متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المبحث الأول : فيما يتعلق بمادة الامر ، الجهة الأولى : معنى مادة الامر
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
    الكلام في المقاصد فنقول :
المقصد الأول في الأوامر

    وفيه مباحث : المبحث الأول فيما يتعلق بمادة الامر ، ويقع الكلام فيه في جهات :
    الجهة الأولى في معنى الامر فنقول وبه نستعين ان الامر يطلق على معان : منها الطلب كما يقال امره بكذا أي طلب منه كذا. ومنها الشأن ومنه شغلني امر كذا أي شأن كذا. ومنها الفعل ومنه وما امر فرعون برشيد أي فعله. ومنها الشيء كقولك رأيت اليوم أمرا عجبا. ومنها الحادثة والغرض كقولك وقع اليوم امر كذا وجئتك لأمر كذا. ومنها غير ذلك. ولكن التحقيق كونه حقيقة في خصوص الشيء الذي هو من الأمور العامة العرضية لجميع الأشياء الشامل للفعل والشأن والحادثة والشغل ونحو ذلك فكان اطلاقه في تلك الموارد المختلفة بمعناه غايته من باب الدالين والمدلولين حيث أريد تلك الخصوصيات بدوال أخر من غير أن يكون الامر مستعملا في تلك الموارد في مفهوم الغرض والتعجب والفعل ولا في مصداقها بوجه أصلا. نعم ذلك كله بالنسبة إلى غير المعنى الأول وهو الطلب واما بالنسبة إليه فهو وان كان أيضا أمرا من الأمور وشيئا من الأشياء فكان من مصاديق ذلك العنوان العام العرضي ، ولكن الظاهر كونه موضوعا بإزائه بالخصوص أيضا قبالا لوضعه لذلك المعنى العام العرضي ، كما أن الظاهر هو كونه من باب الاشتراك اللفظي دون الاشتراك المعنوي بملاحظة عدم جامع قريب بينهما ، كما يشهد لذلك قضية اختلافهما من حيث الاشتقاق وعدمه فإنه بمعنى الطلب يكون معناه اشتقاقيا فيشتق منه صيغ كثيرة من المصدر والفعل الماضي والمضارع واسمى الفاعل و


(157)

المفعول كما يقال : امر يأمر آمر مأمور بخلافه على كونه بمعنى الشيء فإنه عليه يكون من الجوامد. وربما يشهد لذلك أيضا قضية الجمع فيهما ، من مجيئه على الأول على الأوامر وان كان على غير القياس ، وعلى الثاني على الأمور ، والجمع يرد الأشياء إلى أصولها وحينئذ فلاينبغي الاشكال في كونه موضوعا بالخصوص للطلب أيضا.
    ثم إن محل الكلام في المقام انما هو الامر بمعنى الطلب دونه بمعنى الشيء فلابد حينئذ من بيان انه هل هو موضوع للطلب الحقيقي والإرادة القائمة بالنفس بحيث كان القول أو الإشارة مبرزا لها وكاشفا عنها ؟ أو انه موضوع للطلب المبرز بالقول أي مفهومه المبرز بالقول أو بالأعم منه ومن الإشارة ونحوها ؟ أو انه موضوع لنفس ابراز الطلب بالقول أو الإشارة ؟ حيث إن فيه وجوها ، أبعدها الأول ، لما يرى من عدم صدق الامر على مجرد الإرادة النفسانية الغير البالغة إلى مرحلة الابراز حيث لا يصدق على من كان طالبا لشيء من عبده ومريدا له منه بلا ابراز ارادته بالقول أو نحوه أنه آمر به ، بل الصادق عليه انه طالب ومريد غير آمر ، على أن لازم ذلك هو ان يكون استعماله دائما في غير معناه الموضوع له لان ما يجيء في الذهن عند الاستعمال لايكون الا صورة الإرادة ومفهومها لا حقيقتها وعليه فلايكون استعماله في معناه الحقيقي الذي هو الإرادة القائمة بالنفس.
    وحينئذ فبعد بطلان هذا المعنى يدور الامر بين كونه حقيقة في الطلب المبرز بما هو مبرز بالقول أو الإشارة بنحو خروج القيد ودخول التقيد أو كونه حقيقة في ابراز الطلب وهو القول الحاكي عنه ، ولكل منهما وجه وجيه ، وان كان قد يقال بتعين الأخير نظرا إلى ظهور العنوان وهو الامر في الاختيارية وكونه على الأخير اختياريا بتمامه من الابراز والتقيد بالطلب ، بخلافه على الأول ، فإنه من جهة جزئه الركني وهو الطلب غير اختياري. ولكنه توهم فاسد ، فان ما ذكر مجرد استحسان لا يثبت به الوضع خصوصا مع استلزام الأخير لعدم صحة الاشتقاقات منه باعتبار عدم كون معناه حينئذ معنى حدثيا قابلا للاشتقاق ، لان ما هو المبرز حينئذ انما كان هو الهيئة ومعناه لايكون الا معنى جامديا غير حدثي بخلافه على الأول فان المعنى عليه بنفسه يكون معنا حدثيا قابلا للاشتقاق منه. وما قيل من أنه على الأول أيضا يلزمه خروج الصيغ كلها عن المصداقية للامر من جهة عدم كونها عبارة عن نفس الطلب وانما هي مبرزات عنه ، مدفوع بأنه لو سلم ذلك فإنما يرد هذا المحذور لولا كونها وجوها للطلب ولو من جهة شدة حكايتها عنه و


(158)

الا فبهذا الاعتبار تكون عين الطلب ويحمل عليها الطلب بالحمل الشايع.
    وبالجملة نقول : بأنه بعد لم يقم دليل معتد به على تعين أحد الاحتمالين بالخصوص حتى يؤخذ به ، وما ذكر من الوجوه تقريبات استحسانية محضة خصوصا مع عدم ترتب ثمرة في البين على كونه حقيقة في الطلب المبرز أو في ابراز الطلب ، من جهة ان القائل بكونه حقيقة في ابراز الطلب انما يدعى كونه حقيقة فيه بما انه حاك عن الطلب وبما هو وجه له لا بما انه نفس الابراز ولو مع عدم الحكاية عن الطلب ، وحينئذ فالأولى هو صرف الكلام عن تلك الجهة.
    نعم ينبغي ان يعلم بأنه على كلا التقديرين لا خصوصية لخصوص الابراز بالقول في صدق الامر بل الابراز بما انه يعم القول والإشارة ونحوها ، واما ما يرى في بعض الكلمات من التعبير عنه بالطلب بالقول فإنما هو لمكان الغلبة لا من جهة خصوصية في الابراز القولي ، كما هو واضح.
    نعم يبقى الكلام في جهة أخرى وهي ان الامر هل هو عبارة عن نفس الطلب أي المفهوم المتنزع عن حقيقته غايته بما انه يرى عين الخارج لا بما انه مفهوم ذهني ولا بما هو كما في كلية مداليل الألفاظ كي يكون لازمه عدم انطباقه على مجرد الطلب الانشائي ؟ أو أنه عبارة عن هذا المفهوم لكنه بما هو موقع باستعمال اللفظ فيه بقصد الايقاع المعبر عنه بالطلب الانشائي ؟ حيث إن فيه وجهين اختار ثانيهما في الكفاية حيث قال : بان لفظ الامر حقيقة في الطلب الانشائي الذي لايكون طلبا بالحمل الشايع بل طلب انشائي سواء أنشأ بمادة الامر أو بمادة الطلب ، مثل آمرك واطلب منك كذا ، أو بصيغة افعل. ولكن التحقيق يقتضي خلافه وانه لايكون الامر حقيقة الا في نفس المفهوم بما هو حاك عن الطلب الحقيقي الخارجي ، فما هو المستعمل فيه في مثل اطلب منك بداعي الانشاء لايكون الأنفس المعنى وصرف المفهوم ، غايته ان استعماله فيه مكيف باستعمال انشائي بمعنى كونه بداعي موقعية المفهوم وموجديته ، فكان حيث الانشائية من شؤون نحو الاستعمال وكيفياته القائمة به لا انه مأخوذ في ناحية المستعمل فيه ولو بنحو خروج القيد ودخول التقيد ، لأنه من المستحيل اخذ مثل هذه الجهة ولو تقيدا في ناحية المستعمل فيه ، وهذا واضح بعد وضوح تأخر الاستعمال عن المستعمل فيه تأخر الحكم عن موضوعه. وحينئذ فلا محيص من دعوى ان المعنى انما كان عبارة عن صرف المفهوم بما انه حاك عن الطلب


(159)

الحقيقي الخارجي الذي بوجه عينه دون الطلب الانشائي ، على أن لازم هذا القول هو صدق الامر والطلب ولو لم يكن في البين في الواقع طلب ولا إرادة كما في الأوامر الامتحانية والأوامر المنشأة بداعي السخرية ، مع أنه كما ترى ، إذ المتبادر من قوله : امر بكذا ، انما هو البعث نحو الشيء عن إرادة جدية دون البعث بغيرها من الدواعي. واما احتمال ان المراد من الطلب المذكور في عبارته هو الطلب الموقع بالاستعمال بما هو موصوف بوصف الموجدية ولو باعتبار كاشفية المستعمل فيه اللفظ عن الإرادة الجدية دون الطلب الانشائي بما هو طلب انشائي ، فمدفوع بأنه وان أمكن هذا الحمل فيرتفع به المحاذير ويصدق عليه أيضا الطلب الانشائي باعتبار كونه موقعا باستعمال اللفظ في مفهومه بعنوان مرآتية المفهوم عن الطلب الحقيقي ويصدق عليه أيضا بهذا الاعتبار الطلب الحقيقي بنحو الحمل الشايع ، ولكنه يبعده ما صرح به هو ( قدس سره ) بان مدلول الامر ليس هو الطلب الذي يصدق عليه الطلب بالحمل الشايع ، وعليه فيتجه الاشكال المزبور من لزوم صدق الامر عند الخلو عن الإرادة. فتلخص ان الامر على مسلك الكفاية ( قدس سره ) عبارة عن الطلب بما هو منشأ وموقع ، فكان الانشاء الذي هو من شؤون نحو الاستعمال ومن كيفياته مقوما لتحقق الامر ، ومن هذه الجهة يكون الامر على مسلكه منتزعا عن الرتبة التي بعد الانشاء المتأخر عن الاستعمال ، فيكون تأخره عن نفس مفهوم الطلب المستعمل فيه اللفظ بمرتبتين من دون دخل للإرادة الجدية أيضا في صدق الامر وتحققه. واما على ما سلكناه فيكون الامر عبارة عن نفس الطلب أي مفهومه بما هو حاك عن الطلب الحقيقي القائم بالنفس ، فبهذا الاعتبار يصدق عليه الطلب الحقيقي ويحمل عليه بالحمل الشايع.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net