متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
التمثيل التاسع والاَربعون
الكتاب : الأمثال في القرآن    |    القسم : مكتبة القرآن و الحديث
التمثيل التاسع والاَربعون


(هُوَ الّذي أرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدّينِ كُلّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهيداً * مُحَمّدٌ رَسُولُ الله وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ على الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكّعاً سُجّداً يَبْتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللهِ وَرِضواناً سيماهُمْ في وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوراةِ وَمَثَلُهُمْ فِى الاِِنْجِيلِ كَزَرعٍ أَخْرَجَ شطأهُ فَآزره فَاسْتَغْلَظَ فَاستَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفّارَ وَعَدَ اللهُ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجراً عَظِيماً ). (1)
تفسير الآيات
"السيماء": العلامة، فقوله: (سيماهم في وجوههم )، أي علامة إيمانهم في وجوههم.
شطأ الزرع: فروخ الزرع، وهو ما خرج منه، وتفرع في شاطئيه أي في جانبيه وجمعه إشطاء، وهو ما يعبر عنه بالبراعم.
"الاَزر": القوة الشديدة ، آزره أي أعانه وقوّاه.
"الغلظة" :ضد الرقة.

____________
1 ـ الفتح:28 ـ 29.

( 252 )
"السوق" :قيل هو جمع ساق.
القرآن يتكلم في هاتين الآيتين عن النبي تارة و أصحابه أُخرى:
أمّا الاَوّل فيعرّفه بقوله: (هُوَ الّذي أرسَلَ رَسُولهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدّينِ كُلّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهيداً ) والضمير "ليظهره" يرجع إلى دين الحقّ لا الرسول، لاَنّ الغاية ظهور دين على دين لا ظهور شخص على الدين، والمراد من الظهور هو الغلبة في مجال البرهنةوالانتشار، وقد تحقّق بفضله سبحانه و سوف تزداد رقعة انتشاره فيضرب الاِسلام بجرانه في أرجاء المعمورة، ولا سيما عند قيام الاِمام المهدي المنتظر (عليه السلام) .
يقول سبحانه في هذا الصدد: (محمّد رسول الله ) أي الرسول الذي سوف يغلب دينه على الدين كله، وقد صرح باسمه في هذه الآية، إلاّ أنّه أجمل في الآية الاَُولى ، و قال: "أرسل رسوله".
إلى هنا تمّ بيان صفات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسماته، و أمّا صفات أصحابه فجاء ذكرهم في التوراة و الاِنجيل.
أمّا التوراة فقد جاء فيها وصفهم كالتالي:
1. (والّذين معه أشداء على الكفّار )، الذين لا يفهمون إلاّ منطق القوة، فلذلك يكونون أشداء عليهم.
2. (رُحماء بَينهم ) فهم رحماء يعطف بعضهم على بعض ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : مثل الموَمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى. (1)

____________
1 ـ مسند أحمد بن حنبل: 4|270 و 268 و 274.

( 253 )
3. (تراهم ركّعاً سُجّداً )، هذا الوصف يجسّد ظاهر حالهم و انّهم منهمكون في العبادة، فلذلك يقول: (تراهم ركعاً سجداً )، أي تراهم في عبادة، التي هي آية التسليم لله سبحانه.
ومع ذلك لا يبتغون لعبادتهم أجراً وإنّما يأملون فضل الله ، كما يقول : (يبتغون فضلاً من الله ورضواناً )، ولعل القيد الاَخير إشارة إلى أنّ الحافز لاَعمالهم هوكسب رضاه سبحانه.
ومن علائمهم الاَُخرى انّ أثر السجود في جباههم، كما يقول : (سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) فسيماهم ووجوههم تلمح إلى كثرة عبادتهم وسجودهم وخضوعهم لله سبحانه، وهذه الصفات مذكورة أيضاً في الاِنجيل.
إنّ أصحاب محمد لم يزالوا يزيدون باطّراد في العدة والقوة وبذلك يغيظون الكفار، فهم كزرع قوي وغلظ وقام على سوقه يعجب الزارعين بجودة رشده.
ولم يزالوا في حركة دائبة ونشيطة، فمن جانب يعبدون الله مخلصين له الدين بلا رياء ولا سمعة، و من جانب آخر يجاهدون في سبيل الله بغية نشر الاِسلام ورفع راية التوحيد في أقطار العالم.
فعملهم هذا يغيظ الكفار ويسرّ الموَمنين ، قال سبحانه: (ومثلهم في الاِنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفّار ).
فالمجتمع الاِسلامي بإيمانه وعمله وجهاده وحركته الدوَوبة نحو التكامل يثير إعجاب الاَخلاّء وغيظ الاَلدّاء.
ثمّ إنّه سبحانه وعد طائفة خاصة من أصحاب محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) مغفرة وأجراً
( 254 )
عظيماً، وذلك لاَنّ المنافقين كانوا مندسّين في صفوف أصحابه، فلا يصح وعد المغفرة لكلّ من صحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورآه وعاش معه وقلبه خال من ا لاِيمان ، ولذلك قال سبحانه: (وَعَدَ اللهُ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات مِنْهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْراً عظيماً ) فكلمة "منهم" تعرب عن أنّ المغفرة لا تعم جميع الاَصحاب بل هي مختصة بطائفة دون أُخرى.
وما ربما يقال من أنّ "من" بيانية لا تبعيضية غير تام.
لاَنّ «من» البيانية لا تدخل على الضمير، ويوَيد ذلك قوله: (وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلى النّفاقِ لاتَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) . (1)
والحاصل: انّه لا يمكن القول بشمول أدلة المغفرة والاَجر العظيم لقاطبة من صحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أنّهم على أصناف شتى.
فمن منافق معروف، عرّفه الذكر الحكيم بقوله: (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُون).(2)
إلى آخر مختفٍ لا يعرفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال سبحانه: (وَمِنْ أَهْلِ المَدينَة مَرَدُوا علَى النّفاق لا تعلَمهم نَحنُ نَعْلَمهم ) .
إلى ثالث يصفهم الذكر الحكيم بمرضى القلوب، ويقول: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاّ غُرُوراً ) . (3)
إلى رابع سمّاعون لنعق كل ناعق فهم كالريشة في مهب الريح يميلون
____________
1 ـ التوبة:101.
2 ـ المنافقون:1.
3 ـ الاَحزاب:12.

( 255 )
تارة إلى المسلمين وأُخرى إلى الكافرين، يصفهم سبحانه بقوله (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً وَلاَوضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ وفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمين ) . (1)
إلى خامس خالط العمل الصالح بالسيّء يصفهم سبحانه بقوله: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وآخَرَ سَيّئاً ) . (2)
إلى سادس أشرفوا على الارتداد، عرّفهم الحق سبحانه بقوله: (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الحَقّ ظَنَّ الجاهِليةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الاََمْرِ مِنْ شَىْءٍ قُلْ إِنَّ الاََمْرَ كُلَّهُ للهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ ) . (3)
إلى سابع يصفه القرآن فاسقاً، و يقول: (يا أَيّها الّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبأٍ فَتَبَيَّنُوا أن تُصِيبُوا قَوماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِين ) . (4)
والمراد هو الوليد بن عقبة صحابي سمي فاسقاً، وقال تعالى: (فَإِنَّ اللهَ لا يَرضَى عَنِ القَوْمِ الفاسِقِين ).(5)
إلى ثامن يصفهم الذكر الحكيم مسلماً غير موَمن و يصرِّح بعدم دخول الاِيمان في قلوبهم، و يقول: (قالَتِ الاََعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُوَْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلمّا يَدْخُلِ الاِِيمانُ فِي قُلُوبِكُم ) . (6)
إلى تاسع أظهروا الاِسلام لاَخذ الصدقة لا غير، وهم الذين يعرفون
____________
1 ـ التوبة:47.
2 ـ التوبة:102.
3 ـ آل عمران:154.
4 ـ الحجرات:6.
5 ـ التوبة:96.
6 ـ الحجرات:14.

( 256 )
بالموَلّفة قلوبهم، قال: (إِنّما الصّدقاتُ لِلْفُقَراءِوَالْمَساكِين وَالعامِلِينَ عَلَيْها وَالمُوَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) . (1)
إلى عاشر يفرّون من الزحف فرار الغنم من الذئب، يقول سبحانه:
(يا أَيُّها الّذينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الّذينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الاََدْبار* وَمَنْ يُوَلِّهْم يَومَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحيِّزاً إِلى فئِةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمأْواهُ جَهَنَّمُ وَبئسَ المَصير ) . (2)
وكم نطق التاريخ بفرار ثلّة من الصحابة من ساحات الوغى، يقول سبحانه عند ذكر غزوة أُحد: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ ) (3)، ولم يكن الفرار مختصاً بغزوة أُحد بل عمّ غزوة حنين أيضاً، يقول سبحانه: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَة وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الاََرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِين ). (4)
هذه إلمامة عابرة بأصناف الصحابة المذكورة في القرآن الكريم، أفيمكن وعد جميع هذه الاَصناف بالمغفرة؟!
مضافاً إلى آيات أُخرى تصف أعمالهم.
نعم كان بين الصحابة رجال مخلصون يستدرُّ بهم الغمام، و قد وصفهم سبحانه في غير واحد من الآيات التي لا تنكر.
والكلام الحاسم: انّ وعد المغفرة لصنف منهم لا لجميع الاَصناف، كما أنّ عدالتهم كذلك.

____________
1 ـ التوبة:60.
2 ـ الاَنفال:15ـ 16.
3 ـ آل عمران:153.
4 ـ التوبة:25.

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net