متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
حول ثمرة القول بوجوب الموصلة
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
بقى الكلام في بيان الثمرة بين القولين

    فنقول : قد يقال كما في الفصول : بظهور الثمرة بين القولين في الضد العبادي الذي يتوقف على تركه فعل الواجب بناء على مقدمية ترك الضد لفعل الضد الواجب كما في الصلاة بالنسبة إلى الا زالة ، فإنه على القول بوجوب مطلق المقدمة تقع العبادة فاسدة لا محالة من جهة كون فعلها حينئذ نقيضا للترك الواجب وصيرورتها حراما ومبغوضا بمقتضى النهى عن النقيض ، واما على القول بوجوب المقدمة الموصلة فلا تبطل بل تصح من جهة خروج فعلها حينئذ عن كونه نقيضا للترك الواجب ، نظرا إلى أن الواجب بعد كونه عبارة عن الترك الخاص فنقيضه لايكون الا رفعه الذي هو ترك الترك الخاص دون الفعل المطلق ، بشهادة امكان ارتفاع كل من الفعل المطلق والترك الموصل بالترك المجرد غير الموصل كامكان ارتفاع كل من الترك الموصل والترك المجرد بالفعل المطلق ، مع وضوح امتناع ارتفاع النقيضين كاجتماعهما ، وحينئذ فإذا لم يكن الفعل المطلق نقيضا للترك الموصل بل كان مما يقارن ما هو النقيض ، من رفع الترك الخاص المجامع معه تارة ومع الترك المجرد أخرى ، فلا جرم لا يحرم أيضا بمقتضي وجوب الترك الموصل ، ومعه تقع صحيحة لا محالة بلحاظ عدم سراية حرمة الشيء إلى ما يلازمه ويقارنه ، هذا.


(345)

    وقد أورد عليه بأنه يكفي في فساد العبادة وبطلانها حينئذ مقدمية فعلها لترك الضد الواجب ، فان مقتضى مبغوضية الترك المزبور حينئذ انما هو مبغوضية ما هو عليه ، فإذا فرض ان العبادة كانت مقدمة وعلة لترك الواجب فلا جرم تقع مبغوضة ومعه تقع فاسدة من هذه الجهة ، فلايحتاج حينئذ إلى اثبات كون فعلها نقيضا للترك الواجب كي يشكل بما أفيد بان الفعل المطلق لايكون نقيضا للترك الخاص وانما كان مقارنا لما هو النقيض من رفع الترك الخاص المجامع معه تارة ومع الترك المجرد أخرى ، ولايقتضى حرمة شيء أيضا حرمة ما يلازمه ويقارنه إذ على كل تقدير تقع العبادة حينئذ فاسدة سواء على القول بوجوب مطلق المقدمة أو القول بوجوب خصوص المقدمة الموصلة.
    ولكن فيه انه مبنى على مقدمية فعل الضد لترك الضد الاخر ، وهو في محل المنع ، فان القائل بمقدمية الضد انما يدعى فعلية التوقف من طرف الوجود خاصة لا مطلقا حتى من طرف العدم أيضا ، ومن ذلك يمنع استناد الترك المزبور إلى وجود ضده بل يسنده إلى الصارف وعدم تحقق مقتضيه وهو الإرادة ، وحينئذ فإذا كان الترك مستندا إلى الصارف وعدم الإرادة لا إلى وجود ضده فلا جرم تكون الثمرة المزبورة على حالها ، حيث لا موجب في البين حينئذ يقتضي حرمة العبادة على القول بالمقدمة الموصلة حتى تقع فاسدة ، كما هو واضح.
    وحينئذ فالأولى في الاشكال عليه هو المنع عن كون الفعل مما يقارن النقيض وانه بنفسه نقيض للترك الواجب بدعوى ان نقيض المقيد بعد انحلاله إلى جزئين أحدهما ذات الترك والاخر التقيد بالخصوص يتحقق بأحد الامرين : اما بقلب ذات الترك أو بقلب التقيد ، فنقيض الترك كان هو الفعل ونقيض القيد هو عدم التقيد ، وحينئذ فإذا تحقق أحد الامرين لا محالة ينطبق عليه النقيض ويصير مبغوضا ، كما هو ذلك أيضا في كلية المركبات ، ومن ذلك اشتهر ان المركب كما ينتفي بانتفاء مجموع الاجزاء كذلك ينتفي بانتفاء أحد اجزائه ، وعلى ذلك نقول بأنه إذا تحقق الفعل الذي هو نقيض ذات الترك فبتحققه ينطبق عليه أول نقيض وبذلك يصير مبغوضا ، فيصير فاسدا لا محالة إذا كان عبادة.
    واما الاشكال عليه : بأنه بعد معلومية انه لايكون لوجود واحد الا نقيض واحد فلابد من اعتبار جامع في البين يكون هو النقيض حقيقة ، وهو غير متصور في المقام ، نظرا إلى


(346)

عدم تصور الجامع بين الوجود والعدم ، فلابد حينئذ من جعل النقيض عبارة عن رفع الترك الخاص الملازم للوجود والغاء الفعل بالمرة عن كونه نقيضا للترك الخاص ومعه تتم الثمرة المزبورة ، فمدفوع بأنه كذلك إذا كان وحدة الموضوع ذاتية والا فلو كانت اعتبارية كما في المقام وفي كلية المركبات فلا جرم حسب تكثر الوجودات يتكثر النقيض أيضا حقيقة ، غايته انه من جهة ان المجموع تحت امر واحد لا يتصف بالمبغوضية الا أحد النقائض المنطبق عليه أول نقيض ، من جهة خروج البقية بعد ذلك عن دائرة المحبوبية الضمنية بقلب وجود واحد منها بالنقيض.
    ولئن شئت قلت : بان المركبات كما أن وحدتها ليست الا بالاعتبار والا فهي متكثرات حقيقة كذلك الامر في نقيضها فوحدتها أيضا لا تكون الا بالاعتبار ، وقضية ذلك كما عرفت هي مبغوضية أحد النقائض المنطبق عليه أول نقبض من جهة خروج البقية بعد ذلك عن دائرة المبغوضية من غير فرق في ذلك بين المركبات الخارجية كالصلاة والحج والوضوء والغسل وبين المركبات التحليلية كالمقيدات من جهة انه وان لم يكن للمقيد في الخارج الا وجود واحد ولا كان لحيثية التقيد ما بإزاء في الخارج الا ان تعدد الجهات والحيثيات فيه لما كانت توجب انحلال الامر به إلى الأوامر المتعددة تكون لا محالة كالمتكثرات الخارجية فيكون لكل حيثية نقيض مستقل غير أنه كان المتصف بالمبغوضية هو أول نقيض من جهة خروج بقية الحيثيات الاخر بعد ذلك عن دائرة المطلوبية ، وعليه نقول في المقام أيضا بان نقيض ذات الترك الذي هو إحدى الحيثيات المأخوذة في الموضوع بعد أن كان رفعه المساوق للوجود الذي هو الفعل فقهرا يصير الفعل بمقتضى النهى عن النقيض مبغوضا ومنهيا عنه ، ومعه يقع لا محالة باطلا إذا كان عبادة ، فيرتفع حينئذ الثمرة المزبورة ، من جهة بطلان الضد العبادي حينئذ على كل تقدير.
    ثم إن هذا كله مسلك اخذ الايصال قيدا للواجب كما عليه ظاهر الفصول ( قدس سره ) واما على ما سلكناه في تخصيص الوجوب المقدمة الموصلة من جعل الموضوع عبارة عمالايكاد انفكاكه عن بقية المقدمات الاخر الملازم قهرا مع الايصال وترتب وجود ذيها في الخارج فلا بأس باستنتاج النتيجة المزبورة في تصحيح الضد العبادي ، إذ نقول حينئذ بان الوجوب المتعلق بالمقدمة بعد كونه ناقصا غير تام بنحو لايكاد يشمل الا الترك في حال إرادة الضد الواجب فلا محالة يكون البغض الناشئ من


(347)

هذا الوجوب الناقص بالنسبة إلى النقيض وهو الفعل أيضا بغضا ناقصا غير تام بحيث لنقصه وقصوره لا يشمل الا الفعل في حال إرادة الضد ، لا مطلق وجوده ولو في ظرف الصارف وعدم إرادة الواجب ، وحينئذ فإذا خرج الفعل في ظرف الصارف وعدم الإرادة عن دائرة المبغوضية لاختصاص البغض بالفعل في حال إرادة الواجب ولم يتمكن أيضا من الفعل الا في ظرف الصارف وعدم إرادة الضد الواجب من جهة امتناع اجتماع إرادة الواجب مع فعل ضده وهو الصلاة فلا جرم يقع الفعل منه غير مبغوض فيقع صحيحا ، ومعه يتجه النتيجة المزبورة.
    نعم لو كان نتيجة تعلق الوجوب الناقص بالمقدمة هو البغض التام في طرف النقيض بحيث يقتضي مبغوضية النقيض على الاطلاق لاتجه الاشكال المزبور فتنتفى الثمرة المزبورة ، ولكنه في محل المنع جدا ، فإنه كما عرفت لايكاد اقتضاء تعلق الوجوب الناقص بشيء بالنسبة إلى النقيض الا البغض الناقص ، وحينئذ فلا يبقى في البين الا جهة مقدمية الوجود لترك الضد الواجب الذي هو مبغوض بالبغض التام ، وهذا أيضا مما قد عرفت الجواب عنه باستناد الترك حينئذ دائما إلى الصارف وعدم وجود المقتضي وهو الإرادة لا إلى وجود الفعل ، فان صحة استناد عدم شيء إلى عدم وجود الشرط أو إلى وجود المانع انما يكون في ظرف وجود مقتضيه وتحققه ، والا ففي ظرف عدم تحقق المقتضي لايكاد استناد العدم الا إلى عدم المقتضي ، ومن ذلك ترى انه مع أنه عدم وجود النار لايكاد صحة استناد عدم الاحراق إلى وجود المانع وهو الرطوبة مثلا أو إلى عدم تحقق شرطه ، بل وانما الصحيح استناده إلى عدم وجود المقتضي وهو النار وليس ذلك الا من جهة سبق المقتضى رتبة على بقية اجزاء العلة من الشرط والمانع ، كما سيجيء زيادة تحقيق لذلك إن شاء الله تعالى في مبحث الضد ، وحينئذ فحيث ان الفعل مسبوق دائما بالصارف وعدم إرادة الضد الواجب فلا جرم يكون عدم الضد مستندا إلى الصارف دون الفعل ومع يقع الفعل العبادي قهرا غير مبغوض فيقع صحيحا ، هذا.
    وقد تظهر الثمرة أيضا بين القولين في ضمان الأجرة على المقدمة فيما لو امر بالحج أو الزيارة عنه واخذ المأمور بالمشي فمات قبل الوصول إلى المقصد ، فإنه على القول بوجوب مطلق المقدمة يستحق المأمور الأجرة على ما اتى به من المقدمات من جهة أن الامر بالحج عنه امر بمقدماته التي منها المشي وطي الطريق وبذلك يستحق عليه الأجرة على المقدمة ،


(348)

واما على القول بوجوب المقدمة الموصلة فلا استحقاق له للأجرة على المقدمة نظرا إلى عدم كون المأتي به من المقدمات مأمورا به حتى يقتضي ذلك تضمين الآمر للأجرة عليه ، وذلك من جهة فرض اختصاص امره بخصوص المقدمة الموصلة ومجرد تخيل المأمور واعتقاده بكون المقدمة المأتي بها واجبة ومأمورا بها أيضا غير مقتض لضمان الامر ، والا لاقتضى تضمينه في غيره من الموارد الاخر كما لو اعتقد بان زيدا امره بكنس داره فكنس داره بموجب هذا الامر الزعمي ، مع أنه كما ترى لايظن من أحد الالتزام به.
    وتظهر الثمرة أيضا في فرض انحصار المقدمة بالفرد المحرم كالمشي في الأرض المغصوبة لانقاذ الغريق ، فإنه على القول بوجوب مطلق المقدمة يكون المشي المزبور واجبا وان لم يترتب عليه الانقاذ ، واما على المقدمة الموصلة يقع المشي المزبور حراما مع عدم الايصال ، سواء قصد به الايصال أيضا أم لم يقصد ، غايته انه مع قصد الايصال يكون منقادا كما أنه مع عدم قصد الايصال يكون واجبا إذا كان ترتب عليه الانقاذ الواجب غايته انه يكون متجريا حينئذ في فعله كما هو واضح ..

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net