متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
العدل
الكتاب : الأخلاق عند الإمام الصادق (ع)    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

العدل

قوة العمل مبدأ كل سلوك ومصدر كل خلق وقد تكرر في الفصول السابقة ان العدل هو مشايعة قوة العمل لقوة العقل وان العادل هو الذي يتبع إرشاد العقل في كل ما يقول وفي كل ما يعمل.

وقد علمنا ان قوة العمل هذه لا تختص بها ملكة معينة من الأخلاق ولكنها تكون جميع الملكات التي تنسب إلى القوى الأخرى حتى سلوك العقل نفسه، وان التوازن في قوة العمل توازن في جميع الملكات والانحراف فيها انحراف في سائر الأخلاق، والإمام الصادق(ع) يقدر هذه النتيجة بعينها حين يسأل عن صفة العدل في الإنسان فيقول: (إذا غض طرفه عن المحارم ولسانه عن المآثم وكفه عن المظالم)[11] .لا يكون الإنسان عادلاً حتى يخضع الشهوة لحكم العقل فيغض طرفه عن المحارم، ويلجم الغضب بلجام الحكمة فتترفع نفسه عن المظالم، وصفة العدل هذه هي التعفف بمعناه العام، وضبط النفس الذي يقول فيه: (من ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب وإذا اشتهى وإذا غضب حرم الله جسده على النار)[12] وأكثر أخلاقيات الإمام الصادق(ع) تشير إلى هذا المعنى ولو من ناحية خفية.

لكل واحدة من قوى النفس وغرائزها حقوق يجب أن توفى إليها كاملة غير منقوصة، ولكل منها ميول شاذة يجب أن يضرب من دونها ألف حجاب، وضبط النفس هو تعادل هذه القوى في السلوك وتساويها في الحقوق فتأخذ كل قوة ما يجب لها وتمنع عما يحظر عليها.

وأكثر الملكات المعتدلة ـ إِن لم نقل جميعاً ـ إِنما تكون بتعاون جميع القوى النفسانية. فالتوازن في قوة الشهوة مثلاً يفتقر إلى قوة العمل في تكونه، ويحتاج إِلى قوة الفكر في تحديده وتمييز غايته، وإلى الشجاعة في الثبات عليه وتحمل الآلام في سبيل الحصول عليه، العفة كبنت الميول المتطرفة من قوة الشهوة، وقمع الرغبات الشاذة منها إلا أنها لا تحصل للشخص إ        ذا لم يكن له من الشجاعة ما يتحمل به ألم ذلك الكبت، ومن الثبات وقوة الإرادة ما يستمر به على تلك الاستقامة، فضبط النفس في الأكثر مزيج من قوى متعادلة في الحقوق، متفاضلة في التأثير، وبعض هذه القوى إيجابي وبعضها سلبي وإنما قلنا في الأكثر لأن بعض الملكات العقلية لا يحتاج إلى قوة الشهوة مثلاً.

بقي علينا أن نعرف معنى هذا الاختصاص الذي يذكره علماء الأخلاق، ويصرون عليه كثيراً، فإن الاستقامة في الخلق إذا كانت لا تحصل إلا بمساعدة أكثر من قوة واحدة فلماذا يختص بعض الفروع ببعض القوى؟ ولماذا تعد العفة من ملكات قوة الشهوة فقط؟ ويكون الحلم من فروع قوة الغضب خاصة؟

والسر في ذلك أن الملكة الخلقية هي تلك القوة التي تنسب إليها بعد أن يدخل عليها التهذيب، فالعفة شهوة مهذبة, والشجاعة غضب متوازن، والحكمة فكر مستقيم.

ومن هذا التعاون النفساني المتقدم يظهر لنا معنى قول الإمام الصادق(ع) في بعض وصاياه لأصحابه: (عليكم بالورع وصدق الحديث وأداء الأمانة وعفة البطن والفرج تكونوا معنا في الرفيق الأعلى)[13]. ملكات خمس يوصي الإمام أصحابه بالمحافظة عليها ليكونوا معه في الرفيق الاعلى من الجنة، وإذا نظرنا إلى هذه الملكات رأيناها تنتهي إلى قوة واحدة، أو إلى قوتين لا غير، فإن الورع ينتهي إلى الشجاعة إذا كان ورعاً عن نزغات الغضب، وإلى العفة إذا كان ورعاً عن ميول الشهوة، وصدق الحديث أيضاً قد ينتهي إلى هذه وقد ينتهي إلى تلك؛ أما الملكات الثلاث الباقية فهي من فروع العفة لا غير، ولكن الإمام يضمن لأصحابه أن يكونوا معه في الرفيق الأعلى إذا اعتدلوا في هذه الملكات الخمس.

هو توازن في قوة الشهوة ولكنه يلازم اعتدالاً في قوة الغضب، واستقامة في قوة الفكر، يستحيل على المتهور ان يكون ورعاً، وعلى الجبان ان يلتزم صدق الحديث. أما العقل ـ وهو المرشد إلى ذلك التوازن ـ فلا بد وان يكون معتدلاً أيضاً. على ان الورع الذي يبتدئ به هذه الكلمة قريب المعنى من التعفف وضبط النفس والأخلاق التي يعددها ملكات عامة تظهر آثارها في جميع الأعمال والأقوال فإذا استقامت هي كان الإنسان مستقيماً في أقواله وأعماله، ومن أولى من الإنسان المستقيم بالرفيق الأعلى.

العدل وضع جميع القوى تحت نفوذ العقل فيعطي كل واحدة من هذه القوى حقوقها كاملة فإذا عمل الإنسان ذلك مع الناس الآخرين سميت هذه الصفة منه إنصافاً وعدلاً بمعناه الخاص.

وهذا العدل هو أساس الملك العادل ومحور المدينة الفاضلة والمجتمع المثالي، وهو قد ينتهي إلى العفة وقد يكون من الشجاعة ويقابله من جانب الإفراط الجور على الغير والتعدي على حقوقه، ومن جانب التفريط إهمال الحقوق المحترمة للنفس وكلاهما جرثومة لكثير من الأخلاق الفاسدة.

والعدل يكون صفة للفرد ويكون صفة للمجتمع.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net