متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
فى الرضا
الكتاب : مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق
الباب الثالث
{ في الرضا }

    قال الله تعالى : ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتيكم ) (1) ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) (2).
    إعلم أن الرضا ثمرة المحبة لله ، من أحب شيئاً أحب فعله والمحبة ثمرة المعرفة ، فإن من أحب شخصاً إنسانياً لا شتماله على بعض صفات الكمال أو نعوت الجمال ، يزداد حبه له كلما زاد به معرفة وله تصوراً.
    فمن نظر بعين بصيرته إلى جلال الله تعالى وكماله ـ الذي يطول شرح تفصيل بعضه ، ويخرج عن مقصود الرسالة ـ أحبه ، والذين آمنوا أشد حباً لله ، ومتى أحبه استحسن كل أثر صادر عنه ، وهو يقتضي الرضا.
    فالرضا ثمرة من ثمرات المحبة ، بل كل كمال فهو ثمرتها ، فإنها لما كانت فرع المعرفة استلزم تصور رحمته رجاؤه ، وتصور هيبته الخشية له ، ومع عدم الوصول إلى المطلوب الشوق ، ومع الوصول الأنس ، ومع إفراط الأنس الإنبساط ، ومع مطالعة عنايته التوكل ، ومع استحسان ما يصدر عنه الرضا ، ومع تصور قصور نفسه في جنب كماله وكمال إحاطة محبوبه به وقدرته عليه التسليم إليه ، ويتشعب من التسليم مقامات عظيمة ، يعرفها من عرفها ، وينتهي الأمر به إلى غاية كل كمال.
    واعلم ان الرضا فضيلة عظيمة للإنسان ، بل جماع أمر الفضائل يرجع إليها ، وقد نبه الله تعالى على فضله ، وجعله مقروناً برضا الله تعالى وعلامة له ، فقال : ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) (3).
    ( ورضوان من الله أكبر ) (4) وهو نهاية الاحسان ، وغاية الإمتنان.
    وجعله النبي صلى الله عليه وآله دليلاً على الايمان ، حين سأل طائفة من أصحابه ، « ما أنتم ؟ » قالوا : مؤمنون ، فقال : « ما علامة إيمانكم ؟ » قالوا نصبر على البلاء ، ونشكر عند الرخاء ، ونرضى بمواقع القضاء ، فقال : « مؤمنون ورب الكعبة » (5).


1 ـ الحديد 57 : 23.
2 ـ المائدة 5 : 119 ، التوبة 9 : 100 المجادلة 58 : 22 ، البينة 98 : 8.
3 ـ المائدة 5 : 119 ، والتوبة 9 : 100 ، والمجادلة 58 : 22 ، والبينة 98 : 8.
4 ـ التوبة 9 : 72.
5 ـ ورد باختلاف في ألفاظه في التمحيص : 61 : 137 ، ودعائم الاسلام 1 : 223 وأخرجه الفيض


(80)

    وقال صلى الله عليه وآله : « إذا أحب الله عبداً ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، فإن رضي اصطفاه » (1).
    وقال صلى الله عليه وآله : « إذا كان يوم القيامة أنبت الله تعالى لطائفة من أمتي أجنحة ، فيطيرون من قبورهم إلى الجنان ، يسرحون فيها ، ويتنعمون كيف يشاؤون ، فتقول لهم الملائكة : هل رأيتم الحساب ؟ فيقولون : ما راينا حساباً ، فيقولون : هل جزتم الصراط ؟ فيقولون : ما رأينا صراطاً ، فيقولون : هل رايتم جهنم ؟ فيقولون : ما راينا شيئاً ، فتقول الملائكة : من اُمة من أنتم ؟ فيقولون من اُمة محمد صلى الله عليه وآله ، فيقولون : نشدناكم الله ، حدثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا ؟ فيقولون : خصلتان كانتا فينا ، فبلغنا الله تعالى هذه المنزلة بفضل رحمته ، فيقولون : وما هما ؟ فيقولون : كنا إذا خلونا نستحي أن نعصيه ، ونرضى باليسير مما قسم لنا ، فتقول الملائكة : حق لكم هذا » (2).
    وقال صلى الله عليه وآله : « أعطوا الله الرضا من قلوبكم ، تظفروا بثواب الله تعالى يوم فقركم والإفلاس » (3).
    وفي أخبار موسى عليه السلام ، أنهم قالوا : سل لنا ربك أمراً إذا نحن فعلناه ( يرضى به عنا ) (4) فأوحى الله تعالى إليه : « قل لهم : يرضون عني ، حتى أرضى عنهم » (5).
    ونظيره ما روي عن نبينا صلى الله عليه وآله : أنه قال : « من أحب أن يعلم ما له عند الله عزوجل ، فلينظر ما لله عزوجل عنده ، فإن الله تعالى ينزل العبد منه حيث أنزله العبد من نفسه » (6).
    وفي أخبار داود عليه السلام : « ما لأوليائي والهم بالدينا ، إن الهم يذهب حلاوة مناجاتي من قلوبهم ، يا داود ، إن محبتي من أوليائي أن يكونوا روحانيين لا يغتمون » (7).


الكاشاني في المحجة البيضاء 7 : 107.
1 ـ المحجة البيضاء 8 : 67 و 88 ، والبحار ، 82 : 142 / 26.
2 ـ المحجة البيضاء 8 : 88.
3 ـ روى الكليني نحوه في الكافي 2 : 203 / 14 ، وأخرجه المجلسي في البحار 82 : 143.
4 ـ في « ش » : يرضى الله عنا.
5 ـ المحجة البيضاء 8 : 88 ، والبحار 82 : 143.
6 ـ المحاسن : 252 / 273 ، مشكاة الانوار : 11 ، عدة الداعي : 167 ، المستدرك على الصحيحين 1 : 495 باختلاف يسير.
7 ـ أخرجه المجلسي في البحار 82 : 143.


(81)

    وروي : أن موسى عليه السلام قال : « يا ربّ ، دلّني على أمرفيه رضاك عني أعمله ، فأوحى الله تعالى ، اليه : أن رضاي في كرهك ، وأنت ما تصبر على ما تكره ، قال : يا ربّ ، دلّني عليه ، قال : فإنّ رضاي في رضاك بقضائي » (1).
    وفي مناجاة موسى عليه السلام : « أي ربّ ، أيّ خلقك أحبّ إليك؟ قال من إذا أخذت حبيبه سالمني ، قال : فأيّ خلق أنت عليه ساخط؟ قال : من يستخيرني في الأمر ، فإذا قضيت له سخط قضائي ».
    وروي ما هو أشد منه ، وذاك أن الله تعالى قال :
    « أنا الله ، لا إله إلاّ أنا ، من لم يصبر على بلائي ، ولم يرض بقضائي ، فليتخذ رباً سوائي » (2).
    ويروى : أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : « يا داود ، تريد وأريد ، وإنما يكون ما أريد ، فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد ، ولا يكون إلا ما أريد » (3).
    وعن ابن عباس : « أول ما يدعى إلى الجنة يوم القيامة ، الذين يحمدون الله تعالى على كل حال » (4).
    وعن ابن مسعود : لئن الحسن جمرة أحرقت ما أحرقت ، وأبقت ما أبقت ، أحب إلي من أن أقول لشيء كان : ليته لم يكن ، أو لشيء لم يكن : ليته كان.
    وعن أبي الدرداء : « ذروة الايمان الصبر للحكم ، والرضا بالقدر ».
    وقال صلى الله عليه وآله : « إن الله تعالى بحكمته وجلاله جعل الروح والفرج في الرضا واليقين ، وجعل الغم والحزن في الشك والسخط » (5).
    وقال علي بن الحسين عليهما السلام : « الزهد عشرة أجزاء : أعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع ، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين ، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة


1 ـ دعوات الراوندي : 71 ، والبحار 82 : 143.
2 ـ دعوات الراوندي : 74 ، الجامع الصغير 2 : 235 / 6010 باختلاف في الفاظه.
3 ـ التوحيد : 337 / 4.
4 ـ أخرجه المجلسي في البحار 82 : 143.
5 ـ المحاسن : 17 / 47 ، مشكاة الانوار : 12 و 13 ، الجامع الصغير 1 : 382 / 2493 ، منتخب كنز العمال 1 : 178 و 256 و 257.


(82)

الرضا » (1).
    وقال الصادق عليه السلام : « صفة الرضا أن ترضى المحبوب والمكروه ، والرضا شعاع نور المعرفة ، والراضي فان عن جميع اختياره ، والراضي حقيقة هو المرضي عنه ، والرضا اسم يجمع فيه معاني العبودية ، وتفسير الرضا سرور القلوب.
    سمعت أبي محمد الباقر عليه السلام يقول : تعلق القلب بالموجود شرك ، وبالمفقود كفر ، وهما خارجان عن سنة الرضا ، وأعجب ممن يدعي العبودية لله كيف ينازعه في مقدوراته ؟ ! حاشا الراضين العارفين عن ذلك ».
    وروي : أن جابر بن عبد الله الانصاري ـ رضي الله عنه ـ ابتلي في آخر عمره بضعف الهرم والعجز ، فزاره محمد بن علي الباقر عليه السلام ، فسأله عن حاله ، فقال : أنا في حالة أحب فيها الشيخوخة على الشباب ، والمرض على الصحة ، والموت على الحياة.
    فقال الباقر عليه السلام : « أما أنا يا جابر ، فإن جعلني الله شيخاً أحب الشيخوخة ، وإن جعلني شاباً أحب الشيبوبة (2) ، وإن أمرضني أحب المرض ، وإن شفاني أحب الشفاء والصحة ، وإن أماتني أحب الموت ، وإن أبقاني أحب البقاء ».
    فلما سمع جابر هذا الكلام منه قبل وجهه ، وقال صدق رسول الله صلى الله عليه وآله ، فإنه قال : « ستدرك لي ولداً اسمه اسمي ، يبقر العلم بقراً كما يبقر الثور الارض » ولذلك سمي باقر علم الأولين والآخرين ، اي شاقه.
    وروى الكليني بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام ، أنه قال : « رأس طاعة الله الصبر والرضى عن الله فيما أحب العبد أو كره ، ولا يرضى عبد عن الله فيما أحب وكره ، إلا كان خيراً له فيما أحب أو كره » (3).
    وبإسناده عنه عليه السلام قال : « أعلم الناس بالله ـ تعالى ـ أرضاهم بقضاء الله ـ عزوجل ـ » (4).
    وبإسناده عنه عليه السلام قال : « قال الله تعالى : عبدي المؤمن لا أصرفه في شيء إلا جعلته خيراً له ، فليرض بقضائي ، وليصبر على بلائي ، ويشكر نعمائي ، أكتبه


1 ـ الكافي 2 : 51 / 10 و 104 / 4 ، روضة الواعظين : 432 ، مشكاة الانوار : 113.
2 ـ كذا ، ولعل صحتها الشبيبة : وهي الحداثة وسن الشباب ، اُنظر « الصحاح ـ شبب ـ 1 : 151 ».
3 ـ الكافي 2 : 49 / 1.
4 ـ الكافي 2 : 49 / 2.


(83)

ـ يا محمد ـ من الصديقين عندي » (1).
    وعنه عليه السلام قال : « في ما أوحى الله عزوجل إلى موسى عليه السلام : يا موسى بن عمران ، ما خلقت خلقاً أحب إلي من عبدي المؤمن ، فإني إنما أبتليه لما هو خير له ، وأعافيه لما هو خير له ، وأزوي عنه لما هو خير له ، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي ، فليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي وليرض بقضائي ، أكتبه في الصديقين عندي ، إذا عمل برضاي ، وأطاع أمري » (2).
    وقيل للصادق عليه السلام : بأي شيء يعلم (3) المؤمن بأنه مؤمن ؟ قال : « بالتسليم لله ، والرضا فيما ورد عليه من سرور أو سخط » (4).
    وروي في الإسرائيليات : أن عابداً عبد الله تعالى دهراً طويلاً ، فرأى في المنام : فلانة رفيقتك في الجنة ، فسأل عنها ، واستضافها ثلاثاً لينظر إلى عملها ، فكان يبيت قائماً ، وتبيت نائمة ، ويظل صائماً ، وتظلّ مفطرة ، فقال لها : أما لك عمل غير ما رايت ؟ فقالت : ما هو والله غير ما رأيت ، ولا أعرف غيره ، فلم يزل يقول : تذكري ، حتى قالت : خصيلة واحدة ، هي إن كنت في شدة لم أتمن أن أكون في رخاء ، وإن كنت في مرض لم أتمن أن أكون في صحة ، وإن كنت في شمس لم أتمنّ أن أكون في الظل ، فوضع العابد يديه على رأسه ، وقال : أهذه خصيلة ؟ هذه ـ والله ـ خصلة عظيمة يعجز عنها العباد.


1 ـ الكافي 2 : 50 / 6.
2 ـ الكافي 2 : 51 / 7 ، أمالي المفيد : 93 / 2 ، أمالي الطوسي 1 : 243 ، المؤمن : 17/ 9 ، التمحيص 55 / 108 ، مشكاة الانوار : 299.
3 ـ في هامش « ح » : يعرف.
4 ـ الكافي 2 : 52 / 12.


(84)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net