متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المبحث الأول : في مفاد الهيئة في النهى
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
المقصد الثاني في النواهي

    وفيه أيضا مباحث

المبحث الأول

    الظاهر أن مفاد الهيئة في النهى عبارة عن الزجر عن الطبيعة المعبر عنه بالفارسية ب‍ « بازداشتن » قبال الامر الذي يكون مفاد الهيئة فيه عبارة عن البعث إلى الطبيعة والارسال نحوها ، مع كون مفاد المادة فيهما عبارة عن صرف الطبيعة لكنه بما هي ملحوظ كونها خارجية لا بما هي هي ولا بما هي موجودة في الذهن كما عرفت بيانه مفصلا وبهذا الاعتبار أي : اعتبار الطبيعة خارجية أيضا صح إضافة كل منهما إلى الوجود بجعل الامر عبارة عن الارسال والبعث إلى الوجود والنهى عبارة عن الزجر عن الوجود ، والا فمتعلقهما في الحقيقة لايكون الا الطبيعة ، كما تقدم بيانه. وعليه تكون الهيئة في كل من الأمر والنهي مغايرا مع الآخر بتمام المدلول حيث كان مدلول الهيئة في الامر عبارة عن البعث والارسال إلى الوجود وفى النهى عبارة عن الزجر عن الوجود ، لا انه كان التغاير بينهما في بعض المدلول وجزئه ، كما يقتضيه كلام الفصول حسب اشرابه الوجود في مدلول الهيئة في الامر والترك في مدلول الهيئة في النهى ، وجعله مدلول الهيئة في الامر عبارة عن طلب وجود الطبيعة وفى النهى عبارة عن طلب ترك الطبيعة. إذ ذلك مضافا إلى ما عرفت سابقا من عراء الهيئة في الأوامر أيضا عن هذه الجهة وعدم دلالتها الا على النسبة الارسالية بين المبدء والفاعل ، نقول بان ذلك مخالف لما هو مقتضى الوجدان والارتكاز أيضا فان في مثل قوله : ( لا تضرب ) لايكاد ينسبق من الهيئة فيه الا الزجر والمنع عن الضرب وايجاده في الخارج ، لا انه ينسبق منها طلب ترك


(403)

طبيعة الضرب ، كما هو واضح.
    وعليه أيضا لايبقى مجال للاشكال المعروف في الترك : بان الترك ومجرد ان لا يفعل لكونه أمرا عدميا خارج عن تحت قدرة المكلف واختياره فلايصح ان يتعلق به البعث والطلب وان كان فيه ما فيه أيضا يظهر وجهه من جهة ان كون الترك كك أزلا لايوجب خروجه عن تحت المقدورية بقول مطلق حتى بحسب البقاء والاستمرار الذي عليه مدار التكليف وحينئذ فإذا كان الترك بحسب البقاء تحت قدرته حيث كان له في كل آن قلبه بالنقيض وهو الفعل فأمكن لا محالة تعلق الطلب والبعث به ، كما هو واضح.
    ثم لايخفى عليك انه كما أن لحاظ الطبيعي في الأوامر يتصور على وجهين : تارة على نحو السريان في ضمن الافراد المنتج لمطلوبية الحصص الفردية كلها وانحلال التكليف المتعلق بالطبيعي إلى التكاليف المتعددة حسب تعدد الحصص وأخرى لحاظه بنحو صرف الوجود المنتج لمطلوبية أول وجود الطبيعي ، كك تصورا يتأتى هذان الوجهان في النواهي أيضا ففيها أيضا قد يكون المأخوذ في حيز النهى الطبيعة بما هي سارية في ضمن الافراد وقد يكون المأخوذ فيه هو صرف وجودها المنطبق على أول وجودها كما يتصور ذلك في العرفيات في مثل النهى عن اكل الفوم لأجل ما فيه من الرائحة الكريهة الموجبة لتنفر طباع العامة واشمئزازهم حيث إنه في مثله ربما يتحقق تمام المبغوض في الوقعة الواحدة بصرف الوجود منه المنطبق على أول وجود الاكل منه ويخرج ثاني وجود الاكل منه في تلك الوقعة عن تحت المبغوضية إذا فرض عدم كونه سببا لازدياد تلك الرائحة الكريهة ، نعم قل ما يتفق وجود هذا القسم في النواهي النفسية في الشرعيات بل العرفيات أيضا ولئن لوحظ وتأمل يرى عدم وجود هذا القسم في النواهي خصوصا في الشرعيات حيث إن المبغوض فيها طرا انما كان من قبيل الوجود الساري لا صرف الوجود ، ومن ذلك لايسقط التكليف بعصيان واحد أو بالاضطرار إلى المخالفة مرة واحدة ولو عند اطلاقها حتى أنه أوجبت هذه الجهة ظهورا ثانويا لها في الحمل عليها عند اطلاقها بخلافه في الأوامر فان المنصرف منها عند اطلاقها انما كان هو صرف الطبيعي دون الوجود الساري منه.
    ومن اجل ذلك وقعوا في حيص وبيص بأنه كيف هذا التفكيك بين الأوامر والنواهي وانه ان كان الحمل على صرف الوجود كما في الأوامر من جهة اقتضاء مقدمات الحكمة فكيف لا توجبه في النواهي أيضا حيث يحمل فيها على الوجود الساري ولو مع اطلاقها ؟


(404)

وان كان الحمل على الوجود الساري من جهة خصوصية في النواهي تقتضي الحمل على ذلك على خلاف ما اقتضته الحكمة ، فهي منفية بالفرض من جهة وضوح ان قضية النهى لا تكون الا الزجر عن تلك الطبيعة التي تعلق بها الامر مقيدة كانت أو مطلقة ومجرد الاختلاف بينهما بالايجاب والسلب أيضا غير موجب للتفرقة المزبورة ، كما لايخفى.
    وقد أجيب عن ذلك بوجوه غير نقية عن الاشكال : منها ان منشأ الحمل على الوجود الساري في النواهي من جهة كون طبع المفسدة في القيام بالشيء كلية قيامها به بوجوده الساري في ضمن تمام الافراد بخلافه في الأوامر حيث إن طبع المصحلة في قيامها بالشيء قد يكون بصرف وجوده وقد يكون بوجوده الساري ، وفيه ما لايخفى فإنه بعد ما يتصور في العرفيات قيام المفسدة أيضا بصرف وجود الشيء كما في اكل الفوم واكل الأشياء المضرة التي لا يفرق فيها بين القليل والكثير والدفعة والدفعات لا مجال لدعوى هذه الكلية حيث أمكن في النواهي الشرعية ان تكون المفسدة فيها على نحو صرف الوجود.
    ومنها : دعوى كونه من جهة الغلبة حيث إن كل ما يرى من النواهي يرى كونه من قبيل الوجود الساري دون صرف الوجود ، وفيه أيضا انه وان كان لا سبيل إلى انكار ذلك الا ان الكلام في ذلك النهى الصادر في بدو الشريعة بأنه ما وجه حمله عند الاطلاق وعدم القرينة على الوجود الساري على خلاف الأوامر.
    ومنها : ان الحمل على الوجود الساري في النواهي انما هو من جهة اقتضاء الاطلاق ومقدمات الحكمة ، نظرا إلى دعوى اختلاف نتيجة مقدمات الحكمة باختلاف خصوصيات الموارد وعدم كونها على حد سواء في الجميع ، وان من الخصوصيات الموجبة لاختلاف نتيجة الاطلاق خصوصية المورد بحسب الايجاب والسلب فتوجب هذه الخصوصية للحمل على صرف الوجود في الأوامر وعلى الوجود الساري في النواهي.
    وفيه ان ما ذكر من اختلاف نتيجة الاطلاق والحكمة بحسب اختلاف خصوصيات الموارد متين جدا ولكنه ليس منه الاختلاف بحسب الايجاب والسلب جدا ، فان مثل هذه الجهة لا توجب اختلافا بينهما فيما هو قضية الاطلاق في المتعلق الواحد في مثل قوله اضرب وقوله لا تضرب ، كما هو واضح.
    ومنها : ان الحمل على الوجود الساري في النواهي انما هو جهة كونه مقتضي اطلاق الهيئة والطلب فيها ، بدعوى ان مقتضي اطلاق الهيئة والطلب في كل من الأمر والنهي


(405)

انما كان هو الارسال الموجب لبقاء الطلب بعد الايجاد أيضا الا ان الاكتفاء بايجاد واحد في الأوامر انما كان من جهة تقديم اطلاق المادة فيها في صرف الوجود على قضية اطلاقها وذلك أيضا بملاحظة ما يلزمه من فرض العكس بعد عدم تعين مرتبة خاصة من التكرار الموجب للوقوع في محذور العسر والحرج ، وهذا بخلافه في النواهي فإنه فيها لما لا يلزم هذا المحذور قدم فيها اطلاق الهيئة ولو بملاحظة كونها علة لوجود المادة في الخارج على اطلاق المادة في صرف الوجود ، وفيه ان مجرد لزوم العسر والحرج لايقتضي تقديم اطلاق المادة على اطلاق الهيئة في الأوامر والاكتفاء بايجاد واحد في تحقق الامتثال وسقوط التكليف وذلك من جهة امكان التحديد حينئذ بما يرتفع معه العسر والحرج المزبوران وحينئذ فإذا فرض تقدم اطلاق الهيئة على الطلاق المادة من جهة قضية عليتها لوجود المادة في الخارج يلزمه تقديم اطلاقها على اطلاقها في الأوامر أيضا والمصير إلى لزوم الايجاد متكررا إلى أن يبلغ حد العسر والحرج.
    ومنها : ان لزوم التكرار والدوام والاستمرار في النهى انما هو من جهة انه لايكاد يصدق ترك الطبيعي عقلا والانزجار عنه الا بترك جميع أفراده الدفعية والتدريجية ، إذ حينئذ لابد في مقام الإطاعة وامتثال النهى من ترك الطبيعي بما له من الافراد الدفعية والتدريجية والا فمع تحقق فرد واحد لايكاد يصدق الامتثال والطاعة بل يصدق العصيان والمخالفة وهذا بخلافه في الأوامر فإنه بعد ما كان وجود الطبيعي بوجود فرد واحد يكتفى في مقام الإطاعة بايجاد فرد واحد من جهة تحقق تمام المطلوب وهو الطبيعي بوجود واحد.
    وفيه انه ليس الكلام في مقام الإطاعة إذ لا شبهة في أنه لابد في مقام امتثال النهى عن الطبيعي من ترك جميع أفراده الدفعية والتدريجية ، بل وانما الكلام في طرف العصيان والمخالفة في اقتضاء النهى لزوم ترك بقية الافراد حتى بعد العصيان نظرا إلى اقتضائه لكون المبغوض هو الوجود الساري دون صرف الوجود وحينئذ فلا يفيد ما ذكر لدفع الاشكال المزبور كما هو واضح ، هذا.
    وقد تصدي شيخنا الأستاذ دام ظله لدفع الاشكال بوجه آخر حيث أفاد بما حاصله ان مبني الاشكال وأصله انما نشأ من جهة توهم كون مقتضي الاطلاق وقرينة الحكمة هو الطبيعة الساذجة الصرفة الغير القابلة للانطباق الا على أول وجود ، إذ حينئذ يتوجه الاشكال بأنه إذا كان طبع الاطلاق في الأوامر عند عدم التقيد بالسريان ونحوه يقتضي


(406)

مطلوبية صرف الطبيعي المنطبق على أول وجود وبذلك يكتفى في مقام الإطاعة وسقوط الامر بايجاد فرد واحد من جهة انطباق تمام المطلوب وهو الطبيعي الصرف عليه كك طبع الاطلاق في النهى عند عدم التقيد بالسريان ونحوه يقتضي أيضا كون المبغوض هو صرف الطبيعي المنطبق على أول وجود ، ولازم ذلك هو عدم لزوم ترك بقية الافراد عند العصيان والمخالفة بايجاد فرد واحد بلحاظ انطباق ما هو تمام المبغوض عليه مع أنه ليس كك فما وجه التفرقة حينئذ بين الأمر والنهي ؟ والا فبناء على كون مقتضي الاطلاق وقرينة الحكمة عند عدم التقيد في كل من الأمر والنهي هو الحمل على الطبيعة المهملة التي هي مدلول اللفظ بما هي جامعة بين الطبيعة الصرفة والطبيعة السارية لايكاد يتوجه الاشكال المزبور ، إذ حينئذ يكون الفرق بين الأمر والنهي في اقتضاء الأول للاكتفاء بايجاد فرد واحد واقتضاء الثاني لعدم ايجاد شيء من الافراد واضحا ، حيث إن الاكتفاء بفرد واحد في الأوامر انما هو من جهة تحقق ما هو تمام المطلوب وهو الطبيعة المهملة بوجود فرد واحد فمن ذلك يسقط الامر ويتحقق الامتثال بذلك.
    واما في النواهي فعدم الاكتفاء بذلك انما هو من جهة اقتضاء طبع الاطلاق المزبور لعدم ايجاد الطبيعة المهملة مطلقا ولو في ضمن ثاني الوجود وثالثه. ومن ذلك حينئذ يستفاد ان ما هو المبغوض وما فيه المفسدة هو الطبيعي بوجوده الساري لا بصرف وجوده المنطبق على أول وجود ولازم ذلك أيضا هو لزوم الانزجار عن جميع افراد الطبيعي ولو مع العصيان والمخالفة.
    أقول : وفيه نظر ينشأ من أن الاكتفاء في الأوامر بايجاد فرد واحد في سقوط الامر وتحقق الامتثال ان كان من جهة انطباق ما هو المطلوب وهو الطبيعة المهملة عليه يلزمه القول به في طرف النهى أيضا فلابد فيه أيضا من المصير إلى عدم لزوم ترك بقية الوجودات عند المخالفة بلحاظ تحقق ما هو تمام المبغوض وهو الطبيعة المهملة بمجرد الاتيان والمخالفة بايجاد فرد واحد ، والا فلا وجه للاكتفاء بايجاد فرد واحد في الأوامر أيضا بل لابد فيه أيضا كما في النواهي من دعوى مطلوبية الطبيعة المهملة على الاطلاق ولو في ضمن ثاني الوجود وثالثه ، فتأمل.


(407)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net