متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
8 ـ نقاش المهاجرين والانصار
الكتاب : السقيفة    |    القسم : مكتبة رد الشبهات
8 ـ نقاش المهاجرين والانصار

قرأنا في الفصل السابق خطبة ابي بكر وما فيها من الاساليب فلنر مدى تأثيرها على المجتمعين وكيف كانت النتيجة ؟ :
لم يرد عليه إلا الحباب بن المنذر في كلامه المتقدم في البحث رقم (2) وقد رأيناه لم يأت بشيء وكان اول منخذل امام المهاجرين وإن ظهر بالقوة التي تلاشت في آخر كلامه كما شرحناه ، ففتح على نفسه باب الحجة الظاهرة إذ قال : « فمنكم أمير ومنهم أمير » ، على أنه ظهر جليا بمظهر المتعصب المغالب ، فاستهل كلامه بقوله : « املكوا عليكم أمركم . . . » وهذا مردود عليه معكوس الاثر ، وسيأتي .
وهنا . جاء دور عمر بن الخطاب فقال : « هيهات ! لا يجتمع اثنان في قرن . والله لا ترضى العرب ان يؤمروكم ونبيها من غيركم ، ولكن العرب لا تمتنع ان تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي امورهم منهم . ولنا بذلك من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين . من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن اولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لا ثم أو متورط في هلكة » .
فتجد كلام عمر هذا ـ وان كان هادئا ـ لا يبلغ كلام ابي


( 134 )

بكر ، إذ ظهر بمظهر الخصم المدعي بحق الامارة . وكأن ابا بكر فسح له المجال لان يكون هو المدعي العام عن المهاجرين بعد ان نصب نفسه كحكم للمتنازعين . كما نلاحظ ايضا انه لم يشر إلى قضية النص على قريش أو على خصوص واحد منهم ، وإنما القضية قضية رضى العرب وابائها وان المهاجرين اولياء محمد وعشيرته . ولذا قال علي عليه السلام بعد ذلك : « احتجوا بالشجرة واضاعوا الثمرة » .
فقام الحباب بعد عمر فقال : « يا معشر الانصار املكوا عليكم امركم ولا تسمعوا مقالة هذا واصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الامر ، فان ابوا عليكم ما سألتموه فاجلوهم عن هذه البلاد ، وتولوا عليهم هذه الامور ، فأنتم ـ والله ـ احق بهذا الامر منهم فانه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين . انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب . انا شبل في عرينة الاسد . اما والله لو شئتم لنعيدنها جذعة . والله لايرد أحد على ما أقول إلا حطمت أنفه بالسيف » .
وهذه عصبية جاهلية وسوء قصد ظاهر . فقال له عمر : « إذا يقتلك الله » فانتحى به الناحية الدينية إذ نسب القتل إلى الله تعالى ولم يقل يقتلك الناس . وهذا اسلوب من الرد فيه التهديد والتنديد على تلك دعوى الجاهلية منه . فقال الحباب : « بل إياك يقتل » .


( 135 )

وهذه مهاترة يلتجأ إليها ضعف الحجة وشدة الغضب ، فترى الحباب في كل ذلك كان قلق الوضين يرسل من غير سدد ، وتتضوع من فمه رائحة نفسه ، ولا يعرف ان يسر حسوا في ارتغاء . فاقتحم في الميدان بجنان الفارس المدله المدل بقوته ونفسه ، ومن سيفه ولسانه تنطف دعوى الجاهلية الاولى البشعة في الاسلام ، تأباها عليه الصبغة الدينية المصطبغ بها المجتمع يومئذ ، وهو في الدرجة الاولى متأثر بالاسلام وتعاليمه ، وللشعور الديني المكان الاول في تأثر الجماعات الدينية وانفعالاتها ، فما لم يستخدم هذا الشعور لا يرجى ان يحدث في الجماعة التعصب الذي يجعل الانسان يرى سعادته في التضحية بنفسه وبكل عزيز فداء للمقصد الذي يوجه إليه .
فالحباب ان تولى الدفاع عن سعد وقومه نصرة لهم فهو الذي أفسد عليهم أمرهم أكثر من أي شخص آخر من حيث يظن الصلاح وبدلا من ان يقود المجتمعين للغرض الذي اجتمعوا لاجله قد خسرهم واعطى القيادة ـ من حيث لايشعر ـ لغيره الذي عرف كيف تؤكل الكتف في استمالتهم واستعمال نفوذه فيهم . وكان اول ظهور هذه الخسارة قيام ابن عمه بشير بن سعد الخزرجي ، فنقض على الخزرج ما اجمعوا عليه فقال :
« يا معشر الانصار انا والله لئن كنا اولى فضيلة في جهاد


( 136 )

المشركين وسابقة في هذا الدين ما اردنا إلا رضى ربنا . نبينا والكدح لانفسنا ، فما ينبغي لنا ان نستطيل على الناس بذلك ولا نبتغي من الدنيا عرضا فان الله ولي المنة علينا بذلك . ألا إن محمدا من قريش وقومه أحق به وأولى . وايم الله لا يراني الله انازعهم هذا الامر ابدا فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم » .
انظر إلى الشعور الديني كيف أخذ بأطراف كرم هذا الرجل ، متأثرا بدعوة ابي بكر وصاحبه ، خارجا على قومه بل على نفسه ، وكان بعد ذلك اول مبايع من القوم . ولا اعتقد ان ذلك كله عن نفاسة لسعد كما رماه به الحباب لما مد يده للبيعة فناداه : « يا بشير بن سعد عققت عقاق ! ما أحوجك إلى ما صنعت ؟ أنفست على ابن عمك الامارة ! » . فقال بشير : « لا والله ولكن كرهت ان انازع قوما حقا جعله الله لهم » .
بل اعتقد انه كان صادقا بعض الصدق أو كله فيما ادعاه عن نفسه فان سير الحادثة كما وصفناه يدل دلالة واضحة على تأثر الجماعة بكلام ابي بكر وانقيادها إلى دعوته ولا سيما بعد ما صدر من الحباب ما يبعد النفوس عن دعوة قومه . نعم ! وإنما كان مبدأ ظهور ذلك التأثير في بشير بن سعد ، فيصح ان نجعله ممثلا لشعور قومه تلك الساعة .

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net