متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
التعليم والعدالة الاجتماعية في القرآن
الكتاب : النظرية الإجتماعية في القرآن الكريم    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة

التعليم والعدالة الاجتماعية في القرآن

ولاشك ان اطلاق معاني العدالة الاجتماعية والقضائية في القرآن كقوله تعالى : ( اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله ) (1)، ( فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا ) (2) ، ( واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ) (3) ، ( ان الله يأمر بالعدل والاحسان ) (4) ، يعكس شمولها لجميع المؤسسات الاجتماعية التي تهتم بشؤون الفرد ، لانها لم تقيد أو تخصص بمورد معين.
وتنعكس العدالة الاجتماعية التي نادى بها الاسلام وحث على تحقيقها بين جميع الافراد ، على النظام التعليمي بالخصوص . فبموجب الارتكاز العقلائي الذي امضاه الشارع ، لابد للافراد القادرين من الناحية العقلية على التعلم وقطع اشواط المراحل الدراسية ، من المستوى الابتدائي وحتى المستوى التخصصي المهني أو العلمي . وفي المرحلة الاخيرة يلعب الجهد والذكاء دوراً أساسياً في مساعدة الافراد على حجز مقاعدهم الدراسية في الجامعات العلمية والأدبية والمعاهد الفنية . فالطلبة المتفوقون في العلوم البايولوجية والكيميائية يدخلون كليات الطب والعلوم المتعلقة بها.
____________
(1) المائدة : 8.
(2) النساء : 135.
(3) الانعام : 152.
(4) النحل : 90.

( 114 )

والطلبة المتفوقون في الرياضيات والعلوم الهندسية يدخلون كليات الهندسة والعلوم المتعلقة بها . والمتفوقون في الاجتماعيات يدخلون كليات العلوم الاجتماعية ، وهكذا . وهذا المقياس في حجز مقاعد الجامعات ، أعدل من مقياس الأنظمة الغربية التي تشترط العامل الطبقي ولون البشرة اساساً في دخول الجامعات العريقة كجامعات اكسفورد وكامبردج وهارفرد وييل وبرنستون (1) . فالنظام التعليمي الاسلامي يشجع الطالب الفقير على شق طريقه بنجاح الى أرقى الجامعات في الدولة بغض النظر عن لونه وطبقته الاجتماعية . بل يستطيع ان يتميز عن أقرانه الاغنياء ، لأن الفقر لايشغله عن التحصيل ، وهو على اطمئنان بأن عائلته المسحوقة سوف يعيلها النظام الاجتماعي أو الدولة عن طريق الحقوق الشرعية . فلا يصرفه الفقر ـ عندئذٍ ـ عن الدرس ، ولا تجبره حاجة العائلة الاساسية على ترك التحصيل . واذا ما ظهرت بوادر انحلال النظام الطبقي خلال مراحل التعليم ، أصبحت فرص انتعاش النظام الاجتماعي أوسع ؛ وأصبح المقياس في تسيير شؤون النظام الاجتماعي و الجهد والكفاءة والذكاء . ولا يختلف اثنان على ان الذكاء قدرة علمية تحصيلية تتواجد عند الفقراء كما تتواجد عند الاغنياء.
ومع ان الاسلام يقدم نظاماً عادلاً في توفير الفرص التعليمية لكل القادرين على التحصيل ، الا انه لاينكر وجود التفاوت في قابليات الفهم والادراك والابداع لدى الفراد . فالافراد عموماً متفاوتون في مستوى
____________
(1) ( جون ليولين ) وآخرون . الذكاء واختلاف الاعراق . سان فرانسسكو : فريمان ، 1975 م.

( 115 )

فهمهم العلمي وابداعهم وانتاجهم . ولما كانت هذه القابليات متفاوتة ، فان المكافأة على الجهد المبذول يجب ان تتفاوت حتماً من فرد الى آخر . ولكن هذا التفاوت في الاجور ينبغي ان لا يخلق طبقات اجتماعية متفاوتة ، بل طبقة واحدة مختلفة الدرجات . وهذا النظام التعليمي الرائع يضمن قضيتين اساسيتين ؛ الاولى : تنشيط فرص الابداع لكل فرد ، والثانية : العدالة الاجتماعية لكل الافراد . فلا يستطيع الذكي مهما أوتي من قوة عقلية ان ينشئ طبقة متميزة به عن الآخرين ، تماماً كما لا يستطيع الثري مهما أوتي من قوة مالية انشاء طبقة متميزة به وبأقرانه ، لأن ذلك يدعو الى الظلم الذي يرفضه الاسلام.
ولم يدع الاسلام الى جعل التعليم مطية رغبات طبقة دون اخرى لتحقيق التسلط على القوة السياسية ، وكسب الثروة ، وتحقيق الرفعة الاجتماعية ؛ بل اراد من التعليم فهم الانسان موقعه في الحياة الاجتماعية ، ومعرفة دور الدين في بناء النظام الاجتماعي لتحقيق سعادة الفرد وتثبيت أسس العدالة الاجتماعية . ولما كان العلم شريفاً في نفسه ، فان الشارع حث جميع الافراد على تحصيل المقدار المتميز منه ، كي يمنح الانسان فسحة للتفكير في موقعه الاجتماعي الحياتي وموقعه في الكون ، وما يترتب على ذلك من معارف ربانية توصله الى معرفة خالقه وصانعه العظيم ، وتحثه على تعلم الفنون والخبرات بشتى الوانها بما ينفع النظام الاجتماعي وافراده . ولاشك ان نظاماً تعليمياً كهذا لا يمنح امتيازاً لفرد دون آخر ؛ لأن عدالة نظام الاجور في الاسلام هي صمام الامان الذي يمنع بموجبه نشوء نظام طبقي


( 116 )

مشابه للنظام الطبقي الرأسمالي . ولما كانت الدولة في المجتمع الاسلامي مسؤولة عن رعاية الافراد وحمايتهم والاهتمام بهم ، فان لها الحق في تحديد الاجور وتعيين الحد الأدنى والحد الاعلى للمكافآت الاجتماعية : على عكس الفكرة الغريبة الرأسمالية التي تعين حداً أدنى للاجور ولكنها لا تضع علامة للحد الاعلى (1) ، مما يفسح المجال لنمو الطبقة الرأسمالية الظالمة المتحكمة بشؤون المجتمع والسلطة السياسية واستفحالها.
والخلاصة ، ان الاسلام لايقر نظام تكافؤ الفرص فحسب ، بل يهيئ الافراد تهيئة شاملة للمنافسة العلمية القائمة على اساس الجهد والذكاء . فيزيل اولاً كل اسباب التعويق الاجتماعي لطلب العلم من فقر وعدم اشباع الحاجات الاساسية ، فيأخذ حقوق الفقراء ويرجعها اليهم ، ويلغي النظام الطبقي العائلي ، ويشبع حاجات الافراد جميعاً ويوفر لهم مستوىً واحداً من التعليم الابتدائي والثانوي لا يختلف فيه الفقير عن الغني . ثم يضع هؤلاء المتسابقين في ميدان العلم على خط البداية ، ويهتف بهم : تسابقوا على بذل الجهد ، فان سبق أحدكم الآخر فانما يفوز بجهده وقابلياته . والاسلام بهذا النظام الرائع لايثبت عدالته الاجتماعية بين الافراد فحسب ، بل يبرز نظامه المنسجم مع طبيعة الحياة الانسانية التي خلقها الباري عز وجل ، ويربطها بالنظام التكويني المبني على اساس الدقة والتنظيم والعدل . ولاريب ان هذا النظام العادل يقف موقفاً معارضاً للنظام الرأسمالي الذي يزج بالمتسابقين في
____________
(1) ( كريستوفر جنكز ) وآخرون . من الذي يسبق ؟ العوامل الحاسمة في النجاح الاقتصادي في امريكا . نيويورك : الكتب الاساسية ، 1979 م.

( 117 )

ميدان العلم غاضاً نظره عن المعوقات الاجتماعية التي وضعها للبعض منذ البداية ، كتراكم الثروة لدى طبقة وحرمان الطبقات الاخرى ، وتسليح الاغنياء بأفضل النظام العلمية وحرمان الفقراء منها ، وحصر الجامعات الراقية بالنخبة من أفراد الطبقة الرأسمالية من خلال رسم مستقبل مشرق لهم وهم في مهد الطفولة (1).
ويتبين لنا من كل ذلك ان النظام الاسلامي في التعليم ـ بلحاظ الاطار الاخلاقي للكتاب المجيد وروايات اهل البيت (ع) ـ هو من أعدل الانظمة التعليمية في العالم.
____________
(1) ( راندال كولينز ) . المجتمع الاعتمادي : لمحة تاريخية عن علم اجتماع التعليم وانعدام العدالة الاجتماعية . نيويورك : المطبعة الاكاديمية ، 1979 م.

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net