متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المبحث التاسع : في انه إذا نسخ الوجوب هل يبقى الجواز أم لا ؟
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول

المبحث التاسع
في أنه إذا نسخ الوجوب يبقى الجوز أم لا ؟

    والظاهر أن المراد بالجواز المتنازع فيه هو خصوص الجواز الاقتضائي الذي هو في ضمن الوجوب والاستحباب والإباحة لا الأعم منه والجواز اللا اقتضائي الناشي من عدم المقتضي للشيء فعلا أم تركا ، من جهة وضوح أن مثل هذا المعنى من الجواز بعد ورود الدليل على وجوبه مما يقطع بارتفاعه فلا معنى حينئذ للنزاع في بقائه بعد نسخ الوجوب ، كما هو واضح ، وإذ عرفت ذلك نقول بأن الكلام في المقام في بقاء الجواز وعدمه يقع تارة في أصل امكان بقائه ثبوتا ، وأخرى فيما يقتضيه الأدلة اثباتا فهنا مقامان :
    اما المقام الأول : فلاينبغي الاشكال في أنه لا ملازمة بين ارتفاع الوجوب وبين ارتفاع جوازه ، وذلك من جهة انه بعد أن كان له مراتب عديدة من حيث أصل الجواز والرجحان الفعلي وحيث الالزام والمنع عن النقيض فلا جرم أمكن ان يكون المرتفع لأجل دليل النسخ هو خصوص جهة الزامه ومنعه عن النقيض مع بقاء رجحانه الفعلي غير المانع عن النقيض على حاله ، كامكان ارتفاعه حتى بمرتبة رجحانه الفعلي أيضا مع بقائه على الجواز بمعنى تساوي فعله وتركه ، كامكان ارتفاعه حتى بمرتبة جوازه أيضا ، وحينئذ فأمكن ثبوتا بقاء كل واحد من هذه المراتب بعد ارتفاع الوجوب بدليل النسخ من


(390)

غير أن يكون برهان عقلي على امتناعه بوجه أصلا ، وعلى هذا البيان أيضا لايحتاج في اثبات الرجحان الفعلي عند ارتفاع حيث المنع عن النقيض إلى تكلف إقامة الدليل على قيام الفصل الاستحبابي مقامه ، من جهة أنه بعد كونه من قبيل التشكيكيات فلا جرم بذهاب مرتبة منه يلزمه تحدده قهرا بالمراتب الباقية نظير مرتبة خاصة من الحمرة الشديدة التي إذا زالت مرتبة منها باجراء الماء عليها تبقى مرتبة أخرى منها محدودة بحد خاص ، وعليه فيكفي ذهاب خصوص جهة منعه عن النقيض في الحكم ببقاء رجحانه واستحبابه من دون احتياج إلى قيام دليل عليه بالخصوص بوجه أصلا ، كما لايخفى.
    وحينئذ فإذا أمكن ثبوتا بقاء أصل جوازه ورجحانه الفعلي ولم يقم دليل عقلي على امتناعه يبقى الكلام في المقام الثاني في أنه هل قضية دليل النسخ رفع الوجوب بجميع مراتبه أو بخصوص مرتبة الزامه وجهة منعه عن النقيض كي يلزمه بقائه بمرتبة رجحانه الفعلي غير المانع عن النقيض ؟
    وفي مثله قد يقرب الثاني بدعوى ان القدر المتيقن الذي يقتضيه دليل الناسخ انما هو رفع خصوص جهة الزامه ففيما عداه يؤخذ حينئذ بدليل المنسوخ ويحكم بمقتضاه باستحبابه ، نظير ما إذا ورد دليل على وجوب شيء ودليل آخر على عدم وجوبه فكما انه هناك يجمع بينهما فيؤخذ بظهور دليل الوجوب في مطلق الرجحان ويرفع اليد عن ظهوره في الالزام وجهة المنع عن النقيض كذلك في المقام أيضا فإذا لم يكن لدليل النسخ دلالة على أزيد من رفع الوجوب فلا جرم يؤخذ بظهور دليل المنسوخ في مطلق رجحانه وبذلك يثبت استحبابه ، حيث لا نعنى من الاستحباب الا ذلك.
    ولكن فيه ان هذا الجمع انما يصح في غير الحاكم والمحكوم واما فيهما فلا يتأتى مثل هذا الجمع بل لابد من الاخذ بدليل الحاكم ورفع اليد عن دليل المحكوم وان كان ظهوره أقوى بمراتب من دليل الحاكم. وفى المقام بعد أن كان دليل النسخ ناظرا بمدلوله اللفظي إلى مدلول دليل المنسوخ بلحاظ تعرضه لرفع الحكم الثابت بدليله فلا جرم بمقتضي نظره وحكومته هذه لايبقى مجال لملاحظة دليل المنسوخ وأقوائية ظهوره من ظهوره بل في مثله لابد من الاخذ بدليل الناسخ ورفع اليد عما يقتضيه دليل المنسوخ وان كان ظهوره أقوى بمراتب من ظهوره ، وعليه أيضا لايبقى مجال استفادة الاستحباب بمثل البيان المزبور بل لابد حينئذ من التماس دليل آخر في البين ، كما هو واضح. ولعل مثل ذلك هو


(391)

العمدة أيضا في عدم ملاحظتهم لقاعدة الجمع المزبور في المقام مع بنائهم على أعمالها كثيرا في الفقه بنحو صار من الجموع المتعارفة ، هذا.
    اللهم الا ان يقال بمزاحمة المحكوم في المقام مع أصل حكومة دليل الناسخ ومقدار نظره حيث يصرفه إلى خصوص جهة الالزام وحيث المنع عن الترك وفي مثله لا يتأتى ما ذكر من لزوم تقديم دليل الحاكم ولو كان أضعف ظهورا ، من جهة ان ذلك انما هو في ظرف ثبوت أصل حكومته وقوة نظره ، بل لابد حينئذ من لحاظ التعارض بينهما وحينئذ إذا فرضنا اقوائية دليل المنسوخ في مطلق الرجحان من ظهور دليل الناسخ في النظر إلى جميع المراتب فلا جرم توجب مثل هذه الأقوائية لصرف دليل الناسخ إلى خصوص مرتبة الالزام وجهة المنع عن النقيض.
    وحينئذ فلئن خودش في ذلك فلابد من الخدشة في أصل المطلب بدعوى قوة ظهور دليل الناسخ في نظره إلى رفع جميع مراتب الحكم ، كما لعله ليس ببعيد أيضا لظهوره في رفعه لأصل الحكم الثابت بدليل المنسوخ بما له من المراتب ، وعليه لايبقى مجال للاخذ بظهور دليل المنسوخ في مطلق الرجحان لاثبات الاستحباب ، نعم لو فرضنا اجمال دليل الناسخ في نفسه وتردده بين رفع خصوص جهة الزامه أو رفعه حتى بمرتبة رجحانه وجوازه ففي مثله لا بأس بدعوى الرجوع إلى دليل المنسوخ لاثبات مطلق الرجحان لولا دعوى سراية اجماله إليه أيضا ، فتدبر.
    واما الاستصحاب فيبتنى جريانه على أن يكون المشكوك عرفا من مراتب ما هو المتيقن سابقا بحيث على تقدير بقائه يعد كونه عرفا بقاء لما علم بتحققه سابقا لا كونه أمرا مبائنا معه وحادثا غيره ، والا فلا مجال لجريان الاستصحاب أيضا من جهة عدم اتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة عرفا ، فتدبر.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net