متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
تحديد و تعريف
الكتاب : الأخلاق في الإسلام و الفسلة القديمة    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

تحديد وتعريف

أخلاق، مفردها خلق، وكما جاء في (لسان العرب لابن منظور): الخلق (بضم اللام أو سكونها): الطبع والسجيّة. وهو مختص بصورة الإنسان الباطنة؛ أي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها. وهو بمنزلة الخلق (بفتح الخاء وتسكين اللام) لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها. ومبدأ الثواب والعقاب يتعلّق بأوصاف الصورة الباطنة، ولا دخل له بأوصاف الصورة الظاهرة.

هذا التحديد عنه (ابن منظور) يؤكد أن الإنسان، في اليوم الآخر عند الله، وفي نظرة الناس إليه في هذه الدنيا، محاسبٌ على سلوكه العملي الصادر عن نفسه لأنه أمر يحصل من قبله إرادياً، ويمكن له التحكّم به بواسطة العقل الممنوح له. وبمقابل ذلك لا يحاسب الإنسان على ما يتعلّق بخلقته (بكسر الخاء) لأنه أمر أراده الله ولا يقع ضمن مسؤولية الفرد.

وأورد (ابن منظور) في باب (الخلق)، أنه قد تكررت الأحاديث النبوية الشريفة في مدح حسن الخلق ومنها:

(من أكثر ما يُدخل الناس الجنّة تقوى الله وحسن الخلق). ولعل في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في وصف أخلاق النبي محمّد صلى الله عليه وسلم، حيث قالت: (كان خلقه القرآن)، ما يمكّننا من تلمّس المعيار الأخلاقي في سلوك النبي صلى الله عليه وسلم المتصف بالكمال والعصمة. ويقول (ابن منظور): معنى قولها: (كان خلقه القرآن)؛ أي كان متمسكاً به، بآدابه، وأوامره ونواهيه، وما يشتمل عليه من المكارم، والمحاسن، والألطاف.

وفي هذا المعنى يُقال: خالق الناس، أي عاشرهم وفق أخلاقهم وعاداتهم، أو شاركهم في فلسفتهم العمليّة. ومنه تأتي كلمة تخلّق؛ أي تصنّع خلقاً أو سلوكاً ليس من خلقه، أو ظهر بما ليس فيه.

والأخلاق هي مبحث من الفلسفة العملية، وهي معيار الفضائل، وبيان كيفية تحصيلها لتتحلى النفس بها، كما أنها تعرّف على الرذائل ومخاطرها بفرض تجنّبها، والتخلّي عنها.

وفي باب أخلاق، يقول بطرس البستاني في دائرة المعارف: الأخلاق هي السجيّة والطبع والعادة. وعلم الأخلاق أو تهذيب الأخلاق قسم من الحكمة العملية. ويكمل البستاني مكرراً ما قاله (ابن منظور) بقوله: وهو علم بالفضائل وكيفية اقتنائها ليتحلّى الإنسان بها. وعلم بالرذائل وكيفية توقّيها ليتخلّى عنها. فموضوعه الأخلاق والملكة والنفس الناطقة من حيث الاتصاف بها. وإنما تتحقق فائدته إذا كانت الأخلاق قابلة للتبديل والتغيير.

... والخلق ملكة يصدر بها عن النفس أفعال بسهولة من غير فكر ورويّة... فإن الإنسان قابل لاكتساب كل ما يتربّى عليه من الخلق والعادة.

مع تعريف (البستاني) نصل إلى نقطة جديدة في الحديث عن الأخلاق حيث يؤكّد على مسألة الاكتساب في الأخلاق، وعلى ان أهمية وفائدة الأخلاق كائنتان في قابليتها للتطوّر، والتغيّر مما يفتح الطريق للتربية حتى تفعل فعلها، وهذا الأمر يشجّع المصلحين على أداء مهامهم لأنها مجدية.

بواسطة التربية المتواصلة ومع الزمن تتأصّل مقومات الخلق في شخصية الفرد فتصبح عادة وسجيّة تحملان استعداداً لأفعال قبلية (a priori)، وهذا الاستعداد هو استجابة جاهزة لأي فعل أو محرّك. لهذا قال الحكماء قديماً: (من شبّ على شيء شاب عليه)، وقال الشاعر: (لكل امرئ من دهره ما تعوّدا). وإذا كنا لا نسلّم باستحالة التأثير على الإنسان المتقدّم في السنّ مع أصحاب هذه الأقوال والطروحات، فإننا نقول: إن التوجّه إلى المرء في سنّ مبكرة، ومنذ نعومة أظافره، لصقل سلوكه، وتقويم فعله، هو أكثر جدوى من صرف الجهد بكماله إلى البالغين والراشدين من البشر.

وجاء في (Grand Larousse Encyclopedique)، الصادرة في باريس عام 1963، في باب الأخلاق: إن الخلق هو قسم من الفلسفة يعالج المشكلات العملية، وهو يحوي مجموعة قواعد وقوانين صالحة لتوجيه النشاط الحر والإرادي للفرد، ولذلك تعدّ الأخلاق القسم أو الموضوع الأهم من موضوعات الفلسفة، لا بل هي: الفضيلة في الفلسفة.

والأخلاق أمر حياتي ضروري ترسم لنا سبل العيش الأفضل، وتساعدنا على إيجاد التوافق بين المطالب الفردية الخاصة وبين مستلزمات العيش وسط الجماعة.

ويضيف (Larousse du XXe siecle) الصادر في باريس سنة 1931، على التعريف السابق بأنّ الأخلاق هي علم تحديد معايير وقواعد السلوك، وهي علم التعرّف على الحقوق والواجبات. ولذا فإن أي مجتمع لا تستقيم الحياة فيه إلاّ إذا احترم اعضاؤه الواحد منهم الآخر على ضوء هذه المعايير والحقوق والواجبات، وإلاّ إذا تعاونوا على تنفيذها. فإن المجتمع الإنساني في أي بلد، وفي أي زمان، لا يستطيع الاستغناء عن هذا العلم الضروري والحيوي في حياة الجماعة والفرد. وتلح فلسفة الأخلاق على سؤال مهم وأساسي فيه: (هل يعيش الإنسان بالشكل الأفضل المناسب لإنسانيته الذي يجب أن تكون عليه حياته؟.).

لا يخرج منير البعلبكي في (موسوعة المورد)، الصادرة في بيروت سنة 1981، عن هذه التحديدات فيقول: علم الأخلاق علم يبحث في ما هو خير وما هو شرّ، ويرسم للإنسان ما ينبغي له أن يعمله وما يتعيّن عليه أن يتجنّبه... ويذهب علماء الأخلاق إلى أن في أعماق النفس الإنسانية صوتاً، هو الوجدان، ... هو الذي قضى، قبل نشأة علم الأخلاق، بأن يسلك المرء سبلاً معينة أصبحت فيما بعد أعرافاً يعتبر التزامها مسلكاً أخلاقياً ويعتبر الخروج عنها مسلكاً غير أخلاقي، ومن هنا نشأ ما ندعوه الفضيلة وما ندعوه الرذيلة. ومع الأيام تبلور علم الأخلاق بوصفه فلسفة عملية تزودنا بالمقياس الذي به نقوّم أعمال الإنسان، وتغرينا بالتعلّق بالمثل العليا التي يتحقّق بها الخير لذواتنا وللناس من حولنا.

نخلص مما تقدّم للقول: إن الأخلاق إذاً ليست موقفاً وصفياً لما حصل من أفعال أو سلوك، وإنما هي مبادئ وقواعد تستند عند صاحبها إلى العقيدة، وإلى فلسفة حياته العملية، لتكون المعيار الذي يحكم بواسطته على مختلف الأمور والأفعال الصادرة عنه أو عن غيره. وأساس الحكم هو تلك الثنائية بين: الفضيلة والرذيلة، وبين الخير والشرّ. فالأخلاق (علم يوضح معنى الخير والشرّ، ويبيّن ما ينبغي أن تكون عليه معاملة الناس بعضهم بعضاً، ويشرح الغاية التي ينبغي أن يقصدها الناس في أعمالهم وينير السبيل لعمل ما ينبغي)[1].

مهما حاول بعض العابثين بالقيم، والمستهترين بقواعد الخلق، أن يقولوا بأنه لا يوجد مقياس ثابت لتحديد الخير أو الشرّ الناتج من فعل ما، وأن المسألة نسبية تختلف من مجتمع إلى آخر، إلاّ أنه يمكننا الردّ عليهم بأن ما تقولون به شكل من أشكال فلسفات الإفساد، والانحلال الخلقي تنشرونها لأغراض وبنوايا غير بريئة.

ولعله ليس أمراً مستعصياً أن نحدّد وببساطة: (الخير والشرّ). (إن الخير هو الرغبة في ترقية القيم والعمل على النهوض بها، في حين أن الشرّ هو الحركة المضادة التي تهدف إلى الانتقاص من القيم والعمل على الهبوط بها. وتبعاً لذلك فإن ما نسميه باسم خبرة الشرّ يمثّل حركة انحلال أو تدهور، تضع في طريق نمونا بعض العراقيل أو العثرات، فتحول دون نضج حياتنا الخلقية وازدهار قيمنا الروحيّة)[2].

إذا كانت الأخلاق واحدة من مباحث الفلسفة العملية،، وبشكل خاص من فلسفة القيم ـ Axiolgie ـ، فإنها بمعنى أدق معراج لإنسانية الإنسان تجاه المثل العليا، لتزكية النفس، وتساميها فوق نوازع السوء، وأدران الشهوة والغريزة، وعلى هذا الأساس يمكن القول: إن صراع الخير والشر هو صراع بين الشخصية المتوازنة في وجهيها الروحي والمادي، وبين الشخصية الشرّيرة المنحرفة بإتجاه مادّي. لذلك يمكن تصنيف أقوال نسبية القيم الأخلاقية في خانة المحاولات التآمرية على الإنسان كمخلوق مستخلف في الأرض.

نصل من هذا التحليل إلى تحديد مفهوم علم الأخلاق، فهو علم (يدرس الخلق الفردي والتصرفات الشخصية لا من حيث وصف أسبابها والاكتفاء بذكر علاقاتها بالتصرفات العامة، أو تحليلها كظواهر طبيعية بل من حيث أن لها قيمة أو علاقة بمستوى معين أو مثل أعلى خاص. وهكذا يكفي لنتبيّن أنّ علم الأخلاق ـ كالعلوم النقدية الأخرى ـ لا يحمل في ذاته أحكاماً كليّة عامة بل يعتمد على عوامل ذاتية توجد في نفس الفرد الذي يصدر الأحكام الخلقية)[3].

إن قيمة أعمال الإنسان وخيرية سلوكه يتحدّدان على ضوء المثل العليا المتأصّلة في ذاته والتي تحكم كل حركة وفعل يصدران عنه. من هنا نقول بأن الخلق السليم عند شخص ما ليس افعاله فحسب، وإنما قناعاته، وما تكنّه نفسه. وبهذا لا نقصد أن يكون الفرد هو مقياس الأشياء، وإنما المقصود أنّ تنشئة الفرد تنشئة أخلاقية سليمة، وتقويم مفاهيمه وفق مبادئ الفضيلة والخير هو ما يشكّل الضمان الأكيد لصلاحه، وصلاح الإنسان هو مقدمة لصلاح الجماعة.

فالمفاهيم العامة عن الأخلاق إذا بقيت طيّ الكتب، أو ظلت تدور على الألسنة، ولم تتأصّل في ذات الإنسان، تبقى عديمة القيمة والنفع. فمن أجل مجتمع يسوده الصلاح، لا بدّ من التوجّه إلى تربية النشء وإعداده إعداداً مشبعاً بالإيمان وبالقيم الإنسانية التي تلتزم ضوابط شريعة السماء، الشريعة العادلة، وليس من السليم أن نترك فلسفة الأخلاق، وهي الموضوع الذي يمسّ كيان الإنسانية في أدقّ أجزائها، لتقديرات الأفراد وأهوائهم، ولتنظيرات المغرضين سواء كانوا افراداً، أم مؤسسات.

ننتهي إلى ضرورة الاهتمام يتثقيف سلوك الإنسان، لأن الأخلاق كخبرة وسلوك تصدر عن العقل والإرادة. فموضوع (علم الأخلاق هو الأعمال التي صدرت من العامل عن عمد واختيار، يعلم صاحبها وقت عملها ماذا يعمل. وهذه هي التي يصدر عليها الحكم بالخير أو الشرّ، وكذلك الأعمال التي صدرت لا عن إرادة ولكن يمكن الاحتياط لها وقت الانتباه والاختيار)[4].

فالأفعال الأخلاقية هي تلك التي تصدر عن اختيار حرّ، أو التي كان يمكن اعتماد الاختيار فيها لتوجيه سلوك ما. وبما أن الاختيار لا يكون إلاّ بعد تعقّل، والتعقّل خاص بالإنسان، نصل من ذلك إلى أن الإنسان هو مفتاح المشكلة الخلقية، وعمادها، وهو غايتها وعنوانها. فالأخلاق أمر خاص بالإنسان، ففي الأخلاق الخيّرة سعادة الإنسان، وفي أخلاق الشرّ فساد حاله، وانهيار مجتمعه.

 



[1]  أمين أحمد، كتاب الأخلاق، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، ط6، سنة 1953، ص 2.

[2]  إبراهيم، د. زكريا، المشكلة الخلقية، القاهرة، دار مصر للطباعة، ط3، سنة 1980، ص 215.

[3]  كامل، د. ماهر، وعبد الرحيم، عبد المجيد، مبادئ الأخلاق، القاهرة، الدار الأنجلو مصرية، ط1، سنة 1958، ص 6.

[4]  أمين، أحمد، م. س، ص4، 5.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net