متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الجهة الثالثة : هل المادة حقيقة أو ظاهرة في الوجوب ؟
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
الجهة الثالثة :

    في أن الامر هل هو حقيقة في خصوص الطلب الوجوبي ؟ أو انه حقيقة في مطلق الطلب الجامع بين الوجوبي والاستحبابي ؟ فيه وجهان : أظهر هما الثاني ، لصدق الامر حقيقة على الطلب الصادر من العالي إذا كان طلبه استحبابيا حيث يقال له : انه امر وبالفارسية ( فرمان ) من دون احتياج في صحة اطلاق الامر عليه إلى رعاية عناية في البين ، حيث إن ذلك كاشف عن كونه حقيقة في مطلق الطلب والا لكان يحتاج في صدق الامر وصحة اطلاقه على الطلب الاستحبابي إلى رعاية عناية في البين ، كما هو واضح. ومما يشهد لذلك بل يدل عليه أيضا صحة التقسيم إلى الوجوب والاستحباب في قولك : الامر اما وجوبي واما استحبابي ، وهو أيضا علامة كونه حقيقة في الجامع بينهما.
    نعم لا اشكال في ظهوره عند اطلاقه في خصوص الطلب الوجوبي بحيث لو أطلق وأريد منه الاستحباب لاحتاج إلى نصب قرينة على الرخصة في الترك ، ومن ذلك أيضا ترى ديدن الأصحاب ( رضوان الله تعالى عليهم ) في الفقه في الأوامر الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله أو الأئمة عليهم السلام ، حيث كانوا يحملون الأوامر الواردة عنهم على


(161)

الوجوب عند خلو المورد عن القرينة على الاستحباب والرخصة في الترك حتى أنه لو ورد في رواية واحدة أوامر متعددة بعدة أشياء كقوله : اغتسل للجمعة والجنابة ومس الميت ، ونحوه ، فقامت القرينة المنفصلة على إرادة الاستحباب في الجميع إلا واحدا منها تريهم يأخذون بالوجوب فيما لو تقم عليه قرينة على الاستحباب ، بل وتريهم كذلك أيضا في أمر واحد كقوله : إمسح ناصيتك ، حيث إنهم أخذوا بالوجوب بالنسبة إلى أصل المسح وحملوه على الاستحباب بالنسبة إلى الناصية مع أنه امر واحد ، وهكذا غير ذلك من الموارد التي يطلع عليها الفقيه ، ومن المعلوم أنه لايكون الوجه في ذلك الا حيث ظهور الامر في نفسه في الوجوب عند اطلاقه ، وحينئذ فلا اشكال في أصل هذا الظهور.
    نعم انما الكلام والاشكال في منشأ هذا الظهور وانه هل هو الوضع أو هو غلبة الاطلاق أو هو قضية الاطلاق ومقدمات الحكمة ؟
    فنقول : اما توهم كون المنشأ فيه هو الوضع فقد عرفت فساده وأنه يكون حقيقة في مطلق الطلب الجامع بين الإلزامي وغيره بشهادة صحة التقسيم وصحة الاطلاق على الطلب الغير الإلزامي. واما ما استدل به من الآيات والأخبار الكثيرة لاثبات الوضع للوجوب ، من نحو قوله : سبحانه « فليحذر الذين يخالفون عن امره » وقوله عز من قائل مخاطبا لإبليس : ( ما منعك ان تسجد إذ أمرتك ) وقوله صلى الله عليه وآله : ( لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك ) وقوله صلى الله عليه وآله أيضا لبريرة حين قال له أتأمرني يا رسول الله : ( لا بل أنا شافع ) من تقريب انه جعل المخالفة للامر في الأول ملزوما لوجوب لحذر ، وفى الثاني للتوبيخ ، وفى الثالث للمشقة ، وحيث لايجب الحذر من مخالفة الامر الاستحبابي ولايصح التوبيخ عليه ولا كان مشقة يترتب على الامر الاستحبابي بعد جواز الترك شرعا ، فلا جرم يستفاد من ذلك كونه حقيقة في خصوص الطلب الوجوبي ، فان التقيد بالوجوب في تلك الأوامر خلاف ظاهر تلك الأدلة من جهة قوة ظهورها في ترتب هذه اللوازم على طبيعة الامر لا على خصوص فرد منه ، وحينئذ فتدل تلك الأدلة بعكس النقيض على عدم كون الامر الاستحبابي أمرا حقيقة بلحاظ عدم ترتب تلك اللوازم عليه. فنقول : بأنه يرد على الجميع بابتناء صحة الاستدلال المزبور على جواز التمسك بعموم العام للحكم بخروج ما هو خارج عن حكم العام عن موضوعه ، إذ بعد أن كان من المقطوع عدم ترتب تلك اللوازم من وجوب الحذر


(162)

والتوبيخ والمشقة على الامر الاستحبابي أريد التمسك به لا ثبات عدم كون الامر الاستحبابي من المصاديق الحقيقية للامر ليكون عدم ترتب اللوازم المزبورة عليه من باب التخصص والخروج الموضوعي لا من باب التخصيص ، نظير ما لو ورد خطاب على وجوب اكرام كل عالم وقد علم من الخارج بعدم وجوب اكرام زيد لكنه يشك في أنه مصداق للعالم حقيقة كي يكون خروجه عن الحكم من باب التخصيص أو انه لايكون مصداقا للعالم كي يكون خروجه من باب التخصص ، ولكنه نقول بقصور أصالة العموم والاطلاق عن إفادة اثبات ذلك فان عمدة الدليل على حجيته انما كان هو السيرة وبناء العرف والعقلاء ، والقدر المسلم منه إنما هو في خصوص المشكوك المرادية وهو لايكون الا في موارد كان الشك في خروج ما هو المعلوم الفردية للعام عن حكمه ، وحينئذ فلايمكننا التمسك بالأدلة المزبورة لاثبات الوضع لخصوص الطلب الإلزامي خصوصا بعد ما يرى من صدقه أيضا على الطلب الاستحبابي ، كما هو واضح. هذا كله بالنسبة إلى الوضع.
    واما الغلبة فدعواها أيضا ساقطة بعد وضوح كثرة استعماله في الاستحباب. ومن ذلك ترى صاحب المعالم ( قدس سره ) فإنه بعدان اختار كون الامر حقيقة في خصوص الوجوب قال : بأنه يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المروية عن الأئمة ( عليهم السلام ) ان استعمال الامر في الندب كان شايعا في عرفهم بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتمالها من اللفظ لاحتمال الحقيقة عند انتفاء المرجح الخارجي ، فمن ذلك استشكل أيضا وقال : بأنه يشكل التعلق في اثبات وجوب امر بمجرد ورود الامر به منهم عليهم السلام. وحينئذ فلا يبقى مجال لدعوى استناد الظهور المزبور إلى غلبة الاستعمال في خصوص الوجوب ، كما هو واضح.
    وحينئذ فلابد وأن يكون الوجه في ذلك هو قضية الاطلاق ومقدمات الحكمة وتقريبه من وجهين :
    أحدهما : ان الطلب الوجوبي لما كان أكمل بالنسبة إلى الطلب الاستحبابي لما في الثاني من جهة نقص لايقتضي المنع عن الترك ، فلا جرم عند الدوران مقتضي الاطلاق هو الحمل على الطلب الوجوبي ، إذ الطلب الاستحبابي باعتبار ما فيه من النقص يحتاج إلى نحو تحديد وتقييد ، بخلاف الطلب الوجوبي فإنه لا تحديد فيه حتى يحتاج إلى التقييد ، وحينئذ فكان مقتضى الاطلاق بعد كون الآمر بصدد البيان هو كون طلبه طلبا وجوبيا لا


(163)

استحبابيا.
    وثانيهما : ولعله أدق من الأول تقريب الاطلاق من جهة الأتمية في مرحلة التحريك للامتثال ، بتقريب أن الامر بعد أن كان فيه اقتضاء وجود متعلقه في مرحلة الخارج ولو باعتبار منشئيته لحكم العقل بلزوم الإطاعة والامتثال ، فتارة يكون اقتضائه بنحو يوجب خروج العمل عن اللا اقتضائية للوجود بنظر العقل بحيث كان حكم العقل بالايجاد من جهة الرغبة لما يترتب عليه من الأجر والثواب ، وأخرى يكون اقتضائه لتحريك العبد بالايجاد بنحو أتم بحيث يوجب سد باب عدمه حتى من طرف العقوبة على المخالفة علاوة عما يترتب على ايجاده من المثوبة الموعودة ، وفي مثل ذلك نقول : بأن قضية اطلاق الامر يقتضي كونه على النحو الثاني من كونه بالنحو الأتم في عالم الاقتضاء للوجود بحيث يقتضي سد باب عدم العمل حتى من ناحية ترتب العقوبة على المخالفة ، لان غير ذلك فيه جهة نقص فيحتاج ارادته إلى مؤنة بيان من وقوف اقتضائه على الدرجة الأولى الموجب لعدم ترتب العقوبة على المخالفة. وبالجملة نقول : بأن الامر بعد أن كان فيه اقتضاء التحريك للايجاد وكان لاقتضائه مراتب ، فعند الشك في وقوف اقتضائه على المرتبة النازلة أو عبوره إلى مرتبة السببية لحكم العقل بالايجاد كان مقتضي الاطلاق كونه على النحو الأتم والأكمل الموجب لحكم العقل بلزوم الايجاد فرارا عن تبعة ما يترتب على مخالفته من العقاب علاوة عما يترتب على موافقته من الأجر والثواب ، فتدبر.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net