متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الجهة الثالثة : الجمل الخبرية المستعملة في مقام الانشاء
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
الجهة الثالثة

    إذا وردت جملة خبرية في مقام بيان الحكم الشرعي من نحو قوله : تغتسل ، وتعيد الصلاة ، ويتوضأ ، وقوله عليه السلام : إذا حال الحول اخرج زكاته ، ونحو ذلك فلا اشكال في أنه ليس المراد منها هو الاخبار عن وقوع الفعل من المكلف كما في غيره من موارد الاخبار ، بل وان المراد منها انما هو الطلب والبعث نحو الفعل والعمل ، وانما الكلام والاشكال في أنها هل كانت مستعملة في الطلب أو الارسال بما هو مفاد الصيغة مجازا ؟ أو انها مستعملة في معناها الذي تستعمل فيه في مقام الاخبار وهو النسبة الايقاعية لكنه بداعي إفادة ملزومه وهو الطلب والبعث ؟ نظير باب الكنايات كما في قولك : زيد كثير الرماد ، مريدا به إفادة ملزومة الذي هو جوده وسخائه ، حيث إن استعمالك ذلك كان في معناه الحقيقي لكن الداعي على هذا الاستعمال هو الاعلام بملزومه الذي هو جوده وسخائه ففي المقام أيضا كانت الجملة الخبرية مستعملة في معناها الذي تستعمل


(181)

في مقام الاخبار ولكن الداعي على الاستعمال المزبور هو إفادة ملزومه الذي هو العبث والطلب ، أو لا هذا ولا ذاك ؟ بل كان استعمالها في معناها الحقيقي الاخباري وكان الغرض والداعي من الاستعمال أيضا هو الاعلام والاخبار دون الطلب والبعث والارسال كما هو قضية الوجه الثاني ، ولكن اعلامه بتحقق الفعل من المكلف انما كان بلحاظ تحقق مقتضيه وعلته وهو الإرادة والطلب كما هو الشأن في غير المقام من موارد الاخبار بوجود المقتضي ( بالفتح ) عند تحقق مقتضيه ، ومنها باب اخبار علماء النجوم بمجيء المطرو برودة الهواء أو حرارته فيما بعد حسب ما عندهم من الامارات الخاصة من نحو تقابل الكوكبين وتقارنهما الذي يرونه سببا لتلك الانقلابات. ففي المقام أيضا نقول : بان المولى لما كان مريدا للفعل من المكلف والمأمور وكان طلبه وارادته للفعل علة لصدوره من المكلف ولو بمعونة حكم عقله بوجوب الإطاعة والامتثال ، فلا جرم فيما يرى طلبه متحققا يرى كأنه وجود المقتضي ( بالفتح ) وهو العمل في الخارج ، فمن هذه الجهة يخبر بوقوعه من المكلف بمثل قوله : تعيد الصلاة وتغتسل. فهذه وجوه ثلاثة :
    لكن أضعفها أولها من جهة بعد انسلاخها عن معناها الاخباري واستعمالها في الطلب والنسبة الارسالية بل وعدم مساعدته أيضا لما يقتضيه الطبع والوجدان في استعمالاتنا الجمل الاخبارية في مقام الطلب والبعث والارسال ، كما هو واضح. وحينئذ فيدور الامر بعد بطلان الوجه الأول بين الوجهين الأخيرين.
    وعند ذلك نقول : انه وان كان لكل منهما وجه وجيه ولكن الأوجه هو الوجه الأخير بملاحظة أقر بيته إلى الاعتبار والوجدان وشيوعه أيضا عند العرف والعقلاء من ترتيبهم الآثار على الأشياء التي منها الاخبار بوقوعها بمحض العلم بوجود عللها ومقتضياتها ، كما كان من ذلك أيضا اخبار أهل النجوم بتحقق أمورات فيما بعد لعلمهم بتحقق عللها ، كما هو واضح. وعلى هذا البيان أيضا ربما كان دلالتها على الوجوب آكد من الصيغة نظرا إلى اقتضاء الاخبار بوجود الشيء وتحققه وجوبه أيضا ، بلحاظ ان الشيء ما لم يجب لم يوجد. فمن هذه الجهة كان الوجوب هو المناسب مع الاخبار دون الاستحباب فإنه لم يكن بتلك المثابة من المناسبة مع الاخبار ، وهذا بخلافه في الصيغة فإنها ليست بتلك المثابة من الآكدية في الوجوب من جهة ملائمتها مع الاستحباب أيضا.
    نعم ربما يورد على هذا الوجه بعدم مصححية مجرد وجود الإرادة وتحققها للاخبار


(182)

بوجود الفعل من المأمور والمكلف ، وذلك بتقريب ان الإرادة الواقعية لا تكون مما لها الدخل ولو بنحو الاقتضاء لحكم العقل بوجوب الإطاعة والامتثال كي بهذه العناية كانت مصححة للاخبار بوجود العمل والمقتضي وتحققه من المكلف ، بل وانما تمام العلة لحكم العقل بوجوب الإطاعة والامتثال انما هو علم المأمور بالإرادة حيث إنه بمحض علمه بإرادة المولى يتبعه حكم العقل بالإطاعة ولو لم يكن في الواقع إرادة للمولى أصلا بان فرض تخلف علمه عن الواقع وكونه جهلا مركبا ، وبدون علمه بإرادة المولى لايكاد حكم عقله بالإطاعة بوجه أصلا ولو فرض ان إرادة المولى كانت متحققة في الواقع ونفس الامر. وعلى هذا فإذا كان تمام العلة لحكم العقل بالإطاعة هو الإرادة بوجودها العلمي لا الواقعي يتوجه عليه : بأنه حين الاخبار حيثما لايكون للمكلف علم بالإرادة كما هو المفروض فأين المصحح لاخباره بعد فرض عدم مدخلية للإرادة الواقعية ولو بنحو الاقتضاء في حكم العقل بالإطاعة ؟ هكذا أورد عليه الأستاذ.
    ولكن نقول : بان إرادة الفعل من المكلف واقعا لما كانت سببا لاعلام المكلف والمأمور به ، وكان الاعلام سببا لحكم عقله بالإطاعة ، وحكم عقله بالإطاعة سببا لتحقق العمل منه في الخارج ، فقهرا بهذه السلسلة الطولية تكون الإرادة سببا ومقتضيا لوجود العمل وتحققه ، ومعه نقول بأنه يكفي هذا المقدار من الدخل في مصححية الاخبار ، كما هو واضح.
    وعلى كل حال ففي المقام وجه رابع لاستفادة الطلب من الجمل الخبرية ولعله أوجه من الوجوه المتقدمة ، وهو ان يقال : بان استفادة الطلب من مثل هذه الجمل الواردة في مقام بيان الحكم الشرعي انما هو من جهة كونه من لوازم قضية الجد بايقاع النسبة التي هي مدلول الجمل ، وذلك أيضا بمقتضى التلازم الثابت بين الايقاع الخارجي والإرادة ، بتقريب : انه كما أن اخراج المبدء من كمون الفاعل خارجا وايقاع النسبة بينه وبين الفاعل في الخارج ملازم مع إرادة الوجود ولايمكن انفكاكه عنها كذلك هذه النسبة الايقاعية الذهنية ، فإذا كان المتكلم في مقام الجد بهذا الايقاع فقضية جده بذلك تقتضي ملازمته مع إرادة الوجود من المكلف ، فعليه فكان ما هو المستعمل فيه في تلك الجمل هو النسبة الايقاعية التي تستعمل فيها في مقام الاخبار الا انه لم يقصد بايقاع تلك النسبة الايقاعية في مقام استعمال الجملة الحكاية عن الواقع الثابت كما في سائر الجمل


(183)

الاخبارية ، نعم لازمه هو عدم انفكاك قضية الجد بايقاع النسبة أيضا عن قصد الانشاء بعد عدم قصد الحكاية بها عن واقع ثابت ، كما لايخفى. ولقد مر منا توضيح هذه الجهة في مبحث الحروف عند الفرق بين الجمل الاخبارية والانشائية فراجع.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net