متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
العائلة في النظرية القرآنية
الكتاب : النظرية الإجتماعية في القرآن الكريم    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة

الفصل الخامس
النظام العائلي في النظرية القرآنية

العائلة في النظرية القرآنية * خصائص النظام العائلي في النظرية القرآنية * فلسفة ( العائلة ) في النظريات الغربية ونقدها *


( 172 )



( 174 )

العائلة في النظرية القرآنية

لاشك ان النظرية القرآنية تولي الاسرة عناية فائقة لادراكها اهمية الدور الذي ينبغي ان تلعبه تلك المؤسسة على الساحة الاجتماعية ، بخصوص ضبط السلوك الجنسي كما في قوله تعالى : ( ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) (1) ، و( أحل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) (2) ، وتعويض الخسارة البشرية للمجتمع الناتجة بسبب الموت : ( لله ملك السماوات والارض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور ) (3) ، ( وجعل لكم من ازواجكم بنين وحفدة ) (4) ، وحماية الافراد وتربيتهم واشباع حاجاتهم العاطفية : ( ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين ان اشكر لي والوالديك الي المصير ) (5) ، ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين احساناً وبذي القربى ... ) (6) ، ( وعاشروهن بالمعروف ) (7) ، ( ولاتقتلوا
____________
(1) الروم : 20 ـ 21.
(2) البقرة : 187.
(3) الشورى : 49.
(4) النحل : 72.
(5) لقمان : 14.
(6) النساء : 36.
(7) النساء : 19.

( 174 )

اولادكم من إملاق نحن نرزقكم واياهم ) (1) ، وتنميتهم للاختلاط والتفاعل الاجتماعي لاحقاً : ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور . ولاتصعر خدك للناس ولاتمش في الارض مرحاً ان الله لايحب كل مختال فخور . واقصد في مشيك واغضض من صوتك ) (2) . وينضوي البناء التحتي للنظرية القرآنية على تحديد دوري الرجل والمرأة في المؤسسة العائلية ؛ او بتعبير ادق : تفصيل التكليف الشرعي فيما يخص واجبات الزوج وحقوق الزوجة اولاً ، وحقوق بقية الافراد في المؤسسة العائلية ثانياً.
ولاشك ان النظرية الاسلامية تؤمن بان الانسان ليس حيواناً اجتماعياً كما تزعم النظرية التوفيقية (3) ، بل تعتبره كائناً كريماً ، رفعه الخالق سبحانه وتعالى بالعلم والعقل والادراك والتفكير ، ومنحه قابلية الاستخلاف في الارض . بمعنى ان الانسان المفكر كلما ارتقى عن الحيوان بدرجة التفكير والادراك ، اختلفت ـ عندئذٍ ـ العلاقات والوظائف الاجتماعية بينه وبين الافراد كماً ونوعاً عن العلاقات الجمعية التي تجمع القطيع الواحد من الحيوانات ضمن مزرعة واحدة . فالحيوانات ضمن ذلك القطيع لاتعرف ضابطاً يضبط سلوكها الجنسي ، ولانظاماً يحدد من شهوتها الهائجة ، على عكس النظام الاجتماعي الانساني الذي ينظم العلاقة الجنسية
____________
(1) الانعام : 151.
(2) لقمان : 17 ـ 19.
(3) ( روبرت ميرتون ) . النظرية الاجتماعية والتركيب الاجتماعي . نيويورك : المطبعة الحرة ، 1968 م.

( 175 )

بين الذكر والانثى عن طريق المؤسسة العائلية ، التي تعتبر من اهم المؤسسات الاجتماعية خدمة للانسان.
وبطبيعة الحال ، فان الاسلام لم ينظر للمؤسسة العائلية باعتبارها مؤسسة اجتماعية لتعويض الخسائر البشرية الحاصلة نتيجة موت الافراد فحسب ، بل نظر لها باعتبارها محطة استقرار لعالم متحرك ، تنتقل من خلاله ممتلكات الجيل السابق للجيل اللاحق عن طريق الارث والوصية الشرعية ؛ ومحطة لفحص وتثبيت انساب الافراد عن طريق اعلان المحرمات النسبية والسببية الناتجة عن الزواج ، وجواز الاقرار بالنسب ؛ ومركز حماية الافراد بتقديم شتى الخدمات الانسانية لهم بخصوص الملجأ والمطعم والدفء والحنان . واذا كانت العائلة محطة لشحن الطاقات العملية ، وقاعدة لتنشيط الانتاج الاجتماعي ، فانها تعتبر ـ في الوقت نفسه ـ مركزاً لاشباع الحاجات العاطفية كالحب والحنان والعطف والرحمة ، ومكاناً لتهذيب السلوك الجنسي ، ومسرحاً لتعليم المعارف الاساسية قبل الخروج للساحة الاجتماعية كاللغة والاعراف والعادات والتقاليد والقيم الاخلاقية . فالعائلة ـ اذن ـ تساهم في خلق الفرد الاجتماعي الصالح للعلم والانتاج والمساهمة في بناء النظام الاقتصادي والسياسي للمجتمع.
وصيانةً لكرامة المرأة ، فقد ألحق الاسلام المولود بالزوج بسبب الفراش اولاً ، ووطء الشبهة ثانياً ، وهو الوطء مع جهل التحريم . واصل الالحاق ينبع من قاعدة فقهية تسمى بـ ( امكان الالحاق ) التي تسالم عليها الفقهاء . ومن منطلق صيانة حقوق المرأة والمجتمع حرم الاسلام


( 176 )

ـ بالنسب ـ زواج الام ، والبنت ، والاخت ، والعمة ، والخالة ، وبنت الاخ ، وبنت الاخت . وحرم ـ بالسبب ـ زواج زوجة الاب على الابن ، وزوجة الابن على الاب ، وأم الزوجة على زوج ابنتها ، وبنت الزوجة ، والمطلقة ثلاثاً ، والمطلقة طلاق العدة ، ونكاح الشغار ، والزواج مع الارتداد والكفر ، والجمع بين الاختين ، وتحريم الزوجة اذا قذفها زوجها بالزنا دون اثبات البينة ، وفساد عقد زواج الرجل مع المرأة المتزوجة ، والمعتدة من وفاة او طلاق بائن او رجعي او شبهة . وفي كل هذه الاحكام الشرعية ، يكون الاصل حفظ حقوق وكرامة المرأة ككيان مستقل جدير بالاحترام ، لان عملية الزواج ليست عملية غريزية فحسب ، بل هي مسلك يؤدي بالمرأة الى طريق الامومة المتميز عرفاً وشرعاً . ولاسلطان للولي على المرأة البالغة ـ حسب النظرية الاسلامية ـ حيث ان لها الخيار في اختيار الزوج المناسب . وفي الطلاق ، فقد حفظت الشريعة كل حقوقها المالية والمدنية.
وعلى ضوء ذلك ، فان اتهام نظرية الصراع الاجتماعية المؤسسة العائلية بانها اول مؤسسة اضطهادية يختبرها الفرد في حياته (1) ، كان مجرد تشخيص لمشكلة اجتماعية اقليمية كانت تعيشها اوروبا في القرون الماضية وتعاني من آثارها السلبية ، ولايمكن تطبيقها على جميع المجتمعات الانسانية . فهل يستطيع ( فريدريك انجلز ) ان يحلل معنى الاضطهاد الاسري اذا كان للمرأة حق خيار الفسخ في العيوب الموجبة ، وحق الطلاق الخلعي ،
____________
(1) ( فريدريك انجلز ) . اصل العائلة ، الملكية الخاصة ، والدولة . نيويورك : الناشرون الدوليون ، 1942 م.

( 177 )

وحق الاشتراط في صيغة العقد ضمن الحدود الشرعية ؟ بل كيف يؤدي الاضطهاد الاسري الى الاضطهاد الاجتماعي ، كما يزعم ( انجلز ) ، وكلنا يعلم ان الاسر الرأسمالية الغنية اكثر نعومة في تعاملها مع النساء من الاسر الفقيرة ؟
ويعكس قول فقهاء الامامية بعدم اعتبار الحاجز الطبقي او العنصري في تحقق عملية الزواج ، عدالة الاسلام الاجتماعية . « حيث يجوز عندنا انكاح الحرة بالعبد ، والعربية بالعجمي ، والهاشمية بغير الهاشمي وبالعكس ، وكذا ارباب الصنائع الدنية كالكناس والحجام وغيرهما [ ان يتزوجوا ] بذوات الدين من العلم والصلاح والبيوتات وغيرهم » (1) . وقال اكثر الفقهاء بان شرط قدرة الزوج على النفقة ليست من شروط الكفاية لقوله تعالى : ( ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) (2).
ولاشك ان نظرة الاسلام الرحيمة تجاه العلاقة الشهوية بين الذكر والانثى وربطها بإصلاح المشاكل الاجتماعية ، تضع الاسلام على قمة المؤسسات العلاجية الهادفة لمعالجة الامراض التي تنشئها الدوافع الغريزية البشرية . فلكي يكون النظام الاجتماعي قادراً على علاج امراضه الاجتماعية ، لابد وان يطرح اشكالاً مختلفة من الزواج بحيث تلائم مشاكل الافراد المتنوعة . وعلى ضوء ذلك ، فقد اجاز الاسلام النكاح الدائم ، والمؤقت ، وتعدد الزوجات ، وملك اليمين . واعتبر ما وراء ذلك تعدياً على
____________
(1) الجواهر ج 30 ص 106.
(2) النور : 32.

( 178 )

الحدود الشرعية وظلماً اوجب على الافراد دفعه ـ على الصعيد الكفائي ـ . ولاريب ان اباحة هذا السلوك المتعدد كان الهدف منه معالجة المشاكل الاجتماعية التي تتركها الوحدة والحرمان . واذا كانت النظرية الاجتماعية الغربية تدعو بكل قوة الى الايمان بـ ( المذهب الفردي ) باعتباره طريقاً للعدالة الاجتماعية (1) ، فلا يحق للفرد ان يتزوج باكثر من زوجة واحدة .. فاذا كان الامر كذلك ، فنحن نرد على النظرية الغربية بالسؤال النظري التالي : ايهما افضل للنظام الاجتماعي : الزواج المتعدد او تعدد الزوجات ؟ فاذا كان الزواج المتعدد افضل ، فلماذا كل هذه العقد النفسية التي تحملها المرأة المطلقة اكثر من مرة ؟ ومن الذي يصبح مسؤولاً عن رعاية الاطفال المتكونين من اكثر من أب ، ومن يحفظ حقوقهم الاجتماعية ؟ بل اين الاستقرار النفسي الذي تعيشه العائلة اذا انكسرت الآصرة الجغرافية فابتعد الابناء عن آبائهم ، والبنات عن امهاتهن ، والاخوة عن اخوتهم ، والاخوات عن اخواتهن ، أليس هذا تمزيقاً لأواصر الاسرة الواحدة ؟
وفكرة تعدد الزوجات التي أقرها الاسلام فكرة استثنائية ، وليست أصلاً في التزويج الانساني ؛ فاغلب الافراد يكتفون بزوجة واحدة تشارك بشؤون البيت ، فتنهض الاسرة على اكتافها . اما في الازمات الانسانية ، وتغلب عدد النساء على الرجال ، فان تعدد الزوجات يصبح نظاماً يصب لمصلحة المرأة المحرومة اكثر منه لمصلحة الرجل ؛ خصوصاً اذا ما علمنا ان
____________
(1) ( سورن كيركيكارد ) . « المذهب الفردي والحقيقة الموضوعية » . فصل فلسفي في كتاب ( الاسئلة الثابتة في الفلسفة ) . تحرير : ميلفن رادر . نيويورك : هولت ، راينهارت ، وونستن ، 1980.

( 179 )

تعدد الزوجات يستوجب العدالة الحقوقية والاجتماعية بينهم من قبل الزوج.
وتعتبر النظرية القرآنية ولاء الافراد تجاه بعضهم البعض في العائلة الواحدة اهم عامل من عوامل تماسك المؤسسة الاسرية . ولاشك ان احد مناشئ الولاء الشرعي ، هو التكافل المالي الذي أمر به الاسلام . فقد اوجبت الشريعة النفقة للاصول والفروع وهم الوالدان والاولاد ، واوجبت نفقة الزوجة مع ثبوت الطاعة والتمكين . حتى ان للمطلقة الحامل ـ طلاقاً رجعياً او بائناً ـ النفقة حتى تضع حملها . ولاشك ان للمرأة حقها المالي في الصداق ايضاً.
والاصل في ذلك ، ان يكون للاسرة وليٌ يدير شؤونها المالية والعاطفية ، او وصيٌ يدير شؤونها المالية ويرعى مصلحة افرادها . فقد تسالم الفقهاء على قاعدة ( امكان الالحاق ) ـ المذكور سابقاً ـ والتي تشير الى ان المولود لابد ان يلحق بالزوج ، حتى تنشأ فكرة ( الولاء ) من اليوم الاول الذي يرى فيه الطفل نور الحياة الانسانية . وما الرضاع والحضانة التي حدد الاسلام انظمتها ، الا شكل من اشكال القاعدة الاساسية للولاء الاجتماعي لاحقاً . وبالاجمال فان الاسلام ربى الافراد ـ في الاسرة الواحدة ومن خلال التشريع ـ على حب بعضهم البعض ، والتفاني في مساعدة احدهم الآخر مساعدةً تجعلهم كتلة واحدة امام الهزات الاجتماعية والاقتصادية . ولعل افضل تعبير يتفق عليه الفقهاء ويعكس حقيقة الولاء والحب والاخلاص في الاسرة هو ان الوصي المأذون على رعاية الاحداث


( 180 )

اذا خان ، انعزل تلقائياً وبطلت جميع تصرفاته حتى دون اذن الحاكم الشرعي . فلا عجب ـ اذن ـ ان نرى تماسك الاسرة الاسلامية حول محور المسؤولية الشرعية والالزام الاخلاقي والعدالة الاجتماعية ، على خلاف الفكرة الغربية الداعية لمذهب الفرد باعتباره اساس النجاح الاقتصادي والاجتماعي (1) ، وهو زعم كاذب ؛ لان تحقيق الطموحات الفردية دون الطموحات الاجتماعية يساهم في انعدام العدالة الاجتماعية ، وفي نشوء الطبقات الاقتصادي المتفاوتة ، وفي انحدار المستوى الاخلاقي ، وفي نشوء جيل من المشردين والمنحرفين الذين لايكترثون لمعنى الاجتماع الانساني ومعنى الحياة البشرية.
وبالاجمال ، فان النظرية الاجتماعية القرآنية تؤمن بأهمية الفرد في المؤسسة العائلية باعتباره انساناً شرفه الخالق عز وجل فرفعه من المستوى الدنيوي الى المستوى الذي يليق به ، ومن مستوى الحيوان الغريزي الى مستوى الانسان المفكر العاقل ، ومنحه الحقوق وفرض عليه الواجبات ، واوصاه بالتآلف والتآخي والتعاشر ضمن الدائرة الانسانية المتمثلة بالاسرة ، والدائرة الجغرافية المتمثلة بالبيت . ولولا جدية الاحكام الشرعية المتعلقة بحقوق الافراد في الاسرة الواحدة لانفرط عقد النظام الاجتماعي ، وانحلت الآصرة الانسانية التي ربطت الافراد ببعضهم البعض على مر العصور.
____________
(1) ( مي برودبك ) . « المذهب الفردي الطريقي : تعريف واختزال » . مقالة فلسفية في مجلة ( علم الفلسفة ) الامريكية ، مجلد 25 ، عدد 1 ، 1958 م.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net