متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الجهة الثامنة : في الفور والتراخي
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
الجهة الثامنة

    هل الصيغة تقتضي الفور أو التراخي أو لاتقتضي شيئا منهما الا طلب ايجاد الطبيعة الجامعة بين الفور والتراخي ؟ فيه وجوه وأقوال : أقواها الأخير ، نظرا إلى عدم اقتضاء وضع المادة وكذا الهيئة لشيء من ذلك ، اما المادة فلما عرفت من عدم دلالتها الا على صرف الطبيعي ، واما الهيئة فلعدم دلالتها أيضا الا على طلب الطبيعة المجامع مع الفور والتراخي ، بل ومع الشك أيضا ربما كان قضية اطلاق المادة هو سقوط الغرض وتحقق الامتثال بالاستعجال الملازم لزمان الحال والتأخير الملازم لزمان الاستقبال بل كان امر التمسك بقضية اطلاق المادة في المقام أهون من المقام السابق نظرا إلى سلامته عن المزاحمة مع اطلاق الهيئة كما هناك وذلك لعدم اقتضاء لاطلاق الهيئة للاستعجال والفورية في المقام كي يقع بينهما المزاحمة كما هو واضح ، وحينئذ فمقتضى اطلاق المادة هو تحقق الامتثال باتيان الطبيعة وايجادها بنحو الاستعجال أو التراخي.
    نعم لو اغمض عما ذكرنا لايتوجه على القول بالفور بعدم مأخوذية الزمان في المشتقات ، وذلك من جهة وضوح ان نظر القائل بمطلوبية الفور انما هو إلى مجرد الاستعجال والمسارعة في ايجاد المأمور به المنطبق في الزمانيات على أول الأزمنة بعد الامر بلا مدخلية للزمان فيه بنحو القيدية أصلا ، كما أن نظر القائل بالتراخي انما هو إلى ما يقابل ذلك ، ومعه لايتوجه عليه الاشكال المزبور كما هو واضح.
    وكيف كان فاستدل للفور بأمور :
    منها : ما قيل في وجه ابطال الواجب المعلق من استحالة انفكاك الإرادة عن المراد وذلك بتقريب : ان الإرادة التشريعية انما هي كالإرادة التكوينية بلا فرق بينهما الا من جهة الاقتضاء والعلية حيث كانت الإرادة التكوينية علة لتحقق المراد في الخارج وكانت الإرادة التشريعية مقتضية له ، وحينئذ فكما ان الإرادة التكوينية لايمكن تخلفها عن المراد في الخارج ولو آنا ما كذلك الإرادة التشريعية حيث إن مقتضاها أيضا لزوم اتصال حركة العبد بأمر المولى وطلبه من جهة ان حركة العبد في الإرادات التشريعية بمنزلة حركة المريد في الإرادة التكوينية ولا نعني من الفور الا قضية اتصال حركة المأمور نحو


(219)

المأمور به متصلا بطلب الآمر. وفيه ان قضية الامر بشيء ليست الا البعث نحوه بالايجاد فإذا كان المتعلق هو الطبيعي الجامع بين الفرد الحالي والفرد الاستقبالي فلا جرم لايقتضي الامر به أيضا الا ايجاد تلك الطبيعة بما انها جامعة بين الفرد الحالي والاستقبالي ، وما ذكر من امتناع تخلف الإرادة ولو التشريعية عن المراد متصلا بها كلام شعري وسيأتي بطلانه أيضا في مبحث المعلق والمشروط بما لا مزيد عليه إن شاء الله تعالى.
    ومنها : قوله سبحانه : « وسارعوا إلى مغفرة من ربكم » بتقريب الدلالة فيه على وجوب الاستباق والمسارعة نحو المأمور به بالايجاد على ما هو قضية ظهور الامر في الوجوب. وفيه أيضا انه بعد الغض عما يرد عليه من لزوم تخصيص الأكثر لخروج المندوبات طرا وخروج كثير من الواجبات أيضا كالصلاة اليومية ونحوها ، نقول : بأنه انما يتم ذلك لولا قضية الارتكاز العقلي بحسن المسارعة والاستباق إلى ايجاد المأمور به والا فمع هذا الارتكاز لا جرم يكون الامر بالمسارعة ارشادا محضا ومعه لا مجال لجعله دليلا على وجوب الفور والمسارعة ، كما لايخفى.
    بقى الكلام في أنه على هذا القول من وجوب المبادرة والاستعجال ، هل الواجب هو الاتيان بالمأمور به فورا ففورا بحيث لو لم يأت المكلف بالمأمور به في الآن الأول بعد الامر يجب عليه الاتيان به في الآن الثاني ولايجوز التراخي ؟ أم لا بل يجوز له التراخي في الآن الثاني كما لو لم يجب عليه الفور في الآن الأول ؟ أو ان قضية ذلك هو سقوط التكليف عن المأمور به في الآن الثاني رأسا عند الاخلال بالفور في الآن الأول ولو من جهة كونه من قبيل وحدة المطلوب ؟ فيه وجوه : أظهرها أولها ، كما هو قضية استدلالهم بآية المسارعة والاستباق حيث إن من المعلوم ان الآية انما هو في مقام بيان المسارعة إلى الخيرات فورا ففورا ، بل ذلك أيضا مما تقتضيه قضية استدلالهم بذلك البرهان العقلي المزبور إذ مقتضاه أيضا هو لزوم الاتيان بالمأمور به فورا ففورا ، كما هو واضح.
    وأما الاحتمال الأخير وهو احتمال سقوط التكليف في ثاني الحال عن المأمور به لو لم يأت المكلف به في الآن الأول فهو أبعد الوجوه ولا يساعد عليه استدلالهم بل ولا كلماتهم أيضا ، إذ لا يستفاد من كلماتهم تقيد المأمور به بالفور والاستعجال كي يلزمه سقوط التكليف في ثاني الحال ، وحينئذ فيكون هذا الاحتمال مما يقطع بعدم ارادته القائل بالفور ، ومعه يدور الامر بين الوجهين الأولين وعند ذلك قد عرفت تعين الوجه


(220)

الأول منهما دون الثاني ، كما هو واضح.
    وأما القول بالتراخي فاستدل عليه أيضا بتحقق الامتثال مع التراخي الملازم لزمان الاستقبال. ولكنه كما ترى بأنه لايقتضي مجرد ذلك كون الصيغة والامر للتراخي ، وذلك لامكان ان يكون ذلك من جهة ان المأمور به هو الطبيعة الجامعة بين الفرد الحالي والفرد الاستقبالي ، ولذلك أيضا ترى تحقق الامتثال باتيانه في الآن الأول بعد الامر والطلب ، نعم لو فرض عدم تحقق الامتثال الا بايجاد المأمور به في الآن الثاني والثالث كان للاستدلال المزبور كمال مجال ، ولكنه لايكون كذلك قطعا بل ولا يدعيه أيضا القائل بالتراخي ، لان أقصى ما يدعيه انما هو جواز التراخي وعدم وجوب الفور فيقابل القائل بالفور ، واما وجوبه فلا.
    وأما ما يظهر من السيد ( قدس سره ) في استدلاله بان الصيغة قد استعملت تارة في الفور وأخرى في التراخي والأصل في الاستعمال الحقيقة ، فإنما هو على حسب ما هو ديدنه من ارجاع المشتركات المعنوية إلى الاشتراك اللفظي بالأصل الذي كان عنده من كون الاستعمال علامة الحقيقة وان كان قد شاع الجواب عنه أيضا بأعمية الاستعمال من الحقيقة ، مع أن كلامه ( قدس سره ) انما هو في بيان رد القائل بالفور بأنه كما استعمل الصيغة في الفور استعملت أيضا في التراخي فلا تكون الصيغة حينئذ لخصوص الفور. وعليه فلا ثمرة بين القول بالطبيعة وبين القول بالتراخي ، إذ بعد عدم التزامهم بوجوب التراخي ينطبق هذا القول على القول بالطبيعة بل هو بعينه ، ومن ذلك أيضا يمكن المنع عن تثليث الأقوال في هذه المسألة وانه لايكون فيها الا قولان : قول بالفور وقول بالطبيعة فتدبر ، هذا.
    ولكن أقول : بان ما ذكرنا من عدم وجوب الفور انما هو بالنسبة إلى دلالة الصيغة والا فقد يجب الفور مع قيام القرينة عليه ، ومن ذلك ما لو قام قرينة قطعية على عدم تمكنه من الاتيان بالواجب في ثاني الحال وثالثه ان لم يأت به في الآن الأول بعد الامر فإنه حينئذ يجب بحكم العقل المبادرة إلى الاتيان بالواجب في الآن الأول بحيث لو لم يأت به ففات منه الواجب لعدم تمكنه منه فيما بعد يستحق عليه العقوبة ، بل ولعل الامر كذلك مع الظن بالفوت إذا كان اطمينانيا ، كما في الأزمنة التي كثر فيها الأمراض من نحو الطاعون والوباء ونحوهما أعاذنا الله منها إن شاء الله تعالى ، فإنه في نحو ذلك أيضا ربما


(221)

كان يحكم العقل أيضا بوجوب المبادرة والاستعجال باتيان الواجب في أول وقته وأول أزمنة تمكنه منه. واما مع الظن غير الاطميناني أو الشك فالظاهر هو جواز التأخير للاستصحاب فتدبر. هذا كله فيما يتعلق بمسألة الفور والتراخي ، ولكن الأستاذ دام ظله لم يتعرض لهذا الفرع الأخير فافهم.


(222)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net