متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
3 ـ حل المشاكل واسرار البعث
الكتاب : السقيفة    |    القسم : مكتبة رد الشبهات
ـ 3 ـ

فهل نجد حلا لهذه المشاكل تطمئن إليه النفس الحرة ، بعد عرفاننا للنبي وعظمته وانه لا يفعل ولا يقول إلا عن وحي وسر إلهي .
ـ لم يصح عندنا تفسير لمشاكل هذا الحادث إلا بأن نقول انه « ص » اراد :
( أولا ) ـ ان يهيئ المسلمين لقبول « قاعدة الكفاية » في ولاية امورهم ، من ناحية ، عملية ، فليست الشهرة ولا تقدم العمر هما الاساس لاستحقاق الامارة والولاية ، فإذا قال عن اسامة مؤكدا جدارته بالقسم ولام التأكيد : « وايم الله ان كان لخليقا للامارة ـ يعني زيدا ـ وان ابنه لخليق للامارة » .


( 81 )

وإذا علمنا ان علي بن ابي طالب هو المهيأ لولاية امور المسلمين بعد النبي ـ على الاقل ـ ان فرض انه لم يكن هو المنصوص عليه ، أفلا يثبت لنا ان قضية اسامة كانت لقبول الناس امارة علي على صغر سنه يومئذ بالقياس إلى وجوه المسلمين وكان إذ ذاك لا يتجاوز الثلاثين ؟ وهذا ما يفسر به المشكل الاول والثاني في هذا البعث .
و( ثانيا ) ـ ان يبعد عن المدينة ساعة وفاته من يطمع في الخلافة خشية ان يزيحوها عن صاحبها الذي نصبه لها في الخلافة . وقد ثبت عنه انه كان يتوجس خيفة على اهل بيته ولا سيما على علي ، فوصفهم بأنهم المظلومون من بعده . ولذا نراه اوعب في هذا الجيش كل شخصية معروفة تتطاول إلى الرئاسة ، ولم يدخل فيه عليا ولا احدا ممن يميل إليه الذين كانوا له بعد ذلك شيعة ووافقوه على ترك البيعة لابي بكر ، فلم يذكر واحد منهم في البعث ، وهم ليسوا اولئك النكرات الذين لا يذكرون .
وهذا ما يفسر تباطؤ القوم عن البعث وعرقلتهم له بخلق الاشاعات في المعسكر عن وفاة الرسول ، مع اصراره « ص » ؟ ذلك الاصرار العظيم . ولم يمكنهم ان يصرحوا بما في نفوسهم ، فاعتذروا بصغر قائدهم ، وفي هذا كل معنى التهجين لرأي النبي وعصيان أمره الصريح .
فكان الغرض اخلاء المدينة من المزاحمين لعلي ليتم الامر


( 82 )

له ، بعد ان اتضح للنبي ان التصريحات بخلافته لا تكفي وحدها للعمل بها عندهم ، كما امتنعوا عن السير تحت لواء اسامة وهو لا يزال في قيد الحياة ، فقدر أن القوم إذا ذهبوا في بعثهم هذا يرجعون وقد تم كل شيء لخليفته المنصوب من قبله ، فليس يسعهم إلا ان ينضووا حينئذ تحت جماعة المسلمين ورايتهم .
و( ثالثا ) ـ ان يقلل من نزوع المتوثبين للخلافة ، ليقيم الحجة لهم وللناس بأن من يكون مامورا طائعا لشاب يافع ولا يصلح لامارة غزوة موقته كيف يصلح لذلك الامر العظيم وهو ولاية امور جميع المسلمين العامة ، وهي في مقام النبوة وصاحبها اولى بالمؤمنين من انفسهم .
وزبدة المخض ان بعث اسامة لا يصح أن يفسر إلا بأنه تدبير لاتمام أمر علي بن ابي طالب بمقتضى الظروف المحيطة به من تقدم النص على علي وقرب أجل النبي « ص » ؟ وعلمه بأن هناك من لا يروق له ولاية ابن عمه ، وبمقتضى الدلائل الموجودة في الواقعة نفسها : من تأمير فتى يافع وتكديس وجوه القوم وقوادهم في البعث وعدم دخول علي ومن يميل إليه وامتناع جماعة عن الالتحاق بالجيش وحث النبي على تنفيذه وغضبه من اعتراضهم وتخلفهم ، وهو في مرض الفراق والظرف دقيق على المسلمين .
فهذا البعث في الوقت الذي كان تدبيرا لاخلاء المدينة


( 83 )

لعلي وحزبه كان حجة على المستصغرين لسنه ودليلا على عدم صلاح غيره لهذا المنصب العظيم . فإذا كان الاخلاء لم يتم لتمانع القوم وعرقلتهم للبعث فان الحجة ثابتة مع الدهر .
ولا يصح للباحث ان يدعي إن السبب الحقيقي لتخلف القوم هو ما تظاهروا به من عدم الرضى بامارة قائدهم الصغير ، وان تذرعوا به عذرا لاخفاء تلك الشنشنة التي عرفها النبي من اخزم ، لانا نرى ان لو كان هذا هو السبب الحقيقي ، لما تنفذ البعث بعد أن تم أمر الخلافة الذي به زال المانع الحقيقي ، والمسلمون إلى النبي اطوع منهم إلى ابي بكر لو كان يمنعهم صغر القائد . ولم يتأب عمر نفسه بعد ذلك ان يخاطب اسامة بالامير طيلة حياته اعترافا بامارته .
اما الشفقة على النبي ـ ان لم تكن عذرا آخر تذرعوا به ـ فلا يصح ان تكون سببا حقيقيا ، إذ ينبغي أن يكونوا عليه أشفق بالتحاقهم بالبعث ، وقد غضب أشد الغضب من تأخرهم على ما فيه من حال ومرض . ولئن ذهبوا يسألون عنه الركبان كان أكثر برا بنبيهم من أن يعصوا امره ويغضبوه ذلك الغضب المؤلم له .
ولو ان القوم كانوا قد امتثلوا الامر لاصابوا خيرا كثيرا ولتبدل سير التأريخ ومجرى الحوادث تبدلا قد لا يحيط به حتى الخيال « ولو ان أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون »


( 84 )

ولما وقع ما وقع بعد ذلك من خلاف بين المسلمين وتطاحن وحروب دموية انهكت قوى الاسلام واضعفت روحية الدين حتى انفصمت عرى الجامعة الاسلامية سريعا وانتهكت حرمات الاحكام الدينية ، فعاد الاسلام كما نشاهد اليوم غريبا كما بدئ .
أي أمر عظيم وتدبير حازم صنعه النبي لسد باب كل خلاف يحدث ؟ « وكل أفعاله عظيمة » لو تم ما اراد . ولكن لا امر لمن لا يطاع .

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net