متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المقدمة
الكتاب : مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

سلسلة مصادر بحار الانوار ـ 2

مُسَكِنُ الفُؤادِ
عند فقد الأحبة والأولاد

تأليف
الشهيد الثاني الشيخ زين الدين
علي بن محمد الجبعي العاملي
(911 ـ 965 هـ)

تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث


(2)


(3)

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الله تعالى بمقتضى غناه وجوده وكرمه ، شاء أن ينعم على ابن آدم من نعمه الجزيلة ، فأنعم عليه بأول نعمة الوجود وإخراجه من حيز العدم. ثم سخر له ما في الأرض جميعاً وجعله سيد هذه الكرة ، يتصرف في ترابها ومائها وجوها ، ويذل له كل ما عليها من حيوان ، ويخضع له نباتها ومعدنها وجميع كنوزها.
    ثم أنعم عليه بالهداية إليه بإرسال الرسل وإنزال الكتب التي تضمن له رضى ربه وسعادة معاشه ومعاده إن أطاع الله.
    وكان بعد هذا الإنعام الجزيل والهداية الواضحة الإختبار والإمتحان وهما لا يكونان إلا بالإبتلاء بنقص النعمة أو البلاء في نفس الانسان وماله.
    وهنا يعرف الصابر المحتسب من الضجر الجازع.
    وقد وعد سبحانه الصابرين بالأجر الجزيل ، ووعدهم بأن يوفيهم أجرهم بغير حساب ، وأعلمهم أنّه هو تعالى معهم إن صبروا.
    قال الإمام الباقر عليه السلام : إنما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر ، دينه ـ أو قال ـ على حسب دينه (1).
    وقال الامام الصادق عليه السلام : إن الله إذا أحب عبداً غته بالبلاء غتا (2).


1 ـ الكافي 2 : 197 / 9 ، مشكاة الانوار : 298.
2 ـ الكافي 2 : 197 / 6.


(4)

    وقال عليه السلام : إن عظيم الأجر مع عظيم البلاء (1).
    ولذا كان أشد الناس بلاءً ـ كما في الحديث ـ الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل (2).
    قال النبي صلى الله عليه وآله : نحن ـ معاشر الأنبياء ـ أشد بلاء والمؤمن الأمثل فالامثل ، ومن ذاق طعم البلاء تحت ستر حفظ الله له ، تلذذ به أكثر من تلذذه بالنعمة (3).
    وجعل رأس طاعة الله الصبر بنصف الإيمان وعده من مفاتيح الأجر وقرر ان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا الجسد لمن لا رأس له ولا إيمان لمن لا صبر له ، ومن صبر كان له أجر ألف شهيد.
    ولذا قال الإمام علي عليه السلام : إن صبرت جرى عليك القضاء وانت مأجور ، وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مأزور (4).
    قال الامام الكاظم عليه السلام : ضرب الرجل على فخذه عند المصيبة إحباط أجره (5).
    وتختلف المصائب الواحدة عن الاُخرى فمن مرض مزمن إلى اسارة محقرة إلى فقد المال و ...
    ومن الامور الهامة فقد الأحبة والاولاد ـ وقد وردت روايات كثيرة في هذا الباب منها : من قدم من ولده ثلاثاً صابرا محتسبا كان محجوبا من النار بإذن الله (6) وان ذلك له جنة حصينه.
    وفي جواب الله لداود عليه السلام عندما قال : ما يعدل هذا الولد عندك ؟


1 ـ الكافي 2 : 196 / 3.
2 ـ رواه الكليني في الكافي 2 : 196 / 1 ، وابن ماجة في سننه 2 : 1334 / 4023 ، والترمذي في سننه 4 : 28 / 2509 ، وأحمد في مسنده 1 : 172 ، 180 ، 185 ، والدارمي في سننه 2 : 320 ، والحاكم النيشابوري في مستدركه 1 : 41 باختلاف يسير.
3 ـ مصباح الشريعة : 487.
4 ـ نهج البلاغة 3 : 224 / 291.
5 ـ الكافي 3 : 225 / 9.
6 ـ الجامع الكبير 1 : 817.


(5)

قال : يارب كان يعدل هذا عندي ملء الأرض ذهباً ، قال : فلك عندي يوم القيامة ملء الأرض ثواباً (1).
    لقد ذهب الرسول الأعظم إلى أكثر من ذلك بقوله : ... إني مكاثر بكم الامم حتى أن السقط ليظل محبنطئاً على باب الجنة ، فيقال له : ادخل الجنة ، فيقول : أنا وأبواي ؟ فيقال : أنت وأبواك (2).
    وقد وردت الروايات الكثيرة بتقديم التعازي لصاحب المصيبة ليخفف عنه المصاب ، فعن ابن مسعود عن النبي ، قال صلى الله عليه وآله : من عزى مصاباً فله مثل أجره (3).
    وعن أبي برزة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : من عزى ثكلى كسي برداً في الجنة (4).
    هذا ، وإن البكاء على الميت لا يقل من الاجر ولا يضر بالثواب ، فإن أول من بكى آدم على ولده هابيل ورثاه بأبيات مشهورة وحزن عليه حزناً كثيراً ، وحال يعقوب أشهر من أن يذكر فقد أبيضت عيناه من الحزن على يوسف وبكى عليه كثيراً.
    وأما سيدنا ومولانا علي بن الحسين عليه السلام فقد بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله ، فإذا حضر الإفطار جاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه ، ويقول : كل يا مولاي ، فيقول : قتل ابن رسول الله جائعا ، قتل ابن رسول الله عطشانا ، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل (5).
    ولذا قال رسول الله (ص) : تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب (6).
    ومن الذين أبلوا بلاء حسناً في الصبر عند فقد الأحبة والأولاد أبو ذر الغفاري


1 ـ رواه الشيخ ورام في تنبيه الخواطر 1 : 287 ، والسيوطي في الدر المنثور 5 : 306 باختلاف في الفاظه.
2 ـ رواه السيوطي في الجامع الصغير 2 : 55 / 4724. والمتقي الهندي في منتخب كنز العمال 6 : 390 عن ابن عباس.
3 ـ الجامع الكبير 1 : 801.
4 ـ سنن الترمذي 2 : 269 / 1082.
5 ـ اللهوف في قتلى الطفوف : 87.
6 ـ سنن ابن ماجة 1 : 506 / 1589 ، ومنتخب كنز العمال 6 : 265.


(6)

رضي الله عنه الذي لم يعش له ولد ، وقوله : الحمد لله الذي يأخذهم من دار الفناء ويدخرهم في دار البقاء (1).
    فلنا بهم أحسن العبر وأجلها ، وهم لنا اسوة حسنة وما أكثر الصابرين المحتسبين في سبيل الله.
    ومن اولئك الذين اصيبوا بهذا المصاب وفقدوا الاحبة والاولاد شيخنا الشهيد الثاني قدس الله روحه الزاكية.
    وقد ذكر صاحب روضات الجنات (2) فقد لأولاده ومصيبته بهم حيث يتوفون صغاراً.
    وقال السيد الامين : « وكان لا يعيش له أولاد ، فمات له أولاد ذكور كثيرون قبل الشيخ حسن الذي كان لا يثق بحياته أيضاً » (3).
    وقال الشيخ عباس القمي في معرض حديثه عن الشيخ حسن بن الشهيد : « ولم يكن مرجو البقاء بعد ما قد اصيب والده بمصائب أولاد كثيرين من قبله » (4).


1 ـ رواه المتقي الهندي في منتخب كنز العمال 1 : 212 ، وأخرجه المجلسي في البحار 82 : 142.
2 ـ روضات الجنات 3 : 379.
3 ـ أعيان الشيعة 7 : 144.
4 ـ الكنى والالقاب 2 : 349.



 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net