متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
القناعة و الاقتصاد
الكتاب : الأخلاق عند الإمام الصادق (ع)    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

القناعة والاقتصاد

يحد الإنسان من شهواته ورغباته فيضمن لنفسه الراحة من العناء، ويوفر عليها كثيراً من الزمن، ويقتصد في المعيشة ويعتدل في حب المال، ويسمى الاعتدال في حب المال قناعة، ويسمى الاقتصاد في المعيشة رفقاًَ، ويقول فيه الإمام الصادق (ع): (الرفق في تقدير المعيشة خير من السعة في المال)[1] ويقول أيضاً: (ما زوي الرفق عن أهل بيت إلا زوي عنهم الخير)[2] ويقول: (ضمنت لمن أقتصد أن لا يفتقر)[3] وليس بين البخل وبين الاقتصاد صلة، ولكن من البخلاء من يعلل عن إمساكه بأنه نوع من الاقتصاد الذي يأمر به العقل، وهي علة يتعلق بها المذنب وعذر يسوقه إليه شعوره بالجريمة، الاقتصاد تنظيم معيشة الإنسان على ما يفرضه العقل الصحيح، وتتحمله المقدرة المالية فيعطى في موضع الإعطاء ويمسك في موضع الإمساك بلا سرفٍ ولا تقتير، والبخل هو المنع في موضع وجوب الإعطاء.

الاقتصاد هو التوازن العادل وطرفاه هما الإسراف والتقتير، أما الكرم والإيثار فهما لا ينافيان الاقتصاد إذا اقتضتهما الحكمة، وتحملتهما المقدرة، المقتصد سخي لأنه (يؤدي واجب الشريعة، وواجب المروءة، وواجب العادة ) والبخيل هو (الذي يمنع واحداً من هذه الواجبات ).

والقناعة صفة تقارب الاقتصاد في الأثر، وتقابله في المعنى، والفرق بينهما هو الفرق بين الخلق والسلوك، القناعة ملكة في الإنسان تكسبه الرضا بالقليل، والاكتفاء بما يسد الحاجة، والاقتصاد تنظيم المعيشة على ما تفرضه الحكمة وتدعو إليه الضرورة وأثر كل منهما اطمئنان النفس بما يحصل لها من القوت، والاقتصاد محتاج إلى مناعة قناعة في وجوده، والقناعة محتاجة إلى الاقتصاد في ظهورها في العمل، فيكون بين الوصفين تضامن في العمل واتحاد في الأثر.

خلق الإنسان وخلقت معه الحاجة والوسائل التي يسد بها تلك الحاجة، لابد للإنسان من القوت لأنه يريد ان يعيش ولابد له من الملبس لأنه يريد ان يجتمع، ولابد له من المسكن لأنه يريد ان يستقل، إذن فالإنسان محتاج إلى هذه الضرورات وإلى أمثالها من وسائل الحياة، وهو محتاج إلى مال يبلغه تلك الغايات، وإلى مكسب يوصله إلى المال، وكيف يحصل على الكسب بغير الاجتماع.

حلقات من الحاجة يتصل بعضها ببعض، ولا ينفك بعضها عن بعض، والمال بعض الحلقات المتصلة، ولا ينكر أحد أهميته في الحياة، ولكن الشيء الذي يستنكره العقل أن يجعل المال هو الغاية الأولى والأخيرة تحطم في سبيله كل غاية، وتستخدم في تحصيله كل وسيلة، وينبذ كل تشريع ونظام.

النفس ميالة إلى الشهوات، والمال يسهل لها طريق الحصول على هذه الغاية، هذا هو مبدأ الشر وهذه هي جرثومة الداء، هذا هو الذي يفسر لنا المبالغة التي نجدها في ذم المال والتحذير منه فإن التخلص من الأدواء التي يسببها جمع المال عسير جداً.

(ان الشيطان يدبر أبن آدم في كل شيء، فإذا أعياه جثم له عند المال فأخذ برقبته )[4] هذه كلمة يقولها الإمام الصادق (ع) في التحذير من المال وبالأحرى في التحذير من النقائص التي يسببها جمع المال، والشيطان يجثم لأبن آدم عند المال إذا أعياه في كل شيء، إذن فالمال أعظم شباك الشيطان وأكبر مصائده، والإنسان مفتقر إلى المال لأن الحاجة تدعوه إلى طلبه، وإذن فلا بد أن يلتقي الخصمان على مجزرة المال، ولابد أن يغلب المتيقظ منهما الغافل، ويظفر الجاد بالهازل، فإن المال باب الشهوات ومفتاح المطامع، والإنسان رهين أطماعه وعبد شهواته، وهكذا يستعبد الحر ويبلغ الشيطان أمنيته من عدوه فيأخذ برقبته رضي الإنسان بهذه النتيجة أم أباها.

وللشريعة الإسلامية نظرة معتدلة إلى المال، فهو خادم أمين يبلغ به الإنسان حاجته، وللخادم الأمين منزلته وله مقامه، على ان يبقى السيد سيداً، ويظل العبد عبداً، والمال وسيلة محبوبة توصل الإنسان إلى الخير، وتحصل له السعادة ووسيلة الخير خير، وسبب السعادة سعادة، على ان تبقى الوسيلة وسيلة والغاية غاية، وأما تحصيل المال بالسرقة والخيانة، والظلم في المعاملة والتعدي على الحقوق، و.. فهو أشد المحظورات عند الشرع والعقل، ومن أعظم المنكرات في العلم الأخلاق، لأنه يميت الغاية قبل الحصول على الوسيلة، وينقض الأساس قبل ان يتم البناء، ولست بحاجة إلى ذكر الشواهد على ذلك من كلمات الإمام الصادق (ع) لأن تحريم هذه الأشياء من ضروريات الدين الإسلامي.

ولست أذكر الربا والمرابين إلا بخير، فإن الربا اختلاس يبيحه النظام المدني، والمرابين سراق يحترمهم القانون، وماذا على المسلم إذا أكل الربا هنيئاً مادام القانون يثبت له هذا التجاوز، وما دامت المعاملات الربوية شائعة بين الناس, فليغتصب أموال الناس باسم النظام، وليموه على جريمة بإسم التأويل، وليكن بعد هذا محارباً لله ولرسوله في رأي القرآن، وليكن الربا أشد حرمة من الزنا في رأي الإمام الصادق (ع)، فإنه يتأول قبل ان يرتكب، وليس عليه بعد التأويل شيء.. وبعد فإن تحريم الربا فكرة يحب على المسلم ان يعترف بها في مقام الاعتقاد، وليس عليه ان يطبقها في مقام العمل.

والفقير قد يكون آمناً من أكثر هذه الجرائم التي تتعلق بالمال، ولكنه قد يتعرض لما هو أشد منها جرماًَ وأكبر أثماً.

قد يحمله الاعواز على ان يسرق، وقد يدعوه الفقر إلى ان يخون، أو يستدين ثم ينكر، وقد... وقد.، والفقير إلى جانب اليأس أقرب منه إلى طرف الرجاء، وإلى الجزع أكثر ميلاً منه إلى الصبر، وأكثر ما يقترفه من الذنوب نتيجة ذلك اليأس والثمرة ذلك الجزع، وأحاديث الأئمة من أهل البيت (ع) قد تنوعت للفقير بأنواع البشائر لتحيي فيه ميت الرجاء، وتبعث في قلبه روح الأمل، ثم أمرته بالكسب ورغبته في الاقتصاد، وللأمام الصادق (ع) كلمات تتصل بهذا البحث يجب ان تتخذ قواعد عامة في باب الاقتصاد، ومن هذه الكلمات قوله:

" لا تكسل في معيشتك فتكون كلا على غيرك"[5]

" ضمنت لمن أقتصد ان لا يفتقر"[6]

" أنظر من هو دونك في المقدرة، ولا تنظر إلى من هو فوقك "[7]

" السرف أمر يبغضه الله حتى طرحك النواة فإنها تصلح لشيء "[8].

" من كان رفيقاً في أمره نال ما يريد من الناس "[9] .

" تَعَوَّذوا بالله من غلبة الدين وغلبة الرجال "[10] .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net