متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
اهمية النظام الصحي
الكتاب : النظرية الإجتماعية في القرآن الكريم    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة

الفصل الرابع
النظام الصحي في القرآن


اهمية النظام الصحي * النظرية الطبية في القرآن : 1 ـ النظام الوقائي 2 ـ النظام الغذائي 3 ـ النظام العلاجي * النظام الصحي في الاسلام * العلاقة بين الطبيب والمريض * اهل الخبرة الطبية * فلسفة ( الطب ) في النظريات الغربية ونقدها.


( 126 )



( 127 )

اهمية النظام الصحي

لاشك اننا نستطيع ان نجعل محور النظام الطبي في الاسلام مستنداً الى اطلاق الآية القرآنية الكريمة التي تتحدث عن حرمة قتل النفس الانسانية البريئة ، وتجعل افناء الفرد الواحد معادلاً لافناء البشرية جمعاء ، ثم تقول بعد ذلك : ( ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعاً ) (1) . وهذه الآية وان لم تشتمل على حكم تكليفي ، الا انها لاتخلو من تشديد في القضايا الاعتبارية والارتكازية . وعلى ضوئها سنتحدث عن اهمية النظام الصحي في الاسلام.
فلما كان المرض مشكلة انسانية تصيب الفرد وتؤثر على طبيعة المجتمع الانتاجية ، فان النظام الاجتماعي ملزم بايجاد نظام صحي متكامل يحافظ من خلاله على صحة الافراد ، ويعالجهم معالجة تؤدي بهم الى الشفاء الكامل ، ومن ثم ارجاعهم مرة اخرى الى عجلة الانتاج والخدمات الاجتماعية . واذا لم يؤد العلاج الموصوف من قبل المؤسسة الرسمية الى شفاء الفرد شفاءً كاملاً ، فان النظام الصحي ملزم باعلان عجز الفرد عن احتلال دوره الطبيعي في المجتمع ، مشيراً الى ضرورة تحمل النظام الاجتماعي مسؤوليته في دفع تعويض مالي يحفظ كرامة الفرد العاجز ويسد حاجته وحاجة عائلته الاساسية.
____________
(1) المائدة : 32.

( 128 )

ويقصد بالنظام الصحي هنا ، بالاضافة الى الطبيب ، المؤسسة التي تضم ادواراً مهنية واجتماعية للعديد من المتخصصين والخبراء ، كالاطباء المتخصصين بالجراحة والباطنية والتخدير ، والصيادلة ، ومدراء المستشفيات وعمالها ، وشركات التأمين الصحية ، ومصانع الادوية والعقاقير ، وكليات الطب ، ومعاهد التمريض.
ومع ان المرض قضية شخصية تهم الفرد فحسب ، فهو وحده الذي يتألم ، الا ان الواقع يفصح بان المرض مسألة اجتماعية ؛ لانه لا يمكننا ان نتصور فصل الصحة والمرض والعلاج عن الصورة الاجتماعية الكلية.
فانتشار الامراض يهز الكيان السياسي ، ويؤثر على النظام الاجتماعي من خلال تعطيل طاقات الافراد في العمل والاستثمار والانتاج . ويساهم المرض في تقويض النظام الاجتماعي كما تساهم الظواهر الطبيعية والمادية في هدم ما بناه الانسان . فالزلزال المدمر ، والجفاف المؤدي الى المجاعة ، والحرب المؤدية الى خراب شامل تقوض النظام الاجتماعي كما يقوضه انتشار الامراض . وهذه الامراض التي يحتاج في معالجتها الى تدخل المؤسسة الصحية ، تقسم الى نوعين ؛ الاول : الامراض الحادة ، وهي التي تحتاج الى فترة علاجية قصيرة نسبياً تؤدي بالانسان اما الى الشفاء واما الى الموت مثل مرض الحصبة . والثاني : الامراض المزمنة ، وهي التي يحتاج العلاج فيها الى فترة طويلة ، ولكن ليس هناك ضمان بشفاء المريض شفاءً كاملاً ، امثال مرض السكري والتهاب المفاصل.
ويتعدى تأثير المرض الى عائلة المريض ومحبيه . فمع ان المريض يمر


( 129 )

بتجربة مريرة من الالام والقلق والانزعاج خلال فترة مرضه ، الا ان عائلته تعاني ايضاً من حالته الاستثنائية . فقلق العائلة على معيلها ، وخوفها من فقدان المورد المعاشي يساهم في اضطراب الوضع العائلي ، ويجعله مرتبطاً بصورة وثيقة بصحة المعيل . وعلى صعيد آخر ، فان انتشار الامراض ، يساهم ايضاً في اضطراب النظام الاجتماعي وإضعاف قواه الانتاجية ؛ خصوصاً اذا ما انتشرت الامراض المعدية في المجتمع انتشاراً واسعاً كالملاريا والجدري والكوليرا ، فانها تنزل ضربة ساحقة بالمؤسسة الاقتصادية والانتاجية للدولة . وهذا يفسر لنا تجاهل الحكومات الاستعمارية في معالجة الامراض والأوبئة الفتاكة في البلدان المستعمرة معالجة جدية ؛ لان هذه الامراض تفتح ابواباً لتدمير طاقة المجتمع الانتاجية واستهلاك مصادره وخيراته . واذا ضعف المجتمع على الصعيد الانتاجي تكاثر المستكبرون على اقتسام خيراته ونهبها . وقد سعت بريطانيا عند احتلالها الهند في القرن التاسع عشر الى استخدام عملية نشر الامراض كسلاح ضد العدو ، مستفيدةً من تجربتها التاريخية في واقعتين ؛ الاولى : في القرن الرابع عشر ، والثانية : في بداية القرن العشرين الميلادي ؛ حيث اكتسح الطاعون اوروبا في القرن الرابع عشر وسمي في وقته بالموت الاسود لإفنائه اكثر من ثلث سكان تلك القارة وتدميره البنية الاقتصادية والسياسية والدينية لدول القرون الوسطى الاوروبية . وفي سنة 1918 م قتلت الانفلونزا الاوروبية اكثر من عشرين مليون فرد (1).
____________
(1) ( روبرت غوتفراد ) . الموت الاسود : الكوارث الطبيعية والبشرية في اوروبا القرون الوسطى . نيويورك : المطبعة الحرة ، 1983 م.

( 130 )

وفي حين يعرض الاسلام نظريته الصحية في اطار متكامل كما سنرى بعد قليل ، فان نظاماً كنظام الكنيسة النصرانية تبنى لاكثر من الف سنة النظرية الاغريقية في الطب (1) ؛ حيث تزعم هذه النظرية ان سوائل الجسم الانساني ـ التي تتكون من اربعة انواع هي الدم والبلغم والمرارة الصفراء والسوداء ـ هي سبب نشوء الامراض . فاذا نقص مستوى احد هذه السوائل الاربعة واختل توازنها ، نشأ المرض . ولم تسمح الكنيسة النصرانية الاوروبية في القرون الوسطى تطوير البحوث العلمية الطبية ، بل انكرت على المكتشفين من علماء الطبيعة والطب اكتشافاتهم بحجة ان الانسان الذي لن يتحقق له الخلود في الحياة الدنيوية لا يحق له البحث في الكيان الخالد للطبيعة التي خلقها الخالق سبحانه وتعالى . وكانت غاية الكنيسة من ذلك ، ربط المرضى بالطب الروحي الذي كان يمارسه الكهنة ويحصلون فيه على كمية غير قليلة من الاجور (2) . ولكن اكتشاف ( لويس باستور ) نظريته الجرثومية في القرن التاسع عشر ، ادى الى قلب نظرية الكنيسة النصرانية ، وتطور العلوم الطبية تدريجياً ووصولها الى ما وصلت اليه اليوم.
____________
(1) ( جون دوفي ) . الذين بيدهم الشفاء : بروز المؤسسة الطبية . نيويورك : ماكرو ـ هيل ، 1976 م.
(2) ( البرت ليونز ) و( جوزيف بيتروسيلي ) . الطب : تاريخ مصور . سانت لويس : موزبي | تايمز مرر ، 1978 م.



 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net