا في الدين ) (4) . وعلى مستوى الصنف الثالث ورد قول الامام علي (ع) ايضاً : ( لا علم كالتفكير ... ) (5) ، الذي هو اشارة واضحة لقوله تعالى : ( الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض ) (6) . وعلى مستوى الصنف الرابع ورد عن الامام جعفر الصادق (ع) ما يدعو الى التعليم المهني : ( فكل ما يتعلم العباد أو يعلمون غيرهم مثل صنوف الصناعات مثل الكتابة والحساب والتجارة ...
____________
(1) الزخرف : 3.
(2) البحار ج 1 ص 212.
(3) البحار ج 1 ص 19.
(4) التوبة : 122.
(5) البحار ج 1 ص 179.
(6) آل عمران : 191.

( 103 )

فحلال فعله وتعليمه والعمل به ) (1) . ولعل في الآية الشريفة : ( ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون ) (2) ، تلميح الى العمل المهني الذي يقره الارتكاز العقلائي . والمستفاد من هذه النصوص الشرعية المساندة والمؤيدة ، بأن الاصل في العلوم الاجتماعية والتجريبية والدينية هو بناء النظام الاجتماعي وبناء الفرد بشكل يجعله مرتبطاً بالخالق سبحانه اولاً ، وقادراً على تأدية التكاليف الشرعية ثانياً ، وقادراً على اشباع حاجاته الاساسية ثالثاً.
وربما يستفاد من مقتضى نص قوله تعالى في خطاب النبي (ص) : ( وقل ربي زدني علماً ) (3) زيادة على ماقيل بأمر الله النبي (ص) بعدم التعجيل بقراءة القرآن وقت نزول الوحي ، ان الاسلام لم يقيد العلم بعلوم الدين بل أطلق عبارة العلم لتشمل كل العلوم التي تنفع الانسان في حياته العملية والدينية ؛ ومنها علوم الطب والتمريض والهندسة والفيزياء والكيمياء والفلك والتربة والجغرافية والتربية التي تساهم جميعاً في تيسير حياة الانسان لظهور النص القرآني اولاً ، وللنصوص الشرعية الاخرى التي تعضد هذا الرأي ، ثانياً.
____________
(1) تحف العقول ص 249.
(2) يس : 35.
(3) طه : 114.

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net