متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الكلام في الترتب
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
الكلام في الترتب

    نعم لو اغمض عن ذلك كان هذا التقريب في نفسه تقريبا نفسيا تاما في اثبات الامر التام بالمهم وفي رفع محذور المطاردة بين الامرين ، وتوضيح ذلك يحتاج إلى ذكر أمور :
    الأول ان النسبة الواقعة في القضايا على ما مر منا غير مرة على ضربين ، فإنه تارة تلاحظ النسبة من حيث خروجها من كتم العدم إلى الوجود وأخرى تلاحظ من حيث ثبوتها ووقوعها فارغا عن أصل ايقاعها ، فهي بالاعتبار الأول تعبر عنها بالنسبة الايقاعية وبالاعتبار الثاني بالنسبة الوقوعية ، كما أن القضية باعتبار اشتمالها على النسبة الأولى تكون من القضايا التامة الملحوظ فيها ايقاع النسبة بين الموضوع والمحمول أو بين المبدء والفاعل ، كقولك زيد قائم وزيد ضرب ، وباعتبار اشتمالها على النسبة بالمعنى الثاني تكون من القضايا التقييدية والمركبات الناقصة ، وحيث إن النسبة بالمعنى الأول تكون مقدمة على النسبة بالمعنى الثاني بملاحظة تفرع الثبوت والوقوع دائما على الايقاع كانت القضايا التقييدية التوصيفية باعتبار اشتمالها على النسبة الثابتة الوقوعية في رتبة متأخرة عن القضايا التامة ونتيجة لها.
    الامر الثاني لا اشكال في أن مقام عروض الإرادة وتأثيرها ، انما هو مرحلة النسبة الايقاعية ، حيث إنه كان طلب الشيء بعثا نحو الشيء وارسالا للفاعل نحو المبدء بايجاده واخراجه من كتم العدم إلى الوجود لا مرحلة النسبة الثابتة الوقوعية ، لوضوح ان مثل هذه المرحلة مرحلة وجود المراد الذي هو مرحلة سقوطه فلايمكن ان يكون ذلك ظرفا لعروض طلبه وثبوته ، كيف وانه مضافا إلى كونه حينئذ من طلب الحاصل يلزمه كون طلبه في مرتبة وجود مراده ، وهو كما ترى من المستحيل ، من جهة استحالة أن يكون للشيء سعة واطلاق يشمل مرتبة وجود معلوله وبالعكس ، بل بعد أن يكون نسبة الإرادة إلى المراد نسبة العلية والمعلولية فقهرا مقتضى تخلل الفاء بينهما هو محدودية كل منهما بحد خاص غير متجاوز عن ذلك الحد ، فيكون مرتبة الإرادة في رتبة قبل الفاء والمراد في رتبة بعد الفاء ، وفي مثله لايكاد يكون اقتضاء الإرادة وتأثيرها إلا في مرتبة ذاتها التي هي رتبة قبل الفاء دون مرتبة بعد الفاء التي هي رتبة وجود المراد بل كان مثل هذه الرتبة رتبة سقوطها عن التأثير كما هو واضح.
    الامر الثالث لا اشكال في أن عنوان الإطاعة انما كان منتزعا عن مرتبة وجود المراد


(375)

والمقتضى بالفتح المتأخر عن رتبة الامر والإرادة ، ومثله أيضا عنوان العصيان حيث إن انتزاعه أيضا انما كان عن مرتبة وجود المقتضى بالفتح لأنه نقيض للإطاعة فيكون ذلك أيضا في رتبة متأخرة عن الامر والإرادة ، ولازم ذلك كما عرفت هو عدم شمول الامر والإرادة لمرتبة اطاعته التي هي مرتبة وجود المراد ولا لمرتبة عصيانه ، من جهة تأخر رتبتيهما عن رتبته ، ومن ذلك يكون اقتضائه للتأثير دائما في مرتبة قبل العصيان ، نعم قضية تقارن العلة زمانا مع المعلول انما هو وجود الامر في زمان الإطاعة والعصيان ، ولكن مع ذلك كل في رتبة نفسه ، كما في حركة اليد وحركة المفتاح ، حيث أنهما مع تقارنهما زمانا يكون كل منهما في رتبة نفسه إحديهما قبل الفاء والأخرى بعده ، وهو واضح.
    وإذ عرفت ذلك نقول : بان مقتضى إناطة امر المهم بعصيان الأهم قهرا وقوع امره حسب الإناطة المزبورة في رتبة متأخرة عن العصيان المتأخر عن الامر بالأهم ، ومعه يرتفع لا محالة محذور المطاردة بين الامرين حيث إنه في مرتبة اقتضاء امر الأهم لا امر بالمهم حتى يزاحم مع الأهم في اقتضائه ، من جهة أن أمره انما كان في رتبة متأخرة عن العصيان الذي هو متأخر عن الامر بالأهم ، وفي مرتبة ثبوت الامر للمهم واقتضائه في التأثير لا وجود للامر ولا اقتضاء له في التأثير حيث كان مثل هذه المرتبة مرتبة سقوطه عن التأثير دون ثبوته ، وعليه فما اجتمع الأمران في مرتبة واحدة حتى يقع بينهما المطاردة والمزاحمة في مرحلة اقتضائهما في التأثير.
    واما ما قيل كما في الكفاية بأن طلب المهم وان لم يكن في مرتبة طلب الأهم فلا يلزم في تلك المرتبة اجتماع طلبهما الا أنه في مرتبة طلب المهم كان اجتماع لطلبهما من جهة فعلية الامر بالأهم أيضا في تلك المرتبة بملاحظة عدم سقوطه بعد ما لم يتحقق المعصية ، ومعه يتوجه محذور المطاردة والمزاحمة في تلك المرتبة ، فمدفوع بما عرفت في المقدمة الثالثة من استحالة أن يكون لكل امر اطلاق وسعة يشمل مرتبة إطاعة نفسه وعصيانه ، كيف وأنه إذا فرض انه لايكون الامر بالمهم في مرتبة الامر بالأهم لكونه في رتبة متأخرة عن العصيان المتأخر عن الامر بالأهم فكيف يمكن ان يكون الامر بالأهم في مرتبة الامر بالمهم ، ومجرد وجود أمر الأهم وفعليته في زمان العصيان أيضا لا يقتضى وجوده وفعليته في مرتبته ، فضلا عن كونه في المرتبة المتأخرة عن العصيان التي هي رتبة الامر بالمهم ، كما عرفت نظيره في مثل حركة اليد والمفتاح ، حيث أنهما مع كونهما


(376)

متقارنتين زمانا متفاوتتان بحسب المرتبة بنحو يتخلل بينهما الفاء في قولك وجدت فوجدت ، وعليه فلا يبقى في البين الا مجرد مقارنة الامرين زمانا واجتماعهما في زمان واحد ، ولكنه بعد اختلافهما بحسب الرتبة وكون المدار في التأثير على الرتبة لا الزمان كما في كلية العلل والمعلولات لايكاد يضر حيث اجتماع طلبهما بحسب الزمان ، إذ كان اقتضاء كل واحد من الامرين وتأثيره حينئذ في مرتبة نفسه ، فكان تأثير الامر الأهم في رتبة قبل العصيان وتأثير المهم في رتبة بعد العصيان ، فتدبر.
    ثم إنه مما ذكرنا ظهر لك حال بقية الشقوق والصور من فرض كونهما موسعين أو مختلفين أيضا ، فعلى ما ذكرنا من امكان الجمع بين الامرين بالضدين إما بنحو ما ذكرنا أو بنحو الترتب لا بأس باتيان ما هو الموسع منهما بداعي أمره ، فإذا كان الموسع عبادة كان للمكلف التقرب بها باتيانها بداعي أمرها بلا احتياج في تصحيحها إلى حيث رجحانها الذاتي ، نعم لو بنينا على مسلك من يقول باستحالة الجمع بين الامر بهما ولو في رتبتين أيضا لكان المتعين حينئذ في تصحيحها هو حيث رجحانها الذاتي ، من جهة انه بمزاحمة هذا الفرد مع المضيق فقهرا بحكم العقل يخرج عن دائرة الطبيعة المأمور بها ، ومع خروجه عنها لا جرم يختص الامر أيضا بغيره من الافراد الاخر ، فلا يبقى مجال تصحيحها حينئذ باتيانها بداعي أمرها.
    واما توهم أن الفرد المزاحم مع المضيق بعد كونه كالأفراد الباقية في الوفاء بالغرض وعدم كون خروجه من باب التخصيص الكاشف عن خلوه عن المصلحة والوفاء بالغرض رأسا فأمكن التقرب به باتيانه بقصد الامر بالمتعلق بالطبيعة والجامع ، فمدفوع بأن داعوية الامر في التكاليف بعد أن كانت عبارة عن كون الامر علة فاعلية للايجاد فلا جرم بخروج هذا الفرد عن دائرة الطبيعة المأمور بها يتضيق دائرة الطبيعي المأمور به بما عدا هذا الفرد ، ومعه لايكاد اقتضاء للامر المتعلق بالطبيعة بالنسبة إليه في الداعوية حتى يصح جعله داعيا ومحركا نحوه بالايجاد ، وهذا هو الذي اشتهر بينهم بأن الامر لايدعو الا إلى متعلقه من جهة أن داعوية الامر انما هي باقتضائه للايجاد فمع عدم اقتضاء فيه بالنسبة إلى هذا الفرد يستحيل داعويته نحوه كما هو واضح.
    ثم إن هذا كله فيما يتعلق بالضد الخاص.
    واما الضد العام بمعنى الترك فلا إشكال فيه في اقتضاء الامر بالشيء للنهي عنه


(377)

كما تقدم ، وانما الكلام والاشكال في أنه هل هو بنحو العينية أو التضمن أو من جهة الالتزام حيث إن فيه وجوها ، وفي مثله كان المتعين هو الأخير من كونه على نحو الالتزام دون العينية والتضمن.
    وذلك اما عدم كونه بنحو العينية فواضح ، فإنه لا وجه له الا توهم ان حقيقة النهى عبارة عن طلب الترك قبال الامر الذي هو عبارة عن طلب الوجود وان ترك الترك في المقام بعد أن كان عبارة أخرى عن الوجود الذي هو طارد العدم قهرا كان طلب الوجود أيضا عبارة أخرى عن النهى عن النقيض الذي هو عبارة عن طلب ترك الترك ومقتضاه حينئذ هو عينية الامر بالشيء مع النهى عن النقيض بحسب المنشأ وان لم يكن كذلك بحسب المفهوم ، ولكنه فاسد جدا ، وذلك لما سيجيء من أن حقيقة النهى عن الشيء ليس الا عبارة عن الزجر عن الوجود في قبال الامر الذي هو الارسال والبعث نحو الوجود لا أنه عبارة عن طلب الترك كي يلزمه اشتراكه مع الامر في جزء المدلول وهو الطلب فيلزمه عينيتهما في المقام بحسب المنشأ ، وعليه فمن الواضح المغايرة التامة بين مدلوليهما علاوة عما كان بين مفهوميهما من المغايرة ، كما هو واضح.
    واما عدم كونه بنحو التضمن والجزئية فظاهر أيضا ، من جهة ابتناء القول بالجزئية على تركب الوجوب من طلب الفعل مع المنع عن الترك ، والا فعلى التحقيق من بساطة حقيقة الوجوب وعدم تركبه لايبقى مجال دعوى كون الاقتضاء المزبور من جهة التضمن.
    وحينئذ يتعين الامر بكونه على نحو الالتزام ، نظرا إلى ما هو الواضح من الملازمة التامة بين إرادة الشيء وكراهة تركه بحسب الارتكاز بحيث لو التفت إلى الترك ليبغضه ويمنع عنه ، نعم لا بأس بدعوى العينية بينهما بحسب الانشاء بلحاظ كونه مبرزا عن مبغوضية الترك كابرازه عن محبوبية الوجود ومطلوبيته فتدبر.


(378)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net