متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل الخامس: في موعظة رسول (ص) لابي ذر
الكتاب : مكارم الأخلاق    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

الفصل الخامس
( في وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لابي ذر الغفاري رضي الله عنه )

    يقول مولاي أبي طول الله عمره الفضل بن الحسن : هذه الاوراق من وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لابي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ التي أخبرني بها الشيخ المفيد أبوالوفاء عبد الجبار بن عبد الله المقرئ الرازي والشيخ الاجل الحسن بن الحسين بن الحسن أبي جعفر محمد بن بابويه ـ رضي الله عنهما ـ إجازة قالا : أملى علينا الشيخ الاجل أبوجعفر محمد بن الحسن الطوسي ـ قدس سره ـ وأخبرني بذلك الشيخ العالم الحسين بن الفتح الواعظ الجرجاني في مشهد الرضا ( عليه السلام ) ، قال : أخبرنا الشيخ الامام أبوعلي الحسن بن محمد الطوسي ، قال : حدثني أبي الشيخ أبوجعفر ـ قدس سره ـ ، قال : أخبرنا جماعة عن أبي المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن المطلب الشيباني ، قال : حدثنا أبوالحسن رجاء بن يحيى العبرتائي الكاتب سنة أربع عشر وثلاثمائة وفيها مات ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن ميمون ، قال : حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الاصم ، عن الفضيل بن يسار ، عن وهب بن عبد الله الهناء ، قال حدثني أبوحرب بن أبي الاسود الدئلي ، عن أبي الاسود قال : قدمت الربذة فدخلت على أبي ذر جندب ابن جنادة ـ رضي الله عنه ـ فحدثني أبوذر قال : دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مسجده فلم أرفي المسجد أحدا من الناس إلا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلي ( عليه السلام ) إلى جانبه جالس فاغتنمت خلوة المسجد فقلت : يا رسول الله بأبي أنت


(459)

وأمي أوصني بوصية ينفعني الله بها ؟ فقال : نعم وأكرم بك يا أباذر إنك منا أهل البيت وإني موصيك بوصية فاحفظها ، فإنها جامعة لطرق الخير وسبله ، فإنك إن حفظتها كان لك بها كفلان.
    يا أباذر : اعبد الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك. واعلم أن أول عبادة الله المعرفة به فهو الاول قبل كل شيء فلا شيء قبله ، والفرد فلا ثاني له ، والباقي لا إلى غاية ، فاطر السموات والارض وما فيهما وما بينهما من شيء وهو الله اللطيف الخبير وهو على كل شيء قدير ، ثم الايمان بي والاقرار بأن الله تعالى أرسلني إلى كافة الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، ثم حب أهل بيتي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
    واعلم يا أباذر : إن الله عزوجل جعل أهل بيتي في أمتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن رغب عنها غرق ، ومثل باب حطة في بني إسرائيل من دخلها كان آمنا.
    يا أباذر : احفظ ما أوصيك به تكن سعيدا في الدنيا والاخرة.
    يا أباذر : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ.
    يا أباذر : اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك.
    يا أباذر : إياك والتسويف بعملك فإنك بيومك ولست بما بعده ، فإن يكن غد لك فكن في الغد كما كنت في اليوم. وإن لم يكن غدا لم تندم على ما فرطت في اليوم.
    يا أباذر : كم من مستقبل يوما لا يستكمله ، ومنتظر غدا لا يبلغه.
    يا أباذر : لو نظرت إلى الاجل ومسيره لابغضت الامل وغروره.
    يا أباذر : كن كأنك في الدنيا غريب أو كعابر سبيل. وعد نفسك من أصحاب القبور.
    يا أباذر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء. وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح. وخذ من صحتك قبل سقمك. ومن حياتك قبل موتك ، فإنك لا تدري ما اسمك غدا.
    يا أباذر : إياك أن تدركك الصرعة عند العثرة ، فلا تقال العثرة ، ولا تمكن من الرجعة. ولا يحمدك من خلفت بما تركت. ولا يعذرك من تقدم عليه بما اشتغلت به.


(460)

    يا أباذر : كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك.
    يا أباذر : هل ينتظر أحدكم إلا غنى مطغيا أو فقيرا منسيا أو مرضا مفسدا أو هرما مقعدا أو موتا مجهزا ، أو الدجال ، فإنه شر غائب ينتظر ، أو الساعة والساعة أدهى وأمر. إن شر الناس منزلة عندالله يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه. ومن طلب علما ليصرف به وجوه الناس إليه لم يجد ريح الجنة.
    يا أباذر : من ابتغى العلم ليخدع به الناس لم يجد ريح الجنة.
    يا أباذر : إذا سئلت عن علم لا تعلمه فقل : لا أعلمه ، تنج من تبعته ، ولا تفت بما لا علم لك به ، تنج من عذاب الله يوم القيامة.
    يا أباذر : يطلع قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون : ما أدخلكم النار وقد دخلنا الجنة بتأديبكم وتعليمكم ، فيقولون : إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله.
    يا أباذر : إن حقوق الله جل ثناؤه أعظم من أن يقوم بها العباد. وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد ، ولكن أمسوا وأصبحوا تائبين.
    يا أباذر : إنك في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة والموت يأتي بغتة. ومن يزرع خيرا يوشك أن يحصد خيرا. ومن يزرع شرا يوشك أن يحصد ندامة ولكل زارع مثل ما زرع ، لا يسبق بطئ لحظة ولا يدرك حريص ما لم يقدر له ومن أعطي خيرا فالله أعطاه ومن وقى شرا فالله وقاه.
    يا أباذر : المتقون سادة ، والفقهاء قادة ، ومجالستهم الزيادة. إن المؤمن ليرى ذنبه كأنه صخرة يخاف أن تقع عليه ، وإن الكافر يرى ذنبه كأنه ذباب مر على أنفه.
    يا أباذر : إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا جعل ذنوبه بين عينيه [ ممثلة والاثم عليه ثقيلا وبيلا ]. وإذا أراد بعد شرا أنساه ذنوبه.
    يا أباذر : لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيته.
    يا أباذر : إن المؤمن أشد ارتكاضا من الخطيئة من العصفور حين يقذف به في شركه.
    يا أباذر : من وافق قوله فعله فذاك الذي أصابه حظه. ومن خالف قوله فعله فإنما يوبق نفسه.
    يا أباذر : إن الرجل ليحرم رزقه بالذنب يصيبه.
    يا أباذر : دع ما لست منه في. فلا تنطق بما لا يعنيك. واخزن لسانك


(461)

كما تخزن ورقك.
    يا أباذر : إن الله جل ثناؤه ليدخل قوما الجنة فيعطيهم حتى يملوا وفوقهم قوم في الدرجات العلى ، فإذا نظروا إليهم عرفوهم فيقولون : ربنا إخواننا كنا معهم في الدنيا فبم فضلتهم علينا ؟ فيقال : هيهات هيهات إنهم كانوا يجوعون حين تشبعون ويظمؤن حين تروون ويقومون حين تنامون ويشخصون حين تخفضون.
    يا أباذر : جعل الله جل ثناؤه قرة عيني في الصلاة. وحبب إلي الصلاة كما حبب إلى الجائع الطعام ، وإلى الظمآن الماء. وإن الجائع إذا أكل شبع وإن الظمآن إذا شرب روى ، وأنا لا أشبع من الصلاة.
    يا أباذر : أيما رجل تطوع في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة كان له حقا واجبا بيت في الجنة.
    يا أباذر : إنك ما دمت في الصلاة فإنك تقرع باب الملك الجبار ، ومن يكثر قرع باب الملك يفتح له.
    يا أباذر : ما من مؤمن يقوم مصليا إلا تناثر عليه البر ما بينه وبين العرش ووكل به ملك ينادي : يا ابن آدم لو تعلم ما لك في الصلاة ومن تناجي ما انفتلت.
    يا أباذر : طوبى لاصحاب الالوية يوم القيامة يحملونها فيسبقون الناس إلى الجنة ، ألا : هم السابقون إلى المساجد بالاسحار وغير الاسحار.
    يا أباذر : الصلاة عماد الدين واللسان أكبر ، والصدقة تمحو الخطيئة واللسان أكبر ، والصوم جنة من النار واللسان أكبر ، والجهاد نباهة واللسان أكبر.
    يا أباذر : الدرجة في الجنة فوق الدرجة كما بين السماء والارض ، وإن العبد ليرفع بصره فيلمع له نور يكاد يخطف بصره فيفزع لذلك فيقول : ما هذا ؟ فيقال : هذا نور أخيك ، فيقول : أخي فلان كنا نعمل جميعا في الدنيا وقد فضل علي هكذا ، فيقال له : إنه كان أفضل منك عملا ، ثم يجعل في قلبه الرضا حتى يرضى.
    يا أباذر : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر وما أصبح فيها مؤمن إلا حزينا ، فكيف لا يحزن المؤمن وقد أوعده الله جل ثناؤه إنه وارد جهنم ولم يعده أنه صادر عنها وليلقين أمراضا ومصيبات وأمورا تغيظه وليظلمن فلا ينتصر ، يبتغي ثوابا من الله تعالى فلا يزال حزينا حتى يفارقها ، فإذا فارقها أفضى إلى الراحة والكرامة.


(462)

    يا أباذر : ما عبد الله عزوجل على مثل طول الحزن.
    يا أباذر : من أوتي من العلم ما لا يبكيه لحقيق أن يكون قد أوتي علما لا ينفعه ، إن الله نعت العلماء فقال عزوجل : ( إن الذين أوتو العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ، ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ).
    يا أباذر : من استطاع أن يبكي فليبك. ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن وليتباك ، إن القلب القاسي بعيد من الله تعالى ولكن لا يشعرون.
    يا أباذر : يقول الله تعالى : ( لا أجمع على عبد خوفين ولا أجمع له أمنين ، فإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة وإذا خافني في الدنيا آمنته يوم القيامة ).
    يا أباذر : لو أن رجلا كان له كعمل سبعين نبيا لاحتقره وخشي أن لا ينجو من شر يوم القيامة.
    يا أباذر : إن العبد ليعرض عليه ذنوبه يوم القيامة فيمن ذنب ذنوبه فيقول : أما إني كنت خائفا مشفقا فيغفر له.
    يا أباذر : إن الرجل ليعمل الحسنة فيتكل عليها ويعمل المحقرات حتى يأتي الله وهو عليه غضبان. وإن الرجل ليعمل السيئة فيفرق منها يأتي آمنا يوم القيامة.
    يا أباذر : إن العبد ليذنب الذنب فيدخل به الجنة ، فقلت : وكيف ذلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله ؟ قال : يكون ذلك الذنب نصب عينيه تائبا منه قارا إلى الله عزوجل حتى يدخل الجنة.
    يا أباذر : الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت. والعاجز من أتبع نفسه وهواها وتمنى على الله عزوجل الاماني.
    يا أباذر : إن أول شيء يرفع من هذه الامة : الامانة والخشوع حتى لا تكاد ترى خاشعا.
    يا أباذر : والذي نفس محمد بيده لو أن الدنيا كانت تعدل عندالله جناح بعوضة أو ذباب ما سقى الكافر منها شربة من ماء.
    يا أباذر : إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتغي به وجه الله. وما من شيء أبغض إلى الله تعالى من الدنيا خلقها ثم عرضها فلم ينظر إليها ولا ينظر إليها حتى


(463)

تقوم الساعة. وما من شيء أحب إلى الله من الايمان به وترك ما أمر بتركه.
    يا أباذر : إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى أخي عيسى عليه السلام : يا عيسى : لا تحب الدنيا فإني لست احبها وأحب الاخرة ، فإنما هي دار المعاد.
    يا أباذر : إن جبرئيل ( عليه السلام ) أتاني بخزائن الدنيا على بغلة شه باء فقال لي : يا محمد : هذه خزائن الدنيا ولا تنقصك من حظك عند ربك ، فقلت : حبيبي جبرئيل لا حاجة لي بها ، إذا شبعت شكرت ربي وإذا جعت سألته.
    يا أباذر : إذا أراد الله عزوجل بعبد خيرا فقهه في الدين وزهده في الدنيا وبصره بعيوب نفسه.
    يا أباذر : ما زهد عبد في الدنيا إلا أنبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وبصره بعيوب الدنيا ودائها ودوائها وأخرجه منها سالما إلى دار السلام.
    يا أباذر : إذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا فاستمع منه فإنه يلقن الحكمة ، فقلت : يا رسول الله : من أزهد الناس ؟ فقال : من لم ينس المقابر والبلى وترك فضل زينة الدنيا وآثر ما يبقى على ما يفنى ولم يعد غدا من أيامه وعد نفسه في الموتى.
    يا أباذر : إن الله تبارك وتعالى لم يوح إلي أن أجمع المال [ إلى المال ] ولكن أوحى إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين.
    يا أباذر : إني ألبس الغليظ واجلس على الارض وألعق أصابعي وأركب الحمار بغير سرج وأردف خلفي ، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
    يا أباذر : حب المال والشرف أذهب لدين الرجل من ذئبين ضاريين في زرب الغنم فأغارا فيها حتى أصبحا فماذا أبقيا منها ؟ قال : قلت : يا رسول الله الخائفون الخاضعون المتواضعون الذاكرون الله كثيرا ، أهم يسبقون الناس إلى الجنة ؟ فقال : لا ، ولكن فقراء المسلمين ، فإنهم يأتون يتخطون رقاب الناس ، فيقول لهم خزنة الجنة كما أنتم حتى تحاسبوا ، فيقولون : بم نحاسب ؟ فوالله ما ملكنا فنجور ونعدل ولا افيض علينا فنقبض ونبسط ولكن عبدنا ربنا حتى دعانا فأجبنا.
    يا أباذر : إن الدنيا مشغلة للقلوب والابدان وإن الله تبارك وتعالى سائلنا عما نعمنا في حلاله فكيف بما أنعمنا في حرامه ؟
    يا أباذر : إني قد دعوت الله جل ثناؤه إن يجعل رزق من يحبني كفافا وأن


(464)

يعطني من يبغضني كثرة المال والولد.
    يا أباذر : طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الاخرة الذين اتخذوا أرض الله بساطا وترابها فراشا وماءها طيبا واتخذوا كتاب الله شعارا ودعاءه دثارا ، يقرضون
    الدنيا قرضا.
    يا أباذر : حرث الاخرة العمل الصالح. وحرث الدنيا المال والبنون.
    يا أباذر : إن ربي أخبرني ، فقال : وعزتي وجلالي ما أدرك العابدون درك البكاء وإني لابني لهم في الرقيق الاعلى قصرا لا يشركهم فيه أحد. قال : قلت : يا رسول الله : أي المؤمنين أكيش ؟ قال : أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا.
    يا أباذر : إذا دخل النور القلب انفسح القلب واتسع ، قلت : فما علامة ذلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الانابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله.
    يا أباذر : اتق الله ولا تر الناس إنك تخشى الله فيكرموك وقلبك فاجر.
    يا أباذر : ليكن لك في كل شيء نية صالحة حتى في النوم والاكل.
    يا أباذر : لتعظم جلال الله في صدرك ، فلا تذكره كما يذكره الجاهل عند الكلب : اللهم اخزه عند الخنزير : اللهم اخزه.
    يا أباذر : إن لله ملائكة قياما من خيفة الله ما رفعوا رؤوسهم حتى ينفخ في الصور النفخة الاخرة فيقولون جميعا : سبحانك [ ربنا ] وبحمدك ما عبدناك كما ينبغي لك أن تعبد.
    يا أباذر : لو كان لرجل عمل سبعين نبيا لاستقل عمله من شدة ما يرى يومئذ ، ولو أن دلوا من غسلين صب في مطلع الشمس لغلت منه جماجم من في مغربها ، ولو زفرت جهنم زفرة لم يبق ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر جاثيا على ركبتيه يقول : رب [ ارحم ] نفسي حتى ينسى إبراهيم إسحق ويقول : يا رب أنا خليلك إبراهيم فلا تنسني.
    يا أباذر : لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت من سماء الدنيا في ليلة ظلماء لاضاءت الارض أفضل مما يضيئها القمر ليلة البدر ، ولوجد ريح نشرها جميع أهل الارض.
    ولو أن ثوبا من ثياب أهل الجنة نشر اليوم في الدنيا لصعق من ينظر إليه وما حملته أبصارهم.


(465)

    يا أباذر : اخفض صوتك عند الجنائز وعند القتال وعند القرآن.
    يا أباذر : إذا تبعت جنازة فليكن عقلك فيها مشغولا بالتفكر والخشوع واعلم أنك لاحق به.
    يا أباذر : اعلم أن كل شيء إذا فسد فالملح دواؤه فإذا فسد الملح فليس له دواء.
    واعلم أن فيكم خلقين : الضحك من غير العجب ، والكسل من غير سهو.
    يا أباذر : ركعتان مقتصدتان في التفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه.
    يا أباذر : الحق ثقيل مر والباطل خفيف حلو. ورب شهوة ساعة توجب حزنا طويلا.
    يا أباذر : لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس في جنب الله أمثال الاباعر ثم يرجع إلى نفسه فيكون هو أحقر حاقر لها.
    يا أباذر : لا تصيب حقيقة الايمان حتى ترى الناس كلهم حمقى في دينهم وعقلاء في دنياهم.
    يا أباذر : حاسبك نفسك قبل أن تحاسب فهو أهون لحاسبك غدا. وزن نفسك قبل أن توزن ، وتجهز للعرض الاكبر يوم تعرض لا تخفى منك على الله خافية.
    يا أباذر : استح من الله ، فإني والذي نفسي بيده لا أزال حين أذهب إلى الغائط مقنعا بثوبي أستحي من الملكين الذين معي.
    يا أباذر : أتحب أن تدخل الجنة ؟ قلت نعم ، فداك أبي ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : فاقصر من الامل ، واجعل الموت نصب عينيك. واستح من الله حق الحياء ، قال : قلت : يا رسول الله ، كلنا نستحي من الله ، قال : ليس ذلك الحياء ولكن الحياء من الله أن لا تنسى المقابر والبلى ، وتحفظ الجوف وما وعى ، والرأس وما حوى. ومن أراد كرامة الاخرة فليدع زينة الدنيا ، فإذا كنت كذلك أصبت ولاية الله.
    يا أباذر : يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح.
    يا أباذر : مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر.
    يا أباذر : إن الله يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده ويحفظه في دويرته والدور حوله ما دام فيهم.
    يا أباذر إن ربك عزوجل يباهي الملائكة بثلاثة نفر : رجل في أرض قفر ( مكارم الاخلاق ـ 30 )


(466)

فيؤذن ثم يقيم ثم يصلي ، فيقول : ربك للملائكة : انظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه أحد غيري ، فينزل سبعون ألف ملك يصلون وراه ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم. ورجل قام من الليل فصلى وحده فسجد ونام وهو ساجد ، فيقول الله تعالى : انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده ساجد. ورجل في زحف فر أصحابه وثبت هو يقاتل حتى يقتل.
    يا أباذر : ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الارض إلا شهدت له بها يوم القيامة. وما من منزل ينزله قوم إلا وأصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم.
    يا أباذر : ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الارض ينادي بعضها بعضا يا جارة هل مر بك من ذكر الله تعالى أو عبد وضع جبهته عليك ساجدا لله ؟ فمن قائلة : لا ، ومن قائلة نعم ، فإذا قالت : نعم اهتزت وانشرحت وترى أن لها الفضل على جارتها.
    يا أباذر : إن الله جل ثناؤه لما خلق الارض وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الارض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة فلم تزل الارض والشجر كذلك حتى تكلم فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة ، قولهم : اتخذ الله ولدا فلما قالوها اقشعرت الارض وذهبت منفعة الاشجار.
    يا أباذر : إن الارض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا.
    يا أباذر : إذا كان العبد في أرض قفر فتوضأ أو تيمم ثم أذن وأقام وصلى ، أمر الله عزوجل الملائكة فصفوا خلفه صفا لا يرى طرفاه ، يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه.
    يا أباذر : من أقام ولم يؤذن لم يصل معه إلا ملكاه اللذان معه.
    يا أباذر : ما من شاب ترك الدنيا وأفنى شبابه في طاعة الله إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقا.
    يا أباذر : الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين.
    يا أباذر : الجليس الصالح خير من الوحدة ، والوحدة خير من جليس السوء.
    وإملاء الخير خير من السكوت ، والسكوت خير من إملاء السوء.
    يا أباذر : لا تصاحب إلا مؤمنا. ولا يأكل طعامك إلا تقي. ولا تأكل طعام الفاسقين.
    يا أباذر : أطعم طعامك من تحبه في الله. وكل طعام من يحبك في الله عزوجل.


(467)

    يا أباذر : إن الله عزوجل عند لسان كل قائل ، فليتق الله امرؤ وليعلم ما يقول.
    يا أباذر : اترك فضول الكلام وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك.
    يا أباذر : كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع.
    يا أباذر : ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان.
    يا أباذر : إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ، وإكرام حملة القرآن العاملين ، وإكرام السلطان المقسط.
    يا أباذر : ما عمل من لم يحفظ لسانه.
    يا أباذر : لا تكن عيابا ولا مداحا ولا طعانا ولا مماريا.
    يا أباذر : لا يزال العبد يزداد من الله بعد ما ساء خلقه.
    يا أباذر : الكلمة الطيبة صدقة ، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة.
    يا أباذر : من أجاب داعي الله وأحسن عمارة مساجد الله كان ثوابه من الله الجنة.
    فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله كيف يعمر مساجد الله ؟ قال : لا يرفع فيها الاصوات ولا يخاض فيها بالباطل ولا يشتري فيها ولا يباع ، فاترك اللغو ما دمت فيها ، فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك.
    يا أباذر : إن الله تعالى يعطيك ما دمت جالسا في المسجد بكل نفس تنفست فيه درجة في الجنة ، وتصلي عليك الملائكة ، ويكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات ويمحى عنك عشر سيئات.
    يا أباذر : أتعلم في أي شيء أنزلت هذه الاية اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ؟ قلت : لا أدري فداك أبي وأمي ، قال : في انتظار الصلاة خلف الصلاة.
    يا أباذر : إسباغ الوضوء في المكاره من الكفارات. وكثرة الاختلاف إلى المساجد فذلكم الرباط.
    يا أباذر : يقول الله تبارك وتعالى : إن أحب العباد إلى المتحابون من أجلي ، المتعلقة قلوبهم بالمساجد والمستغفرون بالاسحار ، اولئك إذا أردت بأهل الارض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم.
    يا أباذر : كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاث : قراءة مصل ، أو ذكر الله ،


(468)

أو سائل عن علم.
    يا أباذر : كن بالعمل بالتقوى أشد اهتماما منك بالعمل ، فإنه لا يقل عمل بالتقوى وكيف يقل عمل يتقبل ، يقول الله عزوجل : إنما يتقبل الله من المتقين.
    يا أباذر : لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه ، فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه ومن أين ملبسه ، أمن حل أم من حرام.
    يا أباذر : من لم يبال من أين يكتسب المال لم يبال الله عزوجل من أين أدخله النار.
    يا أباذر : من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله عزوجل.
    يا أباذر : إن أحبكم إلى الله جل ثناؤه أكثركم ذكرا له. وأكرمكم عندالله عز وجل أتقاكم له. وأنجاكم من عذاب الله أشدكم له خوفا.
    يا أباذر : إن المتقين الذين يتقون من الشيء الذي لا يتقى منه ، خوفا من الدخول في الشبهة.
    يا أباذر : من أطاع الله عزوجل فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن.
    يا أباذر : ملاك الدين الورع ورأسه الطاعة.
    يا أباذر : كن ورعا تكن أعبد الناس ، وخير دينكم الورع.
    يا أباذر : فضل العلم خير من فضل العبادة ، واعلم أنكم لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالاوتار ما ينفعكم ذلك إلا بورع.
    يا أباذر : إن أهل الورع والزهد في الدنيا هم أولياء الله تعالى حقا.
    يا أباذر : من لم يأت يوم القيامة بثلاث فقد خسر. قلت : وما الثلاث ، فداك أبي وأمي ؟ قال : ورع يحجزه عما حرم الله عزوجل عليه ، وحلم يرد به جهل السفهاء ، وخلق يداري به الناس.
    يا أباذر : إن سرك أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله عزوجل. وإن سرك أن تكون أكرم الناس فاتق الله. وإن سرك أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدالله عزوجل أوثق منك بما في يدك.
    يا أباذر : لو أن الناس كلهم أخذوا بهذه الاية لكفتهم : ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره.


(469)

    يا أباذر : يقو الله جل ثناؤه : وعزتي وجلالي لا يؤثر عبدي هواي على هواه إلا جعلت غناه في نفسه وهمومه في آخرته وضمنت السموات والارض رزقه وكففت عنه ضيقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر.
    يا أباذر : لو أن ابن آدم فر من رزقه كما يفر من الموت لادركه كما يدركه الموت.
    يا أباذر : ألا أعلمك كلمات ينفعك الله عزوجل بهن ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : احفظ الله يحفظك. احفظ الله تجده أمامك. تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة. وإذا سألت فاسأل الله عزوجل. وإذا استعنت فاستعن بالله ، فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ، فلو أن الخلق كلهم جهدوا أن ينفعوك بشيء لم يكتب لك ما قدروا عليه ، ولو جهدوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك ما قدروا عليه. فإن استطعت أن تعمل لله عزوجل بالرضا في اليقين فافعل ، وإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا. وإن النصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسرا.
    يا أباذر : استغن بغنى الله يغنك الله ، فقلت : وما هو يا رسول الله ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : غداء يوم وعشاء ليلة ، فمن قنع بما رزقه الله فهو أغنى الناس.
    يا أباذر : إن الله عزوجل يقول : إني لست كلام الحكيم أتقبل ولكن همه وهواه ، فإن كان همه وهواه فيما أحب وأرضى جعلت صمته حمدا لي وذكرا [ ووقارا ] وإن لم يتكلم.
    يا أباذر : إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وأقوالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
    يا أباذر : التقوى ههنا التقوى ههنا ، وأشار إلى صدره.
    يا أباذر : أربع لا يصيبهن إلا مؤمن : الصمت وهو أول العبادة ، والتواضع لله سبحانه ، وذكر الله تعالى في كل حال وقلة الشيء يعني قلة المال.
    يا أباذر : هم بالحسنة وإن لم تعملها لكيلا تكتب من الغافلين.
    يا أباذر : من ملك ما بين فخذيه وبين لحييه دخل الجنة ، قلت : يا رسول الله وإنا لنؤاخذ بما تنطق به ألسنتنا ؟ قال : يا أباذر : وهل يكتب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ، إنك لا يزال سالما ما سكت فإذا تكلمت كتب الله لك أو عليك.


(470)

    يا أباذر : إن الرجل يتكلم بالكلمة في المجلس لينصحكم بها فهوى في جهنم ما بين السماء والارض.
    يا أباذر : ويل للذي يحدث ويكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له ويل له.
    يا أباذر : من صمت نجا ، فعليك بالصدق ولا تخرجن من فيك كذبا أبدا.
    قلت : يا رسول الله فما توبة الرجل الذي كذب متعمدا ؟ قال : الاستغفار والصلوات الخمس تغسل ذلك.
    يا أباذر : إياك والغيبة ، فإن الغيبة أشد من الزنا ، قلت : يا رسول الله ولم ذلك بأبي أنت وأمي ؟ قال : لان الرجل يزني ويتوب إلى الله فيتوب الله عليه ، والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها.
    يا أباذر : سباب المؤمن فسوق ، وقتالة كفر ، وأكل لحمه من معاصي الله ، وحرمة ماله كحرمة دمه. قلت : يا رسول الله وما الغيبة ؟ قال : ذكرك أخاك بما يكره ، قلت : يا رسول الله فإن كان فيه ذاك الذي يذكر به ؟ قال : اعلم إنك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته.
    يا أباذر : من ذب عن أخيه المسلم الغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار.
    يا أباذر : من اغتيب عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فنصره نصره الله عزوجل في الدنيا والاخرة ، فإن خذله هو يستطيع نصره خذله الله في الدنيا والاخرة.
    يا أباذر : لا يدخل الجنة قتات ، قلت : وما القتات ؟ قال : النمام.
    يا أباذر : صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله عزوجل في الاخرة.
    يا أباذر : من كان ذا وجهين ولسانين في الدنيا فهو ذو لسانين في النار.
    يا أباذر : المجالس بالامانة وإفشاء سر أخيك خيانة فاجتنب ذلك واجتنب مجلس العشيرة.
    يا أباذر : تعرض أعمال أهل الدنيا على الله من الجمعة إلى الجمعة في يوم الاثنين والخميس فيستغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال : أتركوا عمل هذين حتى يصطلحا.
    يا أباذر : إياك وهجران أخيك ، فإن العمل لا يتقبل مع الهجران.
    يا أباذر : أنهاك عن الهجران ، وإن كنت لابد فاعلا تهجره فوق ثلاثة أيام


(471)

[ كملا ] ، فمن مات فيها مهاجرا لاخيه كانت النار أولى به.
    يا أباذر : من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار.
    يا أباذر : من مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر لم يجد رائحة الجنة إلا أن يتوب قبل ذلك. فقال رجل : يا رسول الله إني ليعجبني الجمال حتى وددت إن علاقة سوطي وقبال نعلي حسن فهل يرهب على ذلك ؟ قال : كيف تجد قلبك ؟ قال : أجده عارفا للحق مطمئنا إليه. قال : ليس ذلك بالكبر ولكن الكبر أن تترك الحق وتتجاوزه إلى غيره وتنظر إلى الناس ولا ترى إن أحدا عرضه كعرضك ولا دمه كدمك.
    يا أباذر : أكثر من يدخل النار المستكبرون. فقال رجل : وهل ينجو من الكبر أحد يا رسول الله ؟ قال : نعم ، من لبس الصوف وركب الحمار وحلب الشاة وجالس المساكين.
    يا أباذر : من حمل بضاعته فقد برئ من الكبر يعني ما يشترى من السوق.
    يا أباذر : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله عزوجل إليه يوم القيامة.
    يا أباذر : أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ولا جناح عليه فيما بينه وبين كعبيه.
    يا أباذر : من رفع ذيله وخصف نعله وعفر وجهه فقد برئ من الكبر.
    يا أباذر : من كان له قميصان فليلبس أحدهما وليلبس الاخر أخاه.
    يا أباذر : سيكون ناس من أمتي يولدون في النعيم ويغذون به ، همتهم ألوان الطعام والشراب ويمدحون بالقول اولئك شرار أمتي.
    يا أباذر : من ترك لبس الجمال وهو يقدر عليه تواضعا لله عزوجل في غير منقصة وأذل نفسه في غير مسكنة وأنفق ما جمعه في غير معصية ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة ، طوبى لمن صلحت سريرته وحسنت علانيته وعزل عن الناس شره ، طوبى لمن عمل بعلمه وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله.
    يا أباذر : البس الخشن من اللباس ، والصفيق من الثياب لئلا يجد الفخر فيك مسلكا.
    يا أباذر : يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم ، يرون أن لهم الفضل بذلك على غيرهم اولئك تلعنهم ملائكة السموات والارض.
    يا أباذر : ألا أخبرك بأهل الجنة ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : كل أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لابره.


(472)

    قال أبوذر رضي الله عنه. ودخلت يوما على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو في المسجد جالس وحده فاغتنمت خلوته ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا أباذر : إن للمسجد تحية ، قلت : وما تحيته يا رسول الله ؟ قال : ركعتان تركعهما.
    ثم التفت إليه فقلت : يا رسول الله أمرتني بالصلاة ، فما الصلاة ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الصلاة خير موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أكثر.
    قلت : يا رسول الله أي الاعمال أحب إلى الله عزوجل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الايمان بالله ، ثم الجهاد في سبيله.
    قلت : يا رسول الله أي المؤمنين أكمل إيمانا ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أحسنهم خلقا.
    قلت : وأي المؤمنين أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من سلم المسلمون من لسانه ويده.
    قلت : وأي الهجرة أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من هجر السوء.
    قلت : وأي الليل أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : جوف الليل الغابر.
    قلت : فأي الصلاة أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : طول القنوت.
    قلت فأي الصوم أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : فرض مجزئ وعندالله أضعاف ذلك.
    قلت : وفأي الصدقة أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : جهد من مقل إلى فقير في سر.
    قلت : وأي الزكاة أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها.
    قلت : وأي الجهاد أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما عقر فيه جواده واهريق دمه.
    قلت : وأي آية أنزلها الله عليك أعظم ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : آية الكرسي.
    قال قلت : يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم ( عليه السلام ) ؟ قال : كانت أمثالا كلها : أيها الملك المسلط المبتلي إني لم أبعثك لتجتمع الدنيا بعضها على بعض ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردها وإن كانت من كافر أو فاجر فجوره على نفسه. وكان فيها أمثال : وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ثلاث ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يفكر فيها في صنع الله تعالى ، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدم وأخر ، وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال من المطعم والمشرب. وعلى العاقل أن يكون ظاعنا إلا في ثلاث : تزود لمعاد ، أو مرمة لمعاش ، أو لذة في غير محرم. وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه. ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.


(473)

    قلت : يا رسول الله فما كانت صحف موسى ( عليه السلام ) ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : كانت عبرا كلها : عجب لمن أيقن بالنار ثم ضحك ، عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، عجب لمن أبصر الدنيا وتقلبها بأهلها حالا بعد حال ثم هو يطمئن إليها ، عجب لمن أيقن بالحساب غدا ثم لم يعمل.
    قلت : يا رسول الله فهل في الدنيا شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام مما أنزله الله عليك ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إقرأ يا أباذر : قد أفلح من تزكى ، وذكر اسم ربه فصلى ، بل تؤثرون الحياة الدنيا ، والاخرة خير وأبقى ، إن هذا ـ يعني ذكره هذه الاربع الايات ـ لفي الصحف الاولى ، صحف إبراهيم وموسى.
    قلت : يا رسول الله أوصني ؟ قال : أوصيك بتقوى الله ، فإنه رأس أمرك كله.
    فقلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : عليك بتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل ، فإنه ذكر لك في السماء ونور في الارض.
    قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : عليك بالجهاد ، فإنه رهبانية أمتي.
    قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : عليك بالصمت إلا من خير ، فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على امور دينك.
    قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إياك وكثرة الضحك ، فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه.
    قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : انظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك ، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك.
    قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : صل قرابتك وإن قطعوك. وأحب المساكين وأكثر مجالستهم.
    قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : قل الحق وإن كان مرا.
    قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا تخف في الله لومة لائم.
    قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا أباذر : ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك ولا تجر عليهم فيما تأتي ، فكفى بالرجل عيبا أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه ويجر عليهم فيما يأتي. قال : ثم ضرب على صدري وقال : يا أباذر : لا عقل كالتدبير ، ولا ورع كالكف عن المحارم ، ولا حسب كحسن الخلق.


(474)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net