متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
خصائص النظام القضائي في الاسلام
الكتاب : النظرية الإجتماعية في القرآن الكريم    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة

خصائص النظام القضائي في الاسلام

ومن اهم خصائص النظام القضائي في الاسلام ، ان القضاء وظيفة شرعية الزامية يجب على القاضي القيام بها ، كبقية الوظائف الشرعية الاخرى . بمعنى ان مهمة القضاء مهمة كفائية اذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، وان تقاعس الجميع اثموا جميعاً . والاصل في القضاء هو احقاق الحق ، تعويضاً كان او ردعاً . وقد اجمع فقهاء الامامية علىان لله في كل واقعة حكماً ثابتاً ، لقوله (ع) : ( ما من شيء الا وفيه كتاب وسنة ) ، و( ان الله تعالى انزل في القرآن تبيان كل شيء ، حتى والله ما ترك شيئاً يحتاج اليه العباد ، فلا يستطيع عبد ان يقول : لو كان هذا انزل في القرآن ).
وفي اللغة معنى القضاء هو الحكم ، ومنه قوله تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا الا اياه ) (1) ، وفي الاصطلاح هو ولاية الحكم شرعاً لمن له الفتوى (2) . والاصل فيه كتاب الله ، وبالخصوص قوله تعالى : ( يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) (3) ، وفي السنة انه (ص) بعث علياً (ع) قاضياً الى
____________
(1) الاسراء : 23.
(2) التنقيع الرائع للسيوري الحلي ج 4 ص 230.
(3) ص : 26.

( 259 )

اليمن (1) ، وبعث علي (ع) عبدالله بن العباس قاضياً الى البصرة (2).
ومن اجل عرض اهم خصائص النظام القضائي الاسلامي لابد لنا من ترتيب النقاط التالية :
اولاً : يشترط الاسلام في القاضي شرطي العدالة والاجتهاد ، اضافة الى شروط اخرى مثل العقل والبلوغ والاسلام والذكورية والضبط . ولكن اهمية الشرطين الاولين تضع الاسلام على قمة الانظمة القضائية في التاريخ الانساني . فالعدالة تعني ائتمان الفرد على تطبيق جزئيات الشريعة ، باقامة علاقة حقيقية وثيقة بينه وبين الله عز وجل ، وبينه وبين بقية افراد النظام الاجتماعي . وقيل ان معنى العدالة مقابل لمعنى الطاغوت في قوله تعالى : ( ألم تر الى الذين يزعمون انهم آمنوا بما انزل اليك ، وما أنزل من قبلك ، يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا ان يكفروا به ) (3) . اما الاجتهاد ، فيعني القدرة على استنباط الاحكام الشرعية من مصادرها المقررة وتطبيقها على مواردها الخاصة ، وقد اكد عليه القرآن الكريم بقوله : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفةٌ ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون ) (4) ، وبهذين الشرطين ، يستطيع القاضي القضاء بين الناس بالحق على الصعيد الظاهري ، لان الواقع لا يحرزه الا الله سبحانه وتعالى ، ولان الوصول الى الحق المطلق مستحيل على الانسان ، الا
____________
(1) المبسوط للشيخ الطوسي ج 8 ص 82.
(2) المبسوط ج 8 ص 85.
(3) النساء : 60.
(4) التوبة : 122.

( 260 )

لفرد متصل بالمطلق . ولكن الشريعة اجازت لمجتهدين استخدام الادلة الظنية الموصلة للحق . وعليه فان المجتهد ، هو اكثر الافراد حظاً في اصابة الواقع واقامة العدل ، ولذلك أسند له دور القضاء.
ثانياً : ان حكم المجتهد في النظرية الاسلامية لا يغير الحكم الواقعي . فلو ظهر لمجتهد آخر خطأ المجتهد الاول بطريق القطع واليقين ، جاز له نقضه . لان المدار في الاجتهاد الدليل القاطع كالآية القرآنية الصريحة ، والاجماع المحصل ، والحديث المتواتر . والمعيار لنقض الحكم هو العلم اليقيني بمخالفته للواقع . بمعنى ان الحكم ينفذ ظاهراً لا باطناً . والاصل في ذلك ، ان كل القضاة المجتهدين يعتمدون على الادلة الظنية الموصلة للحق اولاً ، والاجتهاد الذي يحتمل فيه الخطأ والصواب ثانياً ، فلا يستطيع احدهم نقض حكم الآخر ، الا اذا ظهر لقاضٍ ثانٍ خطأ حكم القاضي الاول بطريق القطع واليقين . وعليه ، فان الاستئناف هنا ، استثنائي ومحدود جداً ، وليس الاصل في كل الاحكام الجنائية والحقوقية.
اما في النظام القضائي الغربي ، فان الاستئناف حق دستوري وليس قضية ثانوية (1) ؛ بل ان اول ما يلمح به محامي الدفاع امام هيئة المحلفين ، حق المتهم في محاكمة استئنافية اذا لم تحرز عدالة المحاكمة الاولى . ولكن اذا كانت هيئة المحلفين في المحاكمة الاولى بعيدة عن روح العدالة في حكمها على المتهم ، فمن الذي يضمن عدالة محاكم الاستئناف بهيئة محلفين جديدة او بقضاة آخرين يمتلكون نفس مواهب نظائرهم في المحاكم الدنيا ؟
____________
(1) ( بنجامين كاردزو ) . طبيعة العملية القضائية . نيويورك مطبعة جامعة ييل ، 1921 م.

( 261 )

والاختلاف هنا بين النظامين ، هو ان النظام القضائي الاسلامي يؤمن بأن الحكم على المتهم يجب ان يستند الى العلم بالاصول والقواعد الشرعية في المرافعات ، اي ابتناء الحكم القضائي على اساس القطع واليقين او الدليل الظني الموصل للحق . اما الاستئناف في النظام القضائي الغربي ، فهو محاولة لمعالجة الخطأ الذي حصل في ابناء الحكم القضائي المستند على ادلة باطلة من الاساس.
ثالثاً : اقرار المتهم في الجناية ـ حسب النظرية الاسلامية ـ حجة مقتصرة بالمقر وحده . فلا ينفذ بغير احد غير المقر . ولكن اقرار الجاني لا يخفف من العقوبة الثابتة بحقه ، لان تخفيف العقوبة هو سلب حق من حقوق الضحية . ولا يقبل الانكار بعد الاقرار الا في حالة الجناية الموجبة للرجم ، حيث يسقط الحد . و« الاصل في شرعية الاقرار بعد الاجماع من المسلمين او الضرورة ، السنة المقطوع بها » (1) ، لقوله (ص) : ( اقرار العقلاء على انفسهم جائز [ اي نافذ ] ) (2) . وهو لاشك مصداق للنص الحكيم : ( أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقرارنا ) (3).
رابعاً : بعد ثبوت الجناية ، ينفذ حكم الله ـ حسب النظرية الاسلامية ـ مباشرة ودون تأخير . ولا تؤمن الشريعة الاسلامية بفكرة ( تعليق الحكم ) او مجرد ( عقوبة الاشراف على سلوك الجاني لاحقاً ) ، لان في ذلك تضييعاً
____________
(1) الجواهر ج 35 ص 3.
(2) الوسائل ج 16 ص 133.
(3) آل عمران : 81.

( 262 )

لحق المجني عليه ايضاً ، وتشجيعاً للأفراد على السلوك الجنائي.
اما المدرسة القضائية الغربية ، فهي تمارس اسلوب تعليق العقوبة الصادرة بحق الجاني (1) . حيث يقوم الحاكم بارجاء تنفيذ العقوبة التي استحقها الجاني لارتكابه الجناية ، واطلاق سراحه ، ومراقبته لفترة محددة ، فاذا كان سلوكه الاجتماعي متناسباً مع الاعراف المقبولة ، أسقطت العقوبة عنه . ولاشك ان تعليق العقوبة ـ التي هي نتيجة من نتائج ما يسمى بـ ( المساومة على الاقرار بالذنب ) التي يعقدها محامي الدفاع مع الجاني وبالاتفاق مع النائب العام ـ تعتبر من اخطر مشاكل النظام القضائي الغربي لانها تهدر حقوق الضحية بشكل سافر.
خامساً : ان تحمل الشهادة واداءها واجب كفائي في الاسلام ؛ وشروطها : الوضوح ، والمطابقة ، والعلم . ولابد من الشاهد : البلوغ والعقل والعدالة والضبط .. ولابد ان تكون الشهادة مرآة علم الشاهد بالمشهود به ، بمعنى انها يجب ان تكون نتيجة علم يقيني حصل للشاهد ؛ لأن الاصل فيها المشاهدة ، وهي العلم بالمشهود . ولذلك كانت العدالة ـ وهي الائتمان على تطبيق احكام الشريعة ـ شرطاً اساسياً من شروط الشاهد . فان تيقن القاضي بعدالة الشاهد أخذ بشهادته دون تزكية ، وان جهلها بحث عنها . وان تبين فسق الشاهد ، سقطت شهادته .
والاصل في تشريعها ، قوله تعالى : ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) (2) ،
____________
(1) ( ريتشارد بوسنر ) . المحاكم الفدرالية . بوستن : مطبعة جامعة هارفارد ، 1985 م.
(2) الطلاق : 2.

( 263 )

( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ) (1) . وفي رواية انه (ص) عندما سئل عن الشهادة ؟ قال : ( هل ترى الشمس ؟ قال : نعم . فقال : على مثلها فاشهد أو دع ) (2).
واتفق الفقهاء على ان تحمل الشهادة واداءها واجب كفائي ، بمعنى انه اذا قام به البعض سقط عن الكل ، وان امتنعوا جميعاً اثموا . وتحمل الشهادة يعني دعوة فرد لآخر بالشهادة له . ولاشك ان تلبية الدعوة واجبة شرعاً ، فلا يجوز للشاهد الرفض من غير عذر شرعي ، للنص القرآني الكريم : ( ولا يأب الشهداء اذا ما دعوا ) (3) . وقوله (ع) : ( اذا دعاك الرجل لتشهد له على دين أو حق لم ينبغ لك ان تتقاعس عنه ) (4) . واداء الشهادة يعني تأديتها امام القاضي ، وهو واجب ايضاً ، لقوله تعالى : ( ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثمٌ قلبه ) (5) ، ( ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ) (6) ، وللمروي عن الامام العسكري (ع) : ( من كان في عنقه شهادة فلا يأب اذا دعي لاقامتها ، وليقمها ، ولينصح فيها ، ولا تأخذه فيها لومة لائم ، وليأمر بالمعروف ، ولينه عن المنكر ) (7) . بمعنى ان الفرد اذا حدثت له حادثة ،
____________
(1) البقرة : 282.
(2) علل الشرائع ص 338.
(3) البقرة : 282.
(4) التهذيب ج 6 ص 276.
(5) البقرة : 283.
(6) البقرة : 140.
(7) تفسير الامام العسكري ص 303.

( 264 )

وكان هناك من شهدها كان على الشاهد شرعاً تلبية دعوة المجني عليه ، والذهاب الى المحكمة أو دار القضاء لتأدية الشهادة ، حتى لو تحمل النصب والمشقة في ذلك.
سادساً : تثبت الجرائم الخلقية بشهادة اربعة شهود ، لنص القرآن الكريم : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ) (1) ، ( ... لولا جاءوا عليه باربعة شهداء ) (2) . ولا تنحصر الشهادة بالرجال ، بل ورد في الرواية عن الامام الصادق (ع) انه : ( يجوز في الرجم شهادة ثلاثة رجال وامرأتين ) (3) . وفي الجلد فتثبت باربعة رجال ، او ثلاثة وامرأتين ، او رجلين واربع نسوة (4) . وفي اللواط والسحق تثبت باربعة رجال فقط ، ولا تقبل شهادة النساء.
اما في حقوق الافراد غير المالية فثبت بشهادة رجلين . وفي حقوقهم المالية كالديون ، والرهن ، والوصايا بالمال ، وعقود المعاوضات بشهادة رجلين ، او رجل وامرأتين ، او رجل ويمين (5) ؛ بينما تفتقد النظرية الغربية الى هذا التفصيل ، حيث يبتنى الحكم القضائي على عدد غير محدود من الشهود (6).
سابعاً : ينبغي ـ حسب النظرية الاسلامية ـ ان تكون تزكية وتجريح
____________
(1) النور : 4.
(2) النور : 13.
(3) التهذيب ج 6 ص 264.
(4) الكافي ج 7 ص 39.
(5) من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 33.
(6) ( ماكلين فليمنك ) . ثمن العدالة الواقعية التامة . نيويورك : الكتب الاساسية ، 1974 م.

( 265 )

الشهود من قبل المدعي والمدعى عليه سراً ؛ حيث لا يجوز التشهير بمساوئ الناس او اضهار عوراتهم في الاسلام ، كما ورد في قوله تعالى : ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم ، وكان الله سميعاً عليماً ) (1) ، ( ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ، ومن لم يتب فاولئك هم الظالمون ) (2) . وكان رسول الله (ص) قد واجه ( ماعز ) باخلاقية عظيمة عند اعتراف الاخير بالزنا : ( لعلك قبلتها ، لعلك لمستها ) (3) ، وهو « تعريض بايثار الاستتار » (4) ؛ بينما لا تعير النظرية القضائية الغربية اهتماماً للتزكية ولا للتجريح السري (5).
ثامناً : شدد الاسلام على تحريم شهادة الزور ، كما ورد في قوله تعالى في التعرض لصفة المؤمنين : ( والذين لا يشهدون الزور ) (6) ، لان من نتائجها اضطراب واضح للعدالة الاجتماعية وزعزعة لعدالة النظام القضائي . وحرم على القاضي الاخذ بتلك الشهادة ، اذا تيقن انها كانت زوراً . واذا ثبت الزور في الشهادة انتقض الحكم ـ قبل التنفيذ او بعده ـ لان الحكم سيكون مبتنياً على الباطل ؛ بل ان شاهد الزور يكون مسؤولاً عن ضمان ما اتلف في شهادته.
تاسعاً : اليمين الشرعية على المنكر وسيلة مهمة من وسائل القضاء في
____________
(1) النساء : 148.
(2) الحجرات : 11.
(3) نيل الاوطار ج 7 ص 104.
(4) شرائع الاسلام ج 4 ص 77.
(5) ( ابراهام بلوبرغ ) . العدالة الجنائية : القضايا والسخرية . نيويورك : فيوبوينت ، 1979 م.
(6) الفرقان : 72.

( 266 )

الاسلام ، لقوله (ص) : ( البينة على من ادعى ، واليمين على من ادعي عليه ) (1) . ويشترط فيها صيغة اليمين المقتصرة على اسم الجلالة ، واذن الحاكم ، وموضوع اليمين وهو الحق المحلوف من اجله . ويشترط في الحالف : العقل ، والبلوغ ، والاختيار ، وحق الاسقاط ، والتبرع . والاصل ان الحاكم وليٌ عن المنكر ( المدعى عليه ) ، فان امتنع عن اداء الحق ، وهو حلف اليمين او النكول ، قهره عليه الحاكم لصالح المدعي.
وقد ورد اطلاق معنى الحلف في القرآن الكريم . كما في قوله تعالى : ( وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم ) (2) ، ( ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون ) (3) . ولكن السنة الشريفة خصصت معنى اليمين الشرعية في القضاء.
عاشراً : الكفالة في قوله تعالى : ( فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب ) (4) ، معناه « ضمها الي واجعلني كافلاً لها والقائم بأمرها » (5) . وعقد الكفالة على الصعيد الشرعي ، هدفه الاستيثاق من حضور المدعى عليه وقت المحاكمة ، حيث يتعهد الكفيل للمكفول له باحضار غريمه . وهي جائزة الا في الحدود . وهذا العقد يتحقق بالايجاب من الكفيل ، والقبول من المكفول به ؛ وان يكون الكفيل قوياً وقادراً على احضار المكفول . واذا امتنع الكفيل
____________
(1) التهذيب ج 6 ص 229.
(2) التوبة : 42.
(3) المجادلة : 14.
(4) ص : 23.
(5) مجمع البحرين للطريحي ص 452.

( 267 )

عن احضار المكفول تمرداً ، حبس حتى يأتي بصاحبه . وان كان الكفيل عاجزاً عن احضار المكفول ، ولكنه كان قادراً على الوفاء بحق المدعى عليه مالياً بعد ثبوته ، يؤمر بذلك.
اما في النظرية الغربية ، فان الكفالة عبارة عن ضمان مالي يقنع المحكمة الجنائية او الحقوقية بامكانية حضور المتهم وقت المحاكمة (1) . وانحصار الكفالة بالمال ، يؤدي الى تفضيل الاغنياء على الفقراء ، حيث يطلق سراح المتهمين الاغنياء بكفالة مالية الى حين المحاكمة ، وهي فترة قد تستغرق وقتاً مديداً . اما المتهم الفقير الذي لا يستطيع تدبير مبلغ كافٍ لدفع الكفالة فانه يمكث في السجن لحين وقت المحاكمة.
والاختلاف بين النظرتين ، يبين ان المال هو الاصل في الاستيثاق من حضور المدعى عليه في النظرية الغربية ؛ وان الكفيل ـ كفرد ـ هو الاصل في الاستيثاق من حضور المدعى عليه في النظرية الاسلامية ؛ لان الزام الكفيل باحضار المدعى عليه يضمن العدالة القضائية بين جميع الافراد ؛ لان الفرد ـ بكيانه الاجتماعي وعلاقاته المتشابكة ـ لابد وان يجد الكفيل الذي يكفله لسبب من الاسباب . اما اذا كان المال هو المقياس في الكفالة القضائية ، اصبحت العدالة القانونية معلقة في الهواء ومالت كفة المنافع نحو الاثرياء . وبالتالي ، تصبح الطبقة الرأسمالية هي الطبقة الوحيدة المنتفعة في النظام الاجتماعي.
____________
(1) ( ستيورات نكال ) وآخرون . العلم السياسي للعدالة الجنائية . كاليفورنيا : جارلس تومس ، 1983 م.

( 268 )

حادي عشر : عقد الصلح ـ وهو عقد شرعي بين المدعي والمدعى عليه ـ يتم عن طريق التراضي بينهما قبل الترافع الى القاضي . وهذا العقد ـ حسب النظرية الاسلامية ـ مبني على التسامح ، وتنازل المحق عن بعض حقوقه طلباً للاصلاح . والاصل فيه التراضي وطيب النفس بين الطرفين . والدليل على شرعية الصلح منبثق من قوله تعالى : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) (1) ، ( والصلح خير ) (2) ، ( ادخلوا في السلم كافة ) (3) . بل « تدل النصوص على كونه عقداً مستقلاً بنفسه ، لا يتوقف على سبق خصومة ، مثل البيع وغيره من العقود » (4) ، لقوله تعالى : ( وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً او اعراضاً فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير ) (5).
وليس هناك ما يشير الى اهتمام النظرية القضائية الغربية بعقد الصلح بين الافراد ، الا ما يختص بالتعويضات التي تدفعها شركات التأمين والشركات الصناعية الكبيرة (6).
ثاني عشر : ان علاج المنحرفين ـ حسب النظرية الاسلامية ـ يجب ان يبدأ قبل وقوع الجناية ؛ بمعنى ان نشر العدالة الاجتماعية بين جميع الافراد
____________
(1) الحجرات : 9.
(2) النساء : 128.
(3) البقرة : 208.
(4) الجواهر ج 26 ص 211.
(5) النساء : 128.
(6) ( لويد واينرب ) . التنكر للعدالة : الاجراءات الجنائية في الولايات المتحدة . نيويورك : المطبعة الحرة ، 1979 م.

( 269 )

وتهذيبهم على اساس مفاهيم الدين والاخلاق يمنع وقوع الانحراف ؛ لان الاصل في وقوع الجنايات هو الحاجة والجهل . فاذا اشبعت الحاجة الانسانية ، وعلم الانسان احكم الشريعة ، اصبح الفرد عنصراً نظيفاً مساهماً في بناء مجتمعه الآمن الجديد.
وتهذيبهم على اساس مفاهيم الدين والاخلاق يمنع وقوع الانحراف ؛ لان الاصل في وقوع الجنايات هو الحاجة والجهل . فاذا اشبعت الحاجة الانسانية ، وعلم الانسان احكام الشريعة ، اصبح الفرد عنصراً نظيفاً مساهماً في بناء مجتمعه الآمن الجديد.
اما النظرية القضائية الغربية ، فتعتقد بأن علاج الجاني افضل للنظام الاجتماعي من معاقبته ؛ لان العلاج اقل كلفة من العقوبة الجسدية (1) . ولكنها تتناسى بأن العلاج يجب ان يبدأ من النظام الاجتماعي نفسه لا من المنحرف . نعم ، ان عدالة توزيع الثروات الاجتماعية تساعد على علاج الانحراف ؛ والمساواة بين الافراد ـ بغض النظر عن جنسهم ولونهم ومنشأهم ـ يساهم في علاج المنحرفين.
ثالث عشر : وتلعب شخصية الحاكم العلمية دوراً كبيراً في الحكم بين المتخاصمين ، في النظرية الاسلامية ؛ لان القاضي المجتهد مسلط على الاصول العقلية والشرعية ، وعالم باصول القضاء وموارده ، وباني قضائه على اساس العلم والقرائن الموضوعية ، وان عليه ان يكون شاهداً على الواقعة اولاً . وعندما تتبين الادلة والشواهد على الجناية ـ عندئذٍ ـ يحكم . ولعل الآيات القرآنية الشريفة تؤكد ذلك ـ على سبيل الاطلاق ـ كما في قوله تعالى : ( فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ) (2) ، ( فاسألوا اهل
____________
(1) ( ابراهام بلوبرغ ) ، العدالة الجنائية : القضايا والسخرية . نيويورك : فيوبوينت ، 1979 م.
(2) النساء : 59.

( 270 )

الذكر ان كنتم لا تعلمون ) (1).
اما في النظام القضائي الامريكي ، فان الذي يحكم بالبراءة او التجريم هو اعضاء هيئة المحلفين الذين يتم انتخابهم من دفاتر الضريبة ، دون النظر لعلمهم بالقضاء والحكم (2) . فكيف نتوقع العدالة من هؤلاء ، وهم اجهل الناس بقضايا الحكم والفصل بين المتخاصمين ؟
رابع عشر : وينظم الاسلام نظام العقوبات على اساس الحقوق ، فيقسمها الى حقوق لله وحقوق للناس ، ويفرع على هذه الحقوق حقوقاً مالية واخرى غير مالية . ففي حقوق الله ينزل القصاص والتعزير والدية ، ويلزم المخالف بالدفع . وفي حقوق الناس يلزم المعتدي بالدفع او السجن ، حيث لا يجعل السجن ، العامل الاصيل في العقوبة ؛ لان الاصل في العقوبة انزال الاذى المماثل بالجاني او دفع التعويض للضحية ؛ على خلاف القضاء الغربي الذي يقسم العقوبات ضد الجاني الى اربعة اقسام وهي :الغرامة المالية ، وتعليق العقوبة ، واطلاق سراح الجاني مع مراقبته بشروط ، والسجن (3) . وعقوبة الموت استثنائية وتقع في حالات جنائية خاصة (4) . والاصل في العقوبة القضائية الغربية انها ليست ثابتة وغير محددة بالشكل الذي لاحظناه في الاسلام.
خامس عشر : ولا ينتقي النظام القضائي الاسلامي الجرائم الصالحة
____________
(1) النحل : 43.
(2) ( جون جينثر ) . هيئة المحلفين في امريكا . واشنطن : حقائق على الملف ، 1988 م.
(3) ( جارلس سلبرمان ) . العنف الجنائي والعدالة الجنائية . نيويورك : راندوم هاوس ، 1978 م.
(4) ( ارنست فان هاك ) و( جون كونراد ) . عقوبة الموت : مناقشة . نيويورك : بلينوم ، 1983 م.

( 271 )

للمحاكمة ويهمل الجرائم الاخرى ، بل ان كل قضية جنائية ترفع من قبل المدعي يجب ان يقضى بها ، مالم يعقد الصلح بين المتخاصمين قبل المرافعة . والمدعي فقط هو الذي اذا سكت سكت عنه ، باصطلاح الفقهاء . بمعنى ان رفع القضية الجنائية او الحقوقية المتنازع عليها بيد المدعي ، وليس بيد النائب العام ، كما في النظام القضائي الغربي.
فللنائب العام ـ حسب الفكرة القضائية الغربية ـ صلاحية اختيار وانتقاء الجنايات التي يرى في ملاحقتها مصلحة اجتماعية (1) ، دون ملاحظة الآثار التي اوقعتها الجناية على المجني عليه . فقد يحول انتقاء النائب العام للجنايات ، الى عدم تعويض الضحية ، او الى افلات الجاني من العقاب ؛ وهو أمر ترفضه النظرية القضائية القرآنية بكل حزم.
____________
(1) ( جوزيف سكوت ) و( ترافيس هيرشي ) قضايا مشيرة للجدل في الجريمة والعدالة . كاليفورنيا : سيك ، 1988 م.

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net