متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
هل الواجب خصوص المقدمة الموصلة ؟
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
هل الواجب مطلق المقدمة أم لا

    وكيف كان فبعد ان ظهر لك هذه الأمور يبقى الكلام في أن المقدمة بناء على وجوبها هل هي واجبة على الاطلاق بلا دخل لحيث قصد الايصال إلى ذيها ولا إلى حيث ايصالها إليه خارجا ، أو انها واجبة بشرط قصد التوصل بها إلى ذيها اما بكون القصد


(333)

المزبور قيدا للوجوب أو قيد للواجب كما هو ظاهر التقريرات اما مطلقا أو في فرض انحصار المقدمة بالفرد المحرم كما في انقاذ الغريق المتوقف على التصرف في مال الغير وارضه فيعتبر فيه قصد التوصل إلى الواجب في وجوبها ووقوعها على صفة الوجوب دون غيره ، أو انها واجبة بشرط الايصال خارجا إلى ذيها كما عليه الفصول وذلك أيضا اما بكونه أي الايصال قيدا للوجوب أو للواجب ، فيه وجوه وأقوال : أقواها في النظر الوجه الأول وسيظهر وجهه من ابطال التفاصيل المزبورة إن شاء الله تعالى.
    فنقول : اما عدم اعتبار حيث قصد التوصل ودخله في اتصافها بالوجوب فظاهر ، بلحاظ ان ملاك الحكم الغيري انما كان ثابتا لذات المقدمة وحيثية القصد المزبور كانت أجنبية عن ذلك بالمرة ، ومن ذلك لو أتى بالمقدمة لا بقصد التوصل كان اتيانه ذلك محصلا لما هو غرض الآمر بلا كلام ، وحينئذ فمع أجنبية القصد المزبور عن ذلك لايكاد يترشح الوجوب الغيري أيضا الا على نفس ذات المقدمة وهو واضح ، هذا إذا أريد من دخل قصد التوصل في الواجب دخل التقيد به في موضوع الوجوب ، واما ان أريد به إناطة موضوع الوجوب بكونه في ظرف القصد إلى ذي المقدمة ، نظير إناطة التجارة بكونها عن تراض الملازم ذلك لاعتبار الموضوع في عالم الجعل في رتبة متأخرة عن القيد والمنوط به ففساده أفحش بلحاظ استلزامه لكون المقدمة التي هي موضوع الوجوب الغيري في الرتبة المتأخرة عن القصد المزبور التي هي رتبة وجود ذيها ، وهو كما ترى من المستحيل ، فان المقدمة لابد من كونها في رتبة سابقة عن وجود ذيها فيستحيل حينئذ اخذها في رتبة وجود ذيها كما هو واضح ، هذا كله ، مضافا إلى ما عرفت من أجنبية القصد المزبور عن ذلك هذا كله فيما لو أريد كونه قيدا وشرطا للواجب ، واما لو أريد كونه قيدا للوجوب فبطلانه أظهر من جهة استلزامه حينئذ لتوجه الايجاب نحو الشيء في ظرف أرادته للتوصل الملازم لإرادة المقدمة ، ومرجعه إلى تعلق الايجاب بالشيء في ظرف وجوده تكوينا لأنه في ظرف إرادة المقدمة يكون الوجود قهري الحصول والتحقق ، وهو كما ترى من المستحيل ، من جهة وضوح أن مثل هذا الظرف ظرف لسقوط الوجوب عنه ، فيستحيل كونه ظرفا لثبوته وهو أيضا واضح.
    وحينئذ فعلى كل تقدير لا مجال لاخذ قصد التوصل قيدا وشرطا لا للواجب ولا للوجوب ، خصوصا بعد ملاحظة سائر الواجبات الشرعية والعرفية التي تكون ارادتها


(334)

بحسب اللب غيرية للتوصل بها إلى وجود ما هو المراد والمطلوب النفسي الذي هو غرض الاغراض وغاية الغايات ، مع بداهة عدم اعتبار قصد التوصل فيها حتى في العباديات منها وكفاية الاتيان بها بداعي أمرها في وقوعها على صفة الوجوب وفي مقربيتها.
    ومن ذلك اندفع ما قيل في تقريب اعتبار القصد المزبور في الواجب في وقوعه على صفة الوجوب ، بأن ذلك لايكون من جهة تقيد موضوع الوجوب بذلك بل وانما هو من جهة اقتضاء الغرض الداعي إلى ايجابه ، بتقريب ان الغرض من الامر بالمقدمة بعد أن كان هو التوصل بها إلى ذيها لا مطلوبيتها في ذاتها فالمطلوب الجدي الحقيقي قهرا بحكم العقل يكون عبارة عن نفس التوصل ، وحينئذ فلابد في وقوعها على صفة الوجوب وصيرورتها مصداقا للواجب بما هو واجب من الاتيان بها عن قصد التوصل بها إلى ذيها ، والا فمع عدم الاتيان بها كذلك لايكاد وقوعها على صفة الوجوب ومصداقا له وان كان يجتزى بها حينئذ وكانت محصلة لغرضه ، ففي الحقيقة كان قضية اعتبار القصد المزبور من جهة قصور الوجوب المتعلق بالمقدمة عن الشمول لها في حال عدم اقترانها بقصد التوصل لا من جهة تقيد موضوع الوجوب بالقصد المزبور.
    وجه الاندفاع يظهر مما عرفت في أكثر الواجبات الشرعية والعرفية التي لا تكون إراداتها بحسب اللب الا غيرية مع وضوح عدم اعتبار قصد التوصل فيها ، لا في وقوعها على صفة الوجوب ولا في مقربيتها ، على أن كون الغرض من المقدمة هو التوصل لايقتضي اعتبار قصده فيها في وقوعها على صفة الوجوب ، وان حصول القرب باتيانها عن قصد التوصل بها إلى ذيها غير موجب لانحصار القرب بذلك ، بل هو كما يتحقق بذلك يتحقق أيضا باتيانها بداعي أمرها ومراديتها للمولى ، ومن ذلك نقول بان شأن الأوامر الغيرية كلية انما كان هو التوسعة في مقام التقرب باتيان متعلقه عن دعوته ، وعليه فلا مجال أيضا لاثبات اعتبار قصد التوصل في المقدمة في وقوعها على صفة الوجوب بمثل هذا البيان أيضا كما هو واضح.
    ثم انه من هذا البيان ظهر أيضا حال ما إذا كانت المقدمة منحصرة بالفرد المحرم مع تقديم جانب الوجوب بمقتضي أهمية مصلحة الوجوب من مفسدة الحرمة كانقاذ الغريق المتوقف على المشي في الأرض المغصوبة حيث نقول فيه أيضا بان الواجب حينئذ لايكون الا ذات المقدمة قصد بها التوصل إلى ذيها أم لم يقصد لعدم دخل حيث قصد


(335)

التوصل في وقوعها على صفة الوجوب وصيرورتها مصداقا للواجب بما هو واجب ، وحينئذ ( فما أفيد ) كما عن بعض الاعلام من لزوم قصد التوصل في مثل هذا الفرض مع بناءه على عدم لزومه في غيره بتقريب أن اذن الشارع حينئذ في الغصب مع كونه مبغوضا ذاتا من جهة أهمية مصلحة الانقاذ من مفسدة فعل الغصب انما يوجب الاذن في الغصب على الاطلاق ولولا بدون قصد التوصل إذا لم تكن في البين مزية راجحة في الفرد المشتمل على الخصوصية بالنسبة إلى الفرد الفاقد لها ، والا فلابد من الاقتصار في مقام الضرورة على خصوص ما فيه المزية الراجحة من جهة ان الضرورة انما تتقدر بقدرها فإذا كانت الضرورة تدفع بما فيه تلك المزية الخاصة لا مجال لاختيار الفرد الآخر الذي لايكون فيه تلك المزية ، وحينئذ ففي المقام الغصب المقصود به التوصل إلى الانقاذ والغصب غير المقصود به التوصل إليه وان كانا متساويين من جهة ملاك المقدمية للانقاذ الواجب ، ولكن القسم الأول لاشتماله على الخصوصية لما كان فيه مزية زائدة على القسم الثاني فقهرا بحكم العقل يكون هو المتعين في مقام دفع الضرورة ويكون غيره على حرمته ( منظور فيه ) إذ نقول بان ذلك لو تم فإنما هو في مثل الكلي المتواطئ الذي يشتمل كل فرد منه على حصة من الطبيعي غير الحصة المأخوذة في الفرد الآخر كما قيل بان الطبيعي مع الافراد كالآباء مع الأولاد في أنه مع كل فرد أب من الطبيعي غير الأب الذي يكون مع الفرد الآخر إذ حينئذ بانضمام الخصوصيات يتعدد الحصص والافراد حقيقة ومع تعددها يتوجه الاشكال بان أهمية مصلحة الانقاذ لاتقتضي الا مطلوبية الجامع بين الفردين والحصتين وهو انما يقتضي تخيير المكلف بين الفردين إذا لم تكن هناك لاحد الفردين باعتبار الخصوصية المأخوذة فيه مزية راجحة على الفرد الاخر والا يتعين خصوص ما فيه المزية الراجحة ، لا في مثل المقام الذي هو من قبيل التشكيكيات إذ في مثله لايكاد اقتضاء الخصوصية لتغير في الذات بحيث تباين الذات في حال عدم وجدانها للخصوصية فتكون هناك حصتان وفردان أحدهما واجد للخصوصية والآخر فاقد لها كما في افراد المتواطئ بل الذات حينئذ حال وجدانها للخصوصية بعينها هي تلك الذات حال فقدانها لها وانما كان الاختلاف ممحضا في الوجدان والفقدان.
    وعلى ذلك نقول بأنه إذا اقتضى أهمية الانقاذ في المثال مطلوبية شخص هذه الذات المحفوظة بين الحالتين وهو الغصب ومغلوبية مفسدته فلا جرم بعد هذه المغلوبية لا يفرق


(336)

بين حال وجدانها لخصوصية قصد التوصل وبين حال فقدانها لها ، ومعه فلا يتعين عليه قصد التوصل بها إلى الواجب ، بل كان له الخيار حينئذ بين الاتيان بها مقرونة بقصد التوصل وبين الاتيان بها غير مقرونة بذلك كما هو واضح ، على أنه مع الاغماض عن ذلك وتسليم كون المقام من قبيل الكلي والجامع المتواطي لا من قبيل الجامع التشكيكي نقول بأنه انما يتعين ويجب عليه قصد التوصل إذا كان تلك المزية القائمة بالخصوصية في نفسها بنحو من الاهتمام بحيث تمنع عن النقيض وتمنع عن تأثير المفسدة في المبغوضية إذ حينئذ يتعين عليه اختيار الفرد الواجد للخصوصية بحكم العقل جمعا بين الغرض القائم بالجامع وبين الغرض القائم بالخصوصية وإلا فإذا لم تكن المزية بالغة إلى مرتبة المنع عن النقيض وعن تأثير المفسدة في المبغوضية فلا جرم كان مقتضى أهمية مصلحة الانقاذ وتأثيرها في مطلوبية الجامع بين الفردين هو التخيير بينهما ، نعم غاية ما هناك حينئذ هو استحباب اختيار الفرد الواجد للخصوصية لا انه يتعين عليه ذلك.
    ومن هذا البيان ظهر بطلان مقايسة المقام بصورة وجود فرد مباح وعدم انحصار المقدمة بالحرام في لزوم اختيار الفرد المباح ، إذ نقول بان لزوم اختيار الفرد المباح هناك انما كان من جهة اقتضاء تلك المفسدة غير المزاحمة القائمة بالخصوصية فإنها من جهة خلوها عن المزاحم لما كانت مؤثرة في المبغوضية الفعلية في الخصوصية كان العقل يحكم بمقتضي الجمع بين الغرضين بتعين خصوص الفرد المباح وتطبيق الجامع عليه ، وهذا بخلاف المقام الذي لا يوجد فيه فرد مباح ، إذ فيه بعد لا بدية الاتيان بأحد الفردين بمقتضي أهمية الانقاذ فقهرا يكون نتيجة الامر بالجامع فيهما بعد عدم بلوغ رجحان الخصوصية إلى مرتبة المنع عن النقيض هو التخيير بينهما ، كما هو واضح.
    كما أنه من ذلك البيان ظهر أيضا عدم صحة المقايسة بمسألة المتوسط في الأرض المغصوبة التي لها طريقان للخروج عنها أحدهما أقرب من الآخر من حيث تعين اختيار الأقرب منهما بحكم العقل ، إذ نقول بان حكم العقل هناك بلزوم اختيار سلوك الأقرب منهما في مقام الخروج انما هو من جهة استلزام غيره لزيادة التصرف في مال الغير التي هي محرمة شرعا فلايرتبط حينئذ بالمقام الذي لايكون الامر فيه كذلك كما لايخفى.
    فلا محيص حينئذ ولو على البناء بكون المقام من قبيل الجامع المتواطي من المصير إلى التخيير بين الفردين وعدم تعين الفرد الواجد للخصوصية فيسقط القول باعتبار قصد


(337)

التوصل ولزومه على كل تقدير ، هذا كله بالنسبة إلى قصد التوصل.
    واما نفس الايصال الخارجي فعدم اعتباره أيضا واضح لو أريد دخله بنحو القيدية للوجوب أو الواجب كما هو ظاهر الفصول ، وذلك اما عدم اعتباره ودخله في الوجوب فظاهر من جهة ان حيثية الايصال والترتب نظير عنوان الموضوعية انما كانت منتزعة عن رتبة متأخرة عن وجود ذي المقدمة ، وحينئذ فإناطة الوجوب المتعلق بها بالوصف المزبور تكون ملازمة لإناطته بوجود موضوعه ، وهو من المستحيل ، من جهة كونه حينئذ من تحصيل الحاصل ، من دون فرق في ذلك بين ان نقول بمقالة المشهور في الواجب المشروط أو بما ذكرنا بجعل المنوط به هو الشيء بوجوده العلمي اللحاظي طريقا إلى الخارج ، فإنه بعد ما لابد في مقام الايجاب والإناطة من لحاظه في ظرف لحاظ قيده فقهرا في هذا الظرف أي في ظرف القيد يرى كون الوجود متحققا إذ يرى كونه ظرفا لوجود المقدمة الذي هو ظرف سقوط الامر عنها ، ومعه يستحيل كونه ظرفا لثبوت الامر بها كي أمكن البعث نحوها بالايجاد ، كما هو واضح ، هذا كله بناء على احتمال كونه قيدا للوجوب
    واما بناء على احتمال كونه قيدا للواجب لا للوجوب كما لعله ظاهر الفصول فلا يخلو اما ان يراد من اعتبار الايصال ودخله كونه على نحو الظرفية للواجب ، بجعل موضوع الوجوب الغيري عبارة عن ذات المقدمة لكن في ظرف الايصال وترتب ذيها عليها الملازم لاعتبار الذات في عالم معروضيتها للوجوب في رتبة متأخرة عن القيد المزبور نظير قوله تجارة عن تراض الظاهر في أن موضوع الحكم في جواز التصرف ونحوه هو التجارة الناشئة عن تراضي الطرفين ، واما ان يراد من اعتبار الايصال دخله في موضوع الوجوب بنحو خروج القيد ودخول التقيد كما في سائر المقيدات ، بحيث كان معروض الوجوب وموضوعه عند التحليل مركبا من أمرين أحدهما ذات الموضوع والاخر حيثية التقيد بقيد الايصال إلى ذيها ، فكان الفرق حينئذ بين ذلك وسابقه انه على الأول يكون معروض الوجوب الغيري عبارة عن نفس الذات محضة وكان حيث الايصال والترتب المزبور من جهة اخذه ظرفا مقدمة لنفس الذات بلحاظ انه بدونه لايكاد يتحقق ما هو موضوع الحكم أعني الذات الخاصة بخلافه على الوجه الأخير فإنه عليه كان موضوع الوجوب الغيري عبارة عن الذات مع وصف التقيد فكان حيث الترتب والايصال مقدمة بالنسبة إلى اجزاء الموضوع وهو التقيد لا بالنسبة إلى تمام الموضوع حتى حيثية الذات أيضا.


(338)

    وعلى أي حال نقول : بأنه كان المراد من اعتبار حيث الايصال ودخله في الواجب بنحو القيدية اعتباره فيه على الوجه الأول فبطلانه ظاهر من جهة استلزامه لاخذ موضوع الوجوب الغيري في رتبة متأخرة عن وجود ذيها ، وهو كما ترى من المستحيل ، حيث إنه ينافي جدا مقدمية الذات لوجود ذيها ، وترتب مثل هذا المحذور عليه انما هو من جهة اقتضاء الترتب المزبور بنحو الظرفية للذات تقدمه عليها الملازم لتأخر المقدمة رتبة عنه وعن وجود ذيها أيضا وهذا كما عرفت مناف لمقدمية الذات لوجود ذيها وكونها في رتبة سابقة عليه كما هو واضح ، وان كان المراد من اعتبار الايصال دخله في الواجب على الوجه الثاني فعليه وان يسلم عن هذا الاشكال بلحاظ عدم اقتضائه حينئذ الا تقدمه على حيث وصف التقيد لا على نفس الذات ، فكانت الذات حينئذ محفوظة في رتبة سابقة على ذي المقدمة وعلى حيثية وصف الايصال والترتب ، الا انه يتوجه عليه كونه مخالفا لما يقتضيه الوجدان إذ بداهة الوجدان قاض بأنه لا مدخلية لعنوان الايصال والترتب فيما هو معروض الوجوب الغيري وان ما هو المعروض للوجوب الغيري لايكون الا ذات المقدمة لا هي مع التقيد بوصف الايصال إلى ذيها وان حيثية الايصال انما كانت من الاغراض الداعية إلى ايجابها فكانت من الجهات التعليلية لا من الجهات التقييدية كما لايخفى.
    ثم انه أورد عليه أيضا بوجوه آخر لم يتعرض لها الأستاذ :
    منها استلزامه لمحذور اتصاف ذي المقدمة مع كونه واجبا نفسيا بالوجوب الغيري ببيان ان اخذ التقيد بالايصال المنتزع عن مرحلة ترتب ذي المقدمة على المقدمة في موضوع الوجوب يقتضي كونه مشمولا للوجوب الغيري فيجب حينئذ تحصيله كوجوب تحصيل ذات المقدمة ، ولازمه هو صيرورة ذي المقدمة بلحاظ مقدمية التقيد المزبور متصفا بالوجوب الغيري ، فيلزمه اجتماع الوجوبين فيه : أحدهما الوجوب النفسي والاخر الوجوب الغيري بملاك مقدميته للمقدمة ، وهو كما ترى من المستحيل ، خصوصا في مثل المقام الذي يستلزم سراية الوجوب من ذي المقدمة بتوسيط مقدمته إلى نفسه.
    ومنها لزوم اتصاف المقدمة بالوجوب بعد وجود ذيها وهو من المحال ، من جهة ان مثل هذا الصقع هو صقع سقوط الامر عن ذيها الملازم لسقوطه عنها أيضا فلايمكن ان يكون صقعا لثبوته


(339)

    ومنها استلزامه لمحذور تقدم الشيء على نفسه وتأخره عنه رتبة نظرا إلى ما هو المفروض من مقدمية المقيد لوجود ذي المقدمة ومقدمية ذي المقدمة لتحقق التقيد المزبور. ولكن يمكن ان يدفع هذه المحاذير ، وذلك : اما المحذور الأول فبدعوى قصور الوجوب الغيري حينئذ في سرايته وعوده إلى ذي المقدمة بعد سرايته منه إلى المقدمة إذ حينئذ وان كان ملاك المقدمية متحققا في ذي المقدمة ولكنه بعد قصور الوجوب الغيري وعدم قابليته لايكاد اتصاف ذي المقدمة الا بوجوب واحد وهو الوجوب النفسي.
    واما المحذور الثاني فدفعه انما هو بدعوى ان معروض الوجوب الغيري ، انما كان المقيد لكن بالنظر التصوري الذي لايقتضي المفروغية في الوجود الخارجي كما في القضايا التقييدية في المركبات الناقصة كزيد القائم الذي يحمل عليه الوجود تارة والعدم أخرى ، كقولك زيد القائم موجود أو معدوم ، لا بالنظر التصديقي الذي يقتضي مفروغية موضوعه في الخارج كما في القضايا التصديقية في المركبات التامة كزيد قائم وعمر وقاعد ، والاشكال المزبور انما يتوجه على الوجه الثاني دون الأول فإنه بعد عدم اقتضائه مفروغية الموضوع في الخارج في لحاظه بشهادة صحة حمل الوجود عليه تارة والعدم أخرى لايترتب عليه كون صقعه صقع وجود ذي المقدمة الذي هو صقع سقوط الامر عن المقدمة حتى يتجه الاشكال المزبور ، ومن ذلك أيضا يتضح الفرق بين هذا الفرض وبين فرض كونه قيدا للوجوب الذي قلنا باستحالته لمثل هذا المحذور فان عدم امكان اخذه قيدا لأصل الوجوب انما هو من جهة احتياج شرائط الوجوب وقيوده لدخلها في اتصاف الموضوع بالمصلحة والصلاح إلى لحاظها بالنظر التصديقي الذي يقتضي مفروغية وجودها في الخارج في مقام البعث والتكليف نظرا إلى أنه لولا لحاظها كذلك لايرى اتصاف الموضوع بكونه صلاحا ومصلحة كي يطلبه ويريده ، وهذا بخلافه في قيود الواجب التي لايكون دخلها الا في وجود المتصف فارغا عن أصل الاتصاف فإنها حينئذ لا تحتاج في مقام معروضيتها للوجوب الا إلى اللحاظ التصوري.
    اما الاشكال الثالث فله وجه بل لا محيص عنه لو قيل بمقدمية التقيد أيضا كذات المقدمة لما هو الواجب والمطلوب النفسي ، ولكنه ليس كذلك بل ولا يظن أيضا التزام القائل بدخل حيث الايصال والترتب في الواجب به ، وذلك من جهة وضوح ان تمام همه من اخذ الايصال قيدا في الواجب انما هو اثبات ان موضوع الوجوب الغيري و


(340)

معروضه هي الذات الخاصة دون الذات المجردة عن القيد المزبور مع تسليمه لان ما هو المقدمة وما فيه ملاك الوجوب الغيري عبارة عن ذات المقدمة ، لا هي مع وصف التقيد بالايصال بحيث كان للوصف المزبور دخل في تحقق الواجب كما هو واضح.
    وحينئذ فالعمدة في الاشكال عليه هو الذي ذكرنا من مخالفته لمقتضي الوجدان باعتبار ان ترشح الوجوب الغيري انما يكون على ما فيه ملاك المقدمية والتوقف ، وما فيه الملاك المزبور بعد ، لايكون الا ذات المقدمة لا هي مع وصف التقيد بالايصال فلا جرم لايترشح الوجوب أيضا الا على الذات المقدمة كما لايخفى.
    ثم انه قد يقرب القول المزبور أيضا بوجه آخر ، وهو ان الغرض من مطلوبية المقدمة وايجابها حيثما كان هو التوصل بها إلى وجود ذيها في الخارج فلا جرم يقتضي ذلك تخصيص الوجوب بخصوص المقدمة الموصلة ولا نعنى من اعتبار الايصال إلى الواجب في المقدمة وفي موضوع الوجوب الغيري الا هذا المعنى من عدم تعدي الوجوب عن المقدمة الموصلة إلى غيرها ، ولكن فيه ما لايخفى ، إذ نقول بان الغرض من الامر بكل مقدمة ليس الا ما يترتب على وجودها من الملاك وحينئذ فإذا كان دخل كل مقدمة من حيث كونها سادة لباب من أبواب عدم ذيها في الخارج فلا جرم لايكاد يكون الغرض من ايجاب كل مقدمة الا ذلك ، وفي مثله يستحيل كونه هو التوصل إلى الوجود وترتب الواجب عليها ، كيف وانه بعد مدخلية الإرادة أيضا في تحقق الواجب يستحيل كون الترتب المزبور من آثار مجموع المقدمات فضلا عن كل واحدة منها ، وحينئذ فإذا لم يكن دخل كل مقدمة الا كونها سادة لباب من أبواب عدم ذيها ولا كان الغرض من ايجاب كل مقدمة أيضا الا ما يترتب عليها من الحفظ من جهتها لاترتب الوجود ، فلا محيص بمقتضي البيان المزبور من الالتزام بان الواجب هو نفس ذات المقدمة لا هي بما انما موصلة نظرا إلى وضوح ترتب مثل هذا الغرض حينئذ بمحض تحقق المقدمة في الخارج وان لم يتحقق بقية المقدمات ولم يترتب عليها ذوها في الخارج أصلا كما لايخفى.
    نعم لنا مسلك آخر في تخصيص الوجوب الغيري بخصوص المقدمة الموصلة لكن لا بمناط تقييد الواجب بالايصال إلى ذيها ، كما يقتضيه ظاهر الفصول ، بل من جهة قصور الوجوب الغيري في نفسه عن الشمول للمقدمة الا في حال الايصال إلى ذيها ، نظير ما ذكرنا غير مرة في الأوامر الضمنية المتعلقة بالاجزاء في المركبات الارتباطية في


(341)

اختصاص شمولها لكل جزء من المركب بحال انضمام بقية الاجزاء أيضا وقصورها بنفسها لضمنيتها عن الشمول لجزء عند عدم انضمام بقية الاجزاء ، وذلك انما هو بتقريب ان دخل كل مقدمة وان لم يكن الأسد باب عدم ذيها من قبلها وفي ذلك أيضا لا يفرق بين حال انفكاكها عن بقية المقدمات الملازم لعدم الايصال إلى ذيها وبين حال عدم انفكاكها عنها ، من جهة انه بتحقق كل مقدمة يترتب عليها لا محالة الحفظ من جهة وسد باب العدم الذي هو ملاك وجوبها الغيري ، انضمت إليها بقية المقدمات أم لا ، ترتب عليها وجود ذيها في الخارج أم لم يترتب ، الا ان التكليف المتعلق بكل واحد من السدود المزبورة حيثما كان تكليفا انحلاليا ضمنيا حسب انحلال التكليف بالواجب إلى تكاليف متعددة متعلقة بالسدود المزبورة وكان من جهة ضمنيته في تعلقه بالسد من هذا الجهة وتلك الجهة قاصر الشمول لحال عدم تحقق بقية السدود وعدم انحفاظ المطلوب من الجهة الأخرى على ما هو شأن كلية التكاليف الضمنية في المركبات الارتباطية فلا جرم نقصها وقصورها ذلك يوجب كون الطلب الغيري المترشح منها إلى المقدمات الموجبة للسدود المزبورة أيضا طلبا ناقصا غير تام بنحو يقصر في تعلقه بكل مقدمة عن حال انفرادها عن بقية المقدمات الاخر إذ لايمكن حينئذ ان يكون هذا الطلب الغيري الناشي من الطلب الضمني طلبا مستقلا تاما في حد نفسه وقابلا للامتثال على الاطلاق حتى في ظرف عدم تحقق بقية المقدمات للتالي ، مع كون الطلب المترشح منه هذا الطلب الغيري طلبا ناقصا غير تام في نفسه ، وفي ذلك أيضا لا يفرق بين ان نقول بكون المقدمات بأجمعها تحت تكليف واحد أو تحت تكاليف متعددة بصيرورة كل مقدمة تحت تكليف غيري مستقل ، فإنه على كل تقدير لايكون المترشح الا تكليفا غير يا ناقصا وذلك : اما على الأول فظاهر لأنه بعد خروج الإرادة التي هي من المقدمات عن حيز التكليف فقهرا يكون التكليف المتعلق ببقية المقدمات تكليفا ناقصا غير تام واما على الثاني فكذلك لكونه مقتضي ضمنية الطلب المتعلق بالسدود المزبورة.
    وعلى ذلك نقول : بأنه إذا كان التكليف المتعلق بكل مقدمة تبعا للتكليف النفسي الضمني المترشح منه ناقصا غير تام نفسه بنحو يقصر عن الشمول لحال عدم تحقق بقية المقدمات فلا جرم يوجب نقصه وقصوره ذلك تخصيص المطلوب أيضا بما لايكاد انفكاكه عن بقية المقدمات التي منها الإرادة الملازم ذلك مع الايصال إلى وجود ذيها في


(342)

الخارج ، ومعه يكون الواجب قهرا عبارة عن خصوص ما هو ملازم مع الايصال بنحو لايكاد انفكاكه في الخارج عن وجود الواجب لا مطلق وجود المقدمة ولو في حال الانفكاك عن الايصال وعن ترتب الواجب عليها ، وعليه فالواجب بما هو واجب وان لم يكن مقيدا بقيد الايصال ولكنه لقصور في حكمه عن الشمول لحال انفكاك عن بقية المقدمات لايكون مطلقا أيضا بنحو يشمل حال عدم الايصال إلى وجود ذيه فهو أي الواجب حينئذ عبارة عن ذات المقدمة بما انها توأمة وملازمة مع الايصال وترتب ذيها عليها ، لا بشرط الايصال كما هو مقتضي كلام الفصول ولا لا بشرط الايصال كما هو مقتضي القول بوجوب المقدمة مطلقا كما لايخفى.
    ومن ذلك البيان ظهر ان مجرد تمامية المقدمة بذاتها فيما هو ملاك الوجوب الغيري وهو الحفظ من جهة غير مقتض لاتصافها بالوجوب على الاطلاق ولو في حال انفكاكها عن سائر المقدمات الاخر وعدم ايصالها إلى ذيها ، إذ نقول بأنه انما يقتضي ذلك لولا ما في حكمها من القصور الناشئ من قصور الامر الضمني عن الشمول للسد من جهة ولو مع عدم تحقق بقية السدود والا فمع مثل هذا القصور في الحكم لايكاد اتصافها بالوجوب أيضا الا في ظرف اجتماع بقية المقدمات الاخر.
    كما أنه من ذلك ظهر حال الغرض الداعي إلى الامر بالمقدمة أيضا فان الغرض من الامر بكل مقدمة وان كان هو جهة وفائها بما يخصها من سد باب عدم ذيها من قبلها الا انه من جهة ضمنيته باعتبار تعلقه بمجموع السدود يكون قاصر الشمول في تعلقه بالسد من هذه الجهة عن حال عدم تحقق بقية السدود ، فمن ذلك لايكاد اقتضائه لايجاب المقدمة الا في حال تحقق سائر المقدمات الملازم لتحقق بقية السدود من الجهات الاخر أيضا ، والا لاقتضى وجوب الاتيان ولو بمقدمة واحدة عنه عدم التمكن من الاتيان بسائر المقدمات نظرا إلى تمامية تلك المقدمات حينئذ ووفائها بما هو ملاك وجوبها الغيري ، مع أنه ليس كذلك قطعا فتأمل.
    وعلى ذلك فلا يبقى مجال لا ثبات وجوبها مطلقا كما أفيد في الكفاية من دعوى انه من المعلوم بداهة سقوط التكليف عن المقدمة بمجرد الاتيان بها من دون انتظار ترتب ذيها عليها في ذلك بحيث لايبقى مع الاتيان بها الا طلبه وايجابه بالنسبة إلى ذيها كما لو لم تكن هذه بمقدمة أو كانت حاصلة من أول الامر ، وحينئذ فلو اعتبر في اتصافها بالوجوب ترتب


(343)

ذيها عليها خارجا لما كاد يسقط عنها التكليف بمجرد الاتيان بها ، مع أن سقوط التكليف عنها حينئذ في الوضوح كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار ، كوضوح ان سقوطه عنها أيضا انما كان من جهة الموافقة لا من جهة ارتفاع الموضوع أو العصيان والمخالفة فسقوط التكليف عنها حينئذ وعدم الامر بها ثانيا بعد الاتيان بها كاشف قطعي عن وقوعها على صفة الوجوب وعدم دخل حيث الايصال إلى ذيها في ذلك
    إذ نقول : مضافا بالنقض باجزاء المركبات الارتباطية والمشروطات بالشرط المتأخر المعلوم فيها أيضا عدم وجوب الاتيان ثانيا بالجزء المأتي به من المركب ما دام على صلاحيته للانضمام ببقية الاجزاء مع معلومية عدم سقوط الامر عنه الا بعد لحوق الجزء الأخير من المركب بلحاظ توأمية الأوامر الضمنية المتعلقة بالاجزاء ثبوتا وسقوطا ان عدم وجوب الاتيان بالجزء المأتى به هناك وبالمقدمة في المقام انما هو من جهة سقوط الامر حينئذ عن المحركية والفاعلية لا من جهة سقوطه بالمرة ، فحيث انه لم يكن قصور في طرف المأتى به أوجب اتيانه سقوط امره عن الفاعلية والمحركية نحو الاتيان ثانيا وثالثا ولكن الامر والتكليف لقصور فيه قد بقى على فعليته إلى حين لحوق بقية الاجزاء في المركبات وتحقق بقية المقدمات في المقام ، ومن ذلك لو فرض خروج المأتى به عن القابلية بالمرة يجب الاتيان به ثانيا بنفس التكليف الأول ، وليس ذلك الا من جهة بقاء التكليف به بعد ذلك على فعليته وكون الساقط مع الاتيان هو مرتبة محركيتها لا مرتبة فعليته ، ولا تنافي أيضا بين فعلية الامر والتكليف وعدم فاعليته حيث أمكن التفكيك بينهما ومن ذلك أيضا فككنا نحن بين التكليف وفاعليته فيما تصورناه من الواجب المشروط ، وعليه فلا مجال للكشف عن وجوب المقدمة على الاطلاق بمحض سقوط الامر بها عن المحركية والفاعلية باتيان ذات المقدمة.
    بل لا محيص ، بمقتضي ما ذكرنا من المصير إلى أن الواجب من المقدمات هو خصوص ما يلازم خارجا مع الايصال وترتب ذيها في الخارج عليها ، فيكون حيثية الايصال على ذلك حينئذ من قبيل العناوين المشيرة إلى ما هو الواجب بأنه عبارة عن الذات الخاصة التوأمة مع الايصال بنحو لايكاد انفكاكها في ظرف التطبيق على الخارج عن وجود ذيها وكان اخذه في الموضوع أيضا في قولنا : ( الواجب هو المقدمة الموصلة ) لمحض كونه معرفا لما هو الواجب لا من جهة كونه قيدا له كما يقتضيه ظاهر كلام الفصول ( قدس سره ) كما


(344)

هو واضح.
    نعم قد يقال حينئذ بعدم انفكاك هذا القول عن القول باعتبار قصد التوصل نظرا إلى دعوى احتياج امتثال الامر الغيري حينئذ إلى تطبيق عنوان الواجب على المأتى به واحتياج التطبيق المزبور إلى قصد التوصل بالمقدمة إلى ذيها أو قصد ذيها ، من جهة انه بدون القصد المزبور لايكاد تطبيق عنوان الواجب على المأتى به حتى يصح اتيانها بداعي أمرها ، فمن ذلك لايكاد انفكاك القول بوجوب المقدمة الموصلة عن القول باعتبار قصد التوصل ، ولكنه مدفوع إذ نقول بان المحتاج إليه في مقام تطبيق عنوان الواجب على المقدمة انما هو العلم بترتب ذيها عليها خارجا فيكفي حينئذ مجرد العلم بتحقق الواجب فيما بعد في تطبيق الواجب على المأتى به وان لم يكن من قصده التوصل بالمقدمة إلى ذيها ولا كان أيضا قاصدا ومريدا لذيها حال الاتيان بها بوجه أصلا كما لايخفى.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net