متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
8 ـ النص على علي بن أبي طالب
الكتاب : السقيفة    |    القسم : مكتبة رد الشبهات

8 ـ النص على علي بن أبي طالب

اذن ، أفصحيح ما تقوله الشيعة من النص على علي عليه السلام ؟ أيها القارئ ! بودي ان تكون حياديا ، فلا تنظر إلى ما تقوله الشيعة عن هذا الرجل إلا بتقزز ، حتى لا اكلفك
____________
(1) الطبري « 3 : 195 » .
( 60 )

بالرجوع إلى كتبهم واخبارهم . وانا معك الان سأطرحها جانبا وما يدرينا لعل حبهم وتعصبهم لصاحبهم يسوقانهم إلى القول عنه بما لم يكن ، كما ساق أهل السنة إلى رواية النص على أبي بكر . فلنأخذ حذرنا من الان .
و بعد هذا اترانا نحذر من مؤلفات اهل السنة وصحاحهم في حق علي ، وهم ان تعصبوا فعليه ، لا له ؟ كلا ! فان الكثير من محدثيهم يحذرون كل الحذر من رواة مدحه وفضائله ، فيقدح المؤلف منهم في الراوي الذي تشم منه رائحة الميل إليه ، ويرسلون الطعن في الحديث ارسالا فيقولون : « وفي متنه غرابة شديدة » ، وليس إلا لانه لا يتفق وعقيدته ويكفي في الثقة بالمحدث ان يكون ممن يميل عنه كأبي هريرة والمغيرة بن شعبة وعمران بن حطان وامثالهم .
وقبل ذلك نجد سيوف بني أمية مسلولة على رؤؤس الرواة لئلا ينسبوا فضيلة لهذا الذي ناصبوه العداء وسنوا سبه على المنابر والمعابر . ونجدهم كيف كانوا يغدقون بالاعطيات على الطاعنين فيه والمنحرفين عنه .
ولذا تراني اطمئن كل الاطمئنان ـ وانت معي لا شك ـ إلى كل حديث خلص من هذه العقبات ، واستطاع ان يطلع رأسه من بين الاحاديث ظافرا بالصحة والتأييد ، فسجلته كتب اهل السنة وصحاحهم في فضل علي والنص على خلافته ، ومع هذا فستجدني لا اعتمد إلا على بعض


( 61 )

الصحيح الثابت عند اهل الحديث منهم الذي بلغ حد التواتر أو كالمتواتر .
والحق ان لعلي منزلة كبرى عند اخيه وابن عمه ، يغبطه عليهما كل مسلم بل حسدوه عليها ، ولا ينكرها إلا مكابر ، حتى ان ام المؤمنين عائشة « على ما بينها وبين علي ما هو معروف » قالت فيه : « ما رأيت رجلا احب إلى رسول الله منه ولا رأيت امرأة كانت احب إليه من امرأته » .
وقد كان صلى الله عليه واله وسلم يمجد ويرحب بصهره عند كل مناسبة من يوم ولد صهره قبل البعثة بعشر سنين إلى يوم فاضت نفسه الزكية في حجره . وهذا مما لا يشك فيه مسلم ، وإنما الشأن فيما يدل على العهد إليه بالخلافة فلنقرأ بعض الاحاديث الصحيحة المتواترة أو المشهورة ، ولننظر ماذا سنفهم منها :
1 ـ لما نزلت الآية الكريمة « وانذر عشيرتك الاقربين » جمع النبي ( ص ) من اهل بيته اربعين رجلا في قصة معروفة ـ وكان ذلك في مبدأ البعثة ـ فعرض عليهم الاسلام وضمن لمن يؤازره وينصره منهم الاخوة له والوراثة والوزارة والوصاية والخلافة من بعده فأمسكوا كلهم الا عليا ، فقد اجابه وحده ، فأخذ برقبته ، وقال : « ان هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم ـ أو من بعدي على اختلاف الروايات ـ فاسمعوا له واطيعوا » . فقام القوم يضحك بعضهم إلى بعض استهزاء ،


( 62 )

ويقولون لابي طالب قد امرك ان تسمع وتطيع لهذا الغلام . يعنون ابنه (1) .
2 ـ وفي غزوة الخندق لما برز علي إلى عمرو بن عبد ود قال ( ص ) فيه : « برز الايمان كله إلى الشرك كله » . وذلك سنة 5 هـ .
3 ـ وفي غزوة خيبر باهى به الذين تراجعوا بالراية فقال : « أني دافع الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار » فتطاولوا لها ، ولكنه دفعها إلى علي ، وذلك سنة 7 هـ .
4 ـ ولما آخى بين المهاجرين قبل الهجرة وبين المهاجرين والانصار بعدها بخمسة اشهر ، اصطفى عليا لنفسه فآخاه ، وقال له : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي » . ثم لم يزل يكرر هذه الكلمة في مناسبات كثيرة ، منها لما سد الابواب الشارعة إلى المسجد إلا باب علي ، ومنها غزاة تبوك لما خله على المدينة سنة 9 هـ . وفي رواية ابن عباس زيادة « انه لا ينبغي ان اذهب إلا وانت خليفتي » (2) ؟
____________
(1) من الغريب ما صنعه الاستاذ محمد حسين هيكل . إذ يذكر هذه الحادثة في كتابه « حياة محمد » في الطبعة الاولى ويهملها في الطبعات الاخرى من غير تنبيه .
(2) وصححها الحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه .

( 63 )

5 ـ وقال له : « لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق » . وبعد ذلك كان يعرف المنافق ببغضه لعلي .
6 ـ وقال : « ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله » . وبعد ان نفى ذلك عن ابي بكر وعمر قال : « ولكنه خاصف النعل » وكان علي يخصف نعل رسول الله ساعة ئذ في الحجرة عند فاطمة .
7 ـ وكان عند النبي طاير طبخ له ، فقال : « اللهم آتني بأحب الناس إليك يأكل معي » فجاء علي فأكل معه .
8 ـ وقال : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » .
9 ـ وقال : « أقضاكم علي » .
10 ـ وقال : « علي مع الحق والحق مع علي ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » .
11 ـ وأثبت له غير مرة الوراثة والوصاية ، وأوضح انهما وراثة ووصاية نبوة ، فقال مرة : « لكل نبي وصي ووارث وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب » (1) . وقال له علي مرة :
____________
(1) راجع ميزان الاعتدال في ترجمة شريك . وقال عن رواية محمد بن حميد الرازي ليس بثقة مع أنه قد وثقه احمد بن حنبل وابو القاسم البغوي والطبري وابن معين وغيرهم . ونقل هذا الحديث عن السيوطي في اللآلئ وعن الحاكم .
( 64 )

« ما أرث منك » . قال صلى الله عليه وآله : « ما ورث الانبياء من قبل كتاب ربهم وسنة نبيهم » (1) .
12 ـ وقال سنة 8 هـ : « إن عليا مني وأنا من علي لا يؤدي عني إلا أنا وعلي » .
13 ـ وقال : « إن عليا مني وأنا من علي ، وهو ولي كل مؤمن بعدي » .
14 ـ وقال : « انت ولي كل مؤمن بعدي » .
15 ـ وسد ابواب المسجد غير باب علي ، فكان يدخل المسجد جنبا ، وهو طريقه ليس طريق غيره . قال عمر بن الخطاب : « لقد اعطي علي بن أبي طالب ثلاثا لئن تكن لي واحدة منها أحب الي من خمر النعم : زوجته فاطمة بنت رسول الله ، وسكناه المسجد مع رسول الله يحل له ما يحل فيه ، والراية يوم خيبر » . وكذلك روي عن ابن عمر . ولما روجع النبي في فتح باب علي قال : « إنما أنا عبد مأمور ما امرت به فعلت إن اتبع إلا ما يوحى إلي » .
16 ـ ولما آخى النبي بين كل اثنين من المهاجرين ، وذلك قبل الهجرة اصطفاه لنفسه فآخاه وقال له فيما قال : « أنت أخي ووارثي . أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي » . وكذلك صنع وقال لما آخى بين المهاجرين والانصار ،
____________
(1) راجع كنز العمال ( 5 : 41 ) .
( 65 )

فاصطفاه لنفسه مع ان كلا منهما من المهاجرين وذلك بعد الهجرة بخمسة أشهر . ولا يزال يدعوه أخي في مناسبات لا تحصى .
17 ـ ويوم الغدير ، بعد الرجوع من حجة الوداع سنة 10 هـ أمر بالصلاة ، فصلاها بهجير ، وقام خطيبا على مائة الف أو يزيدون ، حيث تفترق قبائل العرب . وبعد أن نعى نفسه إليهم ذكر الثقلين كتاب الله وعترته وانهما لن يفترقا ولن يضلوا بالتمسك بهما أبدا ، أخذ بيد علي وقال :
أيها الناس ألست أولى منكم بأنفسكم ؟
قالوا : بلى يارسول الله ! وكرر السؤال عليهم واجابوا .
ثم قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ( وفي أحاديث كثيرة : من كنت مولاه فعلي وليه ) . اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيثما دار « فلقيه عمر بن الخطاب فقال له : هنيئا يا بن أبي طالب اصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة » (1) أو « أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة » (2) .
____________
(1) مسند أحمد ( 4 : 281 ) وعن تفسير الثعلبي . وفي الصواعق المحرقة في الشبهة 11 عن ابي بكر وعمر معاً .
(2) تفسير الرازي في قوله تعالى : « يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك » .

( 66 )

هذه هي الاحاديث التي أخذناها من الصحيحة ، اكتفاء بهذا القليل عن كثير لا تسعه هذه الرسالة . أما الآيات فقد قال ابن عباس : « نزلت في علي ثلثمائة آية من كتاب الله تعالى » . ولم يعرف من طريق اهل السنة إلا مائة . ونختار منها ثلاث آيات :
1 ـ آية « إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا والذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون » . وقد نزلت فيه إذ تصدق بخاتمه وهو راكع في الصلاة ، فاثبت الولاية له كولاية الله ورسوله على الناس . وهي مثل الاحاديث التي جعل‍ت له تلك الولاية الالهية .
2 ـ آية التطهير ، إذ جمع النبي ( ص ) عليا وزوجه وابني‍ه معه في كساء واحد ، فنزلت الآية باذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم . وهذه العصمة التي تشترط في الامامة .
3 ـ آية المباهلة ، إذ باهل بأهل بيته اولئكم ، نصارى نجران في قصة مشهورة ، وجعل عليا بنص الآية نفسه .
ونحن لما اعتقدنا ان طريقة الاختيار لا يصح ان يقال ان النبي عول عليها في تعيين الخليفة من بعده ، فمن الضروري ان ينص على واحد من اصحابه ، ولكن لم يكن أبا بكر فمن هو إذن ؟
ليس هناك شخص ورد فيه ما ورد في علي يصح ان


( 67 )

يكون نصا كهذه الاحاديث مع الآيات التي يؤيد بعضها بعضا ويفسر بعضها بعضا : فقد نصت على انه وارث النبي وراثة نبوة ، ووصيه ، وأخوه ، ونفسه ، وولي المؤمنين بعده ، واولى بهم من انفسهم ، ومنزلته منه منزلة هرون من موسى عدا منزلة النبوة ، وخليفته من بعده ، ويدور معه الحق كيفما دار لن يفترقا ، وهو أقضى الامة ، وباب مدينة علمه ، المطهر من الرجس .
وهذه صفات لا تكون إلا لامام معصوم وخليفة للنبي يختاره الله ورسوله للامة . وهل يمكن أن يكون شخص أولى بالمؤمنين من أنفسهم ووليهم بعد النبي وهو سوقة كسائر الناس تجب عليه طاعة غيره والسمع له ؟ ـ هيهات ! .
ولكن كل واحدة من هذه الكلمات التمس لها بعض الباحثين في الامامة تأويلا ، احتفاظا بكرامة الصحابة واتقاء من نسبة مخالفة نص النبي إليهم . ونحن نقول لهؤلاء المؤولين إذا كنتم قد عرفتم حسن نوايا هؤلاء الصحابة ، وهم في الوقت نفسه مجتهدون على رايكم فلا استغراب في مخالفة الصريح من كلام النبي ( ص ) وليس الخطا على المجتهدين بعزيز . ثم انا عرفنا عنهم عدم تعبدهم : بالنصوص في كثير من الامور التي تفوت الحصر ، كتوقفهم في بعث جيش اسامة وتأميره حتى أغضبوا النبي فقال ما قال وبالاخير امتنعوا عن الخروج حتى قبض ، وكاعتراض عمر على صلح


( 68 )

الحديبية ، وكمنعه من املاء الكتاب الذي قال عنه النبي لن تضلوا بعده ابدا . وما إلى ذلك .
فنحن الان بين أمرين إما أن نؤول هذه الاحاديث بما يصح وبما لا يصح واما ان نقول إن اولئك الصحابة قد تأولها لامر ما ولا شك ان الثاني أقرب إلى البحث العلمي والتفكير الحر المستقيم ، لانا وجدناهم قد تأولوا في حياة النبي النصوص الصريحة التي لا تقبل التأويل كما سمعت بعضها . وهل لمن يحسن الظن بهم إلا ان يعتقد انهم لم يقصدوا مخالفة النبي عصيانا ، وانما كانوا يظنون المصلحة فيما ينقدح لهم من رأي ، وقد اعتادوا أن يشاورهم في الامور اتباعا لامر الله تعالى « وشاورهم في الامر » فانسوا التدخل حتى في الشؤون العامة التي يأمر بها النبي ويعقدها .
ومن جهة ثانية نرى امتناع دخول التأويلات التي تسمعها من الباحثين على بعض هذه الاحاديث ، منها ( حديث الغدير ) وهو آخر النصوص وآية ( إنما وليكم الله . . ) وحديث ( ولي كل مؤمن بعدي ) . فقد اولوا المولى والولي في كل ذلك بالناصر أو المحب .
وهذا بعيد كل البعد في حديث الغدير ، لان أهل اللغة ان فسرت المولى والولي بالناصر والمحب فقد فسروها بمالك التصرف . وهل تفهم معاني الالفاظ المشتركة إلا بقرائنها ؟ والقرينة الحالية واللفظية صريحة في هذا المعنى الاخير :


( 69 )

فان النبي قام خطيبا على مائة ألف أو يزيدون بحر الهجير ، وهل يصح عند العقل ان يقف هذا الموقف الخطير وهو يريد أن يفهم الناس أن عليا ناصر للمؤمنين أو محب لهم ؟ وأية حكمة في بيان هذا الامر الواضح فتسترعي هذا الاهتمام من النبي الحكيم
وايضا ـ وبعد ان ينعى نفسه ويذكر الثقلين ـ يأخذ بيد علي ويرفعه إليه حتى يبين بياض ابطيهما . ويستنشدهم : « ألست اولى منكم بأنفسكم » . فما هذه التوطئة ؟ أكانت كلاما مطروحا لا فائدة فيه ام انها لتوضح ما سيفرغ عليها فقال : « فمن كنت مولاه فعلي مولاه » ؟
لا شك انها قرينة لفظية صريحة في بيان ان عليا مثله اولى من المؤمنين بأنفسهم . والمولى كما قلنا هو « مالك التصرف » أو « الاولى بالشيء منه » ، كما تقول : السيد مولى العبد ، أي مالك لتصرفه ، أو انه اولى بالتصرف في شئونه منه .
ولا حاجة إلى دعوى ان المولى بمعنى كلمة ( الاولى ) فقط ، حتى يعترض عليها المعترض فيقول : لا يصح أن يقال « مولى منه » كما تقول « اولى منه » . بل ان معنى كلمة « المولى » معنى مجموع هذه العبارة ( الاولى بالشيء منه ) الذي يساوق معنى مالك التصرف .
ومنها ـ وهو اول النصوص ـ الحديث : « ان هذا أخي


( 70 )

ووصي وخليفتي فيكم ـ أو من بعدي ـ فاسمعوا له واطيعوا » . وهو حديث ثابت لا شك فيه ، فهل تجد عبارة هي أصرح من هذه العبارة للنص على الخليفة والامام ؟
ولو قرأنا نص أبي بكر على خليفته لم نر إلا عبارة « إني أمرت عليكم عمر بن الخطاب » . وهذه لا تشبه تلك في صراحتها ولا تقاس عليها في قياس ، فأين صراحة الامارة من صراحة الخلافة ؟ والامارة تكون في الجيش وتكون في كل شيء ، والخلافة لفظ كان يجري على لسان النبي والمسلمين ولا يراد منه إلا هذا المعنى فعندما تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « هذا الامر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنى عشر خليفة كلهم من قريش » لا نشك في المراد بكلمة ( خليفة ) كمالا نشك في كلمة قريش . فلماذا لانفهم من كلمة ( خليفتي ) هذا المعنى ؟ وهل استعملها في يوم من الايام في معنى آخر ؟
والفرق بين نص النبي ونص ابي بكر ان ابا بكر لم يحدث بعده ما ياخذ بالاعناق إلى التأويل والتشكيك ، لانه قد عمل به وانتهى كل شيء . أما نص النبي فقد بقى قولا في صدور الرجال وصحائف الكتب ولم يعمل به ، فسلبت صراحته وأدخل عليه التأويل احتياطا في حمل الصحابة على أحسن الاعمال . ولئن درئ الطعن عنهم فلا يجلون عن الخطأ ، وما هو بعزيز على مثلهم .


( 71 )

على انا لا نريد ان ندخل في البحث عما يجب أن يقال في عذر الاصحاب ، وانما الغرض أن نفهم مدى دلالة هذا الحديث في نفسه قاطعين النظر عن كل ما صدر عن الاصحاب ، فلا نجد كلمة هي أوضح وأصرح من كلمة ( وصيي ) وكلمة ( خليفتي ) ، ثم تعقيبهما بالامر بالسمع والطاعة .
وينسق عليه حديث رقم (11) : « لكل نبي وصي ووارث وان وصي ووارثي علي بن أبي طالب » . ويعلم من هذا بصراحة انها وصاية نبوة لا وصاية اعتيادية ، ووراثة نبوة على نسق الوصاية لا وراثة مال أو عقار ، فان عليا ابن عمه وابن العم لا يرث مع البنت ، ولا معنى لوراثة النبي لانه نبي غير ان يكون بمنزلته في الولاية العامة ووجوب السمع والطاعة ، أما العلم فكل المسلمين ورثوه منه فلا اختصاص لعلي إلا أن يراد من العلم معنى آخر لا يشترك فيه الناس ، وهو الذي يكون من مختصات النبوة ، فيكون على المقصود أدل وأدل .
أما باقي الاحاديث فلو لم يكن كل واحد منها نصا على امامته ، فعلى الاقل انها بمجموعها مع ما تقدم من النصوص تكون نصا على امامته ، فعلى الاقل انها بمجموعها مع ما تقدم من النصوص تكون نصا لا يقبل الاحتمال والتأويل ، لا سيما بعد أن بينا فساد القول بتشريع ايكال الامر إلى اختيار الامة


( 72 )

وقلنا انه لابد ان يكون واحد من الاصحاب قد نص على خلافته النبي « ص » .
لا تزال هناك شبهة مستعصية على الباحثين ، ولا يزال يكررها الكتاب حتى يومنا هذا . وهي : ان هذه الاحاديث لو كانت للنص على خلافته ، كما تقوله الشيعة ، فلماذا لم يتمسك بها هو ، ويحتج بها على القوم لو كانوا قد اخذوا حقه ؟ ولماذا لم يحتج بها اصحابه أو باقي المسلمين في اجتماع السقيفة ؟
والحق انها شبهة قوية هي أقوى متمسك لانكار النص ، بل ليس شيء غيرها يستحق ان يذكر في معارضة تلك النصوص ، فيلجئ إلى تأويلها وتفسيرها على غير وجهها . والباحثون اجابوا عنها بعدة امور يطول علينا استقصاؤها ، ولكن الذي يرضي نفسي وادين به ربي ان اقرر ما يلي :
ان مولانا امير المؤمنين لما انتهى الامر بالناس إلى مبايعة أبي بكر خليفة ، فهو قد أمسى بين أمرين لا ثالث لهما : اما ان يستسلم للامر الواقع ، فيترك كل مطالبة علنية صريحة ابقاء لكلمة الاسلام . واما ان يجاهد حتى يثبت حقه ، وهو نفسه قال : « وطفقت ارتئي بين ان اصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء » . ولما اختار الامر الاول وهو أعرف بما اختار إذ يقول : « فرأيت ان الصبر على هاتا احجى » فلم يبق وجه لمطلبته العلنية بالخلافة ، وقد طوى عنها كشحا


( 73 )

وأسدل دونها ثوبا ولو انه كان يعلن بالمطلبة فلا بد ان يتبعها بالسعي إلى تنفيذها مهما أوتي من حول وقوة ، وفي ذلك تطويح بكلمة الاسلام وبنائه السامق وسيأتي تمام البحث في الفصل الرابع . اما اصحابه فله تبع ، وفي السقيفة قال الانصار كلهم أو بعضهم : « لا نبايع إلا عليا » ولكنها كلمة ذهب في فضاء التاريخ منسية وقد عالجناها في غير موضع من هذا الكتاب كما يأتي .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net