متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المُقدمة
الكتاب : مكانة المرأة في فكر الإمام الخميني    |    القسم : مكتبة المرأة

مكانة المرأة في فكر الإمام الخميني (قده)

                                تأليف: الإمام الخميني (قده)

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يزخر تاريخ البشرية بظلم لا حدود له، مارسه الحكام المستبدون والطغاة بحق المحرومين والمظلومين من بني الإنسان. وإن المظلومين هم الذين كانوا ينتفضون بين برهة وأخرى، استجابة لدعوة عبد صالح من ذرية الأنبياء والصالحين، ضد عروش الظلم فيستنشق الناس نسيم العدالة بفضل تضحياتهم ومعاناتهم.

بيد أن رائحة التفرعن والاستكبار النتنة ما تفتأ أن تعود ثانية ـ عاجلاً أو آجلاً ـ بمساعدة المال والقوة والخداع، لتبدد عبير العدالة وتزكم أنوف طلاب الحق والحقيقة.

عبر هذا الواقع المرير، وإضافة إلى نصيبها من هذا الظلم التاريخي، ابتليت "المرأة" ـ بوصفها نصف المجتمع البشري ـ بظلم مضاعف يطول شرحه؛ يضاهي الظلم الذي تعرضت له البشرية جمعاء. فالمرأة بوصفها "زوجة"، كانت شريكة الرجل في همومه ومعاناته، ودرعه في البلايا، بل كان ينبغي لها أن تتحمل أعباء المسؤولية في الكثير من الأحيان بمفردها؛ خاصة عندما كان ظلم الطغاة والمحن تودي بحياة زوجها وفضلاً عن ذلك كلّه، لم تكن المرأة تحظى بشأن أو مكانة تستحق التقدير؛ سواء كانت فتاة في بيت أبيها، أو زوجة إلى جنب زوجها، أو أختاً في علاقتها مع إخوتها، وعموماً كامرأة في مقابل الرجل؛ إذ غالباً ما كان يتمّ تجاهلها واعتبارها عنصراً ضعيفاً، وحقيراً، ومشؤوماً؛ أو في أحسن الأحوال كائناً يثير العطف والشفقة.

ورغم أن هذا التمييز (بين المرأة والرجل) كان يتباين في الشدة والضعف من مجتمع لآخر، وثقافة وأخرى، وعلى مرّ التاريخ أيضاً؛ إلاّ أنه ـ مع الأسف ـ ليس بالامكان إنكار وجوده واستمراريته، وقد اتخذ في كل مرحلة وبرهة لوناً وصبغة خاصة ليس هنا مجال الخوض فيها.

فكما نعلم، أن عرب الجاهلية كانوا يرون في "وأد البنات" سبيلاً لإنقاذ الأسرة من شرّ البنات. وفيما عدا فترة صدر الإسلام الوجيزة التي استعادت فيها المرأة كرامتها ومكانتها الحقيقية ـ إلى حدّ ما ـ بوحي من القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة، تراجعت مكانة المرأة ومنزلتها ثانية مع تطورات الحياة التي تزامنت مع إحياء التقاليد والنظم السابقة في صبغة الخلافة الإسلامية.

وبالتدريج وبمرور الزمن، أوجدت التصورات المتخلفة عن الإسلام قيوداً جديدة على النساء؛ بقيت آثارها حتى العقود الأخيرة في أوساط التقليديين والمتنسّكين والمتحجرين.

في مثل هذه الظروف، اتخذ الاستعمار وعملاؤه الذين كانوا يبحثون بوحي من نزعتهم التسلطية، عن سبل وأساليب مناسبة للنفوذ والتغلغل الثقافي والسياسي إلى مجتمعنا؛ اتخذوا من مكانة المرأة ذريعة لإشاعة ثقافة العُري والتحلل الخُلقي تحت لافتة الحرية والمساواة.

وفي هذا المجال لم يتوانوا عن استخدام أفظع أساليب الاستبداد وأكثرها وحشية لفرض السفور ومطاردة النساء المحجبات، كما حصل أيام (رضا خان).

وفي عهد محمد رضا الذي خلف أباه، اتَّخذَت هذه الأساليب ظاهراً مخادعاً وماكراً، إذ راحت أدبيات النظام الشاهنشاهي (الملكي) تحاول ذلك تحت شعار "المرأة رقّة وجمال". ففي منطق الشاه، تتمثل رسالة المرأة العصرية المتحررة من قيود الدين، في الاهتمام بمظهرها وجمالها، ولابد من إزالة جميع العقبات التي تعيق تحقيق هذه الرسالة.

وبهذا النحو تمّ جرّ ليس النساء وحدهنّ، بل النصف الآخر من المجتمع ـ الرجال ـ أيضاً إلى قيد "المرأة رقّه وجمال" المؤلم. وقد شهدنا كيف استبدلت الساحات العامة والمتنزهات وأماكن الترفية والمسابح و(البلاجات) إلى ميادين لترجمة هذه السياسة الشاهنشاهية عملياً، وتحولت إلى بؤر للفساد والفسق والفجور وتخدير جيل الشباب؛ إضافة إلى الملاهي والمراقص والمحافل والملتقيات الرسمية وغير الرسمية.

إن نظرية "المرأة تعني الرقة والجمال" ما هي إلاّ نسخة مستعارة من صورة المرأة في المجتمع الغربي. ومن المؤسف أنّ كرامة المرأة وشخصيتها الواقعية كانت قد نحرت في النسخة الأصلية أيضاً على مذبح الفلسفة الغربية المادية على طريق تحقيق "المنفعة واللذة" معبودي الإنسان الغربي وهدفه، وبذلك أمست المرأة في الحضارة الغربية في خدمة الدعاية والإعلان أو في خدمة الجنس وبيع جسدها بأرخص الأثمان. وفي كلتا الحالتين تمارس دورها بأمر "الحاكم" كوسيلة للمتعة في خدمة السلطة.

إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الملاحظات المذكورة آنفاً، سيتضح لنا ـ بنحو أفضل ـ شموخ فكر الإمام الخميني الراحل وعظمة إنجازه وسطوعه، في إحياء هوية المرأة المسلمة الأصيلة.

كان الإمام الراحل قد شهد بنفسه ـ عن كثب ـ التطورات المتحجرة التي ترى في المرأة "ضعيفاً و"حريماً" ينبغي الإقفال عليه بعيداً عن الأنظار.

ومن جهة أخرى كان سماحته قد أدرك جيداً بفطنته الباهرة، الدور الذي تؤديه "المرأة" التي يريدها الشاه والاستعمار، في إفساد المجتمعات الإسلامية وانحطاطها، وفقدانها لهويتها، ويأسها وضياعها.

ومن موقعه كمرجعٍ منفتح ومناضل، وباستقائه من الكوثر الزلال لمعارف الإسلام الأصيل، وتأمله الاجتهادي العميق في السنة النبوية الشريفة وتعاليم الأئمة الأطهار (عليهم السلام) آمن الإمام (قدس سره) بدور المرأة، والمسؤولية الملقاة على عاتقها، بنحو تجلّى بوضوح في الثورة الإسلامية بإحياء هوية المرأة المسلمة.

إن هذا الفهم الواعي والعميق لدور المرأة المسلمة ومسؤولياتها، هو الذي دفع بالنساء الإيرانيات إلى خوض معترك الصراع، والمشاركة الواسعة في أحداث الثورة، رغم كل الجهود والمساعي التي بذلتها أجهزة الدعاية الاستعمارية، ورغم التقاليد المتحجرة التي اتخذت صبغة التمسك بالإسلام ذريعة لها. وكانت مشاركة المرأة في أحداث الثورة بدرجة من الشمول والفاعلية، دعت بعض وكالات الأنباء والمراقبين والمحللين إلى نعت الثورة الإيرانية بـ"ثورة الشادور".

ولم يقتصر نشاط المرأة الإيرانية على التظاهرات التي انطلقت لإسقاط نظام الشاه فحسب، بل إنها أدّت دوراً مصيرياً محموداً في جميع مراحل المصادقة على نظام الجمهورية الإسلامية، ودعمه، وإرساء أركانه.

وعلى الرغم من كل التخلف والتأخر الذي خلّفته السياسات والممارسات السابقة، والذي أضحى عائقاً دون تفتّح قابليات النساء وازدهار طاقاتهن وقدراتهن، انطلقت المرأة الإيرانية بحركة دؤوبة نشطة لتلافي الظلم والحيف الذي لحقها في الماضي. وفي هذا المجال استطاعت أن تخطو خطوات موفقة على طريق تحقّق المكانة والمنزلة التي تليق بها.

وفي هذا الصدد يمكن التعرّف على المصداق القيّم والمعبّر جداً للدور الذي كان ينشده الإمام الراحل (قدس سره) للمرأة في المجتمع الإسلامي، من خلال تركيبة الوفد الذي حمل رسالته التاريخية إلى غورباتشوف، رئيس الاتحاد السوفيتي السابق؛ إذ أعلن سماحته للعالم عن "موت الشيوعية" عبر إحياءٍ رمزي من خلال وفْد مكوّن من "عالم الدين والجامعي والمرأة". وربّما يمكن القول إن تركيبة الوفد هذه التي أشّرت على صحة وسلامة النبوءة والمعجزة لذلك الشيخ الحكيم، بهزيمة المعسكر الشرقي كانت ـ بحد ذاتها ـ تحمل في طياتها نداءً ومؤشراً على أن إحياء الإسلام، القوة العالمية القادمة، سيكون على الأيدي الكفوءة لهذه الفئات الثلاث؛ إذ ستقيم ـ بوحي من وعيها السليم وتحمّلها لأعباء مسؤولياتها ـ رياض الثورة الإسلامية العالمية على أنقاض الشيوعية والرأسمالية.

وفي هذا المجال، بإمكان السيرة العملية للإمام الراحل (قدس سره) وأحاديثه وخطاباته، ومواقفه الواضحة والصريحة، وفتاواه التي جاءت في إطار الحقوق الشرعية للمسلم، وانطلاقاً من تمسكه التامّ بأصول الدين وأحكامه؛ بإمكانها أن تحدِّد ـ عملياً ـ معالم الطريق لجليل يتطلع إلى المكانة الحقيقية للمرأة.

ففي كل ذلك سيقف أولئك (المتطلعون إلى المكانة الحقيقية للمرأة) الذين يتألمون للضغوط والمضايقات التي تتعرض لها المرأة، والنظرة التقليدية الدونية التي تمارس ضدها ـ للأسف ـ باسم الشرع في الكثير من البلدان التي تدعي الإسلام، فتحول دون تطلعاتهم التي تنشد الحقيقة المواقف المتطرفة لأدعياء حقوق المرأة المنكرين حتى الفوارق الفطرية والطبيعية (بادّعاءاتهم الواهمة بتساوي الحقوق) المخططين عملياً لاضمحلال كيان الأسرة والمراكز المعنوية الأخلاقية؛ سيقف هؤلاء (المتطلعون أمام فكر رجل من ذرية الزهراء المرضية يرى في المرأة مربيةً للإنسان، ومظهراً لتحقيق آمال البشرية، ومن أحضانها ينطلق الرجل في عروجه، بل يؤمن بأنه لو جرِّدت الشعوب من النساء الشجاعات والمربيات للإنسان، فسوف تصار (هذه الشعوب) إلى الهزيمة والانحطاط. وهو الذي اعتبر بوحي من انفتاحه الفكري الخاص ـ دون أن يبتعد عن سنة السلف والفقه التقليدي ـ مشكلة حق المرأة في الطلاق التي كانت هدفاً لسهام المغرضين بشكل خاص، قابلة للحل من خلال حق "التوكيل في الطلاق".

عزيزي القارئ، الكتاب الذي بين يديك، مجموعة من أحاديث وأقوال الإمام الراحل، الخميني (قدس سره) بهذا الشأن، تم جمعها وتنظيمها بالتعاون مع دائرة المراكز والعلاقات الثقافية العامة في وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ـ قسم الشؤون الثقافية الخاصة بالأخوات.

وفيما يتصل بترتيب موضوعات هذه المجموعة، ينبغي التنويه إلى أن النصوص المدرجة تحت العناوين الرئيسية، لوحظ في تسلسلها العامل الزمني، ما عدا النصوص المأخوذة من مؤلفات سماحته التي ذكرت مصادرها في نهاية كل نص. وقد اكتفينا بالإشارة إلى مناسبة الحديث وتاريخه في نهاية كل نص.

مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني (قدس سره)

الشؤون الدولية


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net